Logo dark


القمة الصينية- السعودية، الخليجية، العربية  (طبيعتها ودلالتها والمخرجات)

( باحث , )

عقد الرئيس الصيني بداية من يوم الأربعاء الماضي(7 ديسمبر 2022م) ولمدة ثلاثة أيام ثلاث قمم في العاصمة السعودية الرياض، الأولى مع السعودية، الثانية مع دول مجلس التعاون الخليجي، الثالثة مع اعضاء جامعة الدول العربية.

جاءت القمم كجزء من مخرجات اجتماع منتدى التعاون العربي الصيني في العام 2020م الذي أقر أن يتم اجتماع صيني عربي في الرياض هذا العام(2022م)، وهي القمة (السعودية - الصينية، والخليجية - الصينية، والعربية - الصينية). عقدت بحضور أكثر من 30 قائد دولة ومنظمة دولية.

والقمة في عنوانها الموضوعي الأبرز "قمة طريق الحرير البحري" التي تعمل عليه الصين منذ العام 2013م، ورغم الجوهر الاقتصادي الجلي للقمة إلا أن لها بُعداً سياسياً ينزع نحو رفض التدخلات الغربية، في عصر تشابكت فيه السياسة بالاقتصاد.

الزيارة الصينية والقمم المرافقة لها تمثل إلى حدٍ ما تحدياً للإدارة الأمريكية، والرئيس الأمريكي بايدن الذي حسم توجه الولايات المتحدة في قمة جدة هذا العام، بأن دولته متمسكة بالمنطقة ولن تترك أي فراغ يملأه الروسي أو الصيني أو الإيراني، ومنذ أن تولى بايدن منصبه أبدى اهتماماً عالياً بشأن النفوذ الجيوسياسي المتزايد للصين، وجدد التعهد بمواجهة امتداداً لاستراتيجية الإدارة الديمقراطية التي وضعت في عهد الرئيس باراك أوباما.

يوم الزيارة صرح البيت الأبيض: إن زيارة شي للسعودية "مثال على محاولات الصين لبسط نفوذها في أنحاء العالم"، مشدداً على أنها لن تغير سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.

القمة هي أول زيارة خارجية للرئيس الصيني من بعد إعادة انتخابه لدورة ثالثة، وعادة ما تكون الزيارة الخارجية الأولى لأي رئيس بعد توليه السلطة مؤشراً واضحاً على اتجاه سياسته الخارجية في فترته الرئاسية، وعبر هذه الزيارة والقمم الثلاث تؤد الصين تأكيد مكانتها العالمية وسبق حجز موقع لها، في عالم يتجه نحو التعددية القطبية.

 تحرص الصين على التفاعل مع دول المنطقة العربية تحت مظلة واحدة، وتعكس القمة رغبة عربية صينية في تعميق العلاقة وتوثيقها على نحو استراتيجي في عالم ما بعد حرب أوكرانيا.

 هناك امتيازات للعلاقات الصينية مع السعودية، على حِدةٍ، ومع دول مجلس التعاون الخليجي، قوامها القدرة الشرائية العالية لدول مجلس التعاون الخليجي وما تكتنزه من طاقة ضرورية للنشاط الصناعي الصيني، وكذلك الموقع الجيوسياسي لدول مجلس التعاون الخليجي وموقع اليمن الاستراتيجي، فالمنقطة في قلب مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، لا سيما "طريق الحرير البحري" الذي يمر في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر وسواحل اليمن (المحتلة) خصوصاً ميناء عدن وميناء الحديدة -تقدم السعودية البديل عن الحديدة ميناء جيزان-، وصولاً إلى قناة السويس المصرية، ما يعني حرص الصين على تعزيز حضورها السياسي في هذه المنطقة لتهيئتها للنشاط الاقتصادي المخطط له.

 هناك مكانة خاصة للعلاقة الصينية السعودية، وقد سبقت هذه القمة سلسلة من اللقاءات الصينية السعودية منها: زيارة الرئيس الصيني للسعودية عام 2016م، زيارة الملك سلمان إلى الصين 2017م، وزيارة بن سلمان إلى الصين 2019م، وتوقيع عدد من الاتفاقيات، وتدعم الصين توسيع "مجموعة البريكس" وادخال المملكة العربية السعودية فيه.

تعد الصين الشريك التجاري الأكبر للسعودية"، في حين أن الرياض هي واحدة من أكبر موردي النفط للصين، والشركات الصينية منخرطة بعمق في السعودية، فهي تبني مشاريع عملاقة، وتنشئ بنية تحتية لتقنية الجيل الخامس، وتطور طائرات عسكرية من دون طيار، إلا أن جزءاً كبيراً من مشروع بن سلمان 2030م يعتمد على الصين.

 من أبرز مخرجات القمة على المستوى السعودي الصيني إبرام اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، وهذه الشراكة لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، فلها بعد سياسي وتحرص السعودية على كسب موقف الصين في السياسة الخارجية فهي دولة تملك حق الفيتو في مجلس الأمن، وقد أكدت الصين على مجموعة نقاط تلبي هذا الاحتياج السعودي وبصورة غير مباشرة تدين اليمن وإيران وتفترض فيها التدخل في الشؤون الداخلية السعودية.

 على المستوى العام، من الملاحظ أن خطاب هذه القمة، متسق مع خطاب قمة الجزائر ومع كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فيها، أي أن هناك سعي روسي صيني لاستعادة إرث العلاقات التاريخية مع العالم العربي والإفريقي وكسب موقفهم في عالم التعددية القطبية، فهذا السياق خطوة عربية نحو الأمام متعارضة مع الهيمنة الأمريكية، إلا أن النخب العربية السائدة ليست عند مستوى اللحظة التاريخية والعالم التعددي الجديد وتنتمي لحقب الهيمنة الأمريكية.

 على المستوى الخاص المتعلق بالسعودية، فهي وكما أكد وزير خارجيتها لاتزال تتمسك بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية كحليف استراتيجي، إلا أنها تريد أن تعدد الشركاء ولا تفترض أن علاقتها مع طرف على حساب طرف آخر، وهذا التنويع في العلاقات الدولية أي الميل إلى الشرق إلى جانب الغرب سيعطيها قدر ولو بسيط من الاستقلالية، ومن الملاحظ أن هذه القمة تؤكد النهج الذي طرحه بن سلمان في اللقاء الصحفي مع صحيفة "بلومبيرغ" في العام 2022م.

مخرجات القمة السعودية الصينية

  • وقع الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والرئيس الصيني شي جين بينغ، اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين المملكة وجمهورية الصين الشعبية.
  • أكد الجانبان مجددًا على مواصلة دعم المصالح الجوهرية لبعضهما بثبات، ودعم كل جانب الجانب الآخر في الحفاظ على سيادته وسلامة أراضيه، وبذل جهود مشتركة في الدفاع عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
  • أكد الجانب السعودي مجددًا على الالتزام بمبدأ الصين الواحدة.
  • عبر الجانب الصيني عن دعمه للمملكة في الحفاظ على أمنها واستقرارها، وأكد معارضته بحزم أي تصرفات من شأنها التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية، ورفض أي هجمات تستهدف المدنيين والمنشآت المدنية والأراضي والمصالح السعودية.
  • أكد الجانبان أهمية تعزيز التعاون بينهما من خلال "اللجنة السعودية الصينية المشتركة" رفيعة المستوى، لتحقيق الأهداف المشتركة.
  • أكد الجانبان التعاون في مجال الطاقة.
  • كما أكد على أهمية تعميق التعاون المشترك في مبادرات "الحزام والطريق"، والترحيب بانضمام المؤسسات السعودية المعنية إلى شراكة الطاقة والاستثمارات المختلفة في إطار "الحزام والطريق"، وتعزيز موقع المملكة كمركز إقليمي للشركات الصينية لإنتاج وتصدير منتجات قطاع الطاقة.
  • رحب الجانب الصيني بإطلاق المملكة لمبادرتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر".
  • أشاد الجانبان بنمو حجم التجارة البينية والاستثمارات بين البلدين الذي يجسد عمق واستدامة علاقتهما الاقتصادية.
  • أعرب الجانب السعودي عن تطلعه لجذب الخبرات الصينية للمشاركة في المشروعات المستقبلية الضخمة في المملكة.
  • في المجال المالي، أكد الجانبان أهمية التعاون المشترك وتنسيق المواقف ذات الصلة في المحافل الدولية مثل مجموعة العشرين، وصندوق النقد والبنك الدوليين، والبنك الآسيوي كما أكد الجانبان أهمية تعزيز التعاون في مجال السياسات الضريبية بما يسهم في تعزيز التعاون المالي والتجاري والاستثماري بين البلدين.
  • في مجال المياه والزراعة، رحب الجانب السعودي بدخول القطاع الخاص الصيني في شراكة مباشرة مع القطاع الخاص السعودي في الفرص الاستثمارية المتاحة.
  • في مجال النقل والخدمات اللوجستية، أكد الجانبان أهمية تعزيز التعاون والعمل المشترك على تطوير قطاعات النقل الجوي والبحري.
  • أكد الجانبان على أهمية تعزيز وتطوير التعاون في قطاعي الصناعة والتعدين، بما يخدم مصالحهما المشتركة.
  • في المجال الدفاعي والأمني، أكد الجانبان عزمهما على تطوير التعاون والتنسيق في المجالات الدفاعية، وتعزيز ورفع مستوى تبادل المعلومات والخبرات.
  • في مجال الصحة، أكد الجانبان على أهمية تعزيز التعاون بينهما في المجالات الصحية، ورفع مستوى التنسيق بينهما لمواجهة الجوائح والتهديدات الصحية الحالية والمستقبلية.
  • التعاون في المجال الثقافي، والسياحي.
  • في مجال التعليم، التعاون العلمي والتعليمي بين البلدين، وتعليم اللغتين العربية والصينية في المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية في البلدين.
  • في المجال الإعلامي، اتفق الجانبان على تعزيز التعاون الإعلامي القائم بين البلدين، وبحث فرص تطويره في مجالات الإذاعة والتلفزيون ووكالات الأنباء والصحافة وتبادل الخبرات والزيارات الإعلامية.
  • إبرام اتفاقية تجارة حرة بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية والصين.
  • جدد الجانبان عزمهما على مواصلة التنسيق وتكثيف الجهود الرامية إلى صون السلم والأمن الدوليين، واستمرار التنسيق بينهما في المنظمات ذات الصلة.
  • اتفق الجانبان على تقوية التعاون وتعزيز الشراكة بينهما بما يسهم في دعم الاستقرار والتنمية في القارة الأفريقية.
  • تطرق الجانبان لأبرز التحديات الاقتصادية العالمية، ودور المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية في دعم الجهود الدولية لمواجهتها.
  • أكد الجانبان دعمهما الكامل للجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية.
  • دعم مجلس القيادة الرئاسي في الجمهورية اليمنية، لتمكينه من أداء مهامه، والوصول لحل سياسي للأزمة اليمنية وفقاً للمرجعيات الثلاث.
  • ثمن الجانب الصيني ما قدمته المملكة من مساعدات إنسانية إغاثية وتنموية للشعب اليمني من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، والبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن
  • اتفق الجانبان على ضرورة تعزيز التعاون المشترك لضمان سلمية برنامج إيران النووي.  
  • أكدا على احترام مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
    تكثيف الجهود الرامية للتوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وفقاً لمبدأ حل الدولتين، بما يكفل للشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
  • في الشأن السوري، شدد الجانبان على ضرورة تكثيف الجهود للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية يحفظ وحدة سوريا وسلامة أراضيها، ويعيد لها أمنها ويخلصها من الإرهاب، ويهيئ الظروف اللازمة للعودة الطوعية للاجئين.
  • في الشأن اللبناني، أكد الجانبان حرصهما على أمن واستقرار ووحدة الأراضي اللبنانية.
  • في الشأن العراقي، أكد الجانبان استمرارهما في تقديم الدعم لجمهورية العراق، ورحبا بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
  • في الشأن الأفغاني، أكد الجانبان أهمية دعم كل ما يحقق الأمن والاستقرار في أفغانستان، بما يضمن ألا تصبح أفغانستان ملاذاً للجماعات الإرهابية والمتطرفة.
  • فيما يتعلق بالوضع في أوكرانيا، أكد الجانبان أهمية تسوية الخلافات بالوسائل السلمية.

نتائج القمة العربية الصينية

  • تعزيز الشراكة في تنفيذ "مبادرة الحزام والطريق"، وعقد النسخة الثانية للقمة الصينية العربية في بكين على أن يحدد موعدها لاحقا بالتشاور بين الطرفين.
  • رفض التدخل في شؤون الدول الداخلية بذريعة الحفاظ على الديمقراطية".
  • يكون التعاون الدولي في مجال حقوق الإنسان قائما على أساس الاحترام المتبادل، ورفض تسييس القضايا الحقوقية واستخدامها أداة لممارسة الضغوط على الدول والتدخل في شؤونها الداخلية.
  • الدول العربية تهدف إلى رفع مستوى التعاون مع الصين، والتطلع إلى مرحلة جديدة من الشراكة معها.
  • وصف الرئيس الصيني القمة العربية الصينية بالحدث المفصلي في تاريخ العلاقات العربية الصينية، وبأنها ستقود نحو مستقبل أفضل، وفق تعبيره.
  • الرئيس الصيني: المنفعة المتبادلة هي القوة الدافعة للعلاقات الصينية العربية، مشددا على أن حجم التبادلات مع الدول العربية بلغ 300 مليار دولار.
  • وأكد الرئيس الصيني أن بلاده تدعم قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس على حدود عام 1967م.
  • شدد الرئيس الصيني على أهمية أن تتضافر جهود الصين مع دول الخليج لتفعيل نظام المدفوعات بالعملات المحلية لكل من الصين ودول مجلس التعاون.
  • أشاد الرئيس الصيني بحسن تنظيم دولة قطر لكأس العالم 2022 المقام على أراضيها.
  • القمم شكّلت فرصة لتعزيز التعاون بين العالم العربي والصين في المجالات السياسية والاقتصادية والتربوية والثقافية.

 

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة