Logo dark


إيران تقابل قرار ترامب بالمثل .. ومحورها المقاوم: إن تطلب الأمر سيكون الرد قاسياً

( أكاديمي ومحلل سياسي سوري , waddahessa@gmail.com )

في سابقة خطرة، أدرجت الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني على لائحة من تسميهم" المنظمات الإرهابية الأجنبية"، وبررت هذا الإدراج بأنه يساعدها وحلفاءها في المنطقة على تحقيق الأهداف المتعلقة بـ "أمنهم القومي"، بما يعنيه كخطوة غير مسبوقة تهدف إلى تمهيد الأرضية للمشروع الصهيو- أمريكي مستغلة واقع المنطقة المتردي والتي كانت سبباً أساسياً في وصوله إلى ما هو عليه الآن.

قرار الإدارة الأمريكية غير المسؤول ضد إيران وحرسها الثوري لاقى انتقاداً دولياً واسعاً؛ باعتباره استمرار للنهج الأمريكي المفضوح في "شيطنة" الدول المناهضة لهيمنته، واعتداء سافر على سيادة الدولة الإسلامية الإيرانية؛ جسده الاندفاع الأمريكي التآمري - المنحاز بشكل مطلق لكيان الاحتلال الصهيوني وأطماعه التوسعية - المندرج ضمن نطاق الضغط والحرب غير المعلنة ضد طهران.

ما نحت إليه إدارة دونالد ترامب في حماقتها الجديدة باستهداف إيران كإجراء استباقي لتضييق الخناق عليها لحاجة في نفس الفكر المتصهين باتت مفهومة ومعروفة للجميع، وقد يتبعه تهديدات أخرى وفق ما يعلنه دونالد ترامب من مواقف استفزازية تنذر باحتمال فرض عقوبات مشددة ضد إيران ومضاعفتها خدمة لمشروعها في الهيمنة، والتي بدأت ملامح اندحاره تظهر بوضوح مع الانتصارات المتلاحقة التي يحققها المحور المقاوم والممانع- بما تعنيه من إسقاط للمشروع الصهيو- أمريكي- على التنظيمات الإرهابية وكيلة واشنطن وذراعها المتقدم "إسرائيل" في حربها الإرهابية على دول وشعوب المنطقة.

ولابد هنا من الإشارة إلى أن إدارة ترامب تتبع نهجاً شديداً تجاه إيران مقارنة مع إدارة سلفه باراك أوباما، إذ اتخذت ولاتزال مجموعة واسعة من الخطوات ضد طهران بما فيها الانسحاب من الاتفاق النووي، ناهيك عن مزاعمها التي تتخذها ذريعة ولا تزال في فرض حزم كبيرة من العقوبات على إيران، فضلاً عن إدراج شخصيات وكيانات اعتبرتها مرتبطة بالحرس الثوري في "قائمة الإرهاب".

الاستفزازات الأمريكية بقراراتها الأخيرة غير المسبوقة بشأن المنطقة والتي تعد انتهاكاً للقوانين والمواثيق الدولية، ستقابل برد قوي لن تقدر الولايات المتحدة ومن يقف في صفها على تحمل تبعاته؛ وهذا ما أظهرته ردود الأفعال المستنكرة والرافضة لكل الإجراءات الأمريكية المرفوضة جملة وتفصيلاً والتي تستهدف ليس الحرس الثوري الإيراني وإيران فحسب، وإنما المنطقة برمتها وشعوبها ودولها !.

وفي ردها على إدراج واشنطن الحرس الثوري الايراني على "قوائم الإرهاب"، صنفت إيران القيادة المركزية الأمريكية المتواجدة في منطقة غرب آسيا "سنتكوم" كـ "منظمة إرهابية"، سيكون لهذا المعيار الجديد انعكاس واضح في الواقع، ولاسيما أن الحماقات المتكررة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمست عاملاً أساسياً في توتير المشهد الدولي، في وقت تفاقم فيه تدهور العلاقات بين طهران وواشنطن بانسحاب ترامب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والقوى العالمية في أيار من العام المنصرم وأعقبها ترامب بفرض عقوبات على طهران، وزاد من أوارها إقدامه على تصنيف قوات عسكرية رسمية لدولة عضو في الأمم المتحدة «منظمة إرهابية» بما قد يتمخض عنه من عواقب وخيمة تجر المنطقة والعالم إلى حرب كارثية لا يمكن التنبؤ بنتائجها وآثارها المدمرة على العالم برمته.

وأول رد إيراني بعد أن حذر من عواقب قرار ترامب تصنيف الحرس الثوري ضمن قوائم "الإرهاب" الأمريكية على الأمن الإقليمي؛ أدرج مجلس الأمن القومي القوات الأمريكية "سنتكوم" على لائحة إيرانَ للمنظمات الإرهابية، وحمّل الولايات المتحدة التداعيات الخطرة لقرار إدارتها الأرعن ضد الحرس الثوري، ورأى فيه إجراءً خطيراً وغير قانوني ينتهك الميثاق الأممي ويهدد الأمن والسلم الدوليين، عقب توجيه وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بالاستناد إلى قانون التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان، والإجراءات الأمريكية المغامرة والإرهابية في المنطقة، والذي أقره مجلس الشورى رسالتين إلى رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الأعلى للأمن القومي حث فيهما إدراج "سنتكوم" على لائحة الإرهاب.

وفي هذا السياق رأى المرشد الأعلى للثورة الإيراني علي خامنئي أن "أهداف أمريكا من إدراج الحرس الثوري على لائحة الإرهاب لن تتحقق، فالأمريكيون أمثال ترامب والحمقى حول إدارته وأعداء إيران فعلوا ما بوسعهم طيلة 40 عاماً ولم يتمكنوا من ارتكاب أي حماقة ضد إيران، رغم جميع الضغوط السياسية والاقتصادية والإعلامية، وكان الحرس الثوري سباقاً في محاربة الأعداء سواء على الحدود أو على بعد آلاف الكيلومترات، وعداء أمريكا للحرس الثوري يعود لدفاعه عن إيران وثورتها في  مواجهة الأعداء عسكرياً وسياسياً، كما أن قوة إيران في نظر العالم الإسلامي تكمن في صمودها وتضحياتها وحكمة شعبها ... قوة إيران ليست في صناعة القنبلة النووية، فقد أكدنا منذ البداية أن ذلك يتعارض مع مبادئنا الدينية، ولا حاجة لنا بصناعة السلاح النووي، لا حاجة لإيران بصناعة الأسلحة النووية".

وحذر الرئيس الإيراني حسن روحاني الولايات المتحدة في حال نفذت قرارها الذي رأى فيه مجرد شعار سياسي ودعائي بأنها ستواجه كارثة، ورأى في الاستهداف الأمريكي للحرس الثوري تعويض عن هزائم الولايات المتحدة المتلاحقة، وسيزيد من شعبية الحرس الثوري في إيران والمنطقة، وبينما أقر مجلس الشورى (البرلمان) هذا الإدراج في رده على القرار الأمريكي، هدد الحرس الثوري القوات الأمريكية في المنطقة بزعزعة أمنها، وباتخاذ إجراءات مضادة وفقاً لسياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية إذا أقدم الأمريكيون على حماقة تعريض الأمن القومي الإيراني للخطر، وبمضاعفة قدراته الدفاعية والهجومية واعتماد استراتيجية الرد بالمثل على أي اعتداء، والدفاع عن البلاد بشتى الوسائل.

واستمر الرد الإيراني على القرار الأمريكي الأرعن من دون توقف،  حيث نددت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية بـ "الإجراء الأمريكي العدائي"، وتعهدت في بيان لها بأنها لن تدخر جهداً في دعم إجراءات الحرس الثوري من أجل التصدي للقوات الأمريكية الناشطة في المنطقة وصنفتها طهران إرهابية، وبينت أنه ومن خلال التحقيق في الإجراءات المتهورة التي مارستها الولايات المتحدة  في المنطقة على مدى العقود الماضية، تتبلور هذه الحقيقة التي تكمن في أن واشنطن لم تدخر جهداً في سياق توفير ملاذ آمن للكيان الصهيوني وتبرير جرائمه في قتل الأطفال وزعزعة الاستقرار على صعيد منطقة غرب آسيا.. وأن أمريكا وفي ضوء دورها الرئيس في تكوين ودعمها الخفي والعلني للجماعات الإرهابية مثل "داعش والقاعدة والنصرة"، عمدت إلى القيام بممارسات إرهابية وإذكاء الفوضى في أرجاء العالم، حيث أن التطورات على مدى السنوات الأخيرة في العراق وسورية وأفغانستان، والدعم السافر لتنظيم "داعش" الإرهابي يشكل أحد نماذج هذه الممارسات الرامية إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي من جانب الولايات المتحدة، بحسب البيان.

ورأت هيئة الأركان أن حرس الثورة الإسلامية يمثل أحد ركائز القوات المسلحة في إيران ولعب دوراً مهماً في القضاء على "داعش" في كل من سورية والعراق، وذلك تلبية لدعوة السلطات في كلا البلدين، مما كبد أمريكا الراعية للإرهاب في المنطقة هزيمة منكرة أخرى، وشددت في ختام بيانها بأنها على بتصنيف الولايات المتحدة الأمريكية كياناً راعياً للإرهاب، والقيادة المركزية الأمريكية المسماة بـ"سنتكوم" وكافة المقرات والوحدات والقوات التابعة لها بأنها مجموعات إرهابية.

التحرك الإيراني ضد حماقة ترامب الجديدة لم يتوقف على الصعيد الرسمي فحسب، وإنما على الصعيد الشعبي المزلزل باحتجاجات واسعة عمّت أنحاء البلاد رفع المحتجون لافتات كتب عليها عبارات "أنا من الحرس أيضاً"، و"تسقط أمريكا"، وهتفوا: "ماذا تظن أمريكا؟ إيران زاخرة بالحرس"، وجاءت الاحتجاجات بعد أن ندد مسؤولون إيرانيون بقرار ترامب الجائر، والرد عليه بالمثل.

وموقف المحور المقاوم من الحماقة الأمريكية الجديدة لم يكن أقل وتيرة من الرد الإيراني القوي، فسورية أدانت بشدة قرار الإدارة الأمريكية ضد الحرس الثوري الإيراني؛ الذي يمثل اعتداءً سافراً على السيادة الإيرانية، ورأت أن خطوة اللامسؤولة للإدارة الأمريكية وإن أتت في سياق الحرب غير المعلنة التي تشنها الولايات المتحدة  ضد إيران، وأساساً لخدمة الكيان الاحتلال الإسرائيلي والمشروع الاستعماري الغربي في الهيمنة على المنطقة يجعل من الإدارة الأمريكية الحالية الأكثر صهيونية في تاريخ الولايات المتحدة، إلا أنها تشكل بالمقابل وسام شرف للحرس الثوري الإيراني، واعتراف بدوره الريادي في الدفاع عن سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقرارها الوطني المستقل، وأيضاً بدوره المهم في محور المقاومة والممانعة ضد نزعات الهيمنة والغطرسة الأمريكية، وفي مواجهة العدوان التوسعي الصهيوني ضد دول المنطقة وشعوبها.

وفي الوقت ذاته أدان الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في خطابه بمناسبة "يوم الجريح" القرار الأمريكي ورأى فيه ردة فعل على هزيمة أمريكا وخيبتها، وأن الإدارة الأمريكية إرهابية عقلية وثقافة وممارسة، ومن قمة الوقاحة والحماقة الأمريكية تصنيفها المدافعين عن الأوطان والكرامات والأمن والاستقرار والمستقبل، بأنهم "إرهابيون"، وأكد وقوف حزب الله إلى جانب الحرس الثوري، وبين أن من حقهم الطبيعي وواجبهم مواجهة كل تهديد وأن الرد سيكون مناسباً في حال استدعت الحاجة.

لابد هنا من لفت الانتباه إلى أن ما درجت عليه إدارة ترامب من إجراءات أحادية بحق دول عديدة في العالم، سيدفع الولايات المتحدة إلى عزلة دولية عاجلاً أم آجلاً؛ وستكون نتائجها كارثية سيدفع ثمنها الشعب الأمريكي باهظاً قبل غيره من الشعوب المستهدفة التي لن تتأثر بالقدر الذي تسوقه إدارة ترامب و«إسرائيل» والذي يأتي في إطار الحرب النفسية ضد الدول والشعوب بقصد الهيمنة؛ إلا أن رهانهما فاشل في ظل صحوة الشعوب، وانكشاف الخديعة الأمريكية- الإسرائيلية وخسّة أهدافهما على حساب دماء الأبرياء.  

الإجراءات الأمريكية الجائرة على إيران ليست جديدة وقد اعتادت طهران على الحماقات الأمريكية منذ نجاح الثورة الإسلامية، واستطاعت أن توظفها لمصلحة الشعب الإيراني، رغم الحصار الأمريكي والحرب الاقتصادية، وحققت إنجازات كبيرة جداً على مختلف المجالات جعلت من إيران دولة لها مكانتها الإقليمية والدولية التي يحسب لها ألف حساب، فلديها كامل القدرة على التأثير دولياً والدفاع عن حقوقها والرد القاسي إن تطلب الأمر، فهل يرتدع المعتدين على الشعب الإيراني وحقوقه وقواته المسلحة؟!.

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة