Logo dark


قراءة في قرارات مجلس الأمن الدولي بخصوص اليمن

( أستاذ القانون رئيس جامعة الحديدة , )

رغم أن ما حدث في اليمن وخصوصاً في بدايته هي عبارة عن ثورة سياسية سليمة وبالتالي فما كان يحدث في اليمن هو شأن داخلي لا يملك مجلس الأمن التدخل فيه ولا يجوز للأعضاء أن يطالبوا أن يتم حله وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة باستثناء أن مجلس الأمن يملك استخدام الفصل السابع في حالة ما إذا كان ذلك النزاع الداخلي يمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، ويجب أن يعتمد المجلس استخدام الوسائل السلمية لحل الأزمة وبطريقة غاية في الحيادية وعدم الانحياز فأساس عمله هو أن يساعد الأطراف على حل مشكلاتهم الداخلية دون أن يملي عليهم طريقة أو وآلية معينة لحل الأزمة.

رغم أن بلادنا ليست عضواً في مجلس التعاون الخليجي إلا أن المجلس نسق مع الدول الكبرى ووضعوا ما يسمى بالمبادرة الخليجية ومارسوا من أجل فرضها على الأطراف كل أشكال التدخلات في الشأن الداخلي.

وقد حملت هذه المبادرة تصوراً معاكساً عن الواقع، حيث شخصت ما يحدث في اليمن صراعاً سياسياً بين شركاء السلطة، وتجاهلت كلية شباب الثورة ومطالبهم المشروعة للتغيير، وبعد حصول مجزرة ساحة الجامعة في حق شباب الثورة من قبل طرفي السلطة عُرض الموضوع على مجلس حقوق الإنسان وقد أصدر المجلس قراره رقم (19/29) أحال فيه الموضوع إلى مجلس الأمن لتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة فكان قرار مجلس الأمن رقم (2014) لسنة 2011م مخيباً لآمال الثوار، فقد تجاهل موضوع الانتهاكات الفظيعة في حقهم وتجاهل تطلعات الثورة في التخلص من قوى الفساد ومن تبعية القرار اليمني لأطراف إقليمية والمطالبة ببناء دولة مدنية حديثة وعادلة تراعي الآليات والمبادئ الديمقراطية، حيث قام مجلس الأمن بإحالة ملف اليمن برمته إلى القوى الإقليمية والدولية المتبنية لسياسة اجهاض الثورة، وخصوصاً النظام السعودي.

وتم الترحيب من قبل المجلس بالمبادرة الخليجية وطالبت "علي صالح" بسرعة التوقيع عليها، فأصبح الشباب في وضع مرتبك، لقد كان مطلبهم دولة بالشروط الديمقراطية، ولكن مجلس الأمن أحالهم إلى دولة استبدادية ومعادية لقيم الديمقراطية .

فكانت هذه هي البداية في المؤامرة التي سنلحظها في قرارات مجلس الأمن التي سعت إلى تبني أهداف النظام السعودي والأمريكي.

الفصل الأول

عرض ومناقشة لقرارات مجلس الأمن رقم 2014 لسنة 2011م ورقم 2051 لسنة 2012م  والقرار رقم 2140 لسنة 2014م والقرار رقم 2201 لسنة 2015م

المبحث الأول:

عرض توضيحي للقرارات:

أولاً: القرار رقم 2014م للعام (2011)

في هذا القرار الأول المتعلق باليمن تضمن القرار الترحيب بجهود مجلس التعاون الخليجي وثمن جهوده في حل الأزمة السياسية في اليمن وبالتالي يكون مجلس الأمن قد نقل ملف اليمن إلى السعودية ومجموعة سفراء الدول العشر.

لتمرير رؤيتهم للأزمة والحل المفترض الذي يضمن المحافظة على القوى العميلة واستمرار هيمنتهم على القرار السياسي في اليمن.

في هذه الجلسة كان يفترض على مجلس الأمن أن يتخذ قراراً بخصوص مجزرة الجامعة في حق الشباب بناء على الاحالة له بموجب قرار مجلس حقوق الإنسان رقم (19/29/RES /HRC /A ) ولكنه اقتصر على المطالبة بإجراء تحقيق فيما زعم ارتكابه من اعتداءات وانتهاكات في مجال حقوق الإنسان ولم يحدد الجهة المسؤولة عن إجراء التحقيق وكأنه قد ترك الأمر لتقدير مجلس التعاون الخليجي.

وأكد على أن الحل للأزمة في اليمن يكمن في عملية انتقال سياسية شاملة تقوم بها اليمن وتستجيب لمطالب الشعب اليمني المشروعة إلى التغيير، ثم أشار إلى أن تلك التسوية يجب أن تعتمد على ما تضمنته المبادرة الخليجية، ودعا جميع الأطراف بالتوقيع على الاتفاقية في أسرع وقت وخاطب "علي صالح" بضرورة الإسراع في التوقيع عليها. لذلك ومن أجل معرفة مضمون ما ذهب إليه هذا القرار في طريقة معالجة الوضع اليمني يجب العودة إلى ما تضمنته المبادرة الخليجية من اليات وشروط لمعالجة الوضع الداخلي.

ويلاحظ أنه ورغم أن الشرعية في هذا الوقت كانت لسلطة علي صالح بموجب انتخابات سابقة، كان مجلس الأمن كان هنا يُحَمِّل السلطة كامل المسئولية عما يجري وهو وإن كان قد أشار إلى المعارضة إلا أنه اعتاد أن يشير إليها بصورة عرضية.

ثانياً: بخصوص القرار رقم 2051 لسنة 2012م:

نلاحظ أن مجلس الأمن أعرب عن قلقه عن الحالة الأمنية والاقتصادية والسياسية والإنسانية التي وصل إليها الوضع في اليمن، ثم أكد على احترامه الشديد لوحدة اليمن وسيادته واستقلاله السياسي وسلامته الإقليمية، ثم أشار إلى ترحيبه ببيان المجلس الوزاري لمجموعة أصدقاء اليمن الذي انعقد في الرياض في 23 مايو 2012م وما تضمن من دعم اتفاق الانتقال السياسي وفقاً لمبادرة مجلس التعاون الخليجي، ثم طالب حكومة الوفاق بتحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي لتسهيل الانعاش السريع، ثم أكد على ضرورة تعاون الجميع في انجاح انتقال العملية السياسية بما فيها الجماعات غير الموقعة على المبادرة، ثم أعرب عن قلقه من تدهور في التعاون من بعض الشركاء.

ثم أشار إلى مسئوليته في حماية الأمن والسلم التي يقتضي إحراز تقدم في تنفيذ مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها لتخفيف استمرار تدهور الحالة الإنسانية والأمنية في اليمن، وأن تلك الحالة تهدد السلام والأمن في المنطقة وقد كانت قراراته بمثابة انعكاس لما تضمنته مبادرة مجلس التعاون الخليجي وهي:

1- التنفيذ العاجل للمبادرة بشكل كامل وضمن الاطار الزمني.

2- الاتفاق مع جميع الأطراف بالتوقف فوراً عن استخدم العنف لبلوغ اهداف سياسية.

3- طالب أن تتضمن المرحلة التالية على الآتي:

‌أ-  عقد مؤتمر الحوار الوطني.

‌ب- إعادة هيكلة قوات الأمن والقوات المسلحة وإجراء تغييرات في قيادتها.

‌ج- إجراء اصلاح دستوري وانتخابي لجميع المكونات.

‌د-  اتخاذ خطوات على صعيد العدالة الانتقالية.

4- وقف جميع الأعمال التي تهدف إلى تقويض حكومة الوفاق الوطني وتقويض العملية السياسية مالم فسيتم استخدام المادة (41) من ميثاق الأمم المتحدة.

5- لتأكيد على إجراء التحقيقات في انتهاكات حقوق الإنسان.

6- التوقف من استمرار تجديد الاختراق من قبل الجماعات المسلحة وبعض عناصر الجيش.

7- الافراج الفوري عن المتظاهرين المحتجزين.

8- التأكيد على الامتثال لأحكام القانون الدولي والإنساني.

9- دعوة الأمم المتحدة ومجلس التعاون الخليجي ومجموعة أصدقاء اليمن لتقديم الدعم المالي للحكومة.

10-    تقديم المساعدة الإنسانية لليمن.

11-    التأكيد على قيام حكومة الوفاق الوطني بإعداد خطتها الإنسانية لسنتين.

12-    وجوب تشكيل فريق من اليمن مكون من خبراء الدعم لتنفيذ عملية الانتقاد وإسداء المشورة للأطراف.

ثالثا: القرار رقم (2140) لسنة 2014م:

الجديد في هذا القرار الاتي:

1- رحب بنتائج مؤتمر الحوار وأشار إلى النتائج التي وقعتها الأحزاب السياسية (كافة).

2- أشار إلى إدانة كافة الهجمات التي تستهدف المدنيين والبنى التحتية.

3- أكد على أن الحل في عملية سياسية يقودها اليمن استناداً إلى المبادرة الخليجية ونتائج مؤتمر الحوار.

4- صرح بوضوح بطي صفحة رئاسة صالح ورحب بمشاركة وتعاون جميع الجهات بما فيها التي لم توقع على المبادرة.

5- أعرب عن قلقه عن التهديدات التي تطال السلم والأمن في اليمن نتيجة نقل الأسلحة وتكديسها وكذلك ولأول مرة يعرب عن قلقه ازاء استخدام الإعلام للتحريض على العنف واحباط التطلعات المشروعة للشعب اليمني في التغيير السلمي.

6- جهّل القرار هنا لأول مرة موعد تنفيذ العملية السياسية حيث أشار إلى أن موعد إجراء الانتخابات هو في الوقت المناسب ثم تدخل خلافاً على ما نصت عليه المبادرة باستمرار ولاية الرئيس هادي الحالية إلى بعد تنصيب الرئيس المنتخب بموجب الدستور الجديد.

7- بدلاً من أن يوجه اللوم للرئيس - حينها – (هادي) لعدم الالتزام بما تضمنته دعوة المجلس بسرعة تشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان تطبيقاً لقرار مجلس حقوق الإنسان رقم (19/29) رغم مضي أكثر من ثلاث سنوات مع استمرار الانتهاكات إلا أنه استخدم لغة لطيفة بتطلعه لتنفيذ قرار الرئيس هادي الصادر عام 2012- برقم (140) والذي نص على إنشاء لجنة تحقيق دون أن يسمي أعضاءها طوال هذه الفترة والقرار هنا يتطلع إلى "بسرعة تسمية أعضاء اللجنة".

  استخدام المادة (41) من ميثاق الأمم المتحدة لأول مرة بفرض تدابير غير عسكرية:

 تضمن القرار تصريحاً واضحاً ولأول مرة أن ما يجري في اليمن يمثل تهديداً للأمن والسلم في المنطقة وللأمن والسلم الدوليين وقرر صراحة أنه سيتصرف وفقاً للفصل السابع.

- نصت المادة (11) من القرار على فرص عقوبات غير مسلحة، حيث نصت على أن تقوم جميع دول الأعضاء بتجميد جميع الأموال والأصول المالية والموارد الاقتصادية الموجودة في أراضيها أو التي تتحكم فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة التابعة للأفراد والكيانات التي سيتم تعيين أسمائها بواسطة اللجنة التي سيتم تشكيلها بموجب المادة (19) من القرار .

- ونصت المادة (15) وبنفس الآلية منع الأفراد والكيانات الذي سيتم تحديدها وفقاً للمادة (19) من القرار من السفر.

- وتضمنت المادة (18) من القرار تحديد معايير الجزاءات وتحديد الجهات الخاضعة لها وقد أعطت هذه المادة اللجنة سلطات واسعة تشمل معاقبة من يشارك في أعمال تهدد السلم والأمن والاستقرار أو يقدم الدعم لتلك الأعمال ومن يعرقل نجاح عملية الانتقال السياسي على النحو المبين في مباردة مجلس التعاون الخليجي وآليته التنفيذية وكل من يعيق تنفيذ النتائج التي توصل إليها التقرير النهائي لمؤتمر الحوار الوطني الشامل عن طريق القيام بأعمال العنف أو شن هجمات على البنى التحتية وكل من يقوم للتخطيط لأعمال تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني أو أي اعمال تمثل انتهاكات لحقوق الإنسان أو توجيه تلك الأعمال أو ارتكابها في اليمن.

رابعاً: القرار رقم (2201) لسنة 2015م

الجديد الذي تضمنه القرار:

1- التنديد والشجب للإجراءات التي اتخذها "الحوثيون" لحل البرلمان والاستيلاء على المؤسسات الحكومية بما في ذلك أعمال العنف.

2- ناشد جميع الأطراف بالالتزام بالحوار كوسيلة عن علاقاتها تمنع عن ممارسة العنف والاعمال الاستفزازية.

3- أعرب عن قلقه بأن "الحوثيين قاموا بالاستيلاء على المنابر الاعلامية والتحريض على العنف".

4- طالب "الحوثيين" التقيد بمبادرة مجلس التعاون الخليجي ونتائج مؤتمر الحوار واتفاق السلم والشراكة ومرفقه الأمني.

5- طالب جميع الأطراف ولاسيما "الحوثيين" بالتعجيل بإجراءات سياسية شاملة للجميع بواسطة الأمم المتحدة وفقاً للمبادرة ونتائج مؤتمر الحوار واتفاق السلم والشراكة ومرفقه الأمني" وطالب "الحوثيين" بالمشاركة فيه، وطالبت من الأمين العام أن يشترك في عملية الاشراف على عملية التفاوض الشركاء الدوليون بمن فيهم مجلس التعاون الخليجي ومجموعة السفراء المعتمدين في اليمن والجهات الفاعلة الأخرى.

6- طلب من "الحوثيين" سحب قواتهم من المؤسسات الحكومية ومغادرة كافة المحافظات والإفراج عن "هادي وبحاح الموجودين تحت الاقامة الجبرية".

7- طالب جميع الأطراف بوقف جميع الأعمال العدوانية المسلحة ضد الشعب وسلطاته الشرعية والتخلي عن الأسلحة التي استحوذت عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية اليمنية وذلك وفقاً لاتفاق السلم والشراكة ومرفقه الأمني.

أهم الملاحظات على القرارات رقم (2014 و 2051 و 2140 و 2201):

يبدو أن سرعة تدخل دول مجلس التعاون الخليجي ومجموعة سفراء الدول العشر في موضوع ثورة اليمن كان نتيجة استقراء أن الثورة اليمنية عازمة على استعادة قرارها السياسي والخروج من تحت عباءة القوى المهيمنة على قرارها، وأنها جادة في تجاوز جميع قوى العمالة والارتهان للخارج، وقد كانت البنود التي تضمنتها المبادرة الخليجية عبارة عن بنود تستبعد فكرة الثورة وتكريس للواقع السياسي بأدواته ورموزه وتأسيس لأهداف استعمارية.

وقد كانت الأمور تسير لصالح الثوار وخصوصاً بعد المجزرة الرهيبة والبشعة التي قام بها طرفا النظام في حق شباب الثورة عام 2011م، حيث أصدر مجلس حقوق الإنسان قراره رقم (19/29) بإحالة موضوع الانتهاكات إلى مجلس الأمن لتشكيل لجنة دولية محايدة للتحقيق.

وباعتبار قدرة هذه الدول على التحكم في قرارات مجلس الأمن وتوجيهها فقد استطاعت أن تدفع بالمجلس إلى اتخاذ قرار هو القرار الأول بشأن اليمن رقم (2014) لسنة 2011م لتعزيز تدخلاتها وإكساب المبادرة شرعية دولية.

استبعد وبطريقة ذكية وغير ملحوظة للكثير موضوع الثورة واستحقاقاتها فلم يكن المشهد يسمح بتدخل مجلس الأمن في الشأن الداخلي لليمن لعدم توافر شرط تدخله، وهي حالة ما إذا كان الوضع الداخلي يمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين وفقاً للفقرة (7) من المادة رقم (1) من ميثاق الأمم المتحدة.

ولكنه وبترحيبه بتدخل مجلس التعاون الخليجي وما تضمنته المبادرة يكون قد عبر بطريقة غير مباشرة عن أهداف تلك الدول باستبعاد فكرة الثورة وتشخيص ما يحدث في اليمن بأنه بمثابة أزمة سياسية بين طرفي الحكم، وكذلك مكنته من أن يفرض بطريقة غير مباشرة عدة آليات وخطوات لها صفة الأمر والتوجيه. حيث تبنت قرارات مجلس الأمن رؤية السعودية وأمريكا بتحميل المسؤولية لطرف القوى الثورية وتغاضت عن كل ما كانت تقوم به القوى التي تسعى إلى فرضها من أعمال عسكرية وعمليات تخريبية وخطاب إعلامي يقوم على الشحن الطائفي والمذهبي ويشجع على العنف، وسنرى أن المجلس لم يشر إلى هذا الجانب إلاّ في القرار رقم (2140) بعد دخول أنصار الله إلى المشهد السياسي بشكل واضح، وكذلك تجاهلت تلك القرارات الإشارة إلى العمليات العسكرية التي حدثت في أرحب ونهم والجوف والحيمة وكتاف وحصار صعدة والاغتيالات والتفجيرات وقطع الطرق .... إلخ.

-استطاعت تلك الدول أن تستبعد فكرة الثورة على صعيد قرارات مجلس الأمن وعلى الصعيد الإعلامي الخارجي ولكنها لم تستطع أن تتجاوز الفعل الثوري، ولكي تتجنب حصوله عملت عبر تدخلاتها المختلفة على تأزيم الوضع الداخلي بهدف إيجاد مسوغ لدور أكبر لمجلس الأمن، وقد ظهر ذلك فيما ذهب إليه مجلس الأمن في قراراه (2051) لسنة 2012م والذي تضمن إشارات واضحة لرغبة المجلس في توصيف ما يحدث في اليمن بأنه يمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين ليتمكن فيما بعد بالتصرف وفقاً للفصل السابع، وقد أعرب عن قلقه في هذا القرار عن الحالة الأمنية والاقتصادية والسياسية والإنسانية التي وصل إليها الوضع في اليمن، ودعا جميع الكيانات التي لم توقع على المبادرة بضرورة الانضمام إلى العملية السياسية، ثم أشار إلى مسؤوليته عن حماية الأمن والسلم في المنطقة عبر المضي في تنفيذ المبادرة الخليجية، وأخيراً هدد صراحة باستخدام المادة (41) من ميثاق الأمم المتحدة ضد من يسعى إلى تقويض حكومة الوفاق الوطني والمساس برئاسة عبد ربه منصور ... إلخ.

وبهذا يمكننا فهم لماذا كان المجلس حريصاً على المبالغة في وصف الحالة الأمنية والإنسانية في اليمن، ولماذا جعل من رئاسة عبد ربه منصور خطاً أحمر معتبراً المساس به موجباً لاستخدام المجلس المادة (41) من الفصل السابع . 

والخطوة الثانية التي قامت بها تلك القوى بالتنسيق مع مجلس الأمن هو عبر ما تضمنته المبادرة من ترتيبات وخطوات وبالطريقة الاستفزازية لقوى الثورة التي قام بها عبد ربه منصور في التعامل مع بنود الاتفاق والتي تحمل سيناريو واضحاً لتأزيم الوضع الداخلي بما يسوغ لتدخلات جديدة في الشأن الداخلي اليمني.

فقد أريد لحكومة الوفاق أن تتجاهل استحقاقات الثورة ومطالبها جملة وتفصيلاً، حيث فاجأت القوى الثورية أنها تعمل على عكس أهداف الثورة وإعادة انتاج وتموضع مراكز القوى التي قامت الثورة ضدها، وهذا ما استدعى حركة أنصار الله أن تعيد تجميع الثوار وحصل التفاف شعبي حول قيادة الثورة وفقاً لما حملته هذه القيادة من مصداقية استناداً إلى ما لمسوه في خطاب السيد/ عبد الملك من مصداقية وإصرار على تحقيق مطالب الثورة، وأيضاً في ضوء ما حققته الثورة من خطوات كبيرة في استئصال قوى الفساد.

مما ساعد على تصاعد وهج الثورة في أوساط الشباب والقبائل وتوسع دائرة المؤيدين مما ينبئ بإفشال جميع ترتيبات دول العدوان وعجز مجلس الأمن عن مواجهتها وخصوصاً أن المكون الذي يقود الثورة ليس طرفاً في المبادرة وما زال غير معترف برئاسة عبد ربه منصور وحكومته ولم يصبح أحد أطراف العملية السياسية وفقاً لما رسمته المبادرة.

لهذا اضطرت هذه القوى ومعها مجلس الأمن أن تؤيد بطريقة تكتيكية إتفاق السلم والشراكة وهذا ما تضمنه قرار مجلس الأمن رقم (2201) مع أنه كما سنرى تجاهله في القرار رقم (2216) وقد كانت دواعي تأييد هذا الاتفاق هو باعتباره هو المخرج لها من نواحي عديدة:

  1. لم يكن أمام القوى السياسية أي خيار.
  2. إن تأييد دول العدوان لاتفاق السلم والشراكة يمثل مكسباً كبيراً باعتبار أن الاتفاق يتضمن وبصورة صريحة اعتراف الثورة بشرعية عبد ربه منصور وحكومته واستبدال الفعل الثوري بالمشاركة في العملية السياسية والتي هي في الأساس مجرد تعديل للعملية السياسية التي تضمنتها المبادرة، ووضعت بنودها دول العدوان، وأن هذا ما سيوفر على مجلس الأمن ودول العدوان عناء وتبعات اتخاذ تدابير عسكرية لإفشال تلك الخطوات دون مبررات قوية، فكانت هذه الخطوة؛ جر مكون الثورة إلى الانخراط في العملية السياسية ثم الانتظار إلى حين توفر الفرصة في إعلان الحرب عليها، ولكن تحت مبرر  انقلاب أحد أطراف العملية السياسية على التوافق الوطني والإجماع السياسي على الأقل هذا ما تم تسويقه للمجتمع الدولي، ومما يؤكد ذلك هو ما تضمنته المادة (2/هـ) من قرار مجلس الأمن رقم (2140) التي نصت على أن ولاية عبد ربه منصور لا تنتهي إلا عبر إجراء الانتخابات العامة في الوقت المناسب، وعقب تنصيب الرئيس المنتخب بموجب الدستور الجديد .

ومما يؤكد ذلك أيضاً أن مجلس الأمن في قراره رقم (2216) تجاهل اتفاق السلم والشراكة وتعامل مع الموضوع وكأن ذلك الاتفاق لم يكن، حيث استمر مجلس الأمن يتعامل مع الثورة كونها بمثابة انقلاب وخروج عن إجماع القوى السياسية وعن شرعية عبد ربه منصور هادي وحكومة بحاح، والتي كانت محل توافق عام. وبذلك تخلصت تماماً بحسب ما رأته من الثورة وأساساها الشرعي، وتم تصوير دخول الثوار صنعاء أنه كان بهدف فرض مطالب جماعة أنصار الله، والشاهد على هذا هو ما جاء في المادة (2/هـ) من قرار مجلس الأمن رقم (2140) التي نصت على أن ولاية عبد ربه منصور لا تنتهي إلاّ عقب إجراء الانتخابات العامة في الوقت المناسب وعقب تنصيب الرئيس المنتخب بموجب الدستور الجديد.

هكذا كان تصويرهم لأحداث 21 سبتمبر2014م وعلى هذا الأساس تم تسويق الامر اعلامياً وتلقفته الدول الأعضاء وعلى أساسه كان التعامل مع الموضوع وهو ما استدعى كثير من قوى الثورة العودة إلى الاصطفاف مع أحزابها وفقا لحسابات المصلحة.

ولهذا السبب نستطيع أن نفسر موقف دول العالم التي امتنعت جميعها عن الاعتراف بحكومة صنعاء كونهم لا ينظرون لقيادتها إلا كونهم يمثلون طرفاً سياسياً واحداً انقلب على شركائه في العملية السياسية وقام بإجراءات انفرادية، وبالنسبة للحجج التي تسوقها بأن شرعية عبد ربه منصور لا أساس لها لإنهاء فترته الرئاسية وتقديمه هو وحكومته استقالته فهم لا يبنون عليها كونهم يرون أن شرعيته أصبحت شرعية واقع اقتضتها الضرورة وموافقة الكيانات السياسية الكبيرة بما فيها جماعة أنصار الله عند قبولهم الانخراط في العملية السياسية وبالتالي يفترض استمرار شرعيته كشرط لنجاح العملية السياسية لأنه ومع القول بنفي شرعيته يعني حصول فراغ سياسي وليس أحد الكيانات التفاوضية بأحق من الآخرين.

ولكن كما سنرى أنه ومع الوقت وفي ضوء الحقائق التي تكشفت للعالم بعدم وجود شرعية لهادي وحكومته على الواقع وأن الشرعية لا تملك من أمرها شيء وإنما تم استخدامها من قبل النظام السعودي والإماراتي كغطاء لتحقيق أهدافهم التدميرية لليمن واحتلال أراضيه كما هو واضح الآن.

وفي ضوء ذلك أدركت كثير من الدول والمنظمات والمؤسسات الدولية خطأ وأكذوبة الشرعية التي استخدمها العدوان.

ولمن يتساءل لماذا مجلس الأمن لم يجار في قراره ما اتخذته دول الخليج من إعلان الحرب على اليمن تحت ذلك المسوغ فإن ذلك مرده أن موضوع اتخاذ مجلس الأمن تدابير عسكرية وفقاً للمادة (42) فإن المجلس سيواجه مشكلة تتطلب إجماع جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين.

ولهذا وكما هي العادة لمجلس الأمن التي رأيناها في أكثر من موقف إن المجلس عندما يرى إن إمكانية إصدار قرار من مجلس الأمن بخصوص موضوع معين مستحيلاً فإنه يتوسل بأي إجراء يمكن حمله على حصول الإذن منه بالحرب وتتولى القوى الكبيرة استغلال الموقف مهما كان صغيراً.   

الفصل الثاني

القرار رقم (2216) لسنة 2015م:

في مقدمة القرار تمت الإشارة إلى الرسالة المؤرخة 24 مارس 2015م الموجهة من ممثل اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة والتي يحيل بموجبها رسالة الرئيس اليمني يبلغ فيها رئيس مجلس الأمن أنه قد طلب من مجلس التعاون الخلجي وجامعة الدول العربية تقديم الدعم على الفور بكل الوسائل والتدابير اللازمة لحماية اليمن وشعبه من استمرار عدوان "الحوثيين" بما في ذلك الطلب بالتدخل العسكري، وأشار أيضاً إلى قرار مؤتمر القمة السادس والعشرين لجامعة الدول العربية بشأن التطورات في اليمن والذي يؤكد على استئناف العملية السياسية في اليمن بمشاركة جميع الأطراف وفقاً لمبادرة مجلس التعاون الخليجي ونتائج مؤتمر الحوار .

- ثم تضمن القرار التأكيد من جديد كما في كل مرة على الالتزام بوحدة اليمن واستقلاله وسيادته وسلامته الإقليمية، والتزامه بالوقوف إلى جانب الشعب اليمني وبحسب ما أوضحنا أن الهدف من ترديد هذا المبدأ وتضمينه جميع قرارات مجلس الأمن هو الخشية من أي "تحرك إيراني".

- ثم انتقل إلى تأييده لشرعية عبد ربه منصور وكرر دعوة جميع الأطراف والدول الأعضاء إلى الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات من شأنها المساس بشرعية رئيس اليمن وطالب بالعودة إلى المرجعيات (المبادرة ونتائج مؤتمر الحوار) مع التأكيد على الخطوات السابقة التي اتخذها في قراراته السابقة بهذا الخصوص وأثنى على جهود مبعوث الأمم المتحدة، كما عبّر عن قلقه من التصعيد العسكري الذي يقوم به "الحوثيون"، وعن جميع الإجراءات الانفرادية من قبلهم وطالبهم القيام على الفور دون قيد أو شرط بالآتي:

1- بسحب قواتهم من المؤسسات الحكومية بما فيها المؤسسات الموجودة في صنعاء.

2- التخلي عن المؤسسات الحكومية والأمنية والافراج عن المعتقلين.

3- كرر دعوته جميع الجهات الفعالة من الانسحاب من المؤسسات الحكومية في جميع أرجاء اليمـن،

4- عبر بوضوح أن تلك الإجراءات التي اتخذتها الثورة والمشار إليها في الفقرتين السابقتين تهدد الانتقال السياسي في اليمن وتهدد أمن البلد واستقراره وسيادته ووحدته وتقوض السلام والأمن واستمرار العمل.

5- ثم أشار بوضوح أن تلك الإجراءات تشكل تهديداً خطيراً للدل المجاورة وتشكل أيضاً تهديدا للسلم والأمن الدوليين.

6- أشار في نهاية مقدمته إلى أنه سيتم التصرف وفقاً للفصل السابع.

7- وقد تجاهل موضوع العدوان تجاهلاً تاماً وسار في استكمال ما بدأه في قراره (2140) باتخاذ تدابير عقابية جديدة على الثورة وجميعها تدابير غير عسكرية وإنما في إطار اتخاذ تدابير إحترازية وفقاً للمادة (41) من ميثاق الأمم المتحدة، ومن ذلك ما اتخذه في المادة (15) من القرار بإخضاع الموانئ اليمنية لتفتيش السفن في حالة توافر قرائن ومؤشرات قوية على وجود أسلحة يمكن تهريبها لجماعة الحوثي، وقد أحال القيام بهذه المهمة لجميع دول الأعضاء في الأمم المتحدة وخصوصاً دول الجوار.   

وفي ضوء ذلك يمكن وضع الملاحظات التالية:

1- إن مجلس الأمن ظل ينظر إلى جماعة أنصار الله و"صالح" أحد المكونات السياسية مفرقاً بينها وبين الجامعات الإرهابية، وأن مشكلة هذا الكيان مع المجتمع الدولي هو تقويض جهود المجتمع الدولي في إنجاح العملية السياسية والمحافظة على أمن اليمن واستقراره.

2- أكد على شرعية عبد ربه منصور وحكومته وحذر من المساس بها تحت أي مبرر.

3- أكد على وحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية وحذر جميع الأطراف وجميع الدول الأعضاء من المساس بها. (بالإشارة هنا إلى التدخل الايراني).

4- أكد وبوضوح أن الإجراءات التي قامت بها جماعة الحوثي وصالح، وتدهور الوضع، وتصاعد العنف تشكل تهديداً خطيراً ومتزايداً للدول المجاورة والتأكيد على أنها تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين.

5- تجاهل هذه المرة اتفاق السلم والشراكة واقتصر على ذكر المبادرة ونتائج مؤتمر الحوار الوطني كمرجعيات للحل السياسي، كما أنه أشار في القرار رقم (2140) إلى أن العبرة بنتائج الحوار التي وقع عليها جميع الأطراف إلاَّ أن هذه المرة لم يشر إلى ذلك وإنما اعتبر أن جميع نتائج مؤتمر الحوار ملزمة.

6- القرار تجاهل موضوع العدوان المعلن من قبل دول التحالف رغم أنه تم إحاطته به، إلاَّ أن المجلس لم يباشر بخصوصه سلطاته المنصوص عليها في المواد (33) و (35) من ميثاق الأمم المتحدة من حيث تقدير مدى شرعية التدخل وما يمثله من عدوان وتهديد للسلم والأمن الدوليين، باعتبار أن مجلس الأمن لم يأذن بحصوله، فكل ما اتخذه المجلس هو في إطار التدابير غير المسلحة وفقا للمادة (41) من ميثاق الأمم المتحدة التي أوجبت على المجلس البدء باستخدام هذه الخطوة قبل أن ينتقل إلى اتخاذ تدابير عسكرية وفقاً للمادة (52) مما يقطع يقيناً أن قرار مجلس الأمن رقم (2216) لم يتضمن من قريب أو بعيد إشارة إلى العدوان؛ بل لم يطرح الموضوع عليه، ولم يتم مناقشته، وأن ما قام به المجلس هو كما أوضحنا أنفاً استكمال ما بدأه من فرض تدابير غير عسكرية في القرار السابق بالتأكيد على إعمال المواد (11، 15، 19) من القرار رقم        (2140) .

وهذا ما يفسر عدم الاعتراض على القرار من قبل الصين وروسيا كونهما قد تدخلتا بتعديل مشروع القرار بعدم تضمينه أية إقرار أو شرعنة للتدخل العسكري، وكانت القرارات التي اتخذت ضد أنصار الله وصالح محل اتفاق جميع الدول الخمس.

ومن المهم الإشارة إلى أن هذا الموقف السلبي لمجلس الأمن حتى وإن كان يتضمن كثيراً من القرائن والملابسات التي تجعلنا نفترض وجود موافقة ضمنية من قبل مجلس الأمن على الحرب، إلاّ أنه وفقاً لمقاصد وغايات نشوء مجلس الأمن والأمم المتحدة لا تسمح بأن تكون قرارات المجلس وفقاً للمادة (42) المتعلقة باستخدام القوة المسلحة ضمنية، فلا بد من الإذن الصريح وفقاً للمادة (43، 44، 46) من الميثاق، ولا بد أيضاً أن تكون الحرب تحت إشراف مجلس الأمن ورقابته وفقاً لنص المادة (47، 53) من الميثاق، وان يقوم المجلس بإنشاء هيئة أركانه.

كما أن الأمم المتحدة ما زالت تصف هذه الحرب بغير المشروعة والعبثية وكذلك بالنسبة لعدد كبير من دول العالم بما فيها روسيا.

ومن ناحية ثانية: لا يمكن اعتبار سكوت المجلس عن مناقشة موضوع الحرب وتقدير ما إذا كان يمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليين ويمثل حالة عدوان أم لا،  لا يمكن اعتبارها موافقة ضمنية لدعوى دول التحالف أن ما قاموا به جاء بناء على طلب من الحكومة الشرعية فذلك غير ممكن تصوره بمجرد الافتراض إذ كان يجب طرحه على المجلس ومناقشته من قبل الأعضاء واتخاذ القرار المناسب وفقاً لشروط وآلية عمل المجلس، وفي كل الأحوال إن السماح لدولة عضو في التدخل العسكري وفقاً لهذه الحجة يتنافى وأهداف ومقاصد الأمم المتحدة ولا يوجد نص يسمح بذلك، بل إن القول بذلك فيها مصادرة لأحكام المواد (33، 34، 39، 41، 42) من ميثاق الأمم المتحدة.

ومن ناحية ثالثة: لا يمكن اعتبار موقف المجلس بتجاهله لموضوع العدوان تأييداً لما جاء في بيان دول العدوان باستنادهم على حق الدفاع الشرعي وفقاً لنص المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة للأسباب التالية:     

لو افترضنا أن سكوت المجلس عن مناقشة موضوع العدوان تأييد لحجة دول العدوان بأن ما قامت به هو عمل من أعمال الدفاع الشرعي الذي أجازته المادة (51) من الميثاق دون الرجوع إلى مجلس الأمن؛ لكان من المفترض أن يسبق التدخل حصول عدوان من قبل الدولة المعتدى عليهــا، وهذا ما لم يحصل، وكذلك كان من المفترض أن تقوم دول العدوان بعرض الموضوع مباشرة على المجلس لإيقاف العدوان والحلول محل الدولة المدافعة لإزالة العدوان واتخاذ التدابير اللازمة لحماية من يدعي الدفاع الشرعي.

الفصل الثالث

القرار رقم (2451) لسنة 2019م:

سبق هذا القرار مشاورات تمت في استكهولم تحت رعاية الأمم المتحدة بضغوط كبيرة مارسها المجتمع الدولي، ومن أجل نجاح هذه المشاورات غيرت الأمم المتحدة من طريقة توصيف طرفي النزاع فبدلاً مما كان يتم تسميتها بما في المفاوضات السابقة بالشرعية والانقلابيين أصبحت تطلق عليهما "حكومة الرياض" و"حكومة صنعاء" هكذا تم استخدام هذه التسمية من قبل مبعوث الأمم المتحدة وغيره، وإن كان الطرف الآخر يرفض هذا التحول ورفض توقيع الاتفاق تحت هذه التسميات الجديدة إلا أنه قَبِلَ الاعلان على هذا الاتفاق ومصالح الطرف الممثل لحكومة صنعاء.

وقد كان موضوع الاتفاق، الأول: موضوع تبادل الأسرى، والثاني: تسوية ودية للصراع القائم في الحديدة والذي تضمن القبول بإعادة الانتشار من قبل الطرفين وتسليم موضوع إدارة مدينة الحديدة للقوات المدنية القائمة حالياً وفقاً للقانون اليمني.

وقد كان العامل الإنساني أكبر العوامل التي استعدت الضغط في هذا الاتجاه، والموضوع الثالث: تم التفاهم على عقد مفاوضات جدية لمناقضة الإطار السياسي وتمثل هذه الخطوة والخطوات التي سبقتها اختراقاً كبيراً في طريقة تعامل المجتمع الدولي مع الأزمة، وقد تعمدت بصدور القرار رقم (2451) لسنة 2019م الذي أكد على تأييده لذلك الاتفاق ورغم المفاوضات القادمة وفقاً لمرجعية واحدة هي نتائج مؤتمر الحوار وإغفال الكلام عن قرارات مجلس الأمن جميعها كمرجعيات للمفاوضات القادمة.  

وبالتالي يعتبر هذا القرار تجاوزاً واضحاً لقرارات مجلس الأمن،

ويمكن تحديد التجاوز بالآتي:

1-   التجاوز لشرعية عبد ربه وحكومته.

2-   التخلي عن توصيف أنصار الله بالانقلابيين وإطلاق وصف الوفد الوطني عليه لممثل حكومة صنعاء.

3-   تجاوز الآلية والشروط التي تضمنتها جميع قرارات مجلس الأمن والسابقة للعملية السياسية التي يجب أن تتم والتي كانت تتضمن عدة أوامر إملائية يجب على أنصار الله القيام بها دون قيد أو شرط قبل الدخول في مناقشة العملية السياسية مع التأكيد على التسليم أولاً: بشرعية عبد ربه منصور وحكومته وعلى العكس من ذلك فإن القرار رقم (2451) دعا إلى تجاوز ذلك بالدخول في مفاوضات مفتوحة وفق إطار واحد أمني وسياسي.

المحــاذير:

ولكن ومن ناحية ثانية وفي ضوء أن الدول المهيمنة على مجلس الأمن هي صاحبة القرار والمصلحة لهذه الحرب وهي أهم الدول الداعمة لها؛ لذلك فإن عجز الحرب عن تحقيق الأهداف المرسومة والعلنية لها هي بمثابة الإعلان عن هزيمة هذه الدول وفي ضوء تلك الحقيقة فإنه من غير المتصور أن تكون هذه الدول صادقة في قيادة المفاوضات القادمة بصورة موضوعية تسمح بإيجاد حلول سياسية غير متوافقة  بطريقة أو بأخرى مع أهدافها الرئيسية، بل وحسب كثير من المحللين إن الهدف من هذا القرار هو الهروب من المآزق التي تدخلهم إليها الحرب إلى طريق بديل تصل من خلاله إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية بأقل كلفة عسكرية وأخلاقية.

لذلك يجب التنبه والحذر من الآتي:-

الخشية من تحقيق العدوان عن طريق المفاوضات السياسية ما عجز عن تحقيقه بواسطة التدخل العسكري، والخشية أكبر من أن يتمثل طريق المفاوضات وسيلة لخدمة الجانب العسكري!؟.

والخشية من أن يكون هدف العدوان هو تجزئة الحلول مما يفضي إلى تمكنهم من خلق أقلمة فعلية وشرعنة وجودهم واحتلالهم للمواقع الاستراتيجية في بلادنا وخصوصاً إذا ما استمر القبول بالتمثيلية الهزلية التي تفترض أن المرتزقة يمتلكون القرار بخصوص مستقبل المناطق المحتلة من وطننا، أو أنها تمثل إرادة أبناء تلك المناطق التي يقولون عنها محررة، فمع العلم أن تلك الجماعات التي يراد التفاوض معها ليست سوى أدوات تابعة لدول الاحتلال ترتبط معها برباط تنظيمي بحت كقوات تابعة تبعية مطلقة لها؛ لذلك فإن أي تنازل لهذه القوى فإنه سيكون بمثابة الشرعنة لتواجد تلك القوى المحتلة وتبرير لتواجدها.

والخشية أيضاً أن يكون موضوع المراقبين الدوليين في الحديدة هي طلائع لقوات دولية تتبعها قوات جديدة يكون هدفها شرعنة استمرار تواجد الإمارات والسعودية وهيمنتهما على الجزر والمواقع والمدن الاستراتيجية التي يحتلونها ونظراً إلى تحليلات إضافية تندرج في عمل المختصين في الجوانب السياسية.

الأسباب والدواعي التي تجعلنا نثق أن المجتمع الدولي في الفترة الراهنة جاداً في الوصول إلى حل سياسي:

  1. ومن المهم الإشارة إلى أن ما استدعى هذا التحول الكبير في طريقة التعامل مع الوضع اليمني هو وصول المجتمع الدولي إلى قناعة تامة بفشل العدوان في الحل العسكري رغم ما أعطى من وقت وامكانيات عسكرية كبيرة ودعم سياسي وإعلامي كبيرين غير مسبوقين، وصمت عن الانتهاكات الفظيعة للقانون الدولي والإنساني المصاحبة لهذا العمل العسكري، وكذلك الخشية من أن يؤدي الاستمرار في التغطية على تلك الانتهاكات إلى نتائج عكسية نتيجة تصاعد الأصوات المنددة بهذه الانتهاكات على مستوى المنظمات الإنسانية والحقوقية وعلى مستوى الدول الفاعلة في المجتمع الدولي تشكل رأي عام دولي ضاغط يؤدي إلى زيادة وعي المجتمعات العربية والاسلامية بأهداف هذه الحرب ومدى علاقتها بأهداف ومصالح العدو الصهيوني، وتزايد دعوات الشجب والتنديد لهذه الحرب من قبل مؤسسات فاعلة داخل أنظمة تلك الدول الداعمة لهذه الحرب وعلى صعيد انزلاق الدول المشاركة في الحرب في أزمة اقتصادية يسبب النفقات الكبيرة.
  2. كذلك سقوط جميع الرهانات التي تم الاستناد إليها لإشعال هذه الحرب، فقد كانت دول العدوان - بفعل تدخلاتها الطويلة في الشأن اليمني - تعتقد أنها استطاعت أن تضيع هوية الشعب اليمني الجامعة وأن تفتت وحدته الثقافية، وعمقت من مشكلاته الطائفية والمذهبية والقبلية فانكشف خطأ ذلك الاعتقاد، جهة أخرى اعتقدت أنها قد استطاعت أن تضم إليها كافة القيادات القبلية والزعامات الدينية والحزبية والثقافية القادرة على تغيير المعادلة لصالحها وسقط ذلك أيضاً، حيث أظهر الواقع أن تلك الزعامات ليست أكثر من زعامات كرتونية لا تملك أي تأثير على قواعدها بل على العكس انكشف أن انضمامها لدول العدوان كان من أهم أسباب توحد الشعب اليمني وقناعته بعدم شرعية العدوان.
  3. اعتماد أسلوب القوة المفرطة والغرور في سبيل كسر إرادة الشعب اليمني انعكس سلباً في توحيد الجبهة الداخلية وتعزيز قدرتها على المواجهة.

وقد ارتبط بذلك الرهان عدة أهداف أرادها العدوان وهي نقل الصراع إلى الوسط حيث الكثافة السكانية والمدن الرئيسية بغية الوصول إلى تدمير شامل للبنى التحتية والممتلكات الخاصة وتعميق الأحقاد بين أبناء الوطن الواحد، ولكن التلاحم المجتمعي استطاع أن يحمي جبهته الداخلية ويفوت على العدو أهم أهدافه حين استطاع نقل الصراع إلى حدود العدو والمناطق الخالية من السكان والبنى التحتية، وفرض بذلك المواجهة المباشرة مع العدو الحقيقي وكان من نتائج ذلك أن مثل استمرار الصراع حالة استنزاف مستمرة للعدو على صعيد العتاد العسكري وعلى صعيد الخسارة البشرية.

  1. كان رهان العدو على قدرته على رشوة وشراء مواقف الدول والمنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية واستخدام الإعلام في تغطية جرائمه ضد الشعب اليمني ولكن هذا الرهان سقط بفعل صمود الشعب اليمني طوال أربع سنوات وبلوغ الانتهاكات الإنسانية إلى حد قد لا يمكن السماح به وفقاً للفلسفة التي تقوم عليها الأنظمة الداخلية لهذه الدول والتي بدأت تمارس ضغوطاً شديدة على قادتها من منطلق المحافظة على ما تبقى من القيم التي تدعي أنها تمثل أهم مرتكزات سياستها الداخلية والخارجية.
  2. عدم إمكانية استمرار الحرب التي تُوصل العدو إلى أهدافه؛ ففي ظل المعطيات يظهر أن الشعب اليمني قادر على خوض حرب طويلة؛ فمن المؤكد أن المقاومة قادرة على الاحتفاظ بعشرات الآلاف من المقاتلين القادرين على خوض حرب استنزافية طويلة، ومن جهة أخرى وفي ضوء معرفتنا بما تملكه المقاومة من قدرات عسكرية في المجال الصاروخي والطائرات بدون طيار فإن المقاومة ستكون قادرة على استهداف العمق السعودي والإماراتي وستكون قادرة على استهداف البوارج والسفن الحربية بمهاجمة طريق الملاحة البحرية.
  3. يجب الملاحظة أن رهان العدو على استخدام الورقة الاقتصادية قارب على السقوط نظراً لأن العدو لا يستطيع أن يستمر في استخدامها بهذه الطريقة، فثمة حدود يقف عندها، وتجاوز هذه الحدود يعني الدخول مع المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والإنسانية في صدام لا تستطيع هذه الدول تحمله.
  4. بخصوص الرهان على الشرعية فإن هذا الرهان يسقط تماماً فقد عرف العالم أكذوبة الشرعية:

 أولاً: لأنها فاقدة للأساس الدستوري والديمقراطي والقانوني.

وثانياً: لعجزها عن العودة إلى عدن وعجزها عن حماية نفسها وبقاءها في فنادق الرياض، وعدم امتلاكها أي قرار في الشأن الداخلي والخارجي إلا بحسب ما يملى عليها، فكل شيء تتحكم فيه قوى الاحتلال التي صنعت المليشيات ومارست الاغتيالات وأنشأت المعتقلات ومارست أبشع الانتهاكات في حق أبناء تلك المناطق بحسب التقارير الأممية، وعطلت الموانئ والمطارات تاركة تلك الحكومة الكرتونية يتنافس أفرادها على نهب عوائد النفط وتقاسم الموارد التي تفرضها خارج القانون على المواطنين ونهب المرتبات والمضاربة في الدولار.

عرف العالم بأكذوبة الشرعية من خلال مشاهدته كيف أنها مثلت الغطاء لاحتلال جزرها وأراضيها وتواجدها العسكري في المناطق والجزر البعيدة عن مناطق النزاع، وغطاء لكل الممارسات الفظيعة التي يقوم بها العدو من تدمير مقدراتها وممارسة القتل للأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء في المنازل والطرقات والأسواق والمدارس والمستشفيات دون ضرورة عسكرية، وممارسة الحصار غير المسبوق بهدف تجويع الشعب وتركيعه دون مبرر أو مسوغ عسكري، مع أن المفترض من أن الشرعية تعمل على حماية الشعب، وهذا كله بحسب تقارير أممية وحقوقية ودولية.

وفي المقابل استطاعت حكومة صنعاء إثبات شرعيتها الفعلية في ضوء ما تقوم به من بسط الأمن والنظام داخل المدن بصورة غير مسبوقة، وطرد الإرهاب وتأمين الطرقات العامة والحفاظ على استمرار عمل مؤسسات الدولة وتقديم الخدمات للمواطنين ومنذ أربع سنوات وما زالت الجماهير الغفيرة تخرج في أصدق تعبير عما حظيت به من التأييد الشعبي والقبول المجتمعي لها وللقيادة التي تمثلها، وهذا هو ما يتم احتسابه ومراعاته للحكم على وجود الشرعية من عدمها في ظل الدول المؤمنة بالآليات الديمقراطية والمؤمنة بأن الشعب هو مصدر كل السلطات والشعب اليمني على ثقة أن إصرار دول العدوان على استمرار إغلاق مطار صنعاء ليس إلا خوفاً من أن المجتمع الدولي سيتعامل مع حكومة صنعاء الوطنية.

 

 

 

 

 

 

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة