Logo dark


العثمانية الجديدة..دور تركيا ضمن مايسمى باستراتيجيات الشرق الأوسط الجديد ج1

( كاتب وباحث سياسي , )

إعداد/ محمد محسن الحوثي  ط.د/ جامعة تونس المنار

تنطلق تركيا في ما يسمى بـمشروع "الشرق الأوسط الجديد" من خلال مشروعها "العثمانيون الجدد" أو "العثمانية الجديدة" ولا تعني استعادة "الخلافة العثمانية"، ولكنها تعني استحضار حس العظمة العثمانية بالمفهوم المتقدم، وتنظر إلى الشرق الأوسط من خلال مقاربة تركية خالصة، مركزها أنقرة .. وعمل ما يشبه الكومنولث مع الدول التي كانت متواجدة فيها و"محتلة لها".. وقد كشف أحمد داود أوغلو/وزير الخارجية التركي(السابق) عن ذلك في حديث صحفي عام 2010م مع صحيفة "واشنطن بوست" عن الدور الذي تطمح إلى أن تلعبه تركيا في منطقة الشرق الأوسط ومحيطها الإقليمي، حيث أشار إلى أن بريطانيا أسست الكومنولث مع مستعمراتها السابقة، ثم تساءل لماذا لا تكرر تركيا زعامتها في الأراضي العثمانية السابقة في البلقان والشرق الأوسط وآسيا الوسطى؟

وأضاف.. "إن لدينا ميراثاً آل إلينا من الدولة العثمانية، إنهم يقولون عنا إننا العثمانيون الجدد! نعم نحن العثمانيون الجدد، ونجد أنفسنا ملزمين بالاهتمام بالدول الواقعة في منطقتنا ونحن ننفتح على العالم كله حتى في شمال أفريقيا" . و لأن نجم الدين أربكان/ رئيس حزب العدالة والتنمية التركي رفض مشروع "الشرق الأوسط" في البداية عندما كان رئيساً للوزراء، وقع الاختيار على الرئيس التركي/ رجب طيب أردوغان(رئيس الوزراء سابقاً)، وضح في أوقات ومناسبات مختلفة الدور الموكل إلى تركيا أن تلعبه، ضمن استراتيجية القوى المهيمنة في العالمين العربي والإسلامي، وأطلقوا عليه مسمى سياسياً "الشرق الأوسط الجديد" حسب/شمعون بيريز(رئيس الوزراء الإسرائيلي-السابق)، و"الشرق الأوسط الكبير" وفق المحافظين الجدد، وفي مقدمتهم "كوندا ليزا رايس- وزيرة الخارجية الأمريكية، وكولن باول-وزير الدفاع الأمريكي(السابقين)، ونطرح مختارات من تصريحات أردوغان، قال في حوار تلفزيوني بتاريخ 16 فبراير2004م عندما كان يتولى منصب رئيس الوزراء:

 "أنا أنظر إلى مدينة ديار بكر بشكل مختلف، فهناك مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تتبناه الولايات المتحدة، ديار بكر قد تكون نجمًا ساطعًا في هذا المشروع، وقد تكون مركزًا رئيسًا فيه"، ثم قال في 4 مارس/ آذار 2006م، خلال اجتماع له مع قيادات حزب العدالة والتنمية: "تركيا لديها مهمة في الشرق الأوسط، فما هي هذه المهمة يا ترى؟ نحن أحد رؤساء مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا، ونقوم بتنفيذ هذه المهمة"

عاد أردوغان وأكد مرة أخرى في 13 يناير2009م طرحه السابق قائلاً: "يدور الحديث في الكواليس السياسية أن رئيس وزراء تركيا أحد رؤساء مشروع الشرق الأوسط الكبير، ويطالبونه بالانسحاب من المشروع. أريد أن أوضح لهم شيئًا؛ أهداف المشروع، وكذلك المهمة الموكلة إلى تركيا ضمن هذه الأهداف واضحة للغاية"

ودافع أردوغان يومها عن دوره في المشروع، قائلًا: "مشروع الشرق الأوسط الكبير أُعد من أجل تحقيق السلام والتنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تحقيق الحريات العامة وحرية المرأة، وتطوير التعليم في هذه المنطقة ..وضمن هذا المشروع كلفت تركيا بمهمة، ونحن قبلنا التكليف"

ويقول السياسي المعارض/ فتح الله غولن: إن هذا المشروع أعد له منذ أكثر من30 سنة من قوى ودول أخرى من خارج المنطقة ولا نعلم بداياته ولا نهاياته، ولا يخدم مصالحنا ولا مصالح شعوب المنطقة، لأنه لم يأخذ بنظر اعتباره مصالحنا عند طرحه لأول مرة، ولسنا من حددنا قواعد لعبته.."

وأدلى زعيم حزب الوسط الكبير الدكتور عبد الرحيم قارصلي بتصريحات صادمة خلال برنامج أذيع على قناة (+1) التركية؛ حيث نقل عن الكاتب “الإسلامي” المعروف عبد الرحمن ديليباك، قوله: "إن حزب العدالة والتنمية أسّسته الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل كمشروع سياسي، فهذه القوى التي دعمت الحزب عند تأسيسه قدمت له ثلاثة وعود وهي:

أولًا: مساندة حزب العدالة والتنمية للوصول إلى سدة الحكم في تركيا.

ثانيًا: القضاء على جميع العقبات التي تواجهه أثناء إدارة البلاد.

ثالثًا: تقديم الدعم المالي.

وفي مقابل ذلك طلبت القوى الثلاث من حزب العدالة والتنمية تنفيذ ثلاثة بنود أساسية هي:

 أولًا: العمل على حماية أمن إسرائيل ومساندتها بما يلزم لإزالة العقبات التي قد تواجهها في المنطقة، بعدد من الأساليب والأدوات أهمها إثارة الصراعات الطائفية التي تدفع الدول إلى إعادة تغيير تحالفاتها بتحالفات متوقعة "محاولة إقامة تحالف سني بين الدول العربية وتركيا"، أو غير متوقعة فقد تضطر بعض الدول العربية السنية – دول الاعتدال – للتحالف مع إسرائيل على قاعدة الاتحاد في مواجهة العدو المشترك (إيران)، بل إن إسرائيل خططت لذلك بالفعل حتى لا تظل بمنزلة العدو الرئيسي للعرب، و أن تحل إيران بدلاً عنها في مربع العداء للعرب، بل إن موشي يعلون وزير الحرب الإسرائيلي أشار إلى أن تل أبيب تراهن على التعاون مع المحور السني – محور الاعتدال- مستقبلاً . (وما نشاهده الآن ترجمة لتلك السياسات الإسرائيلية..)

ثانيًا: تنفيذ أهداف “مشروع الشرق الأوسط الكبير”، أي تغيير الحدود وإعادة رسم الخريطة السياسية التي تعززها الأحداث والصراعات التي تمر بها المنطقة حاليًا، ويتجلى في التفكيك والتفتيت للدول الراهنة، ليس على أسس جغرافية، كما حدث في اتفاقية "سايكس- بيكو" بل على أسس مذهبية، وقبلية،..الخ.

ثالثًا: مساندة القوى العالمية في تشويه صورة الإسلام من خلال تقديم الدعم للتنظيمات المتطرفة في المنطقة.

وقد أكّد "ديليباك" بنفسه صحة هذه التصريحات المثيرة التي نقلها عنه قارصلي، وذلك في اتصال هاتفي جرى بينه وبين الكاتب الصحفي المعروف المعتقل حاليًا أونال طانيق، رئيس تحرير الموقع الإخباري "روتا خبر"، وحدث حوار بين أردوغان محسن يازجي أوغلو، زعيم حزب الاتحاد الكبير القومي، وطلب منه الانضمام إلى حزب العدالة وتنفيذ المشروع وفق الرؤية الأمريكية، ورفض الأخير لأن أمريكا حسب خبرته لا يراعون في سياساتهم التي ينفذونها عبر حلفائهم إلا مصالحهم.. قال أردوغان: "إننا سننفذ ما يطلبه منا الأمريكيون في البداية، ثم نتبع السياسات التي تحقق مصلحة الشعب التركي. وإذا حاول الأمريكيون منعنا لن نبالي بهم ونمضي في طريقنا.. رد عليه يازجي أوغلو: "إن الولايات المتحدة ليست من بين القوى في العالم التي يمكن خداعها وعدم المبالاة بها، ولا تنس أن مَن يدخل الحلبة مع الفيل يخرج منها مسحوقًا، ولقي مصرعه في حادث طائرة مروحية أثناء حملة الانتخابات المحلية التي أجريت عام 2009م بصورة مثيرة للشبهات.

مؤشرات حلم العثمانية الجديدة:

يلاحظ المتابعون عدداً من المؤشرات التي تؤكد توجه تركيا أردوغان نحو العثمانية الجديدة كالتالي:

1- القصر الأبيض: والذي أطلق عليه الأتراك قصر السلطان، وتبلغ مساحته  200ألف متر ويحوي 1150غرفة، وبلغت تكلفة إنشائه إلى ما يزيد عن ستمائة مليون دولار تقريباً، وأنشئ على الطراز العثماني.

2- حرس الشرق الجديد: وظهر لأول مرة عند استقبال أردوغان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حيث ظهر ستة عشر جندياً يرتدون أزياء جنود الحقبة التركية القديمة منذ المغول حتى العثمانيين .. وظهورهم في هذه المناسبة لها رمزيتها، أي أن الدولة العثمانية أسقطت لأنها رفضت التخلي عن فلسطين لإقامة وطن قومي لليهود –حسب ترويجهم- وظهور شعاراتها في استقبال الرئيس الفلسطيني يحمل دلالة استمرار الدعم التركي عبر التاريخ للقضية الفلسطينية!

3- فرض اللغة العثمانية: فقد جعل أردوغان تعليم اللغة العثمانية إجبارياً مؤكداُ أن الوقت قد حان للعودة إلى الجذور، وأنه سيتم تدريسها وتعليمها شاء من شاء وأبى من أبى، في رده على المعارضة التي انتقدت بشدة القرار.

4- عودة النشيد العثماني: حيث بدأت عناصر من الجيش التركي الهتاف بالمارش العسكري العثماني، في تدريب عسكري لأول مرة منذ سقوط دولة "الخلافة العثمانية". .

5- إعداد شعار رسمي جديد للجمهورية: هو نفسه شعار الدولة العثمانية المعروف يالطغراء، وذلك منذ إلغائه عام 1922م بسقوط دولة "الخلافة العثمانية"، وقد أبدى نائب رئيس الحركة القومية اعتراضه الشديد على هذا الموضوع قائلاً: "يوجد سلطان وله قصر فخم وفاخر، وكان ينقصه شعار السلطان، وأخيراً كان ذلك أيضاً".

تركيا كمهدد للأمن القومي العربي:

يرى بعض الباحثين أن تركيا مهدد للأمن القومي العربي، إذ أنه بعد أربع سنوات من أحداث 2011م فإن بناء وتشكيل وتدعيم "داعش" من جانب تركيا التي ساندته تشكيلاً وتدريباً و لوجستياً ضرباً للنظام السوري بالأساس وهو يمثل مصدر وتهديد يجب عدم إهماله.

بل يمتد التهديد التركي إلى الموقف المساند لجماعة الإخوان المسلمين التي تعدها مصر الآن، وكثير من الدول العربية جماعة إرهابية تهدد أمن مصر القومي والأمن القومي العربي.

علاقة تركيا بـ"داعش".. شواهد قامت بها تركيا:

الرعاية الطبية لمقاتلي داعش: ومن دلائل تصريح لقيادي في تنظيم داعش "كان لدينا مقاتلون بأعداد مرتفعة تلقوا العلاج في المشافي التركية"، كما صرح وزير الصحة التركي بما معناه "معالجة ورعاية جرحي تنظيم داعش هو واجب إنساني علينا "

- شراء النفط من داعش: في عام 2014م سعت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للضغط على تركيا من أجل اتخاذ إجراءات صارمة ضد شبكات بيع النفط المنتشرة والمرتبطة بتنظيم داعش، وصرح أحد مسؤولي ملفات تمويل المجموعات الإرهابية في وزارة العدل الأمريكية/ ديفيد كوهين بأن هناك أفراد أتراك يلعبون دور الوسيط بين الحكومة وتنظيم داعش للمساعدة في تصريف النفط عبر تركيا .. وتسربت أخبار عن وجود أنابيب النفط غير القانونية التي تنقل النفط من سوريا إلى تركيا.

- تسهيل مرور المقاتلين و الأسلحة: تشير تقارير عدة إلى أن تركيا تعد المعبر الرئيسي لانتقال المقاتلين للانضمام إلى تنظيم "داعش" ، وصرح قيادي في التنظيم في شهر أغسطس 2014م قائلاً:

"معظم المقاتلين الذي انضموا إلينا في البداية قدموا عن طريق تركيا، كذلك الأمر بالنسبة للأسلحة والمعدات وكل ما يلزم"، بينما قال كمال كيليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري "إن تركيا زودت المجموعات الإرهابية بالسلاح .. وأنه يملك نسخة لمقابلة مصورة مع سائق شاحنة أوصل السلاح لتلك المجموعات".

- تخوف تركيا من القضاء على تنظيم داعش ومناطق نفوذه خاصة في المناطق للحدود التركية لأن ذلك يعني تمدد للأكراد في تلك المناطق، وزيادة نفوذهم بما يمكنهم من إنشاء دولة مستقلة لهم، يمثل تهديداً قوياً ومباشراً للأمن القومي التركي وترغب تركيا في خلق توازن بين تقليص داعش، وعدم التمدد التركي في تلك المنطقة، ويستخدم الإرهاب كوسيلة لإدارة الصراعات السياسية، وإثارة الفوضى.

مراحل السياسة التركية في هذا الإطار، مرحلتان :

المرحلة الأولى: منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة حتى عام 2011م

واتسمت بإبرام عدد من الاتفاقيات التجارية، السماح لمواطني الدولتين بالدخول دون تأشيرة مسبقة.. كما تم استخدام أدوات القوة الناعمة من أجل بناء صورة ذهنية إيحائية وجاذبة لتركيا مثل وسائل الإعلام قنوات تركية باللغة العربية، منتجات إعلانية كالمسلسلات خاصة التاريخية، بإيجابية الدولة العثمانية، مغايرة لما هو متداول، ومسلسلات شبابية جاذبة، حملات طبية ومراكز بحوث متبادلة، جمعيات الصداقة، المدارس التركية،  فتح أقسام في الجامعات لتعليم اللغة التركية، تسهيل السياحة بينها وبين البلدان المستهدفة، خلق علاقة مع المثقفين والكتٌاب...الخ، إضافة إلى أهم أداة وعامل يتمثل في الأحزاب والتنظيمات المنتمية إلى "الإخوان"، والقوى السياسية المتحالفة معه، والتنسيق في ما بينها خاصة في الدول العربية، وذلك حتى تحين فرصة وصولها إلى السلطة السياسية، وساعدها على ذلك ارتباطها العضوي (بحركة الإخوان المسلمين) الذين لهم روابط عضوية مع حزب العدالة والتنمية من جانب، وروابط تاريخية مع مشروع ما يسمى دولة "الخلافة الإسلامية" من جانب آخر، وأفصح عنها في اليمن الشيخ/ عبد المجيد الزنداني (رئيس مجلس شورى التجمع اليمني للإصلاح) في شارع الجامعة –صنعاء،  أثناء الاحتجاجات عام2011م!

الدعم الأمريكي للنموذج التركي بوصفه يقدم نموذجاً للنظام الإسلامي الديمقراطي المعتدل "وفق المفهوم "الأمريكي" الذي يعد بمنزلة البديل للإسلام السياسي الراديكالي الذي "يتبنى العنف"، ويعتبر أحد ركائز الاستراتيجية الأمريكية، تبنته وفق دراسات وتقارير أهمها تقرير مؤسسة "راند" الصادر سنة2007م، تحت عنوان "بناء شبكات إسلامية معتدلة"، بشأن التعامل مع "المسلمين"، وليس "الإسلاميين" فقط، وضعت فيه معياراً يتكون من ثمانية مؤشرات لمن يعتبر مسلماً معتدلاً، واختارت "الإخوان" والعلمانيين الليبراليين! واعتبرت من سواهم متطرفين، عليهم تشن الحروب..الخ

 

 

المرحلة الثانية: بعد وقوع الاحتجاجات عام 2011م:

بعد أن تأكدت تركيا من الوزن النسبي الكبير لقوى الإخوان المسلمين خاصةً، اتجهت إلى دعمها تحت مزاعم تأييد الإرادة الشعبية العربية، ومساندة التحول الديمقراطي في الدول العربية، ونظرت القيادة التركية إلى ما جرى في عدد من الدول العربية على أنه يمثل فرصة تاريخية لتحقيق مشروعها.. قرر داود أوغلو أن الاضطرابات العربية هي الفرصة التي يجب اغتنامها، وأن وصول أحزاب الإخوان المسلمين إلى السلطة في هذه البلدان إضافة إلى سيطرة حماس على قطاع غزة سيكون خطوات تاريخية لتزعم تركيا للشرق الأوسط.. ففتحت حدودها مع سوريا للجماعات المعارضةـ ودعمت الأكراد في العراق، ودعمت الإخوان في مصر واليمن..الخ، إلا أن النتائج كانت عكس ما تتوقعه.. ويمكن القول إن السياسة الخارجية التركية خلال هذه المرحلة قد تخلت عن الإطار الفكري المنظم الذي استندت إليه في المرحلة الأولى، واندفعت من خلال سوء التقدير إلى حرق المراحل أملاً في اقتناص فرصة.  

وتقوم بدور مهم تحت إطار المشروع الأمريكي وهو عودة العثمانية الجديدة، وبدعم الإخوان المسلمين في الدول العربية (تونس، اليمن، مصر ...الخ) ومن أهم ما قامت به:

-في يونيو 2017م الجيش التركي وصل إلى قطر بغرض حمايتها في دول الأزمة الخليجية (السعودية، الإمارات والبحرين ، مصر) ومعامل معدات وعسكرية في قاعدة.

- في 25-27/12/2017م قام أردوغان بزيارة إلى السودان وفتح جزيرة سواكن بالبحر الأحمر مقابل مدينة جدة، وله بالصومال قاعدة عسكرية أيضاً، ولتركيا أطماع في البحر الأحمر، ومتواجدة عسكريا منذ 2008م ضمن القوات المشتركة لمحاربة "القرصنة" في باب المندب وخليج عدن، وترأس هذه القوات حتى ديسمبر2020م،

- في زيارة للجمهورية التونسية: 27-12-2017م أدلى بتصريحات ضد الرئيس/بشار الأسد، وبأنه يقتل شعبه.. الخ، وهذا أثار حفيظة القوى الأخرى في تونس..الخ، ومما يجب ذكره أن تركيا تتدخل عسكرياً في الأراضي السورية والعراقية.. وتقوم بأنشطة كثيرة، بقوتها الصلبة/الخشنة، والناعمة، يتم تناولها حسب المناطق والدول المتدخلة فيها والدوافع والأهداف المعلنة!

تركيا وإسرائيل: تعتبر تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل 1949م، وفي خمسينيات القرن المنصرم عقدتا اتفاقاً سرياً عرف بـ "الميثاق الشبح"، ويتضمن تعاوناً عسكرياً واستخبارياً ودبلوماسياً، وكانت وظيفته الأساسية موجهة ضد العرب، وساعدها اللوبي الإسرائيلي في أمريكا لمنع أي قرار يعترف بإبادة الأرمن، وسحبت تركيا سفيرها في إسرائيل مع غزو لبنان سنة1982م، وعادت العلاقة بينهما سنة 1991م، وفي سنة1996 وقعتا اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، واستمرت العلاقة حتى بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم سنة2002م، وتوترت العلاقة سنة2009م على إثر الحرب الإسرائيلية على غزة، وبلغ التوتر ذروته مع الهجوم  الإسرائيلي على السفينة "مافي مرمرة" في مايو 2010م، إضافة إلى دعم تركيا أحزاب فلسطينية بعينها ودعم غزة بالمال والمشاريع.. الخ، لكن هذا التوتر لم يمتد إلى اتفاقات بيع الأسلحة والتبادل التجاري واستمرت القطيعة نحو خمس سنوات، وبدأت تعود تدريجياً، ومهد الطريق للتهدئة الاعتذار الشفهي الذي قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى نظيرة التركي رجب طيب أردوغان بحضور الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال زيارة الأخير للمنطقة في منتصف مارس 2013م.

 وشهدت بدايات العام 2016م تقارباً استراتيجياً بين إسرائيل وتركيا وفقاً لعدد من الشواهد، منها موافقة تل أبيب على دفع تعويضات بقيمة عشرين مليون دولار للضحايا الأتراك الذين قتلوا وأصيبوا قبالة شاطئ غزة عام 2010م، وعودة العلاقات السياسية بين البلدين وتبادل السفراء، وإصدار تركيا قانوناً يلغي الدعاوى القضائية ضد الجنود والضباط الإسرائيليين المشاركين في هجوم الاستيلاء على السفينة "مرمرة" مقابل تقييد نشاط حركة حماس في تركيا وطرد القيادي في الحركة / صالح العاروري من الأراضي التركية.

وتم في 8-4-2016م لقاء لندن جمع وفداً تركياً بالمبعوث الخاص لرئيس الوزراء الإسرائيلي بهدف تطبيع العلاقات بين البلدين، وقالت الخارجية في بيان لها إن الجانبين أحرزا تقدماً نحو وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق تطبيع العلاقات، وتقريب وجهات النظر.      

 

أسباب التقارب :

- أنقرة وتل أبيب تسعيان إلى وقف تمدد إيران وحزب الله سوريا.

- متغير الطاقة: فتركيا تسعى إلى تأمين احتياجها من الطاقة بتنويع مصادرها، وتعتقد إسرائيل أن استكشافاتها الغازية الجديدة تدفع نحو علاقات تقوم على المصالح، لذلك تحرص تل أبيب على توطيد العلاقة مع أنقرة في هذا المجال، وتتفاوض شركات إسرائيلية منذ وقت طويل مع شركات تركية على خط أنابيب لنقل الغاز من "لوثيان" عبر تركيا إلى أوروبا و دول آسيا.

تركيا-الصومال

تلعب تركيا دوراً محورياً واستراتيجياً في العديد من القضايا الهامة في العالم الإسلامي، فأنقرة فضلاً عن أنها لاعب أساسي  في منطقة "الشرق الأوسط،" فإن دورها لا يقل أهمية في مناطق أخرى أيضاً كمنطقة شمال أفريقيا، ومنطقة القرن الإفريقي وعلى رأسه الصومال، وقد تأسست العلاقات الدبلوماسية الأولى بين الجمهورية التركية والصومال عام 1979، حيث افتتحت تركيا سفارة لها في مقديشو، وبسبب الحرب الأهلية أغلقت السفارة منذ عام1991م حتى 2011م، وخلال هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الصومال التي شهدت امتناع وكالات الإغاثة الدولية من الذهاب إلى البلاد لأسباب أمنية، اتجهت تركيا نحو إفريقيا ضمن استراتيجية، ودور مرسوم ضمن ما يسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد-الكبير"، لتنفذ من خلاله بمشروعها "العثمانية الجديدة"، وكان يقتصر وجودها على القنصلية التركية في "هارجسيا"، عاصمة جمهورية أرض الصومال، واعترفت بجوازات السفر الصادرة من (ج.أ.ص) مقابل قيام الجمهورية بإغلاق المدارس التي أنشأها محمد فتح الله جولن، ضمن هدف رئيسي يتمثل في إغلاق تلك المدارس في أفريقيا -بيد أن (ج.أ.ص) رفضت إغلاق تلك المدارس- وأغلقت الكثير منها في دول أفريقية متعددة، ولعبت تركيا دور الوساطة للمصالحة بين الصومال وأرض الصومال، بل عيَّن أردوغان مبعوثًا خاصًا لجهودِ المصالحة، هو "أولكان بيكر"، ما يُشكِّل سابقةً في السياسة الخارجية التركية، ونذكِّر أن تركيا كانت قد اعتبرت عام 2005م عام أفريقيا؛ وتم إعطاؤها صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، كما صارت عام 2008م شريكًا استراتيجيا لأفريقيا وقامت بتوسيع علاقاتها الدبلوماسية بعدد يربو على نصف الدول الأفريقية، وأثناء المجاعة التي ضربت البلاد نتيجة موجات الجفاف المتكررة، بالتزامن مع الانتفاضات في بعض البلدان العربية، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة إلى هذا البلد، على رأس وفد رفيع المستوى في 19أغسطس 2011م، زار خلالها مخيمات اللاجئين، والتركيز على ما ستقوم به تركيا من المساعدات الإنسانية، والمشاريع التنموية! وأعادت فتح سفارتها، كما افتتحت أنقرة عام 2014م قنصليتها العامة في مدينة "هرجيسا" وهي العاصمة وأكبر مدينة فيما يعرف بجمهورية أرض الصومال.

و في أبريل 2020م، تبنت تركيا عقد اجتماع رفيع المستوى بشأن الصومال عبر نظام الفيديو شارك فيه وزير خارجية جمهورية تركيا "مولود تشاووش أوغلو"، بحث التطورات الراهنة في الصومال بالإضافة إلى المساهمات المحتملة من المجتمع الدولي للحفاظ على الأمن والاستقرار في الصومال في الفترة ما بعد عام 2021م، وهذا يشبه ما تقوم به السعودية في اليمن، تقتله وتحاصره وتنهب ثرواته، ثم تدعو إلى مؤتمر للمانحين، والتسول باسم اليمن..!!ّ

الدوافع التركية:  يرى باحثون أن القصة بالنسبة إلى الأتراك أكبر بكثير من مجرد المساعدات التي بدت مجرد غطاء لمصالحهم البحتة، إذ مهدت لوجود عسكري وسياسي لأنقرة.

دوغا إرلاب، أستاذ دراسات النزاع  يرى أن "الدافع الأساسي لتركيا هو محلي في النهاية، لذلك حاولت أنقرة، بوصفها عضوًا في مجموعة العشرين وكقوة وسط قوية، العمل بنشاط على تعزيز النفوذ التركي في مناطق خارج نطاقها الطبيعي، أفريقيا هي نقطة مضيئة خاصة في هذه الحالة، بالنظر إلى النجاحات التركية هناك" وعلى الرغم من أن "طموحات تركيا العالمية بأن تصبح قوة إقليمية وإنعاش وجودها في المناطق العثمانية السابقة تعد جزءًا من سبب اهتمامها، فإن الطاقة هي العامل الرئيسي وراء قرار تركيا بالحفاظ على روابطها بالقرن الأفريقي، بسبب الحاجة إلى موارد يمكن الوصول إليها، "وفي 29 أبريل2020م قالت صحيفة "لكسبريس" الفرنسية إن أردوغان يسعى لنهب ثروات الصومال من النفط والمواد الهيدروكربونية، عبر زعم أنقرة أنها شريك استراتيجي لمقديشو، لكن الحقيقة تقول إن حقول النفط هي الدافع الرئيسي لتقارب أردوغان مع نظام عبدالله فرماجو.       

والسبب أن تركيا فقيرة في مجال الطاقة التقليدية.. إذ بلغت فاتورة واردات الطاقة (الوقود والغاز) للأسواق التركية في سنة 2019م، نحو 41.1 مليار دولار أمريكي.

التواجد التركي العسكري (القوة الصلبة):

1-   القواعد العسكرية: أنشأت تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها خارج حدودها، تأسست عام 2015م  وافتتحتها في العام 2017م في "مقديشو" وقيل خلال حفل افتتاحها أنها تهدف لإعادة بناء الجيش الصومالي ليصبح قادرًا على مواجهة حركة الشمال الصومالية وتستخدم لتدريب الجنود الصوماليين ومساعدة مقديشو في قتال جماعة الشباب، بالإضافة الى استخدامها كأداة لتوسيع النفوذ التركي في القرن الأفريقي، وإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع جيوش المنطقة، والقاعدة العسكرية التركية مجهزة بإمكانيات متطورة من أجل رفع القدرات القتالية للجنود والضباط الصوماليين.

وتضم هذه القاعدة ثلاث مدارس عسكرية وصالات نوم ومستودعات، تصل تكلفتها الى 50 مليون دولار على ما مساحته 400 فدان، ويتواجد فيها 200 ضابط عسكري تركي، كما أنها تتسع لتدريب حوالي 10500 جندي صومالي في آن واحد.                                 

2-   الجيش والتدريب:

تواصل تركيا دعمها للقوات المسلحة الصومالية، من خلال القاعدة التركية في الصومال، بهدف إنشاء جيش وطني صومالي موحد ومنضبط. 

وفي مطلع سنة2020م خرّج مركز التدريب التركي في العاصمة الصومالية مقديشو، الدفعة الرابعة من فرقة المشاة الصومالية، وتتكون من نحو 411 جندياً، تلقت تدريباتها الأولى في المركز، ثم أكملت تدريباتها في تركيا لتعود في منتصف فبراير2020م إلى الصومال ..شارك في حفل التخرج وزير الدفاع الصومالي حسن علي محمد، وقائد القوات المسلحة الصومالية الجنرال يوسف ادوى راغي، والسفير التركي لدى الصومال "غالب يلماز"، ونائب رئيس مركز التدريب العسكري التركي الجنرال "سنان أيدمير" إلى جانب مسؤولين وأولياء الأمور..

3-   التواجد في خليج عدن ومضيق باب المندب منذ سنة2008م تقريباً، ضمن القوات المشتركة لمكافحة القرصنة، ومن الآن حتى نهاية ديسمبر ترأس هذه القوات المشتركة، وعززت وحدتها العسكرية بسفينة حربية خلال شهر يوليو2020م، ويذلك تعزز حضورها العسكري الممتد إلى البحر الأحمر حيث تتواجد في جزيرة "سواكن" السودانية!

القوة الناعمة وأدواتها:

 تلعب تركيا دوراً بارزاً من خلال القوة الناعمة، وتقدم نفسها كدولة صديقة إنسانية، على خلاف الدول الاستعمارية السابقة، مستخدمة عدداً من الأساليب والأدوات الجاذبة،  منها ما يطلق عليه دبلوماسية "العون والمساعدة"، نوجز أهمها على النحو التالي:

 

المنظمات التركية:

بدأت وكالة التعاون والتنسيق التركية (TIKA)، والهلال الأحمر، والمنظمات غير الحكومية، تساهم في أكبر حملة للمساعدات الخارجية.. واعتبارًا من عام 2011 تجاوزت قيمة المساعدات الإنسانية التي قدمتها تركيا إلى الصومال المليار دولار.

الشركات التركية     

تلعب الشركات التركية دورًا مهمًا في بناء وتشغيل الموانئ والمطارات، والتي تعتبر حيوية لإنعاش الحياة الاقتصادية في البلاد .

الصحة:

قامت تركيا عام 2015 بإنشاء مستشفى رجب طيب أردوغان، التي تتوفر على أحدث الأجهزة الطبية من أجل توفير الخدمات الصحية لمواطني الصومال.

في منتصف شهر أبريل2020م بالتزامن مع جائحة "كورونا" أرسلت الحكومة التركية - وزارة الصحة والهلال الأحمر التركي-  طائرة محملة بالمساعدات الطبية إلى الصومال، لمساعدتها في مواجهة جائحة كورونا

التعليم:

أولته اهتماماً عبر برنامج المنح التركية، وبلغ عدد طلاب الدراسات العليا من الصوماليين في تركيا 446 طالبًا صوماليًا، فيما أتم حتى الآن 304 طلاب صوماليين دراستهم وتخرجوا من تركيا، بلغ عدد الصوماليين الذين استفادوا من المنح الدراسية الحكومية في تركيا من عام 1992 وحتى اليوم، ألفا و92 طالباً.

كما ساهم مركز "يونس أمره" الثقافي التركي منذ افتتاحه في العاصمة الصومالية عام 2017، في تعليم أكثر من 3500 مواطن صومالي اللغة التركية، فيما تواصل المدارس التابعة لوقف المعارف التركي في مقديشو وهرجيسا، تقديم الخدمات التعليمية للمواطنين الصوماليين، من الأنشطة أيضاً ترميم المدارس، مثلا ما ذكر في بيان صادر عن وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا)، في فبراير2020م أنها جددت مختلف مرافق مدرسة "ميكانيسا أبادير" الابتدائية، كما أنشأت حديقة ألعاب في ساحة المدرسة..وأن عملية التجديد شملت المراحيض وفصول المدرسة البالغ عددها 24 فصلاً، إضافةً إلى الأبواب والنوافذ والممرات بداخلها.

اقتناص الفرص والأحداث: تجيد تركيا اقتناص الفرص والأحداث وتوظيفها بما يحقق أقصى منفعة لها ضمن استراتيجيتها الشاملة، مثلاً:

-     الزيارات إلى الصومال في الفترة الحرجة التي كانت تمر بها الصومال بعد انهيار نظام محمد سياد بري، والحرب الأهلية، والجفاف، وتقديم المساعدات وإن كانت بسيطة، مما أدى إلى تعزيز مكانتها لدى الحكومة الصومالية وجزء من الشعب..!

-     تثبيت وجودها العسكري، مدعية أنها تخدم الجيش الصومالي، من ناحية التدريب والتنظيم، من أجل القضاء على "حركة الشباب" المعارضة ليس للحكومة الصومالية بل للتواجد التركي، وبذلك تحقق هدفها في جانبين، الأول تعزيز مكانتها والرضا عن وجودها عسكرياً، وتهيئة المجال لها، الثاني التخلص من المعارضين لتواجدها بقوات البلد المضيف، الذي تقوم بتدريبه وتسليحه، وتثقيفه بثقافة العقيدة التركية "العثمانية الجديدة"!

-     المزاعم التي تدعيها في القضايا الاستخباراتية على المستوى الإقليمي والدولي، كما هو في قضية تحرير المواطنة الإيطالية "سيلفيا رومانو"، العاملة لدى منظمة "أفريكا ميليي" الإغاثية عندما اختُطفت منتصف نوفمبر 2018م، من قبل "حركة الشباب"! وتم تحريرها ليلة 8- 9مايو2020م.

وأعلنت الحكومة التركية أن استخباراتها تمكنت بعد تلقي طلب من روما، من تحرير المواطنة الإيطالية، التي خطفت في كينيا، ونقلت لاحقاً إلى الصومال.. وأشارت تقارير صحفية إلى أن المفاوضات النهائية جرت في الدوحة "لما يربطها من علاقة بحركة الشباب" لكن الحكومة الإيطالية هي من دفع الفدية التي تقدر بمليون ونصف المليون يورو مقابل الإفراج عن الرهينة المختطفة.. وفي محاولة لإثبات الدور التركي تم عرض صور لرومانو داخل السيارة -أثناء نقلها- وهي ترتدي سترة مضادة للرصاص يظهر عليها الهلال التركي، لكن جهاز الاستخبارات العسكرية الإيطالي نفى لاحقاً الأمر قائلاً إنها أنباء وهمية، فهذه السترة يتم توفيرها لرجالنا"، وأشار رأي بترجيح الرواية التركية التي تشير إلى أن مساعدة الجانب الإيطالي جاءت مقابل دعم روما لتحركات أنقرة في ليبيا (أي براجماتية)

-     جائحة "كورونا"، وجدت تركيا من تفشي فيروس كورونا فرصة لتوفير احتياجات مقديشو في مجال الرعاية الصحية وسبل الوقاية من الفيروس.. في 2 مايو2020م أكد أردوغان أن بلاده ستقف إلى جانب الصومال حكومة وشعباً في مكافحة كورونا "كما وقفت معه في كل القضايا، وذلك في رسالة منه وصلت رفقة مساعدات طبية تركية هي الثانية لمقديشو في أقل من شهر.

تركيا بين حكومة داعمة وتنظيمات ناقمة:   

كما تدافع حكومة مقديشو عن التواجد التركي، وتدعمه، وتصفه بالاستراتيجي، توجد تنظيمات وقوى معارضة للتواجد التركي، وتحاربه..الخ

تنظيم الشباب يستهدف تركيا في الصومال:

 يتهم تنظيم الشباب تركيا بالتدخل في السياسة الداخلية للصومال واستغلال المقدرات الاقتصادية للبلاد، ولهذا أعلن مراراً وتكراراً عن عزمه استهداف الأنشطة التركية والمواطنين الأتراك في الصومال، وعليه باتت مراكز التدريب التركية وسفارة أنقرة في مقديشو والمؤسسات التركية العاملة في الصومال والمواطنين الأتراك الذين يعملون في قطاعات مختلفة، وخلال الأشهر الأخيرة، زادت الهجمات الإرهابية التي نفذها تنظيم الشباب القلق من الأنشطة التركية في الصومال، ومن أهم الأحداث ضد الأتراك التالي:

  • الهجوم المسلح الذي شنه عناصر التنظيم ضد موقع بناء تابع لشركة مقاولات تركية تعهدت ببناء الطريق الواصل بين العاصمة الصومالية مقديشو وبلدة "أفجويي" شمال غربي العاصمة، عن مقتل 3 جنود صوماليين مكلفين بحماية الفريق التركي، وإصابة 20 آخرين 6 منهم من الأتراك.
  • في 14 يناير2020م، قتل 3 جنود صوماليين كانوا يحمون مواطنين أتراك يعملون في شركة بناء، نتيجة انفجار قنبلة زرعت على جانب طريق قرب العاصمة، فيما قتل أكثر من 90 شخصًا، اثنان منهم من الأتراك، في الهجوم الذي وقع بمقديشو في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2019، بالقرب من مركز الجمارك، حيث تم تفجير سيارة محملة بالمواد المتفجرة، في الاعتداء الذي تبناه تنظيم الشباب الإرهابي.
  • وفي مايو2020م قتل مهندس تركي نتيجة انفجار قنبلة جرى تثبيتها على سيارته في مقديشو، فيما أصيب 3 أشخاص في هجوم مسلح استهدف سيارة تابعة لوقف المعارف التركي بمقديشو، في سبتمبر/ أيلول 2019.
  • كما تعرضت السفارة التركية في مقديشو عام 2013م، لاعتداء مسلح أسفر عن استشهاد أحد أفراد شرطة العمليات الخاصة المكلفة بحماية السفارة، وإصابة اثنين آخرين بجروح.
  • وفي أبريل2020م، قُتل 5 عمال إغاثة صوماليين وأصيب 4 أتراك في هجوم استهدف قافلة مساعدات إنسانية تابعة للهلال الأحمر التركي في الصومال.
  • ويوم الثلاثاء23يونيو2020م هز تفجير انتحاري مركز تدريب عسكري تركي في العاصمة الصومالية مقديشو أسفر عن مقتل مدنيين صوماليين.

الحكومة مؤيدة وداعمة :  يرجع بعض الباحثين اهتمام الحكومة الصومالية بتركيا إلى عدد من الأسباب منها:

  • أنها الدولة السباقة إلى الاهتمام بالصومال، عبر المساعدات
  • أن تركيا أول من استأنف الرحلات الجوية إلى مقديشو.
  • الشركات التركية تدير الميناء الرئيسي لمطار مقديشو
  • توفر التدريب العسكري لجنود الحكومة الصومالية
  • مدفوعات أنقرة النقدية المباشرة للحكومة الفيدرالية الصومالية.
  • أن تركيا على مدى السنوات العشر الماضية، كانت تبني قنوات ثقة بين الصومال وأنقرة.

 من الأمثلة الداعمة والمبررة:  قال عبد القادر محمد نور، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الصومالية ومستشار رئيس البرلمان الاتحادي في الصومال (مقديشو)، إن تركيا تعتبر البلد الوحيد الذي قدم العون للحكومة الصومالية على الصعيدين المادي والمعنوي من أجل مكافحة تنظيم الشباب .. واضطلعت الشركات التركية بأدوار مهمة في بناء وتشغيل المطارات والموانئ والطرق بين المدن وإعادة تأهيل البنية التحتية وبعض المباني العامة في المنطقة. كما قامت أنقرة بافتتاح مركز للتدريب في الصومال لتدريب عناصر الشرطة والجيش والاستخبارات، وهذا ما زاد من نقمة التنظيم على الأنشطة التركية".

وزير الخارجية الصومالي أحمد عيسى عوض، أشاد بالدور التركي وقال إن بلاده تمكنت بفضل تركيا من حل الإشكال الذي تسببه حركة "الشباب" المسلحة.

وأشار عوض في تصريحات أدلى بها في أبريل/ نيسان 2019، أن تركيا تدعم بشكل قوي العلاقات الثنانية بين البلدين وتقوم باستثمارات كبيرة جدا من شأنها تنمية الصومال..واعتبر الوزير الصومالي، أن "تركيا أكثر دولة نتلقى منها مساعدات مهمة للغاية في المجالين الإنساني والبنية التحتية".."لقد أصبحت الحكومة الصومالية قوية، بدعم من الدول الشقيقة مثل تركيا، وتقديم المساعدة وتوفير المنح الدراسية، والفرص المتاحة للشباب، والتدريب العسكري في أكاديمية الشرطة، ما زاد الاستجابة للمطالب وقوة وسيطرة الحكومة في نظر الشعب".

"تركيا حليف مهم للغاية، وبلد شقيق بالنسبة لنا، ونحن سعداء جداً للدور القيادي لتركيا في الساحة الدولية"                        

وبناء على ذلك وجهت الصومال دعوة إلى تركيا للتنقيب عن النفط في مياهها الإقليمية بعد سنوات قضتها أنقرة في بناء الثقة في المنطقة، حسب تصريح الرئيس التركي "أردوغان" في يناير2020م                  

مؤكداً أن الصومال لديه نفط في مياهه مثل ليبيا ويمكنه إجراء نفس العمليات في الصومال، معلناً اتخاذ خطوات هناك ستكون مفيدة بالنسبة لبلاده.

ومرر المشرعون الأتراك اتفاقية وقعت عام 2016م مع الصومال تسمح للشركات الخاصة والمملوكة للدولة باستكشاف فرص الطاقة في ذلك البلد الذي يتمتع بموقع استراتيجي، حيث وافق البرلمان على الاتفاقية عقب إعلان أردوغان نيته إجراء عمليات الحفر والاستكشاف بناء على طلب من الحكومة الصومالية.

وفقاً لموقع "نورديك مونيتور" تهدف الاتفاقية إلى تعزيز التواجد التركي والشراكة مع الصومال من  خلال مشاريع التعدين في مجالات التنقيب والاستكشاف والتطوير والبناء والتشغيل والإنتاج، وهو ما يشبه الاتفاق الذي وقعه أردوغان مع حكومة السراج في ليبيا ليضع أقدامه في تلك الرقعة أيضاً. 

وبناء على ذلك يتضح هدف تركيا الآخر يتمثل في موارد الطاقة بحيث تكون قادرة على تحقيق طموحها –الهدف الرئيسي- العثمانية الجديدة، في الفنادق التي كانت متواجدة فيها،  يقول بريندون كانون: "على غرار جميع الدول، فإن لتركيا حدودًا لقدرتها على إبراز قوتها بأي صورة ناعمة أو صلبة،  سوف تحافظ على الموارد القريبة من الوطن في عالم البحر الأبيض المتوسط."

صراع المحاور في الصومال:

تقاسم الأدوار بين المحاور ينعكس على الواقع في الميدان، ويلاحظ من خلال الأحداث والتفاعل فيما بينها، أو التعبير عنها، أو توظيفها لتحقيق المصالح التي تراها كل دولة/محور، كما هو في حالة الصومال، الحكومة تؤيد تركيا وقطر، وترفض الإمارات، بينما في المعارضة وبعض السياسيين من يقول بالعكس من ذلك،  ويرى أن الدوحة دعمت جماعات متطرفة على غرار حركة الشباب لضرب استقرار المدن الصومالية ما يشرعن للتدخل الترك.. وأن تركيا قد نجحت في استغلال النفوذ القطري المالي وغيره في الصومال لتقوية حضورها.. وفي هذا الصدد حذر رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية السابق في الصومال عبدالله محمد سنبولوشي من دور خطير تلعبه قطر، الحليف الأبرز والموثوق فيه لدى تركيا، في بلاده في وقت سابق وحتى الآن.. وأكد أن التحالف الذي أقامه رئيس الصومال الحالي محمد عبدالله فارماجو مع الدوحة قد ضرب التقدم الأمني الذي أحرزته بلاده في السنوات الأخيرة في مقتل.. ووصف التدخل القطري في بلاده  بـ ”التأثير الخبيث الذي تمارسه الدولة الخليجية قطر، لأن الرئيس الصومالي فارماجو - بناء على طلب قطر- قام بتعيين سفينجالي، فهد ياسين، لرئاسة وكالة المخابرات والأمن الوطنية الصومالية على الرغم من أن ياسين، الصحافي السابق بقناة الجزيرة القطرية، ليست لديه خلفية أمنية أو استخباراتية لإدارة الوكالة..وقام ياسين بتفكيك الركائز الأساسية للوكالة واستبدل بشكل منهجي النشطاء المحترفين وذوي الخبرة بالمتدربين الهواة وعملوا بشكل فعال كمقاصة لعمليات المخابرات القطرية في القرن الأفريقي..                                       

من جانب آخر اتهمت دولة الإمارات الصومال بالوقوف إلى جانب قطر، في حين اتهمت الصومال الإمارات بتهديد استقرار الصومال من خلال دعم دولة أرض الصومال الانفصالية، حيث كانت تخطط أصلًا لبناء مطار عسكري، ويمكن أن يؤدي الصراع الخليجي إلى تفاقم القضايا الإقليمية والمحلية داخل الصومال نفسه ثم الانتقال عبر القرن الأفريقي.                         

 

 

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة