Logo dark


الأبعاد الاستراتجية لمعركة تهامة

( باحث , )

بافتتاح قناة السويس عام 1869م تشكلت في البحر الأحمر بؤرة استقطاب للنفوذ الأجنبي، بشكل محموم أشد مما كانت عليه قبل هذا التاريخ، وبحلول العقد الثامن من النصف الثاني للقرن التاسع عشر كانت خارطة البحر الأحمر السياسية تشير إلى احتلال بريطاني لميناء عدن وساحله الشرقي (تهامة)، ونفوذ فرنسي في "أوبك" الصومالية وآخر إيطالي في عصب الارتيرية، وأشكال هيمنة مشابهة ومتماثلة قائمة في عصرنا الراهن في البحر الأحمر، بغطاء إماراتي أو بحضور أوروبي وأمريكي رسمي.

تأتي اليوم معركة تهامة والساحل الغربي امتداداً لهذا التاريخ من الصراع بين أصحاب الأرض والبحر وبين الغزاة، حيث لم تنته أهمية البحر الأحمر بل تعاظمت هذه الأهمية مع اكتشاف النفط في منطقة الخليج، وتزداد أهميتها مع مشروع طريق الحرير الجديد للصين الشعبية، "الحزام والطريق"، ومهما تقدمت التقانة إلا أن التجارة الدولية تعتمد على البحر بشكل رئيسي، وفي هذه المنطقة التي يُراد فيها صناعة إسرائيل كقطب إمبريالي في منطقة "الشرق الأوسط" فإن للكيان الصهيوني حضوراً كبيراً في البحر الأحمر وفي المعركة التي يخوضها شعبنا اليمني اليوم في مواجهة العدوان والغزو، وقد برز الاهتمام الاسرائيلي بالبحر الأحمر مع انتصار الثورة الشعبية في 2014م على لسان رئيس حكومة الكيان الصهيوني نتنياهو الذي أبدى تخوفه واستنجاده بالأمريكان أمام الكونغرس الأمريكي آنذاك، ولم تتوقف التصريحات الاسرائيلية والمواقف على لسان الشخصيات الرسمية والصحافة السياسية المتعلقة باهتمام الكيان الصهيوني بمصير البحر الأحمر وخشيته من التغير السياسي في اليمن، وتعاطفه ودعمه لعمليات تحالف العدوان وحكومة هادي.

قامت دول العدوان -وتتصدرها الإمارات في هذه المعركة- بتسوية مطار الحديدة بالأرض في الأيام الماضية، وهو الأمر الذي ينوون تكراره في ميناء الحديدة وميناء الصليف ومرفأ رأس عيسى، فحين ينتقلون بالمعركة إلى هذين الميناءين سيُمطرانهما بالغارات، وتكون دول العدوان قد نجحت في إطباق الحصار على اليمن من أجل إخضاع الشعب والقوى الوطنية، وفي تدمير ميناء الحديدة لصالح الموانئ التي تسيطر عليها الامارات في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، ولصالح الهيمنة الاسرائيلية على البحر الأحمر التي تشرف على مدخله الجنوبي من ميناء بربرة الإرتيري؛ فميناء الحديدة آخر ميناء في البحر الأحمر يتمتع باستقلال وطني ولا يقع في أيدي قوىً عميلة لتل أبيب أو في قبضة احتكار شركة موانئ دبي العالمية، وقد تنبهت جيبوتي والصومال لهذا الدور التخريبي الذي تقوم به الإمارات وسعيها العسكري للهيمنة على الملاحة البحرية في البحر الأحمر، واتخذتا موقفاً مضاداً للطموحات الإماراتية، وهي الطموحات المتصلة بمصالح الغرب في منافسة مشروع الحزام والطريق التي أعلنته الصين، وتراهن بكين على اقتدارها الاقتصادي ونموها المتعاظم الذي يُمكنها من تقديم عروض مرضية لدول البحر الأحمر والعربي، فيما يُراهن المحور الغربي على الهيمنة العسكرية لفرض هيمنته في البحر الأحمر.

ترى قوى تحالف العدوان في معركة الحديدة -التي هي جزء من معركة كلية تخاض في الساحل التهامي اليمني- ضرورة عسكرية من أجل إضعاف قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية، ممهدةً لحوار سياسي غير عادل تدخل به القوى الوطنية في صنعاء وفي مقدمتها أنصار الله وهم بموقع الضُعف، وتأتي عملية السيطرة على الحديدة امتدادا لقوى مؤامرة 2 ديسمبر 2017م، ولمبادراتهم الخيانية التي أعلنوا بها المطالبة بتسليم المنافذ اليمنية لقوى دولية، كما تهدف هذه المعركة في أحد جوانبها إلى إضعاف القوى الحراكية الجنوبية ليسهل الهيمنة على المحافظات الجنوبية اليمنية المحتلة، ومثل هذه السياسة استخدمتها بريطانيا من قبل حين كانت تأخذ أبناء القبائل الجنوبية لتقاتل بهم في الهند وأفريقيا فيما تُبقى محميتها في عدن بعيدة عن أي تهديد من المجتمع.

تقف القوى الغربية الأمريكية والبريطانية والفرنسية موقفاً حازماً داعماً لمعركة الغزو التي تستهدف محافظة الحديدة اليمنية، حجم الدعم الغربي لهذا المعركة موجود في الواقع، وإن كان متخفياً بالتصريحات المتخوفة من العواقب الانسانية للمعركة، وهذا الدعم وخاصة الأمريكي ينعكس في شكل تقارير وتوصيات أعدها معهد واشنطن المسؤول عن إعداد أوراق السياسات حول المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط والأدنى.

تتذرع دول العدوان بأن معركتها في الحديدة إنما تهدف إلى ما يسمونه بوقف عملية تهريب الأسلحة الايرانية التي تصل حسب ادعاءاتهم إلى الجيش اليمني واللجان الشعبية عبر ميناء الحديدة، وهذا التذرع بإيران رغم زيفه إلا أن هناك شيء من مقاربة الصوابية فيه إذا ما تم إعادة تحديد الهدف الجيوسياسي من غزو محافظة الحديدة بالنسبة لقوى العدوان، وهوَ هدف السيطرة الغربية على البحر الأحمر وانتزاعه من القوى الوطنية اليمنية (قوى ثورة 21 سبتمبر) التي تجد نفسها في موقف واحد مع محور المقاومة فيما يتعلق بالصراع مع الوجود الاستعماري الأمريكي وكيان الاحتلال الصهيوني، وحق السيادة اليمنية على مياهها الاقليمية في البحر الأحمر والبحر العربي وواجباتها القومية والإسلامية والإنسانية في اتخاذ موقف العداء من الامبريالية والصهيونية هو حق أصيل، وفي تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي لعبت اليمن ومصر دوراً هاماً في الدفاع عن الأمن القومي العربي في اغلاق البحر الأحمر أمام الكيان الصهيوني ومنع تدفق الأسلحة إليه في حرب تشرين 1973م.

مايكل نايتس، الذي عاد مؤخراً من زيارة المناطق المحتلة اليمنية ودول الخليج، وكذلك زميله فرزين نديمي المتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج، الذي عاد أيضاً مؤخراً من زيارة إلى جبهات المرتزقة في اليمن، وفق ما ذيله معهد واشنطن بتقاريرهم، ما هم إلا جزء بسيط ظاهر للسياسة العدوانية الأمريكية تجاه اليمن، ففي 5 تقارير عن موضوع معركة الحديدة انعكست السياسة العدوانية الإمبريالية المحرضة للولايات المتحدة ولدولة الإمارات على الغزو، والسياسة الرجعية التي تنزل إلى التفسير الطائفي للحرب في اليمن، وإيراد ذات المفاهيم التي تَرِد على ألسُن الزعامات الدينية الوهابية والتكفيرية، وحين يتطابق خطاب أرقى مراكز الدراسات الأمريكية مع الخطاب الوهابي السعودي المتخلف، تتحقق صحة تحليل المفكر السوفياتي فلاديمير لينين في كتابه "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" عن الطابع الرجعي المميز للإمبريالية، وتتلاشي الحدود الفاصلة بين الأنظمة الملكية وبين الأنظمة الجمهورية في السياسة الخارجية التي هي (رجعية على طول الخط ومعادية للديمقراطية وفي مقدمتها حق الشعوب في تقرير مصيرها)، ولينين وإن كان يقارن آنذاك بين السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة (بريطانيا) لم يكن في باله أن تتماثل أمريكا والسعودية وأن تتماثل رجعية اللبرالية برجعية الوهابية وتعتنقها!

 

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة