Logo dark


مفهوم "التحرر الوطني" في تجربة ثورة 14 أكتوبر

( باحث , )

مقدمة:

 انطلقت ثورة التحرر الوطنية 14 أكتوبر كنتيجة تاريخية لتطور الحركة الوطنية في الجنوب اليمني المحتل في النصف الأول من القرن العشرين، وتطور القوى السياسية الديمقراطية في شمال الوطن، وقد تداخل نضال الحركة الوطنية اليمنية في شمال الوطن وجنوبه في ثورتي سبتمبر واكتوبر.

قامت ثورة 14 أكتوبر بصورة رئيسية ضد الاستعمار البريطاني وركائزه المحلية من السلطنات ونمط الإنتاج الاقطاعي الذي قامت عليه، ولم تكن شرارة الثورة في ردفان، إلا إيذاناَ بأن الشعب اليمني بات مستعداً لمواجهة التسلط والاستغلال الاستعماري السلاطيني.

انطلقت الثورة من الريف والمناطق المحاذية للمحافظات الشمالية، لتندمج الجبهة المسلحة مع نضالات أبناء المدن المدني منهم والنقابي والعمالي والسياسي، وبخلاف التمردات القبلية والنضالات السابقة المشتتة وغير الناضجة وفرت الجبهة القومية التنظيم الذي وحد النضالات الريفية والمدنية على أساس أولوية الكفاح المسلح إلى جانب الأشكال النضالية الأخرى، وبناء على برامج عمل كفاحية مخططة.

استمر الثورة خمس سنوات من 14 أكتوبر 1963م حتى 30 نوفمبر 1967واجهت خلالها تحديات عسكرية وأمنية وسياسية مختلفة، داخلية وخارجية، لكن الجبهة القومية واصلت الكفاح والنضال الشامل حتى تحقيق الاستقلال الوطني الناجز.

تميزت ثورة 14 أكتوبر بكونها موجهة نحو العدو الأجنبي الإستعماري -إلى جانب القضايا الاجتماعية الديمقراطية- فهي الثورة الوطنية اليمنية الحديثة التي بُينت على أساس الفهم الجديد لمهام التحرر الوطني.

كان من الطبيعي أن يظهر مفهوم التحرر الوطني في الثقافة السياسية اليمنية الحديثة من تجربة ثورة 14 أكتوبر، لكونها قامت ضد نظام إستعماري إمبريالي في ظروف نهوض حركات التحرر في العالم عقب الحرب العالمية الثانية وإنهيار نظام الاستعمار الإمبريالي القديم.

تاريخياً يعد عبد الله عبد الرزاق باذيب أول من تطرق إلى القضية الوطنية اليمنية بمفاهيمها الحديثة، في كتاباته الصحفية منذ الخمسينيات وفي "الميثاق الوطني" للاتحاد الشعبي الديمقراطي الذي صدر عام 1961م وكتيب "حركتنا الوطنية إلى أين تتجه" الذي كتبه علي باذيب أحد قيادات الاتحاد الشعبي، وصدر 1961م عن "لجنة مقاطعة إسرائيل".

أدرك ثوار 14 أكتوبر أن ثورتهم وطنية، ولكن دون استيعاب المفهوم بشكل دقيق، فقد انطلقت الثورة من الواقع لا النظرية، وطوال سنين الثورة تطورات المعركة الوطنية ومعها استيعاب أعمق لمهام التحرر الوطني، فقد تطور استيعابهم النظري بتطور المهام تحت إلحاح الواقع.

القضية الوطنية في ثورة 14 أكتوبر المجيدة

تطور فهم ثوار 14 أكتوبر للقضية الوطنية وأبعادها المختلفة خلال الممارسة الثورية، مع مواجهة التحديات الثورية ومع بروز المهام الجديدة؛ فكانت حركة الفكر المترابطة مع النشاط تتعمق أكثر فأكثر، ويرتقي الخطاب الوطني من التجريد النظري إلى المهام الملموسة، بداية من الميثاق الوطني للجبهة القومية الصادر عام 1965م وصولاً إلى برنامج استكمال مهام الثورة الوطنية الديمقراطية أواخر عام 1968م، وهي الفترة موضوع التناول هنا، باعتبار أن الأفكار الوطنية خلال هذه الفترة كانت تعبر بصورة رئيسة عن التنظيم القائد لثورة 14 أكتوبر من بداية الثورة حتى تشكيل أول حكومة ثورية.

يُعد الميثاق الوطني للجبهة القومية 1965م أول وثيقة نظرية عبر فيها التنظيم القائد للثورة عن نظرته للقضية الوطنية والوحدة اليمنية، ووحدة أراضي الشطر الجنوبي من الوطن وخصوصاً جزره، والطبيعة الاستعمارية السياسية والاقتصادية والعسكرية والأهمية الجيوبوليتيكية لعدن وطبيعة التغيير المنشود، حيث يؤكد الميثاق أن الثورة لا تهدف إلى إجلاء المستعمر من المنطقة فحسب وإنما تغيير الواقع الاجتماعي الذي صنعه الاستعمار تغييراً جذرياً في كل مفاهيمه وقيمه وعلاقاته الاجتماعية وفي السياسة الدولية.

مثّل مؤتمر زنجبار بعد الاستقلال في مارس 1968م انتقالاً من التنظير الثوري العام إلى تحديد القضايا التي واجهتها قوى الثورة عقب استقلالها، وكانت أبرز التحديات التي تهدد جنوب اليمن المستقل حديثاً هي الحرب السعودية الغربية على النظام الجمهوري الوليد في صنعاء، كما أكدت قرارات "مؤتمر زنجبار" التضامن مع الشعوب المناضلة ضد الاستعمار والإمبريالية والصهيونية؛ فثورة 14 أكتوبر بعد أن انتصرت وجدت أنها مطوقة بالوجود الاستعماري، ونلاحظ هنا أن التحرر الوطني بات مشروطاً بانتصار الجمهورية في شمال اليمن، وانتصار قوى الثورة في المحيط الدولي.

في البرنامج الوزاري لحكومة الثورة في يونيو 1968م تعمق فهم القضية الوطنية، ومهام التحرر الوطني، وباتت مسألة مواجهة الثورة المضادة -السلاطينية الاقطاعية والغزو الأجنبي المدعوم من الاستعمار والرجعية الخليجية- جزءاً من مهام التحرر الوطنية، كما واجهت الثورة تحديات اقتصادية وأمنية وتسليم بريطانيا جزء يمنية لسُلطان عُمان، فاتسعت قضية التحرر الوطنية، وتجاوز المهمة المباشرة إبان الكفاح المسلح المقتصرة على طرد الانجليز وتوحيد السلطنات؛ ففي هذه المرحلة بات الدفاع عن الاستقلال الذي تحقق وضمان معيشة الشعب عناصر رئيسة في ضمان الاستقلال الوطني جزء من فهم قضية التحرر الوطني.

لاحقاً في أكتوبر من ذات العام 1968م، صدر برنامج استكمال مهام الثورة الوطنية الديمقراطية، وكان الفهم الأكثر نضوجاً للجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، وباتت مهام التحرر الوطني أكثر شمولية وأدق في تحديدها، حيث بات هنا العمل المبرمج والتخطيط في بناء الدولة وتحديد المهام بدقة جزء من مهمة التحرير الوطني، أي أن قوى الثورة، قررت الانتقال من الاعتماد على التنظيم الثوري في الدفاع العسكري عن الوطن، إلى بناء الدولة والجيش الثوريين المعنيين بضمان الحرية والسيادة الوطنيتين، وإقامة العلاقات السياسية التحررية مع المحيط والعالم، أي الانتقال من الاستناد على الريف والقوى الذاتية في طرد الاستعمار وخوض المعركة في نطاق جنوب الجزيرة العربية إلى دعم حركات التحرر في المحيط الخليجي، والاصطفاف مع قوى الثورة في العالم ومواجهة الاستعمار الإمبريالي والصهيونية على النطاق الاقليمي والعالمي.

يمكن من كل ذلك استنتاج أن فهم قوى ثورة 14أكتوبر للقضية الوطنية مر بالتدرج وكان تطوره موضوعياً من خلال الممارسة ومواجهة التحديات الجديدة، أي أن أهداف الثورة لم تؤخذ جاهزة من تجربة سابقة، ولم يكن المكون القائد لثورة 14 أكتوبر موجهاً من دولة أجنبية لينفذ مهام محددة مسبقاً؛ فطبيعة استقلالية القوى القائدة لثورة 14 أكتوبر وانطلاقهاً من الواقع الموضوعي المحلي لبناء خياراتها السياسية والعسكرية وعلاقاتها الدولية من أهم ما يميز هذه الثورة المجيدة.

الميثاق الوطني للجبهة القومية

يُعد الميثاق الوطني للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل الذي وافق عليه المؤتمر الأول للجبهة المنعقد في الفترة من 22 حتى 25 يونيو 1965م أول وثيقة نظرية تطرح فيها قضية التحرر الوطني وتقدم الجبهة القومية مفهومها عن التحرر الوطني، وفي حقيقة الأمر فهو مفهوم حركة القوميين العرب التي ضمت إليها الفصائل الوطنية وظهر ما يسمى بالجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل([1])

جاء في بداية الميثاق الوطني التأكيد على وحدة اليمن وهو أحد العناصر البارزة في مفهومهم لتحرر الوطني الملازم للاستقلال:

 "أن المنطقة اليمن شمالاً وجنوباً ظلت تشكل وحدة طبيعية متكاملة ويجمع شعبها روابط وعوامل كثيرة، منها وحدة الأرض ووحدة اللغة وحدة المعاناة اليومية للحياة ووحدة المصلحة ووحدة المصير، وقد تجسدت هذه الوحدة على مستواها السياسي في عصر الإسلام في دول متعددة تعاقبت على المنطقة".

ينتقل الميثاق من التأكيد على الهوية إلى ذكر المميزات الجيوبولتيكية لليمن وخصوصاً مدينة عدن بالقول:

"إن عدن لكونها مركزاً تجارياً مرموقاً ومدخلاً إلى منطقة هامة تحمي الاتصال التجاري في مناطق آسيا وأفريقيا كلها، ظلت تجذب اهتمام الغرب والشرق إليها باستمرار خلال تاريخها الطويل، إن عدن – إلى جانب الدافع الاقتصادي لاحتلالها – تبرز أهميتها كمنطلق تجاري إلى مناطق واسعة في الشرق الأوسط ونقطة استراتيجية تدخل ضمن مخطط عالمي للمحافظة على البقاء الاستعاري في بلاد آسيا وأفريقيا".

بعد التأكيد على وحدة اليمن وذكر الميزات الجيوبولتيكية يعبر الميثاق الوطني عن مفهوم التحرر الوطني، وهو لا يقول صرحة: "إن مفهوم التحرر الوطني من وجهة نظرنا يعني كذا وكذا، بل يُعبر الميثاق عنه عندما يطرح تصورات الجبهة القومية لغايات الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية".

جاء في الميثاق الوطني:

"إن الثورة المسلحة التي اكتسحت الجنوب كتعبير عن إرادة شعبنا العربي وكأسلوب أساسي للمقاومة الشعبية ضد الوجود الاستعاري ومصالحه وركائزه ومؤسساته المستغلة للشعب، إن هذه الثورة لا تهدف إلى جلاء المستعمر من المنطقة فحسب وإنما هي حركة دائبة تعبر عن عقيدة للحياة شاملة وراسخة لدى شعبنا تستهدف أساساً تغيير الواقع الاجتماعي الذي صنعه الاستعمار تغييراً جذرياً في كل مفاهيمه وقيمه وعلاقاته الاجتماعية القائمة على الاستغلال والاستبداد وتحدد بالضرورة نوع الحياة التي يريدها شعبنا ونوع العلاقات التي يسير متجها إليها سواء على مستوياته المحلية أو الاقليمية أو القومية أو الدولية".

من الفقرة السابقة نستنتج أنه يقصد بالتحرر الوطني الاستقلال السياسي والعسكري عن الهيمنة الاستعمارية المباشرة بصورة رئيسة، وكذلك إزالة مخلفات الاستعمار بتغيير الوقع الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية الاستغلالية الاستبدادية الذي أرساها الاستعمار، وتغيير العلاقات السياسية الدولية لليمن بعد الاستقلال.

ينتقل الميثاق من التعميم إلى التفصيل:

"إن وجود القواعد العسكرية الاستعمارية في جنوب اليمن المحتل يشكل في الحقيقة اعتداء صارخاً على سيادة الشعب العربي لجزء من أرضه كما يمثل أيضاً حماية مستمرة لاستغلال الرأسمال الاستعماري لخبرات شعبنا في المنطقة ويدعم في الوقت نفسه قوى الاستغلال المحلية المتمثلة في الرأسمال المستغل والحكم السلاطيني الرجعي العميل ويكون نقطة وثوب وعدوان على الوطن العربي الكبير وشعوب آسيا وأفريقيا، ويشكل تهديداً مستمراً للأمن والسلام العالميين".

يضيف: "إن الثورة المسلحة التي يخوضها شعبنا العربي في جنوب اليمن المحتل لا تستطيع أن تستبدل الاوضاع الاجتماعية المستغلة ولن تتمكن من تغيير تلك العلاقة الاستعمارية القائمة على التبادل الرأسمالي المستغل بإيجاد أوضاع اجتماعية مغايرة لصالح جماهير الشعب المحرومة إلا بتحطيم الأدوات السياسية القائمة على قمة تلك الأوضاع، إذاً فإن إسقاط الحكم السلاطيني الرجعي العميل والقضاء على المؤسسات الاستعمارية هدف فوري ومباشر وعاجل تلتزم الثورة بتحقيقه".

يضيف أيضاً: "إن جنوب اليمن المحتل يتكون جغرافياً وسياسياً من عدن وما يسمى بالمحميات الشرقية والغربية وجزر كوريا موريا وكمران وميون وسقطرة وجميع الجزر الواقعة على الساحل المقابل للمنطقة غرباً وجنوباً كما أن أي خطة استعمارية لفصل المنطقة أو تجزئتها إلى كيانات أو حجز أي من هذه الحزر لاستمرار احتلالها أو استخدامها كقواعد حربية احتياطية للاستعمار يعتبر ذلك كله انتقاصاً سافراً لحرية شعبنا في الجنوب، لذا فان جزر كوريا موريا وميون وكمران وسقطرة وجميع الجزر الواقعة على الساحل المقابل للمنطقة غرباً وجنوباً جزء لا يتجزأ من الجنوب، وتحريرها هدف حيوي تحتمه ضرورة الثورة ويدخل ضمن استراتيجيتها".

يضيف أيضاً: "إن الشعب العربي في إقليم اليمن شماله وجنوبه جزء من الأمة العربية وإن إقليم اليمن جزء لا يتجزأ من الوطن العربي وتربطه وحدة تاريخية ونضالية ومصيرية مشتركة، لذا فإن إعادة وحدة شعبنا العربي في اقليم اليمن شماله وجنوبه سيراً نحو وحدة عربية متحررة مطلب شعبي وضرورة تفرضها متطلبات الثورة وجب أن تتم على أسس شعبية وسلمية".

يضيف أيضاً: "إن القواعد العسكرية التي تنبع في حقيقتها من أهداف السيطرة الاستعمارية الرأسمالية على الشعوب المتخلفة وإن الأحلاف والتكتلات الاستعمارية على مختلف المستويات العسكرية والاقتصادية والتي هي في الأساس عملية تنسيق بين مصالح الدول الاستعمارية الناتج عن نمو وتعاظم حركة التحرر الوطني في البلدان المتخلفة في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية إن هذه القواعد العسكرية يجب محاربتها على مختلف المستويات ومختلف الوسائل لا لكونها موجهة لإضعاف كيان واستغلال الشعوب المتحررة والنامية ولكن لكونها تهدد أيضاً السلام العالمي وتهدد في الوقت نفسه سلامة البشرية بمجموعها".

يتضح من الفقرات السابقة، أن مفهوم التحرر الوطني يتحدد بإزالة الوجود الاستعماري بشتى أشكال وجوده ومظاهره أو نفوذه، وركائزه المحلية ومنها السلطنات والمحميات الشرقية والغربية، ونمط الانتاج الاقطاعي، والتشديد على وحدة أراضي جنوب اليمن المحتل وجزره وتصفية القواعد العسكرية، وربط قضية التحرر الوطني بالوحدة اليمنية والوحدة اليمنية بالوحدة العربية، أي بتعبير آخر فهو تحرر وطني يمني لا تحرر وطني جنوبي، وكذلك ربط مفهوم التحرر الوطني بقضية الوحدة العربية، وربط التحرر الوطني بقضية مواجهة الاستعمار الإمبريالي على المستوى العالمي.

مرحلة ما بعد الاستقلال

أعقب الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م حراك سياسي ونظري واسع في أوساط الجبهة القومية التي رسخت وجودها وشرعيتها الثورية: الوحيد للشعب اليمني في جنوب اليمن المستقل.

ففي 2 مارس 1968م أي بعد أربعة أشهر، عقد "مؤتمر زنجبار" للجبهة القومية، وفي 27 يوليو صدر البرنامج الوزاري لحكومة الثورية، وفي أكتوبر 1968م صدر عن الجبهة القومية " برنامج استكمال مرحلة التحرر الوطني الديمقراطي"، في مختلف هذه المحطات أي بعد الاستقلال وملامسة الأوضاع الحقيقة وبداية عملية الغيير، بدأ مفهوم التحرر الوطني في أبعاده المختلف يأخذ بُعداً ملموساً واقعياً بعد أن كان في الميثاق الوطني 1965م أكثر تجريداً، ومن الملاحظ خلال هذه الفترة تطور مفهوم التحرر الوطني أو بتعبير آخر تطور فهمهم للقضية الوطنية حيث أن مفهوم التحرر الوطني إنما هو فهمهم للقضية الوطنية اليمنية وفهمهم هذا تطور بالتجربة والممارسة.

قرارات مؤتمر زنجبار

بين الفترة ٢ مارس 1968م و۸ مارس 1968م عقدت الجبهة القومية مؤتمر زنجبار، وصدرت عنه قرارات مهمة ملامسة للوضع فهو أول برنامج عملي في مرحلة ما بعد الاستقلال بأربعة أشهر، جاء فيه ما يلي:

"إن تحررنا الوطني لن يتحقق بشكله السليم إلا بانتصار ثورتنا في الشمال وتحقيق وحدة الإقليم اليمني ليتحمل مسؤولياته التاريخية لذلك فدعم الثورة في شمالنا اليمني مهمة أساسية وضرورية.. بما أننا جزء لا يتجزأ من الأمة العربية لذلك فإن دعم حركات التحرر من الإستعمار والإمبريالية والرجعية في الخليج العربي والجزيرة العربية مهمة أساسية لا بد من الاضطلاع بها كما أن ثورتنا لا بد أن تلعب دوراً إيجابياً على مستوى حركة الثورة العربية في صراعها ضد الاستعمار والامبريالية والصهيونية".

"يؤكد المؤتمر بأن السبيل الصحيح لتحرير فلسطين بدعم المقاومة الشعبية المسلحة فيها ولذلك يقرر ضرورة الدعم المالي والمعنوي للمقاومة الشعبية المسلحة في فلسطين إن ذلك شيء ضروري وأساسي" .

"يقر المؤتمر الوقوف بصلابة إلى جانب حركات التحرر الوطني الديمقراطي في العالم الثالث ومساندتها في نضالاتها ضد قوى الامبريالية والاستعمار" .

"يقر المؤتمر ضرورة التفاعل والانفتاح على كافة تجارب الأنظمة الاشتراكية في العالم والوقوف في وجه كافة محاولات الإمبريالية والإستعار لضرب القوى التقدمية" .

"يدين المؤتمر الاستعمار والامبريالية في كافة مواقفها المعادية لحركات التحرر الوطني في آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية، كما يشجب بشدة السياسات العنصرية وسياسة حرب الإبادة التي تتبع تجاه الشعب الفيتنامي البطل".

من الملاحظ أن المهام التحررية في قرارات زنجبار أصبحت أشد وضوحاً وتفصيلاً مما كانت عليه سابقاً، ففي قرارات زنجبار رُبطت قضية التحرر الوطني، بدعم ثورة 26 سبتمبر في شمال الوطن حيث كانت الثورة تتعرض لحرب سعودية غربية من جهة ومن جهة أخرى كانت القوى المشيخية قد سيطرت على الثورة وقامت بانقلاب على الرئيس السلال في 5 نوفمبر 1967م، في هذه المرحلة كان المستعمر البريطاني وكذلك الأمريكي والسعودي يقاتلون ضد الثورة الجمهورية في الشمال، وهو تهديد استعماري ملموس، لهذا اعتبرت الجبهة القومية أن من مهامها التحررية إسناد الثورة الجمهورية في الشمال، وصولاً إلى وحدة الإقليم اليمني في شماله وجنوبه وشرقه وغربه.

وإلى جانب القضية الملوسة في شمال اليمن، فقد تنبهت الجبهة القومية إلى التحديات الاستعمارية في منطقة الخليج والجزيرة العربية وهو أول منظور جيوبوليتيكي للثورة اليمنية، حيث أدركت أن تحرير جنوب اليمن ليس كافياً مادام الاستعمار لازال موجوداً في منطقة الخليج، لهذا وضعت ضمن مهامها دعم حركات التحرر الوطنية في هذه المنطقة، وقد كانت هذه المهمة الثورية أيضاً حاجة ملحة وملموسة لا تقل شأنها عن مهمة إسناد الثورة الجمهورية في شمال اليمن.

في مقرات زنجبار أيضاً حدد الموقف بشكل واضح من القضية الفلسطينية وضرورة دعمها كالتزام قومي، وكذلك دعم حركات التحرر في بلدان العالم الثالث وإدانة الاستعمار والإمبريالية على المستوى العالمي.

هذه المهام التي وضعت في مؤتمر زنجبار والتي ارتبطت بقضية التحرر الوطني اليمني، جرى تنفيذها ولم تظل حبيس الأدراج، حيث تم دعم الثورة في الشمال وبشكل أخص دعم التوجهات الثورية التقدمية لتتشكل ما سميت بالجبهة الوطنية الديمقراطية اليمنية، كما جرى دعم جبهات وحركات التحرر الوطنية في الخليج العربي عموماً وسلطنة عمان خصوصاً، وكذلك دعم القضية الفلسطينية واحتضان معسكرات الفصائل الفلسطينية في اليمن الديمقراطية.

البرنامج الوزاري 27 يونيو 1968م

البرنامج الوزاري لحكومة "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية" أذاعه رئيس الجمهورية قحطان الشعبي بعد أن أقرته القيادة العامة للجبهة القومية وبعد إقراره من قبل مجلس الوزراء واللجنة التنفيذية، كان البرنامج انعكاساً لقرارات مؤتمر زنجبار.

في هذه الفترة كانت قد بدأت الثورة المضادة ضد اليمن الشعبية المستقلة، لهذا عاد خطاب التحرير مجدداً مع التشديد على إعادة بناء القوات المسلحة لمواجهة التهديدات، ويعد البرنامج الوزاري الأول للثورة بعد أربعة أشهر من تحقيق الاستقلال الوطني، وثيقة تاريخية على التحديات التي واجهت ثورة 14 أكتوبر بعد تحقيق الاسقتلال ومحاولة الاستعمار البريطاني العودة من جدد عبر إثارة تناقضات داخلية وتأزيم الوضع الاقتصادي، والتدخل المباشر بالغزو والعدوان، وهي مؤامرات عددها البرنامج الوزاري كما يلي:

"تصدير الثورة المضادة من خارج حدود الجمهورية بالاشتراك مع حكام العهد البائد من سلاطين اقطاعيين ومستوزرين عملاء وسياسيين انتهازيين ورجعيين يدعمهم الاستعمار والامبريالية العالمية ومصالحها الاحتكارية لتنظيم عمليات التسلل والتخريب داخل أراضي الجمهورية ."

 "تطبيق سياسة إحتواء الثورة من خلال فتح ثغرة في جسد الثورة الصلب ودفع حركة التناقضات الجزئية إلى أقصى مداها لتحدث صراعات جانبية ودموية في صفوف الثورة تشغل الثورة عن مواجهة التناقضات الرئيسية والأعداء الحقيقيين للشعب لتتمكن القوى الرجعية والعناصر الانتهازية المنهارة من القفز إلى السلطة والحكم وتقيم حلفا مع الاستعمار الجديد".

"ممارسة ضغوط اقتصادية ضد الجمهورية حتى لا تمكن النظام الثوري الجديد من السيطرة الحقيقية على الاقتصاد الوطني وتحريره من السيطرة الأجنبية والعمل على رفاهية الشعب، ويتعرض شعب جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وتنظيمه الثوري وحكومته، منذ انتزاع الاستقلال من بريطانيا للأساليب الاستعمارية القديمة والجديدة المشروحة أعلاه.. إن بريطانيا وهي تحاول الابقاء على مصالحها الاقتصادية القديمة وتصر على التحلل من كافة التزاماتها وتعهداتها وترفض تعويض شعب جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية عن استغلالها واستخدامها لأراضي الجمهورية وأجوائها ومصادرها الاقتصادية أثناء فترة الاحتلال الطويل ورفضها ذلك صراحة في المفاوصات الأخيرة بين وفد الجمهورية والوفد البريطاني إنما تستهدف خنق إرادة شعبنا الحرة وإسقاط نظامه التقدمي بتفجير الأزمة المالية".

"لما كانت الجمهورية وشعبها يتعرضان لخطر الغزو الخارجي من قبل الثورة المضادة المحتشدة على الحدود وكل جبهات الأعداء؛ فإن اتخاذ الحكومة الإجراءات الضرورية لصيانة أمن وسلامة الجمهورية وشعبها من المهام العاجلة الموكولة لوزارتي الدفاع والداخلية، وفي المقابل تقع على وزارة الدفاع ووزارة الداخلية مسؤولية إعادة بناء مؤسستي القوات المسلحة والأمن العام ثورياً وتزويدهما بالأجهزة والمعدات الحديثة، وذلك أمر ضروري حتى تمارس هاتان المؤسستان دورهما في حفظ الأمن وإشاعة الطمأنينة والاستقرار والدفاع عن الجمهورية".

 

 

برنامج استكمال مرحلة التحرر الوطني الديمقراطيي

مثل برنامج استكمال مهام الثورة التي أقرته القيادة العامة للجبهة القومية في دورتها العادية المنعقدة في الفترة ۷ حتى 11 أكتوبر 1968م، مرحلة نضوج فكر الجبهة القومية التي تجاوزت الأفق القومي الضيق ليتسع في رحب الإنسانية المناضلة، وربط قضية تحرر الوطن اليمني بتحرر شعوب العالم وحركة الثورة العالمية والاشتراكية العالمية كقطب نقيض للقطب الغربي الإمبريالي والصهيوني.

جاء في البرنامج: "إن المضي في تنفيذ هذا البرنامج يخلق وضعاً متيناً وقوي يمكنناً من أن نسند ثورتنا في الشمال اليمني لمواجهة التآمرات الامبريالية والرجعية لضرب الثورة أو صرفها عن مسارها ويساعد بالتالي على تقوية تلاحم القوى الثورية والوطنية الشريفة في الشمال والجنوب للمضي نحو وحدة الأداة ووحدة الإقليم، كما وأن من المهام الأساسية إزدياد إلتحامنا بحركة الثورة العربية التي تشكل جزءاً منها ولعبنا دوراً فعالاً بما يضمن محاربة الامبريالية والاستعمار والصهيونية والاقطاع والرجعية كما يؤكد التزامنا تجاه حركة التحرر العالمية .. وعلاقاتنا بالشعوب المناهضة للامبريالية والاستعمار وتلك المطبقة للاشتراكية.. إن الموقع الإستراتيجي الجغرافي للمنطقة والتوجه التقدمي الذي تتبناه الجبهة القومية تنظيماً وسلطة يجعل القوى الإمبريالية والرجعية المحيطة بالجمهورية تضاعف من يقظتها تجاه كل تصرف يحدث في الجمهورية ذلك أن الإمبريالية الأمريكية والبريطانية والإحتكارات البترولية في الجزيرة العربية والأنظمة الرجعية في السعودية والقوى الرجعية داخل الجمهورية وحولها تنظر إلى جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية نظرة التوجس والتخوف منها ومن آثار إجراءاتها الثورية، فالجمهورية قد جاءت نتيجة لنضال شعبي مسلح إعتمد فيه شعب المنطقة على نفسه وأثبت خلاله أصالة ثورية كما أن خط الجبهة القومية واضح كل الوضوح في ميثاقها الوطني وإن قانون الإصلاح الزراعي مثلاً، قد شكل هزة مؤثرة لهذه القوى بما يعنيه من صدق توجه نحو قلب وتغيير الواقع الإجتماعي والإقتصادي في الجمهورية."

 يلاحظ في ديباجة هذا البرنامج التطور السياسي في فكر الجبهة القومية، ومقاربة المسألة الوطنية من الأسس الجيوبوليتيكية، وتحليل الجوهر الإمبريالي للإستعمار الذي يجعل الدول الإمبريالية عدوانية، كما كان البرنامج الذي أشار بوضوح إلى خطر الإمبريالية الأمريكية، وحدد الدور السعودي المرتبط بالاستعمار الامبريالي وبقوى الثورة المضادة من السلطنات والاقطاع والموقف الرجعية الخليجي إزاء الإجراءات الاقتصادية والسياسية المضادة للنظم الرجعية في جنوب اليمن والمهد للرجعيات في المنطقة، فقد كانت ثورة 14 أكتوبر في بعدها الديمقراطي ثورة جمهورية أصيلة قامت بها الجماهير الشعبية وليست جزءاً من إنقلاب عسكري ممول من خارج البلد، وفي بلد ظروفه مقاربة لظروف شعوب ممالك وسلطنات الخليج.

من الملاحظ الربط الجدلي بين التحرر الوطني ونجاح الثورة الوطنية بالجوانب الاجتماعية والاقتتصادية الملموسة والتحرر من هيمنة الاحتكارات الأجنبية والتحرر من البؤس والتخلف الإنتاجي، وفتح آفاق الديمقراطية الشعبية لتحرير وتعبئة طاقات الجماهير في النضال.

جاء في البرنامج "إن هذه القوى المحيطة بنا تضع في حسابها ما تعنيه هذه التغييرات الإجتماعية والإقتصادية على مصالحها وتعني أن إستقرار أوضاع هذه الجمهورية سيمكنها من المضي شوطا بعيداً في تنفيذ طموحات الجماهير الشعبية، لذا فان هذه القوى الإمبريالية والرجعية بالتحالف مع القوى التي تضررت من جراء انتصار الثورة المسلحة داخلياً متعمد دوماً إلى رسم المخططات التآمرية لضرب الثورة ومحاولة استنزاف جهدها وطاقاتها وإمكانياتها.. علها بذلك تنجح في إعاقة الجمهورية عن مواصلة سيرها في مضمار البناء وتحقيق التقدم المنشود، ومن الناحية الاقتصادية يعمل النظام الوطني الديمقراطي على قيام صناعة وطنية، ويحمي إقتصاد البلاد من سيطرة، ومنافسة الرأسمال الاجنبي والاحتكاري ويعمل كذلك على حل المسألة الزراعية بالقضاء على الاقطاع بتطبيق الاصلاح الزراعي وتطوير وسائل الإنتاج الزراعي رأسياً وأفقياً، وبمعنى آخر فإن النظام الوطني الديقراطي يزيل كافة العقبات، والصعوبات من طريق تطور القوى المنتجة في المجتمع ويخلق ظروفاً وإمكانيات جديدة لحل قضية التخلف .ويوحد النظام الوطني الديمقراطي جهود القوى الوطنية الديمقراطية المنتجة في المجتمع لحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وهو يؤمن إشراك الجماهير الشعبية في القضاء على التركة الثقيلة للحكم الاستعماري وفي التغلب على مشكلة التخلف وبناء المجتمع الجديد".

 

 

 

 

 

 

 

 

النتائج والتحديات الاستعمارية الراهنة

من خلال ما سبق، يمكن القول إن مفهوم التحرر الوطني لقوى ثورة 14 أكتوبر، يتألف من المهام أو العناصر التالية:

  • التحرر من الاستعمار العسكري والسياسي البريطاني وإزالة السلطنات توحيد أراضي وجزر الشطر الجنوبي من اليمن.
  • ضمان الاستقلال السياسي وصون السيادة الوطنية في مواجهة الثورة المضادة ودعم النظام الجمهوري في شمال الوطن.
  • ربط قضايا التحرر الوطني بالتحرر الاجتماعي من الاستغلال، وقطع التبعية الاقتصادية بالرأسمالية العالمية وتتجاوز واقع التخلف الذي كرسه الاستعمار الإمبريالي.
  • بناء دولة ديمقراطية شعبية، والتضامن مع نضال الشعوب العربية ضد الاستعمار والصهيونية، وكفاح شعوب العالم ضد الإمبريالية العالمية، والانتقال من مواجهة الاستعمار في الوطن إلى مواجهته في العام، باعتبار البلد جزء من حركة الثورة العالمية.

هذا الفهم لقضية التحرر الوطني، ليس غريباً عن واقعنا اليوم، حيث عاد الاستعمار الإمبريالي بأشكال جديدة، منها الإمبريالية الأمريكية والإمبريالية البريطانية وتُعد بريطانيا الفاعل الدولي الأول في الأوضاع الراهنة داعمة للتدخل العسكري العدواني وتمارس استراتيجياتها الاستعمارية القديمة والجديدة عبر دولة الإمارات العربية المتحدة التي تحتل معظم السواحل اليمنية في جنوب البلاد وشرقها وغربها بواسطة ميليشيات محلية مستغلة الخلافات السياسية اليمنية، وهي عينها المناطق التي ذكرت في ميثاق الجبهة القومية باعتبارها مناطق محتلة.

إن جوهر السياسة الاستعمارية البريطانية الذي يجري تطبيقها، مع استيعاب التطورات هو تقسيم الجنوب اليمني إلى أقاليم فيدرالية، يتناسب مع التقسيم الاستعماري القديم لجنوب اليمن إلى محميتين شرقية وغربية، وكذلك فصل الساحل الغربي عن شمال اليمن الذي يعد أيضاً مشروعاً بريطانياً، كما أن تقسيم شمال اليمن إلى دولتين "زيدية" و"شافعية" هو الآخر مشروع بريطاني قديم.

مقارنة بالتحديات التي واجهتها ثورة 14 أكتوبر الواردة في البرنامج الوزاري الأول لحكومة الثورة، نجد أن هناك تطابقاً مع التحديات الراهنة، التي تهدد السيادة الوطنية للجمهورية اليمنية، منها الغزو الأجنبي، والحرب الاقتصادية والحصار واحتلال بعض الجزر اليمنية.

على ضوء هذه التحديات فإن على الشعب اليمني مهمة ملحة، في إيقاف الحرب العدوانية وإحلال السلام وصون السيادة الوطنية، وبناء دولة عادلة قوية على أساس من التعددية السياسية والشراكة الوطنية والحريات الديمقراطية وبناء جيش وطني حديث، وبناء اقتصاد وطني متحرر من التبعية البنيوية للرأسمالية العالمية، يؤمن الاحتياجات التنموية والاستهلاكية والدفاعية، وكذلك تعميق البُعد الأممي في التضامن مع القضية الفلسطينية وتحرير الأراضي العربية المتحلة ومواجهة المشاريع الاستعمارية الغربية في المنطقة وتصفية القواعد العسكرية، والتضامن مع شعوب العالم النزاعة نحو نظام دولي متعدد الأقطاب.

المراجع:

  • الميثاق الوطني للجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل (صدر عام 1965م)
  • اللجنة التنظيمية للجبهة القومية، "كيف نفهم تجربة اليمن الجنوبية الشعبية"،(دار الطليعة بيروت، 1968م)
  • عبد الله باذيب، "ثورة 14 أكتوبر طبيعتها، مهامها، آفاق المستقبل"،( بحث عام 1968م)
  • عبد الفتاح إسماعيل، "فجر الثورة"،( بحث كتبه عام 1975م)

 


[1] تشكلت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل من اتحاد الفصائل والقوى المؤمنة بمهج الفا المسلح لواجهة الاستعمار البريطاني، وهي:

1- حركة القوميين العرب في جنوب اليمن المحتل

2- تشكيل القبائل

3- الجبهة الناصرية

4- التنظيم السري للضباط والجنود الأحرار

5-جبهة الإصلاح اليافعية

6-المنظمة الثورية لأحرار جنوب اليمن المحتل

7- الجبهة الوطنية

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة