Logo dark


السعودية تخسر الامكانات المادية والتأييد السياسي والصمت الدولي.. وتلوذ بموسكو في لقاء المصالح

( باحث , )

ثلاثة أعوام من الإنفاق السعودي العسكري والمالي لحكومة «هادي»، لم توصلها إلى صنعاء، بل زادت طردياً من مديات الصواريخ اليمنية، لتصل إلى ما بعد الرياض. تمخض عن هذه الحرب "جيش تحرير شعبي" يمني، وقوة صاروخية وقوات بحرية، باتت معادلة جديدة في جنوب الجزيرة العربية، وخطراً جدياً وهي في حالتها الدفاعية لتؤرق النظامين السعودي والإماراتي، خاصة من بعد خطاب قائد الثورة قُبيل احتفالات شعبنا بالأعياد الثورية السبتمبرية 21 سبتمبر و26سبتمبر المجيدتين.  

يستشعر النظام السعودي أكثر المأزق الذي وقعَ به، ويُريد الإفلات من هذهِ النيران التي أشعلها، لا بمكاسب كان يتوهم قطف ثمارها من الحرب ألعدوانية، بل بأقل قدرٍ من الخسائر ومن المصالح التوسعية التي سيخسرها في اليمن والخليج العربي. بل والخسائر المتوقعة في عقر داره إذا ما دعمت اليمن المعارضة السعودية كما صرح الرئيس الصماد.

وتزداد الدعوات الدولية والاقليمية لوقف الحرب في اليمن وتسوية الأزمة سياسياً. فيخسر يوماً عن يوم مؤيديه، والصامتين عن جرائمه وقد نَطقوا، ومثلت صورة "بثينة عين الإنسانية" هزة للضمير الإنساني، وأصبحت رمزاً يختزل معاني رفض الحرب والتمسك بالحياة فكانت بثينة - بتجاهل مصيرها كفرد- هي المصادفة التي أطلقت عنان الضرورة الانسانية في انكشاف وجه العدوان عالمياً وفي طفح كيل المتغاضي والمتجاهل لجرائم الحرب اليومية.  

بعد تطمينات مستمرة بعثت بها صنعاء إلى قيادة القاهرة، حول أمن البحر الاحمر وقناة السويس وعدم وجود خطر يمني على أشقائهم المصريين، وزير الخارجية المصري «سامح شكري»، في تصريح نوعي على صعيد موقف القاهرة، تحدث عن استحالة نجاعة الحل العسكري للأزمة اليمنية، وعن الحاجة الملحة إلى حوار وطني شامل، من أجل حل الأزمة.

وبناءً على لقاء حكومة هادي بالسفير الروسي بالتوسط لعملية سلام مع "الانقلابيين"، التقى الرئيس المستقيل هادي بكل من السفير الأمريكي والبريطاني عشية سفر الملك «سلمان» إلى روسيا، وأبدى قبول حقيقة إبعاده عن المشهد، بتسوية للسلام على المرتكزات الثلاثة المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن، وهي اشتراطات السعودية المفروضة عليه، كما أن فيها شيء من الذاتية من قبل هادي الذي يتوهم أنه سيخلف بعده منجزاً في تحقيق ما ظل يتذرع به طوال ثلاثة أعوام. 

 فيما نشر السيناتور الديمقراطي الأمريكي «رو خانا» بياناً لمشروع قرار قدمه مع نواب آخرين لوقف مشاركة الجيش الأمريكي مع السعودية في عدوانها المتواصل على اليمن للعام الثالث على التوالي باعتباره غير دستوري، ويفاقم الإرهاب، وبجانب دولة ترتكب جرائم حرب وحصار قاتل، وفي بلد يعاني من الأمراض الفتاكة.   

 

رسالة مندوب السعودية في الأمم المتحدة

مندوب السعودية في الامم المتحدة «عبد الله المعلمي» -عشية سفر سلمان إلى موسكو- نشر مقالاً في صحيفة "نيو يورك تايمز" بعنوان: "الأمر عائد على المتمردين لإيقاف الحرب في اليمن".  يعترف فيه بأن الحرب بدأت في شهر سبتمبر 2014م وهو شهر انتصار الثورة وسقوط أبرز ركائز الاستعمار المحلية، واسترسل بعدها يُعدد المراحل التي "توسع بها الانقلاب" وصولاً إلى انطلاق عاصفة الحزم العدوانية. 

 المندوب السعودي إذ يبدأ المقال بمزاعم "الشرعية" أي المصلحة اليمنية، كمحرك رئيسي للعدوان، ينهيه بالحديث عن مصالح المملكة (المصالح التوسعية لا الأخوية) وعن مخاوفها الأمنية. في حالة "وقف إطلاق النار دون قيد أو شرط"، فيطرح سيناريو بأن الشمال سوف يَسقط في "دولة ثيوقراطية" وميليشيات شبيه بحزب الله على الحدود الجنوبية للمملكة وأن الجنوب اليمني سوف تمسك زمامه حكومة ضعيفة فيسقط في أيدي القاعدة وداعش. معتبراً أن كل هذا لن يأتي بالسلام المُستدام.. مما يعني ضرورة تسوية وقف القرار 2216 الذي لم يعد بالإمكان تنفيذه.

أما الجوهري في كلامهِ، والذي جاء بهِ بصيغة الشكوى للمجتمع الدولي هوَ إدانة تصرفات "الحوثيين"، و"هجماتهم الصاروخية المتكررة على الأراضي السعودية". بما يفيد كمون النزعة العدوانية اليمنية ضد الجار (المُسالم)، لا باعتبار القوة الصاروخية وليده الحرب ودفاعية. وخطابهِ الطفولي هذا الذي يستنكر فيه وجود رد فعل واعٍ من اليمنيين بقيادة أنصارالله تجاه العدوان، يَكشف رداءة التقارير التي كانت تُرفع للرياض من عملائها في اليمن عن الوضع الملموس، إذا تفاجأوا بالتصدي للعدوان والصمود كما تفاجأ اليمن بهذا العدوان.

سلمان يستنجد بفلاديمير بوتين!

حمل الملك سلمان عصا الترحال إلى العاصمة الروسية موسكو، وهو الذي تزعم حملة التبرع "للجهاد" الأفغاني ضدها، وطالماً مولت الرياض الجماعات الإرهابية والغير ديمقراطية التي تستهدف موسكو وحلفاءها في العالم، كممول لأنشطة وكالة الاستخبارات المركزية ألأمريكية، وهذه أول زيارة لملك سعودي منذ تأسيس المملكة. تشبه إلى حدٍ ما زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز إلى الاتحاد السوفياتي 1932م حين كان رئيساً لدائرة الشؤون الخارجية.

ملفات كثيرة يحملها الفريق السياسي والاقتصادي والأمني التابع للملك السعودي، الذي الحجز أفخم الفنادق القريبة من الكرملين، وسيكون من أبرزها لا ريب الملف اليمني والسوري. وفي الملف السوري ثبتت السعودية مؤخراً موقفها النهائي، على بقاء الأسد وعدم جدوى العمل العسكري، لمن تسميهم المعارضة، وطلبت منهم المشاركة في المفاوضات.

وما كانت السعودية لتزور موسكو لو لم يكن هناك إقرار ضمني بروسيا الاتحادية كطرف فاعل في الواقع الدولي والإقليمي، ما عاد بالإمكان تجاهله ولا معاداته ولا الركون التام للولايات المتحدة الأمريكية كما كان الحال إبان الحرب الباردة وبعد سقوط المعسكر الإشتراكي. ويتطلع السعوديون إلى دور روسي وسيط في أزمات اليمن وسوريا وقطر.

الرئاسة الروسية أعلنت أن هذه الزيارة سوف يتم التوقيع فيها على صفقات تجارية واستثماريه كبيرة، ولنقاش وضع المنطقة، وأكدت حرص موسكو للتعاون مع الرياض في مجالي الأمن ومكافحة الإرهاب، مؤكده أن لدى موسكو والرياض رؤى متطابقة حيال لتحديات التي تواجهها المنطقة. وهذا يُعد اختراقاً للديبلوماسية الروسية، إذ كان الفضاء السعودي حكرا على التوجه الأمريكي. 

ويعد توقيع عقود توريد أنظمة عسكرية، وبرامج نووية سلمية، هو الحدث والأهم عن سواه من الاتفاقيات الاقتصادية التي توقعها السعودية كمجاملات حيث ذهبت، ولا يُعد توقيع اتفاق العقود العسكرية الذي سيزعج واشنطن وتل أبيب، بيعاً تاماً، فقد وقعت مذكرات تفاهم لنقل وتوطين تقنية تلك الأنظمة بالمملكة وهو ما سيستغرق وقتاً وشروطاً سياسية، وأبدت المملكة اهتماماً بشراء أنظمة الدفاعات الجوية اس 400، ولم يُعلن أن هذه المنظومة كانت من ضمن الاتفاقيات.

أما الصحف السعودية، فكان سقفها طموحاً إذ صرحت بأن المملكة تعيد تموضعها في العالم، لإرساء الأمن والسلام. فيما صرح الملك سلمان، بأن هذه الزيارة ستنقل العلاقات السعودية الروسية من "الحسنة" إلى "الممتازة"، وتطلع السعودي لبناء علاقات استراتيجية مع روسيا.

فهل تشعر السعودية بخطر التوجهات الأمريكية لتقسيم المنطقة، وبأنه سوف يأتي عليها؟ لا شك بوجود شيء من هذه الأفكار في الذهنية السعودية، جعلها تتوجه نحو روسيا مؤملة تخليصها من المشاكل، لا رغبة بنصرتها على أعدائها كما هو الحال حين تتوجه المملكة نحو أمريكا.

وكان يبدو على الملك سلمان هماً في حديثه مع بوتين حول قضايا الأزمة اليمنية والمخاوف من النفوذ الايراني وبرنامجها النووي، وكذلك وحدة العراق، وهي القضايا التي لم تُجد السياسية الأمريكية العدوانية نفعاً في حلها، بل زادت من اشتعالها، في القرب من الحدود السعودية. كما تم نقاش الأزمة في ليبيا والخليج، وخرجت القمة بالتأكيد على ضرورة إقامة الحوارات بين أطراف النزاع في جميع الأزمات في المنطقة.

وتسوية النزاعات بالحوارات والعمليات السياسية انتصاراً للتوجه الدولي للقطب الجديد، الذي يستفيد في تحقيق مصالحه القومية ضمن الاستقرار والتنمية وهما شرط تحقق قوانين التطور الاجتماعية، التي تدفع إلى تقدم المجتمعات والإنسانية، وتعرقل حركة التطور هذه بالحروب الاستعمارية التي تدمر التراكم الإنساني على مختلف الأصعدة، وتعيد علاقات الهيمنة والتبعية والاستغلال والاحتكار.

كما تم تناولت القمة حل الأزمة السورية على قاعدة "أولوية محاربة الإرهاب"، وقيام الرياض بتوحيد فصائل المعارضة الموالية لها، للمشاركة في المفاوضات مع النظام السوري، في إطار محادثات "أستانا".

وتعود العلاقات الروسية السعودية إلى العام 1926م حين اعترف الاتحاد السوفياتي باستقلال المملكة العربية السعودية قبل ظهور النفط، واعتبر السوفيات ذلك مساهمة في دعم نضال العرب للتخلص من الهيمنة الإمبريالية البريطانية التي كانت، تتعامل مع ممالك المنطقة كمحميات تابعة.

بن سلمان وشرعية موسكو!

  لا شك بأن محمد بن سلمان ومستقبله كملك خليفة لأبيه، بأن هذا الموضوع سيطرح على الروس، من باب حشد تأييد دولي ذو ثقل لمستقبل الولد (المهفوف)، يتضح ذلك من حديث صحيفة عكاظ التي ذكرت بزيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى المملكة العربية السعودية في العام 2007م، وتحدثت الصحيفة بأنه التقى بسلمان حين كان أميراً للرياض، وتحدثت أن من أبرز الأسماء التي التقاها بوتين في تلك الزيارة كان محمد بن سلمان، لم تذكر شيئاً عن مقرن أو محمد بن نايف أو أي من فريق الملك عبد الله. وكان محمد بن سلمان قد قام بزيارتين إلى روسيا قبل أن يصبح ولياً للعهد في 2015م، والثانية في العام 2017م

المصالح الاقتصادية السعودية الروسية

  النفط هو أبرز المشتركات الاقتصادية السعودية الروسية، وطالما استخدمت السعودية سلاح النفط في وجه روسيا، أكثر مرة في الخمس السنوات الأخيرة، وقبلها في مطلع الثمانينات، فكلما ازداد اعتماد روسيا اقتصادياً على عائدات النفط، قامت السعودية بزيادة الانتاج والعرض في السوق الدولي مما يؤدي إلى انخفاض سعره، فينعكس ذلك على الموازنة الروسية.

الاتفاق حول استقرار سوق النفط كان قد جمع بين السعودية وروسيا في "فيينا"، نهاية نوفمبر الماضي، إذ تم الاتفاق على تقليص انتاج النفط بنسبة مليون فاصل ثمانية برميل يومياً، الأمر الذي أدى لتحسن أسعار النفط بنسبة، 16%.

وفيما يتعلق بملف النفط، فالرئيس الفنزويلي موجود في روسيا للمشاركة بمؤتمر الطاقة الروسية، وكان مادورو قد نصح منتجي النفط ببيع النفط بسلة عملات من اليوان الصيني والروبل الروسي واليورو الأوربي والدولار الأمريكي، للتخلص من الهيمنة الأمريكية عبر الدولار على سوق النفط.

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة