Logo dark


في الذكرى الرابعة لثورة 21 سبتمبر2014م ... علاقة الثورة بالجماهير وعدوان القوى المضادة

( باحث , )

ككل ثورة تلقت ثورة 21 سبتمبر 2014م ممانعة القوى المضادة للثورة، نتيجة اصطدام الثورة الحتمي مع مصالح القوة القديمة، لكون الثورة هي الجديد البازغ الوضاء الذي يخرج من ركود الواقع القديم وظلاميته، كذلك "يُخرج الحي من الميت"، والثورة هي التعبير المادي عن ضرورة أن تُعبر الدولة عن مصالح الجماهير والطبقات والفئات المهمشة المحرومة المُستغلة التي فقدت دولتها و"جمهوريتها" طوال عقود من حكم الأقلية المُسيطرة. 

فهل فقدت ثورة 21 سبتمبر فاعليتها، وهل يُمكن لقواها في لحظة نفاذ الصبر على ثُقلِ العدوان واحتمال المعاناة الاجتماعية أن تستسلم وتعتذر عن الحلم بالعدل والحرية وعن البطش بالجبارين؛ فتتقبل ما توصم به من تأويلات بأنها مجرد انقلاب عسكري يعود فضله إلى «صالح»، أو أنها مُصادفة سخط الجماهير على الجُرعة لا فعل واعٍ مخطط، أو أنها فعل خارجي لا حدث يمني قائم بمحركات واقعه التاريخي، فماذا تقوله أربعة أعوام من عُمر الثورة؟

العدوان العسكري أعلى أشكال الثورة المضادة 

 يأتي العدوان الراهن المستمر منذ ثلاثة أعوام، تعبيراً عن الثورة المُضادة المكونة من دول الاستعمار والتوسع الأجنبية وكذلك قوى الفساد النافذة في الواقع اليمني والتي كانت طوال عقود تعمل على إبقاء اليمن تحت الهيمنة الخليجية الأمريكية، وهذا المعسكر المعادي للثورة في حجمه يوازي معسكر العدوان الإمبريالي على الثورة البلشفية الروسية 1917م، كما يوازي معسكر العدوان الملكي الأوربي على الثورة الفرنسية 1789م.

 بالإمكان ان تنكس الثورة كمسار، وإن بقيت كحاجات، في لحظة وهن وعجز عن إبداع الفعل الجديد، فما مِقدار صمود قوى الثورة اليمنية في الدفاع عن ثورتها، وغاية العدوان والتكالب الرجعي العالمي والمحلي، إيصال قوى الثورة إلى هذه النقطة من الوهن، ودفعها إلى الاستسلام، وقبول الطليعة المحركة للثورة (أنصار الله)، أن يِخرجوا لمكونهم بأنصاف الحلول، ويتخلوا عن مسار التطور الاجتماعي التي فرضته الثورة  في سعي حركة التاريخ لحل عقد أعاقت تطور وتفتح مصالح السواد الأعظم من الشعب اليمني وترتقي به إلى شكل أعلى مما كان عليه قبل الثورة.

مقاومة العدوان مجرى جديد في نهر الثورة

 على عكس ما خططت قوى العدوان، فإن التدخل العسكري العدواني المستمر منذ أكثر من ثلاثة أعوام والذي يلامس ويعُم ضرره الجميع رغم ادعاء المعتدي بأنه موجه ضد أنصار الله، هذا العدوان العسكري المُستمر، فتح أبواب اجتماعية جديدة لتنفذ إليها الثورة، ووسع من دائرة الجماهير الملتفة حول أنصار الله المكوّن القائد للثورة، كما أن العدوان على الثورة ربط المسار الثوري الديمقراطي بمسار وطني أوسع، فأصبح مدافعاً عن الثورة كُل مُدافعٍ عن الوطن، ومع كُل توحش عدواني اتسعت صفوف المناهضين للعدوان الذين يجدون أنفسهم في صفوف قوى الثورة وبجانب أنصار الله، سواء أكانوا قوى مدنية، أو قوى قبلية كانت إلى ما قبل العدوان تشهد انقسامات وخلافات بينية، فاستفز العدوان حميتها بقصف الأبرياء فأرسلوا أبناءهم إلى جبهات الدفاع  عن الوطن الذي هو مجرى ثورة 21 سبتمبر.

 استمرار العدوان واستمرار تحشيد الجهود في مواجهة العدوان، يعطي الثورة الشعبية زخماً مُستمراً إذ أنها بالحركة تحيا وتتطور وتنقد نفسها، وتجدد آلياتها، وتتعرف على ما يُعيق حركتها من أخطاء وتقصير داخلي ومن نهش وهجوم العدو الخارجي، فاستطاعت بهذا الشكل أن تحتفظ الثورة بحركيتها، وهي حركية مرتبطة بالجماهير إذ بالجماهير تقوم الثورة، فتغذت الثورة بحركة الجماهير المقتدرة على التغيير، وحركت الثورة الجماهير وحمستهم مع كل مناسبة دينية ووطنية، ومع كل هجمة عدوانية أو مجزرة، ولا يكاد يمر شهر لا يشهد نفيراً قبلياً، أو قوافل دعم إلى الجبهات.

توطد مواقع الثورة في الدولة بقيادة الشهيد الصماد

عوائق الثورة المضادة الكامنة في البيروقراطية الإدارية أصبحت مقصداً بالاضطرار لحركة الثورة للقضاء على هذه العوائق والتخفيف من تأثير كبار الإداريين الفاسدين (البيروقراطيين)، فبعد أن أكتفت الثورة عبر اللجان الثورية بحماية مؤسسات الدولة والحفاظ، عليها دخلت الثورة في معركة تشغيل مؤسسات الدولة وإعادة سيادة القانون إليها والاستفادة منها لتعميق مسار الثورة ومواجهة العدوان على كافة المستويات، وهذا المسار الذي شقه الرئيس الشهيد صالح  الصماد، رسخ مواقع الثورة في مؤسسات الدولة، ووطد من ثقل الثورة في الواقع المُجتمعي، إذ نزعت قوى الثورة إلى أن تظفر بآليات الدولة وتظهر بمظهرها وتناضل من داخلها، وقد نجحت الثورة في فرض شكل دولة موحدة السلطة والسيادة في مناطق سيطرتها، وأزاحت عن مجتمع الثورة سطوة القوى المُسطرة القديمة التي كانت تحل محل الدولة في السيطرة الاجتماعية، ولم يكن يجد الناس منها مفراً إلا إليها، وهكذا ارتبط هذا المسار، بقبول وارتياح شَعبي عن نموذج الدولة في مناطق سيطرة الجيش واللجان الشعبية حتى أصبح هذا الشكل المعين من حضور الدولة مكسباً ثورياً تتمسك به الجماهير، وحتى الفئات والشخصيات التي لم تشارك في الثورة أو التي اتخذت موقفاً سياسياً معارضاً للمكون القائد لثورة؛ إلا أنها تجد نماذج "الدولة" في مناطق سيطرة الجيش واللجان الشعبية وتهفو إليه بلهف كما لسعها زمهرير الفوضى والارهاب في مناطق سيطرة الاحتلال والمرتزقة، وكان فشل مؤامرة 2 ديسمبر 2017 دليلاً على انحياز الناس والجماهير عموماً لبقاء الدولة التي دخلت فيها قوى ثورة 21 سبتمبر فلم تحدث "الانتفاضة" المعادية للثورة التي دعا إلى الصريع "صالح" واستثار بها كل القوى المعادية للثورة في لحظة سوداوية عملت على الدفع بانقسام المجتمع طائفياً ومناطقياً وحزبياً وتفجير الحرب في كل قرية وحارة وشارع، إلا أن كل ذلك فشل ومرد فشله يعزى إلى أن جذور الثورة  اجتماعياً كانت قد تعمقت، وأن حضور الدولة بالثورة غدا أقوى وأكثر قبولاً لدى المجتمع بشكل عام، فكل رغبة في الحياة والأمن واستمرارهما في هذه المناطق تغذي حركة الثورة ومقاومة العدوان.

تهامة رمز صمود الثورة الشعبية

مثلت تهامة الاختبار الحقيقي لمدى تغلغل الثورة، ومدى فاعليتها، وتهامة من حيث وضعها الاجتماعي تعتبر أشد المناطق المتضررة من القوى القديمة التي استعبدت الأهالي ونهبت ما يملكون واحتكرت السوق الاقتصادي في الواقع اليمني ككل، فعلى الصعيد النظري يجب أن يكون أبناء تهامة أكثر المدافعين عن 21 سبتمبر وعن المصالح الجديدة التي تعبر عنها الثورة، وفي الملموس التاريخي توافقت النظرية مع الواقع وتوافق ما هو مفترض مع ما هو كائن، فعكست الجماهير الشعبية الوطنية في الحديدة التي تخرج بمسيرات كبيرة في الشوارع الرئيسية تحت طيران العدوان الحربي والاستطلاعي في ذروة استهداف الحديدة، والتي تقيم الوقفات القبلية المُسلحة في أقرب النقاط إلى الجبهات، وبمحاذاة البحر حيث بوارج العدو، كل هذا يعكس تغلغل الثورة في أوساط أبناء تهامة إلى درجة أكبر مما كانت تتوقع فى الثورة ذاتها، فللجماهير في  كثير من الأحيان إبداع أكبر مما تتوقعه الحركات الثورية وحماسة أشد مما يخطر في بال الروائيين.

صمود أبناء تهامة وخروجهم بكل تلك المسيرات والوقفات في لحظة حرب لا لحظة تحشيد انتخابي، وفي لحظة بذل الدماء لا استلام الرشوات الحزبية، وتحت نيران العدو وحصاره لا في نعيم المخيمات والمعسكرات التي توفرها الأحزاب الحاكمة لقطعانها، كل هذا إنما يُثبت في الملموس التاريخي المُعاش، مدى تغلغل ثورة 21 سبتمبر بين الجماهير، ومدى فاعليتها الجماهيرية وجبروتها المتعاظم، ويثبت الواقع بأن خط تطور الثورة ومسار الدفاع عن الوطن يمضي نحو الأعلى متطهراً من كل ما يعلق به من شوائب ويطبب ذاته، فيما خط العدوان ومرتزقته يبتعد عن الجماهير أكثر فأكثر ويشهد تصدعات وانقسامات وتملؤه تناقضات تتفجر في كل منعطف وعند كل موقف.

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة