Logo dark


إخوان العدوان.. خلفيات التخادم والتصادم

( مُفكر ومحلل استراتيجي وسياسي – رئيس تحضيرية الاشتراكي اليمني (ضد العدوان) , )

بعيداً عن الذرائع الأمنية التي ادعاها كل طرف فإن المؤكد أن المبادرة إلى الصراع هذه المرة كانت من جانب مليشيا الإصلاح المدعومة من محافظ هادي، نبيل شمسان المعين أخيراً، وقيادة محور تعز العسكرية والأمنية والطرف الذي يتبعه في مركز العدوان، أي الشرعية الهادوية وعلي محسن وجهاز المخابرات السعودية، وطرف فيها معني بإدارة التناقضات الجانبية مع الطرف الإماراتي الحليف التابع لها.

والنتيجة الأساسية هنا هي أن الصراع كان امتداداً لصراع الطرفين في ساحات عدن وغيرها من ساحات السيطرة العدوانية بقرنيها السلفيين الأمريكيين الصهيونيَّين، بهدف توسيع نفوذ كل طرف من أطراف العدوان محلياً وإقليمياً ودولياً.

هي حرب باردة تُخاض داخل أجنحة العدوان نفسه في سياق إعادة التنظيم والتموضع العامة وتكريس التوازنات القائمة والجديدة بين الأطراف، وخاصة عشية الانتقالات الكبرى في مسار الصراعات الجارية الآن، فكل مرحلة لها أولوياتها ومطالبها وحساباتها وقواها الطليعية التي تقف على طليعتها وتتطابق مصالحها مع مصالح العدوان العليا بحيث تصبح أغراضه هي أغراضها، وفي كل طور جديد تتقدم قوى وتتخلف أخرى وتتبدل قيادات وشخصيات لتفسح الطريق أمام غيرها من القوى والقيادات الجديدة والصاعدة، ولكن القوى المسيطرة القديمة بطبيعتها لا تخلي مواقعها بسهولة دون مقاومة أبداً، فلذلك ترتدي عملية إعادة التنظيم بين الأطراف العدوانية أشكالاً من الإزاحات المُرة والدموية المحدودة أحياناً والموسعة أحياناً أخرى.

إن علاقات السيطرة والسيطرة المضادة وإعادة التنظيم والتموقع بين المليشيات المرتزقة لا تتم إلا عبر الإزاحات واستعراض القوة الجافة والمباشرة وهذا الشكل من الصراع لا تعرفه مناطق الجيش اليمني إلا نادراً وفي حالات ناتجة عن المؤامرات والفتن، وليس بين أشقاء في قوة واحدة كما يحدث لدى العدو ومناطق سيطرته. صراعات الدم لا تحدث هنا بين الإخوة، ولا تحدث إلا مع قوة معادية اخترقت أو تسللت.

صراع استنزاف لا حسم فيه لطرف، وإن غلب فهو صراع بين أشقاء العدو حول نتائج التركة، نتائج الغنيمة، وهو ضرب من آلية مرتبة سلفاً من قبل قيادة العدوان الاستراتيجية لإدارة القوى والسيطرة عليها والتلاعب بها واستغلالها وتوظيفها ومنع وحدتها، ولا يمكن أن يصل إلى نهاية حاسمة لأحد الطرفين على الآخر، فسرعان ما يتدخل المشغل الأعلى لإعادة الأمور إلى مجاريها في إطار خدمة العدوان ووفقاً لشروطه ومصالحه بعد أن يكون قد بلغ مأربه المرحلي وحافظ على الطرفين ولو قرص أحدهما.

 ويجري الصراع في إطار إعادة توزيع السيطرة على الجغرافيا المحتلة بين أطراف العدوان الإقليميين والإعداد للطور التالي من المخطط، أي أن تعز مقدمة على اختبارات وتطورات بعد فترة من البيات الشتوي طالت، ويعتمد بدوره على عمليات إعادة تقييم لأهمية المناطق والمراكز التي يسيطر عليها كل طرف والأهداف المرجو تحقيقها ومدى تطابقها مع الأهداف العدوانية المباشرة في الطور الجديد.

تغيير التوازنات يغير السياسات

مع نهاية العام الثاني كان العدو قد تكبد الهزائم المُرة في جبهاته الشمالية الشرقية والغربية، وكانت السعودية قد أضحت عاجزة عن حماية حدودها الاحتلالية القديمة التي كانت لها قبل العدوان في الحد الشمالي الجنوبي، وأصبحت قوات الجيش واللجان الشعبية تتوغل داخل الحدود السعودية وقد اخترقت الخطوط الدفاعية الأولى والثانية، وأضحت تفرض سيطرتها النارية على مناطق واسعة في عمق حدودها القديمة،  ووقعت السعودية وعدوانها وأسيادها في ورطة وفي أزمة خانقة وهرعت نحو أسيادها تبحث منهم عن مخرج يخلصها من الانهيار الوشيك.

وللخروج من أزمة العدوان فقد اتجه ترامب إلى إعادة تنظيم القيادة في الميدان عبر تكليف الإمارات وقواتها الخاصة بالإشراف على إدارة العمليات البرية وسط اليمن وشرقها وغربها والدفع بقواتها ومرتزقتها إلى الساحة الجنوبية الغربية والساحل التهامي لنقل اهتمام قوات الجيش واللجان بعيداً عن العمق السعودي واستنزافها في مناطق هي غير مستعدة لخوض معارك فيها بنجاح، لأنها مكشوفة تحت سطوة الطيران وتحت سيطرة القوى البحرية والجوية العدوانية وأساطيلها العملاقة، وأصبحت تعز ومحيطها الغربي ومناطقها الساحلية الواقعة تحت السيطرة العدوانية ساحة الاستنزاف العدواني الجديد تحت قيادة القيادة الإماراتية في عدن الصغرى.

وبدخول الإمارات وقواتها الخاصة -مزهوة بما حققته جنوباً- إلى الميدان وتمددها شمالاً نحو أطراف تعز، شعر إخوان تعز أنهم لم يكونوا ولم يعودوا فرس الرهان الأكبر للإمارات في الطور الجديد، لأسباب يطول شرحها هنا، منها حملات التشهير المتبادلة بينهما بعد الربيع الماضي، وتعارض الدور العدواني المطلوب إنجازه على المسرح الجنوبي والغربي، والرهان على قوى أخرى، حيث ظهرت قوى جديدة تراهن عليها الإمارات تتطابق مصالحها مع الدور الجديد للعدوان، بينما انتقل الإخوان إلى الدور الثانوي التكميلي -ولو مؤقتاً- بعد انكسار هجمات العدوان في المسارح الشمالية الشرقية والمركزية وانتقاله إلى مراكز جيوستراتيجية أخرى ذات أولوية أعلى في الطور التالي من العدوان، طور التراجع الاستراتيجي إلى قواعده والتحول إلى الدفاع الاستراتيجي حول القطاعات البحرية الصحراوية المحتلة من الوطن على السواحل والموانئ والجزر ورؤوس الجسور البرـ بحرية ومنابع الثروة وإحكام السيطرة على تلك القطاعات، مع مواصلة حروب الاستنزاف شمالاً وإن بوسائل متعددة ومعقدة، وكلها مهمات لا تريد الإمارات مشاركتها مع الإخوان وفروعهم.

استخدمت السعودية الإصلاح كمنصة للشرعية يوفر المشروعية للتدخل الأجنبي والعدوان، متعشماً تمكينه من حكم اليمن بعد احتلاله وتصفية الأنصار والقوى الوطنية الثورية. وكانت تلك خدمة عظمى للعدوان الأجنبي أداها الإخوان لأسيادهم، لكن المفاجأة كانت عندما تم إبعاد ما يُسمى "حكومة الشرعية" من عدن والجنوب، وتم سحب السلطات المحلية في عدن وحضرموت وبقية المحافظات وتسليمها إلى قوى الحراك الانفصالي ـ الإماراتي، والشروع بخطوات متوازية كلها تتمحور حول تقليص نفوذ الإصلاح في الجنوب، فقد شنت المخابرات الإماراتية حملة اعتقالات وملاحقات شملت آلاف العناصر التابعة للإصلاح، وتواصلت أعمال الاغتيالات لأئمة وخطباء مساجد محسوبين على الإصلاح، وذلك بهدف اجتثاث سيطرة الإصلاح على المساجد في عدن والجنوب وتولية عناصر سلفية إماراتية التوجه بدلاً عنهم، كما استهدفت الاغتيالات والتصفيات ضباطاً ورجال أمن وموظفين مهمين في مختلف مرافق عدن والجنوب، كالمطارات والموانئ والشرطة والجمارك والضرائب وإدارات المناطق والمديريات والمحافظات وقيادات الألوية والوحدات العسكرية.

كان هذا يعكس سياسة جديدة من قبل التحالف العدواني تجاه الإصلاح، قوامها اعتباره قوة شمالية معادية للجنوب ودولته السابقة والجديدة التي تقيم أسسها الإمارات والسعودية سراً، بينما الإصلاح يعد عائقاً رئيسياً لإقامتها وفصلها وضمها وسلخها عن دولة الجمهورية اليمنية، كما كان هذا تقليصاً لنطاق شرعية هادي في الوقت نفسه، حيث حصروها في الإقليم الشمالي وحده، وتم حجزه وحكومته في الرياض بعد شن حملة إرهاب منظمة استهدفت الحكومة ومقارها قيدت ضد مجهول، وختمت في أهم أطوارها بإزاحة الوحدات العسكرية والأمنية المحسوبة على الإصلاح وهادي التي كانت تشرف على أهم النقاط والمرافق والمحاور والمعسكرات، وجرت عمليات عسكرية هجومية شاركت فيها من الجو المروحيات الحربية الإماراتية التي تدعم ألوية الحراك الإماراتي بقيادة شلال شائع والزبيدي للسيطرة على المواقع التي كانت تحت سيطرة الإصلاح ودفعه إلى إعادة تمركزه في نقاط معينة محدودة خارج المراكز السابقة، وتوجيه طاقاته نحو تعز، وأيضاً الشمال الشرقي، أي الحدود مع السعودية.

في عدن استخدمت ألوية الحزام الأمني الإماراتية القيادة المكونة من عناصر الحراك السلفية والوهابية والقاعدة وداعش وأغلبهم من محافظتي لحج والضالع ويافع معقل الاحتلال السلفي الإماراتي بريطاني الهوى، بينما في المحافظات الجنوبية الأخرى استخدمت الإمارات النُخب القبلية المحلية التابعة لها، مثل النخبة الشبوانية والحضرمية والسقطرية والمهرية والمأربية.

في كل المناطق الجنوبية الساخنة تحارب الإمارات ومرتزقتها الحراكيون على جبهتين، فمن جهة تحارب الجيش واللجان في محاولة لاحتلال أراضيه الحرة، ومن جهة أخرى تحارب حليفها وخادمها الإصلاح في الجنوب والساحل رغم الحاجة إليه، كان آخرها نتائج تطورات محافظة الضالع قبل أسبوعين ومصير اللواء 30 مدرع وقيادته وسقوط عشرات المواقع بأيدي قوات الجيش واللجان التي باتت على مقربة من معسكر الصدرين في مريس الضالع، وإعلان قياده اللواء ومعها عدد من الكتائب الانضمام إلى قوات الجيش واللجان والتخلي عن جانب العدوان بعد تعرضهم لممارسات مهينة ومحاولات اجتثاثات مسلحة بالاستعانة بألوية الحزام الأمني الإماراتية لتحل محل اللواء ذي القيادة الشمالية التي كانت محسوبة على الإصلاح والفرقة الأولى مدرع، وقد اعترف العدوان في إعلامه بفقدان الاتصال بالمئات من جنود اللواء بعد المعارك الأخيرة حول مريس ـ ناصة ـ قعطبة ـ دمت.

دمامل وقنابل

إن حساسية الإمارات وتحفظاتها تجاه الإخوان (الإصلاح) كانت لها نتائج وخيمة على العدوان ككل، ومع ذلك فهي سائرة عليها بقوة دون تراجع ولو سقطت الضالع بأكملها، لأن لديها مشروعاً بديلاً يعوضها عما تفقده الآن، وهي حساسية يشاركها إياها بن سلمان وأبوه بلا شك، وإن كان ذلك من تحت الغطاء وفقاً لحساباتهم في الطور الجديد من العدوان الذي يختلف جوهره عن سابقه، كما تختلف قواه الرائدة صاحبة المصلحة المستعدة لدفع الأكلاف المطلوبة لإنجازه. فالإخوان كانوا هم قاعدة الطور العدواني الأول الأساسي، وقد تحملوا أكلافه البشرية والسياسية وخسائره، وخسروا معاركه، مما سبب الخسارة الاستراتيجية للعدوان ككل، وفي المقدمة السعودية، قائدة العدوان، ومعها الأمريكان وغيرهم.

وتوصل العدوان المركزي إلى الإقرار بفشل المشروع أو المخطط الأول، وهو عودة الشرعية الإخوانية إلى المركز اليمني، إلى العاصمة، بعد الهزائم المتوالية حول العاصمة واختراق الحدود السعودية من قبل قوات الجيش واللجان وإجبار السعودية على العودة إلى الدفاع الاستراتيجي عن حدودها التي تحولت إلى بؤر استنزاف دائمة لقواتها ولقواها المالية والعسكرية والمعنوية

لقد فشل مشروع غزو الشمال المركزي من الشمال الشرقي والغربي، ويتجه العدوان الإماراتي إلى تعزيز الاحتلال للجنوب وفصله وسلخه وضمه خارج الدولة اليمنية، وهذا هو المشروع العدواني في طوره التالي ومساره الموازي للمسار العام المعلن، وهنا تتصادم حسابات الإخوان التي حُصرت شمالاً وتتعارض مع مشاريع الشرعية والانسلاخ.

الوجه الآخر للانسلاخ العدواني الجاري العمل عليه وتأسيسه هو تفتيت الشمال، بدءاً من تعز وشقه أشتاتاً وأجزاءً، فالعقيدة المخفية للعدوان تجاه تعز تتمثل في أنها تضمر لها الشر كمكون جغراديمغرافي جامع ضام ورابط وموحد وطليعي ووسطي، يتمتع بثقل وطني كبير، تحرري واستقلالي وتقدمي مستنير، وتعايشي أخوي، حاضن للجميع، ومحب للجميع، ذي موقع مسيطر وحاكم ومتحكم، وممر حضارات الغرب والشمال الأفريقي القديم من الفراعنة إلى الحبشة في شمال أفريقيا، أرض آلهة الحب والخصب والجمال والحرية والنور والعزة والمنعة، تاعوز القديمة، تعز قديمة آلاف السنين من الحضارة، ومعناها القديم أرض العز، واسمها أرض الإله أو المقه بالفرعونية القديمة والسامية والحميرية.

 

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة