Logo dark


المثقف الثوري ودوره في مواجهة العدوان

( كاتب ومحلل سياسي , )

افتتح منتدى مقاربات سياسية بمركز الدراسات الاستراتيجية والاستشارية اليمني لقاءه الأول (الخميس 11 يناير 2018م) بعقد ندوة تحت عنوان: "المثقف الثوري ودوره في مواجه العدوان" والذي قدم ورقته الرئيسة الأستاذ محمد ناجي أحمد، حضر اللقاء عدد من المفكرين والأدباء على رأسهم الدكتور سامي السياغي مدير تحرير مجلة مقاربات والدكتور عبد الملك عيسى الأكاديمي بجامعة صنعاء، والأستاذ عبد الجبار الحاج رئيس تيار اليسارالثوري والشاعر الأديب عبد الرحمن مراد والشاعر والكاتب القانوني زياد السالمي، والدكتور عبد الله راشد الباحث والأكاديمي بجامعة ذمار، إضافة إلى الأستاذ محمد المنصور المدير التنفيذي لمركز الدراسات والأستاذ يحيى شرف الدين رئيس دائرة الدعم والمساندة بالمركز والأستاذ أنس القاضي الباحث لدى المركز والأستاذ عبد العزيز أبو طالب رئيس دائرة المعلومات والنشر بالمركز.

كان المثقف في مقدمة الطلائع التي تحشد القوى لمواجهة التحديات التي تمر بها الشعوب من كوارث أو غزوات أو احتلال واستعمار. وكانت قصائده ومقالاته وكتاباته مصدر الشحن والتوجيه للدفاع عن القضايا الوطنية واقفاً إلى صف قضية الشعب مسخراً قلمه ونفسه لخدمة قضاياه. في اليمن كان للمثقف دوره التاريخي في النضال والدفاع عن قضاياه وثوراته وأزماته، وقد تأسس اتحاد الأدباء واتحاد الصحافيين اليمنيين للوقوف إلى جانب قضية الوحدة اليمنية وغيرها من القضايا الوطنية التي تضمن للوطن حريته وكرامته واستقلاله، والتي كان على رأسها أدباء كبار وهامات رفيعة أمثال الربادي والبردوني وعمر الجاوي ودماج. وفي الوقت الراهن وبعد تعرض اليمن لعدوان غير مسبوق في تاريخه افتقد اليمنيون دور المثقف الوطني ومؤسساته، وأصابت المراقبين الدهشة أن يجدوا من تلك النخبة الثقافية من يوفر غطاءً لجرائم العدوان ووحشيته، وتساءلوا عن أزمة المثقف اليساري المعروف بوقوفه دوماً ضد الرجعية السعودية ونضاله المستمر في نصرة القضايا الوطنية.

نستعرض معكم الورقة الرئيسة للندوة والتعليقات التي حظيت بها هذه الورقة كما يلي:

 أولاً: الورقة الرئيسة للندوة:

من الطبيعي أن يتواجد المثقفون في كل مكونات الصراع محلياً وإقليمياً ودولياً، فالمثقفون ليسوا طبقة اجتماعية مستقلة، وإنما هم أفراد ينتمون إلى طبقات اجتماعية، وفقاً لانتماءاتهم ومصالحهم يحددون مواقفهم سواء في انتفاضة 11فبراير 2011م أو طيلة حرب الثلاث سنوات 2015-2018م.

يضع المثقف الإيجابي العضوي نفسه في سياق المصلحة الوطنية المتمثلة بوحدة الأرض واستقلال الوطن وسيادته وتنميته، لهذا وجدنا بعض الأدباء والكتاب اختاروا أن يكونوا مع ذواتهم الوطنية ضد العدوان الأمريكي السعودي من خلال القصيدة و(الزامل) والمقالة والوعي التاريخي بجوهر الصراع؛ فالوعي بالتاريخ ليس سرداً لحكايات فحسب وإنما موقف نقدي من التاريخ بغرض فهم الحاضر واستشراف المستقبل.

أثبت الإسلام الثوري قدرته على التعبير عن الذات الوطنية والصراع الاجتماعي والاقتصادي، وعن القومية العربية كونها الإطار العروبي الوحدوي في صراعها الوجودي ضد الإمبريالية الغربية والصهيونية كأعلى مراحل الامبريالية.

لم يكن أحد يتنبأ بما في ذلك ماركس وسائر أنبياء الماركسية بما فيهم لينين بأن الإسلام والقومية يمكن أن تفوق الشيوعية من حيث قدرتها على التعبئة الجماهيرية.

لقد تفوق الخطاب الثقافي المواجه ممثلاً في خطاب الشحن الوطني على العدوان الأمريكي / السعودي، وعلى دحر الخطاب الثقافي العرقي والمذهبي والمناطقي والجهوي الذي يتبناه تحالف العدوان والأحزاب التي تسير في ذيله وفقاً لأهدافه، فليس هناك استراتيجية وأهداف مستقلة عن العدوان لهذه الأحزاب. بل إن التجمع اليمني للإصلاح يسير على طريقة وضع الحافر على الحافر، وفقاً لرغبات العدوان، مما انعكس على تآكل قاعدته الاجتماعية، التي امتدت في كل الجغرافية اليمنية مستخدمة نفوذها في الثروة والسلطة طيلة العقود الماضية كأساس في تواجده، الذي بات مضمحلاً بفعل اصطفافه ضد الوطنية اليمنية، ومنكمشاً لا يتجاوز بضع حوار وقرى في محافظة تعز!

وليصبح الحزب الاشتراكي الذي ولد ميتاً عام 1979م مجرد بيدق من بيادق العدوان، يشير مدلوله التاريخي إلى رومانسية ثورية وارتها الأحداث الدامية في 13 يناير 1986م، التي أسقطت قشرة الحداثة والادعاءات الثورية، عارياً بجوهره القبلي والجهوي.

لقد أسهمت رطانة مثقفيه بحرف بوصلة اليسار، حين جعلوا من مشيخات الخليج والإمارات العربية المتحدة نموذجاً للحداثة التي يراهنون عليها في صنع التقدم، كما عبر عنها ذات مقالة الدكتور ياسين سعيد نعمان، حين كان أميناً عاماً للحزب! وهي كما نعلم ليست دولاً ذات سيادة، وإنما إمارات ومشيخات للعائلات الأسرية المتحدة، تديرها وتستنزف ثرواتها شركات متعدية الجنسيات، ولا تتجاوز سلطة أمراء وملوك هذه المشيخات الشراكة في أسهم هذه الشركات.

وكذلك الشأن في قراءتنا لدور التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، الذي يزعم أنه يناضل لتحقيق الحرية والاشتراكية والوحدة، وهو عملياً أصبح جزءاً مجهرياً من بيادق العدوان، فالحرية لا تستقيم نضالاً وفقاً لمصالح الغرب، والاشتراكية تصبح مفارقة مضحكة لتنظيم يفتقد لأدنى مستويات التضامن الاجتماعي داخل بنيته التنظيمية، والوحدة التي يرددونها في شعارهم واسم تنظيمهم أ لا تتفق مع انحيازهم لتفكيك اليمن إلى ستة أقاليم ذات استقلالية مطلقة عن المركز الوحدوي ...

يتبنى مثقفو هذه الأحزاب التي كانت بأغلبها مندرجة تحت مسمى "اللقاء المشترك" موقفاً جهوياً ضد ما يسمونه "الهضبة المقدسة" و"سكان الهضبة " و"سلطة الهضبة" وهو ما يمكن توصيفه بالوعي الزائف والمأزوم والانفعالي، ويفتقد للبوصلة الوطنية وللخطاب الوطني الوحدوي الجامع .

يلتقي مثقف التجمع اليمني للإصلاح ومثقف اليسار في اليمن في استلاب العقل، وحرف بوصلة الصراع من جوهرها الاجتماعي والاقتصادي.

فإذا كان (زنداني) اليمين يقدم علاجه للفقر والأمراض المستعصية من خلال استثماره للجهل والفقر والمرض، بحديثه عن حلول تعطل العقل –فإن (زنداني) اليسار يعالج الظلم والاستبداد والانتماءات ما قبل الوطنية من خلال دعوته للانخراط في استراتيجية تحالف العدوان الأمريكي / السعودي!

"الانخراط" لديه هو ترياق الثورة، ولو على أرضية كل ما عليها محكوم ومسيَّر سعودياً وأمريكياً.

لهذا يكرس الصراع على أنه (طائفي) و(مناطقي) لا استغلال وقهر بواسطة كيان وظيفي نشأ كأداة للغرب لتستمر هيمنته على المنطقة.

إن ما ساعد على تشظي الاتحاد السوفيتي بعد تبني مخائيل جورباتشوف مفاهيم "البروسترويكا "و"الجلاسنست" أي إعادة البناء والشفافية والمكاشفة، هو أن الاتحاد السوفيتي تم تقسيمه، وخاصة في آسيا الوسطى طبقاً للحدود العرقية لا التاريخية، وهي العملية التي بدأت عام 1922م وانتهت عام 1925م بإنشاء الجمهوريات في أوزبكستان وكازاخستان، وقيرغيزيا، وتركمانيا، وطاجيكستان .([1](

لقد أراد البلاشفة من هذا التقسيم سحب البساط على الهويات التاريخية التي تجتمع على أساس اللغة والجغرافيا والدين، فكان سقوط الاتحاد السوفيتي من حيث أراد أن يؤمن كيانه من التذرر، فكان الزلزال ونهاية التاريخ له ابتداء من عام 1986-1991م .

 انخرط العديد من المثقفين والمفكرين في الماركسية مدفوعين بحب جارف تجاه شعوبهم، وهو ما عبر عنه (سلطان غاليف) بقوله "أتيت إلى البلشفية مدفوعاً بحب جارف يخفق به قلبي تجاه شعبي" ولهذا كان انحيازهم في الأخير مع شعوبهم وكيانهم القومي، لكن العديد ممن كانوا يرددون الجمل الثورية عالية الضجيج تساقطوا في أحضان الامبريالية والرجعية ومالها النفطي، ومذهبها الوهابي المدمر للعقل والذاكرة الوطنية، مما يمكن وصف مرضهم بما قاله لينين بـ"مرض الجملة الثورية"

لم يكن إيمان (حركة أنصار الله) بـ"الشعب" إيماناً ميتافيزيقيا، لكنه إيمان مبني على تغيير النفوس، واستنهاض القدرات والهمم، ورفض الذل، باستيعاب ووعي لطبيعة التكوين الاجتماعي المتعدد، وتوظيف للثقافة القرآنية وقدرتها الثورية في تفجير الطاقات اللامحدودة للفرد والجماعة.

لقد تحول سؤال "ما العمل" من سؤال المثقفين الوطنيين إلى سؤال الأمة.

أكد لينين أن الترابط بين السياسة والحرب متغير متحرك لأن كلا جانبي الترابط معرضان للتغيرات. ولذلك فإن جوهر الحرب غير ثابت "إن الاعتراف بعناصر ما ثابتة و"بجوهر الأشياء الثابت "وهلم جرا ليس مادية، بل ما هو مادية ميتافيزيقية، أي منافية للديالكتيك "وليست الظواهر وحدها على قوله، عابرة متحركة جارية منفصلة عن بعضها البعض بحدود اصطلاحية لا غير، بل وإن جوهر الأشياء كذلك أيضاً([2]).

تربط الرأسمالية إنقاذها من الاحتضار بفرض سيطرتها على العالم عن طريق العنف والحروب، وترى السياسة امتداداً للحرب وليس الحرب امتداداً للسياسة، وتعمل على ترويج حتمية العنف وتسوقه على أنه هدف وليس وسيلة.([3])

في هذا السياق يصبح تهديد ترامب وتصريحاته بأن زر القنابل النووية في مكتبه تعبيراً أصيلاً عن الرأسمالية ونهجها، وليست هوساً شخصياً لرئيس تصر الامبريالية على تقديمه إعلامياً بصورة المغامر، وإنما هذا هو جوهر الرأسمالية المبني على جعل العالم في حالة توتر وترقب للحروب!

في عهد "الرئيس علي عبد الله صالح" و "رؤوس ثعابينه" المشاركين له في السلطة والثروة –كان المثقف الإيجابي والعضوي عدواً يجب محوه، أو إيصاله إلى حافة الجنون، ليبقى المثقف (الدوشان) الذي يمدح السلطة ويخون المبادئ. لقد كان أجيراً في الإعلام وشق الأحزاب، وها هو اليوم بعد أن شاخ يتحدث عن "الوطنية" وعن "تاريخه الحزبي"! بل وجد في التهجم على "حركة أنصار الله" وإعطاء صورة مزيفة ومشوهة عن الحركة فرصته كي يغسل ماضيه ولكن بأقوال وأفعال هي أشد نجاسة من تاريخه السابق.

يعي العدوان الأمريكي أن الدولة المركزية في اليمن تسقط حين تتوفر الأزمات الاقتصادية وفساد الحكم والاضطرابات والصراعات الداخلية، فعمل على توفر هذه الشروط كي يصل إلى شرذمة اليمن.

ما لم يكن ضمن حساباته هو إمكانية بزوغ حركة ثورية تنطلق من الريف والمحافظات المنسية، لتشكل عائقاً أمام مشروعه.

لقد راهن العدوان الأمريكي - السعودي على "أن ظروف اليمن الطبيعية تساعد على تفتيت الوحدة السياسية والاجتماعية في حالة ضعف الحكم المركزية، وتعمل على أن يكون لكل جهة من جهات اليمن مشاكلها الخاصة ومواقفها المنفردة"([4]) فكان تحرك "أنصار الله "ليعيد للمركز قوته إدراكا منهم بأن قوة المركز شرط جوهري لاستعادة اليمن الوحدوي.

إن أشمل توصيف لطبيعة العلاقة بين الأحزاب التي راهنت على العدوان الأمريكي /السعودي هو قوله تعالى "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى" تجمعهم فنادق الرياض، وتحالفهم مع الكيان السعودي /الإماراتي، وتفرقهم المصالح والتنافس على الارتزاق، كل يقدم نفسه الخادم الأمين لمصالح "دويلات محطات البنزين".

هذا هو حال التجمع اليمني للإصلاح والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، والسلفيين. حملاتهم الإعلامية ضد بعضهم، واستعداد كل طرف منهم لمرحلة ما يسمونها (ما بعد التحرير) وهي في جوهرها مرحلة هوياتهم الضيقة والقاتلة.

هجوم تجمع الإصلاح من خلال الصدام المسلح بين فينة وأخرى ضد "أبو العباس" وما يمثله من قوة منازعة لهم تستخدم الدين والسلاح، وتسيطر على معظم حوافي وحارات مدينة تعز –يؤجج من توتر الإصلاح وخوفه من منافسين له على هذه المدينة بعد عقود من احتكاره لرمزية الدين والمال والنفوذ.

لهذا يكون الرهان على (حركة أنصار الله) بديلًا ثورياً ووريثاً للوطنية اليمنية في مواجهة الغزاة ومشروع التقسيم واستلاب الكرامة والأرض والقرار.

الزامل في مواجهة العدوان:

ارتبط (الزامل) في اليمن بالحرب عبر التاريخ، وفي حروب التحرير ضد الاستعمار التركي والبريطاني كان للزامل دور فاعل في التوجيه المعنوي، واستنهاض الروح القتالية ضد الغزاة.

استوعب الزامل طيلة حرب السنوات الثلاث التي شنها العدوان على اليمن –البعد الوطني والعروبي والإسلامي والإنساني، في كلماته فكانت دلالات الجمل الشعرية تتناغم مع الإيقاع والصوت الجماعي والصورة مع تضمينات من كلمات قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي –بركاناً ثورياً، يعكس الثقة والبصيرة ووضوح المسار الثوري بقيمه الوطنية والعربية والإسلامية.

في مقابل ذلك أراد العدوان والتجمع اليمني للإصلاح أن يواجه الزامل الثوري بزامل يعكس أهدافه وقيمه وخارطة الجغرافية السياسية التي يريد صنعها في اليمن، فكانت زواملهم تحمل دلالات ومحمولات عنصرية ومذهبية وجهوية، فمعركتهم ضد "المجوس"، "الصفويين"، "الروافض"، "الهاشميين"، "الهضبة المقدسة" إلخ، تماماً كما هو شأن إعلامهم المرئي والورقي والمسموع، ومنشورات كوادرهم في مواقع التواصل الاجتماعي.

يبنى (الزامل) موسيقياً على "بحر الرجز" والزامل تسمية يمنية، وربما أنها مأخوذة من "الزَّمل" وهو "الرجز":

لا يغلب النازع ما دام "الزمل"      إذا أكب صامتاً فقد حمل

مادام يرجز فهو قوي، فإذا سكت ذهبت قوته.

والزامل عادة باللغة العامية، وتتفاوت القطعة منه ما بين بيتين إلى ثمانية أبيات، ومن ذلك قول شاعر خولان الطيال:

مَا بَا نِسَلمْ للجنود الكافـــــــــرة              لو با يقولون القيـامة باتقوم

ولو سما الدنيا تقع له طايرهْ           تلقي القنابل مثلما عدَّ النجوم

ويتميز الزامل عن القصيد الذي تتسع أبياته ما بين عشرة إلى مائة بيت وتتشعب أوزانه وعن الغناوي التي تكون أبياته مفردة أو رباعية، وكل بيت منها بقافيتين، وهو خاص بالنساء في الحقول أو مشارف الجبال أو العزاء أو الأزمات، وتعبر فيه المرأة عما تشعر به من حب أو بغض أو أسى، وكثيراً ما تتناقله الألسن لقائل مجهول ...

ثانياً: التعليقات على الورقة

عرض عبد العزيز أبوطالب

تقدم المشاركون بالشكر للأستاذ محمد ناجي أحمد مقدم الورقة مشددين على أهمية الموضوع الذي وفق كثيراً في عرضه والذي كان قابلاً للتوسع أكثر ليشمل جوانب عديدة منها الإشارة إلى دور اتحاد الأدباء والمثقفين اليمنيين الذي كان له دور بارز في قضية الوحدة اليمنية وغيرها من القضايا الوطنية وكان لقاماته الرفيعة أمثال الربادي والبردوني والمناضل الكبير عمر الجاوي وأحمد قاسم دماج دورهم الوطني كمثقفين في الوقوف إلى جانب القضايا الوطنية بالكلمة والموقف المعهود للنخبة المؤثرة.

موقع المثقف اليوم من قضية العدوان على الوطن

"إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون. أيخون إنسان بلاده؟

 تساءل المشاركون عن السبب الذي يدفع مثقفين يمنيين أن يسعوا إلى توفير الغطاء وشرعنة عدوان بهذا الحجم من الإجرام والوحشية والتدمير، وضرورة التوقف عند هذه المشكلة الكبيرة والبحث في أسبابها؟ فأين دور المثقف الفرد إن تغاضينا عن المثقف العضوي؟ لماذا غابت الهوية الوطنية لدى أولئك المثقفين؟  

فلا شك أنه عندما سكت المثقف العضوي تكلم المثقف الشعبي، وعندما آثر المثقف خيانة مبدئه ووطنه وقف الكثير من المثقفين الوطنيين إلى جانب الوطن والقضية التاريخية التي لم يتعرض اليمن لمثلها في تاريخه أبداً.

وقد بذل المثقف الوطني جهده الذي لا يجحد في فضح جرائم العدوان وتحشيد الطاقات والرصد والتوثيق لتلك الجرائم البشعة بحق الأرض والإنسان بقلمه وقصيدته وزامله وجهده الإعلامي في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن في المقابل هل تمكن المثقف الوطني المواجه للعدوان من إيصال فكرة أن العدوان هو على الوطن بأكمله أرضاً وإنساناً؟

أم أنه صور ذلك العدوان كاعتداء على فئة بعينها كما يسعى إليه العدو؟ أليس الخطاب الذي يقدمه المثقف في هذه المرحلة عاطفياً وبعيداً عن المنطق في مخاطبة الآخرين؟ هل استطعنا مواجهة تزييف الحقائق الذي تقوم به دول العدوان؟

ألسنا بحاجة إلى خطاب وطني جامع بعيداً عن المفردات العاطفية التي تحصر القضية في حيز ضيق وهي شاملة لكل الوطن؟

وضع الاتحادات الثقافية والنقابية

ولكن أين أصبح اتحاد الأدباء اليمنيين؟ دع عنك التساؤل عن دورهم!

 لقد قام العدوان باحتوائهم وإسكاتهم وشراء ذممهم في خيانة تاريخية لقضية مصيرية بحجم العدوان على الوطن وتدمير بنيته وقتل شعبه وحصاره. فلماذا سكت هذا المنبر المهم؟ ولماذا آثر الصمت المخزي الذي لن يمحوه التاريخ؟

لقد عمل النظام السابق على تدجين الأديب والمثقف وإفساده وتوظيفه كمادح ومطبل له، ودفعه إلى حضن الملحقيات الثقافية للسفارة السعودية التي اخترقت هذا الاتحاد ما حدا به إلى التوجه إلى الرياض بعد اندلاع العدوان على الوطن. بدل أن يكون وفياً لشعاراته التي يرفعها وتضمنتها لوائحه بالدفاع عن الوطن وما يمس وحدته وحريته وكرامته.

باذيب نموذج المثقف الوطني التقدمي

في تاريخنا اليمني الحديث، نجد المفكر التقدمي عبد الله عبد الرزاق باذيب (مؤسس أول حزب ماركسي في اليمن)، يمثل نموذجاً للمثقف الوطني، منحازاً لقضايا الشعب. مدافعاً عن قضايا وطنية منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وما زالت قضايا ملحة في هذه المرحلة، والوطن يواجه العدوان. فوحدته مهددة وهويته اليمنية مهددة وسيادته الوطنية كذلك، وقضية ديمقراطية الشعب وحكم الشعب اليمني لنفسه بنفسه التي هي جوهر الديمقراطية والنظام الجمهوري مهددة بالوصاية الأجنبية.

إضافة إلى طرحه لقضية الهوية اليمنية والتي يمثل استيعابها شرطاً لوطنية المثقف اليمني وظل يدافع عنها بشراسة في مواجهة الهويات التي كان يخلقها الاستعمار ومنها هوية " الجنوب العربي" التي ظهرت على السطح اليوم. كما دافع عن عروبة عدن حين كانت تهددها ثقافة الإنجليز، وقد حاكمته السلطات الانجليزية على مقاله المشهور "المسيح يتحدث الانجليزية".    

 فقضية الوحدة اليمنية، من صلب القضايا الوطنية التي دافع عنها باذيب، وحيث كان يرى أن الظروف وإن كانت في "اليمن المتوكلية" متخلفة بينما هي في عدن أكثر تقدماً، إلا أن الظروف ومظاهر التخلف زائلة، فيما الباقي والأبدي هي حقيقة أن الشعب اليمني واحد، وقضيته واحدة وله تاريخ واحد وتركيبة نفسية واحدة، ومصالحه الاقتصادية بتوحد السوق اليمني. 

كما أن باذيب يعدّ أول من تنبه للخطر الامبريالي الأمريكي، فقد حذر منه في الميثاق الوطني لحزبه "حزب الاتحاد الشعبي الديمقراطي"، مشيراً إلى أطماع الشركات الأمريكية في الشمال اليمني، والمحاولات الأمريكية الحثيثة إلى ضرب السيادة الوطنية الذي كان يتمتع بها الشمال اليمني. معتبراً بأنها على رأس معسكر الإمبريالية تمثل الخطر الأول على مستقبل الشعب اليمني.

الزعامات الحزبية والقواعد

كان التنبيه على أهمية الفصل بين النخب القيادية والزعامات السياسية للأحزاب وبين مثقفيها وجماهيرها الشعبية الذين وقفوا إلى جانب الوطن في مواجهة العدوان منطلقين من "يمنيتهم" قبل "حزبيتهم"، فالمثقف الوطني الذي قدم "يمنيته" على "حزبيته" ظل متمسكاً بالقضية الوطنية بعكس الحزبي الضيق الذي يجد نفسه في خندق الحزب ضد الوطن دون أن يشعر!

وهنا تساءل المشاركون عن ضرورة التلازم العضوي بين نكوص بعض قيادات وزعامات تلك الأحزاب المؤيدة للعدوان ومصيرها؟

فنكوصها لا يعني بالضرورة نكوص قواعدها الجماهيرية، لذلك وجب التنبيه إلى الابتعاد عن التعميم.  فالمتغير الأصيل ليس تلك القواعد الجماهيرية والمثقفين الشرفاء؛ بل مجموعة الانتهازيون المتربعين على قمة تلك الأحزاب.

وفيما يخص اليسار الذي تناولته الورقة بالتنكر لمبادئه وخروجه على شعاراته واتباعه للرجعية التي طالما انتقدها واعتبرها مصدراً للتخلف وحاضنة للاستعمار والامبريالية كانت الإشارة إلى موقف الكثير من المثقفين اليساريين الشرفاء الذين ينبغي إنصافهم وعدم ظلمهم، فما زالت مواقفهم الوطنية قائمة وصادحة بقوة،  وأن مثقفيهم الفرديين والعضويين ليسوا تابعين تماماً لمواقف سياسيهم المرتمية في أحضان العدوان، بينما قد تصدق وتنطبق تلك التبعية على التيارات السلفية الدينية التي تلزم أتباعها الطاعة العمياء وعدم الخروج عن الجماعة، فاليسار متعدد وقواعده كثيرة، وعليه وجب توجيه الخطاب إلى قيادات تلك الأحزاب والاتجاهات، فالحزب الاشتراكي كمكون وقاعدة لم يعمل على بيع الوطن، وله تاريخ وطني ونضالي يعتز به أبناؤه وله مواقف ثابتة وامتدت حركته الوطنية منذ الخمسينات إلى اليوم بغض النظر عن مواقف قياداته الشاذة التي تمثل نفسها، ويعتبر مثقفو الاشتراكي هم أول من تحدث عن السعودية كعدو تاريخي لليمن وذلك في كتابات عبد الفتاح  إسماعيل ومحمد علي الشهاري، بل إنه من المعلوم أن اليسار العالمي بشكل عام في مؤتمر المكسيك 2015م عقد الاجتماعات المؤيدة لليمن والرافضة للعدوان عليه، والواقع أن جماهير الاشتراكي في الجنوب هم من سيكونون في طليعة من يطردون المحتل الجديد من الجنوب.  

أزمة المثقف اليساري

ما هي أزمة المثقف اليساري الراهن، الذي التزم الصمت إزاء العدوان، أو انخرط في الترويج للتحالف وحكومة هادي العميلة؟

اعتبر المشاركون أن هذه الأزمة في أحد جوانبها، هي أزمة قصور في منهج التفكير ذاته، فمع انهيار الاتحاد السوفياتي تنكر كثيرٌ من مثقفي اليسار ليس للتجربة فقط وإنما للمنهج العلمي الذي هو مكسب إنساني، فوجدنا المثقف الذي يدعي اليسار ويقدم تحليلات مناطقية وطائفية للصراع!!! 

كما هرع كثير من مثقفي اليسار إلى التشبه بالمنتصر الغربي، واستيعاب معاييره عن الثقافة والسلوك والحياة فاعتبر هؤلاء أن الغاية النضالية ورسالتهم الثقافية هي انتصار الحداثة في مظاهرها الاستهلاكية، التي لا يسعون لها بتقدم صناعي وعلمي وتنمية شاملة، بل يتوهمون تحقق عملية التحديث الاقتصادية الاجتماعية السياسية بمعاداة كل ما هو ديني وريفي ولو كان هذا الريفي المتدين يدافع عن قضية الوطن وحرية الشعب، وفي مواجهة عدو تاريخي بالغ الرجعية وخطر استعماري تتكرس مظاهره في الواقع.

 ابتعد هؤلاء المثقفون القشوريون، عن قضايا الشعب والوطن الملموسة والملحة وحسبوا أنهم يحسنون صنعا!  ففي كلمة الرئيس عبد الفتاح اسماعيل في لقائه مع المثقفين أوجز مهمة المثقف الوطني اليمني بقوله: "ستظل وحدة الشعب اليمني وتقدمه الاجتماعي هدف الأقلام الشريفة وستظل الكلمة ركيكة المعنى مجزأة الحرف إذا لم تكن من أجل الشعب. 

جمود الفكر الأيديولوجي وممارسة السلطة التاريخية   

في توضح لإشكالية المثقف جاءت إحدى المشاركات لتصف ظاهرة فريدة من نوعها في اليمن وهي عدم الفصل بين المثقف الفرد والمثقف العضوي وهي معضلة أفرزتها مرحلة ما بعد الستينات، فهل استطعنا بعد تلك الفترة أن ننتج مشروعاً يتناسب مع المراحل التالية؟

فالأفكار الاشتراكية ظلت تتمحور حول فكرتها التي نشأت من أجلها، ولم تستطع مسايرة التغييرات بل ظلت على فكرة إنشائها في الستينات، فقط قامت بإعادة إنتاج نفسها.

فقد ظلت أفكار عبد الناصر مسيطرة على التيارات القومية وكذلك الحال مع الاشتراكية التي ظلت تتمحور حول أفكار لينين وماركس، رغم التطورات والمتغيرات الطارئة على المنظومة السياسية والفكرية بشكل كامل.

 فلدينا المثقف الفرد المغيب والمستهدف بالتغييب من قبل السلطات المتعاقبة، وهذا المثقف لم تتوفر له المناخات المناسبة رغم أنه يستطيع النظر إلى مشاكل مجتمعه ويبدع في وضع الحلول لها، وهذا ما كان يجب أن تفعله الأحزاب فتتخاطب مع قضايا المجتمع وتلامس متطلبات حياته، ولكن تلك الأحزاب ضمت في تشكيلاتها دوائر متنوعة ثقافية واجتماعية وغيرها ولكنها أقرب إلى الإطار الوظيفي الذي يدر مخصصات مالية منها إلى خدمة المجتمع.

اليوم وصلنا إلى مشكلة تعويم المفهوم، فمهوم الوطن لدى المنتمي للتيار الاسلامي-مثلاً- مفهوم عائم، فهو لا يعترف بالوطن ويعتبر فقط مفهوم الخلافة وأن الأرض كلها وطن، وتفسيره للظاهرة فيه قدر من المغالطات، وهذه مشكلة ومعضلة لدى الإخواني لأنه لا يتقبل الفكرة ككليات ثم يسلم لهذ الكليات ويستعد لمناقشتها لاحقاً. وهنا يجب إعادة تحديد المفهوم وتحديد الهدف في البنية الاجتماعية والسياسية والثورية الحاصلة الآن فعلاقة السلطة بالمثقف علاقة غير سوية خاصة في المراحل التي يرافقها قدر من الاحتياطات الأمنية.

وفي إشارة إلى زيارة الرئيس الصماد للأديب الكبير الدكتور المقالح يمكن النظر إليها كبادرة أمل في هذه المرحلة الثورية لإعادة الاعتبار للمثقف ليتمكن من إعادة صياغة المفاهيم وتحديثها وتعريف الأهداف بشكل حداثي يتناسب مع الزمن الذي نعيشه والمرحلة الراهنة. وضرورة القيام بإعادة التوعية للمجتمع والمثقف على السواء الذين تعرضوا لتجريف في هويتهم ومسخ لمبادئهم.


[1] سلطان غاليف -أبو الثوار في العالم – الكسندر بينحس – سنتال لوميرسيه – كليلكجي – ترجمة سوزان خليل – دار العالم الثالث، ط1-1992م، ص149.

[2] الماركسية اللينينية وقضايا الحروب – مجموعة من المؤلفين – دار التقدم -1974م، ص33.

[3]  المرجع السابق-لهذا تضع العالم دوما في ترقب وخوف من استخدام زر القنابل النووية، ص74.

[4] الفتح العثماني الأول لليمن – سيد مصطفى سالم – ط3-1978م. ص295.

 

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة