Logo dark


وقفات على دور الدولة في الأنظمة المختلفة

( كاتب وباحث سياسي , )

إعداد/محمد محسن الحوثي

جامعة تونس المنار وجامعة صنعاء

رئيس التجمع الأكاديمي والتوافق السياسي

دور الدولة في النشاط الاقتصادي ما يزال مشكلة يتعاطى معها الباحثون والمفكرون، ويتابعون التغيرات والتطورات المؤثرة على الدولة ومن ثم على دورها، ولا يوجد وصفة واحدة لمعالجة المشكلة الاقتصادية، وإن كانت تتضمن المفاهيم والأنشطة ذاتها، فمنهم من قال بتقلص دور الدولة إلى أدنى حد، وبحيث تقتصر وظيفة الدولة على الدور "الدركي"([1])، أو الدولة الحارسة، ومنهم من قال بضرورة تعظيم دور الدولة وتدخلها في الإنتاج والتوزيع و..الخ، ومنهم من قال بالدور التوفيقي، والتوازن في دور الدولة التدخلي وبحيث لا يكون منفصلاً عن الأنشطة الأخرى في المجال الاجتماعي والإداري.. الخ، ورغم وجود خصوصيات لكل مجتمع تقتصر الورقة/ البحث على الاقتراب من الموضوع في المدارس الثلاث، الفردي- الليبرالي، والاشتراكي، والنظام الإسلامي.

أولاً: دور الدولة في المفهوم الرأسمالي – الليبرالي ( * )

دون التوغل في التاريخ القديم تشير كثير من الدراسات إلى أن الليبرالية في المنظور الفردي مرت بمراحل متعددة نتيجة للتغير الزماني الذي يصاحبه الكثير من التغيرات والتحولات الأخرى، البعض اعتبرها مرت بمراحل ثلاث، والبعض عدها مرحلتين، وآخرون قالوا بأربع مراحل، وتفضل الدراسة تناول الموضوع في المراحل الأربع وإن كانت متداخلة، وهي على النحو التالي:

المرحلة الأولى: الليبرالية الحرة:

          وهي التي نادى بها المفكر الاقتصادي البريطاني/ آدم اسميث والتي بدأت منذ القرن الثامن عشر واستمرت حتى عامي 29- 1930 م تقريباً –الكساد الكبير– وكانت تحمل شعار "دعه يعمل دعه يمر" (1) بمعنى الحرية السياسية والاقتصادية.

وحدد سميث دور الحكومة، ومن ثم السياسات العامة في ثلاث مجالات هي:

  1. تأسيس الأمن واستدامته:

ويشمل سياسات الدفاع الخارجي والمحافظة على الأمن الداخلي، بغرض حراسة واستدامة حرية قوى السوق وقواعد اللعبة الاقتصادية، ومنع الاحتكار، وهذا يعني أن على الدولة أن تنشئ وتصرف على جيش قوي وقوات شرطة وأمن داخلي لحراسة النظام الاقتصادي، ومن هنا جاء وصف هذه الدولة بـ"الدولة الحارسة" أو الليبرالية الكلاسيكية التقليدية، وصاحبها مسميات أخرى كالدولة الرخوة، واعتبر أن أفضل أنواع الحكومات هي تلك التي تحكم بأقل قدر ممكن من تلك الأجهزةGovernment is best that Government last يعني الدولة الحارسة.

  1.  إدارة العدالة:

وتتكامل هذه الوظيفة مع الوظيفة السابقة في المحافظة على نظام السوق الحر، وتركز على الجانب القانوني الذي يتضمن الأركان الأساسية لنظام الاقتصاد الحر (...) وتتضمن هذه الوظيفة إنشاء مؤسسات القضاء وحفظ الأمن العام والنظام، ومن هنا جاء وصف هذه الدولة بدولة الأمن والنظام.

  1. إنشاء وإدارة الأشغال العامة التي لا يمكن أن يقوم بها القطاع الخاص لعدم ربحيتها (2):

وأطلق على هذه المدرسة مسميات أخرى كالدولة المحايدة أو الفردية في صورها المتعددة، والتي أرجعت أسسها إلى المدرسة الطبيعية التي سادت أفكارها فرنسا، والتي تقوم على فكرة القانون الطبيعي وأن للإنسان حقوقاً طبيعية مقدسة، وأن واجب الدولة اكتشاف هذه الحقوق والمحافظة عليها، ولكن لم تتبلور هذه المرحلة إلا في فترات لاحقة بعد آدم اسميث وذلك على يد اثنين من العلماء البارزين هما ( جون سيتوارت ميل ) ( 1806 م – 1873م )، وهربرت سبينسر ( 1810 م – 1902م ) (3)

وعرفت النظرية الفردية باسم حرية العمل، وتنص على أن الحكومات يجب أن لا تقيّد الأفراد إلا في أضيق الحدود الممكنة(4). فواجب الدولة أن تحمي الحرية الفردية وأن تكبح من يعتدي عليها، فهذه هي الوظيفة الرئيسية لها، يقول هربرت سنبسر: إن الفرد ليس له سوى حق واحد، وهو حق الحرية المتساوية مع كل فرد آخر، وليس للدولة سوى واجب واحد وهو حماية ذلك الحق ضد العنف والغش (5).

ويبرر أنصار المدرسة الفردية هذا الدور من الفلسفة القائلة بأن تدخل الدولة في حرية التصرف لدى الفرد يدمر إقدامه على الشروع في الأعمال واعتماده على نفسه، وهو يضعف إحساسه بالمسؤولية ويمتص أنشطته ويشل شخصيته [...] ويقول ميل: إن الإفراط في الحكم يميت جوعاً تنمية قدر من المواهب البدائية، أو العقلية عندما يحرم أحد من فعل ما يميل إلى فعله أو من التصرف فيما يراه مرغوباً وفق رايه (6).

إلا أن أنصار هذا الاتجاه تطرفوا وتشددوا حتى كادوا الوصول إلى إلغاء دور الدولة وتضييقه إلى أبعد الحدود، حيث نظروا إلى أن "الدولة شر لا بد منه" وأنه يحظر على الدولة التدخل في الميدان الاقتصادي أو إنشاء المشروعات الاقتصادية والعمرانية المختلفة، أو التدخل في مجالات التعليم أو الثقافة أو الصحة العامة (7).

أي أن دورها يقتصر على حماية الحياة والحرية والممتلكات الخاصة، أما بقية الوظائف فيجب أن تتولى المؤسسات الخاصة القيام بها.

ويقابل أنصار هذا الاتجاه في المدرسة الفردية المرحلة الأولى والثالثة في الليبرالية الحرة وهم الذين ينادون بتقليص دور الدولة إلى أضيق الحدود، أما بعض المعتدلين من دعاة المذهب الفردي، فيعتقدون أن تطور الحياة الاقتصادي والاجتماعي قد أصبح يتطلب قيام الدولة بتأدية بعض وظائف الخدمات، فلقد أصبح هناك حاجة إلى إشراف الدولة على التعليم والصحة وإلى تأديتها للأعمال التي يتقاعس الأفراد عن القيام بها، إما لانعدام حافز الربح مثل بناء محطة كهرباء في قرية صغيرة، أو لضخامتها مثل (الموانئ البحرية والجوية …. الخ) كذلك القيام ببعض الخدمات الأخرى مثل تمديدات المياه والمجاري وغيرها(8)، والمعتدلون يقابلون المرحلة الثانية والرابعة في الليبرالية، حيث يوسعوا من دور الدولة مع مراعاة التغيرات التي تطرأ على البنى والأنساق نتيجة التطور والتقدم العلمي والمعرفي والتقني، إلى جانب المتطرفين والمعتدلين في المدرسة الفردية – الليبرالية، يوجد تيار أو اتجاه تبلور داخل المدرسة الفردية، حتى وجدت نظرية باسم هذا الاتجاه سميت بالنظرية الفوضوية، وكلمة فوضوية (Anarchism) مدلولها "لا حكم" وأنصار هذا الاتجاه يعارضون الدولة، ويعارضون الحكومة ويرون أن العدالة لا يمكن أن تتحقق بوجود الدولة، ولذا يجب أن تلغى وأن تحل محلها منظمات اجتماعية تعاونية يختفي منها الإشراف المنظم كي تعود الطبيعة البشرية إلى سيرتها الأولى تلك السيرة العادية المنطقية (9).

ومن أنصار هذه النظرية، وليام جودوني ( 1756م – 1836م ) الذي من أقواله:

"إن الحالة الاقتصادية الظالمة التي نتجت عن الملكية الخاصة هي المسؤولة عن إفساد الإنسان ولولاها لاستغنى عن الدولة" (10) فهو يرى أن إلغاء الملكية الخاصة سيؤدي بالضرورة إلى إلغاء الدولة، لأنها أساساً في هذا المفهوم وجدت لتحمي الحقوق الخاصة.

وفي نفس الاتجاه، جاء بعده الفرنسي "يرودون" فأكمل تعاليمه، وهاجم الدولة والملكية الخاصة التي وصفها بأنها سرقة (11).

 المرحلة الثانية: الليبرالية الجديدة: يسميها البعض الليبرالية المنتظمة، بعد وقوع الكساد الكبير ( 29 – 1930م) تبين أن دور الدولة بالمفهوم الكلاسيكي قد أثبت فشله بأزمة الكساد التي أحدثت خللاً في توازن البنية الاقتصادية التي انعكست على بقية البنى المؤسسية والأنساق الأخرى مما أحدث خللاً في توازن البنية الكلية لتلك الدول، فبدأت الأفكار والنظريات داخل هذه المدرسة تظهر وتنادي بأنه لا بد لإعادة التوازن من قوة تتدخل؛ هذه القوة التدخلية ليست إلا الدولة، وكان للمدرسة الكنزية (*) السبق في بلورة هذا الاتجاه بمبرراته وأسبابه، ودعت إلى ضرورة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي، بواسطة الاتفاق العام ومن خلال الموازنة العامة، واقترح "كينز" لذلك أدوات وأساليب مالية تعرف بالمالية الوظيفية، وقيام الحكومة بالأشغال العامة وتطبيق نظام تعويضات البطالة وتوفير السلع العامة بدلاً عن القطاع الخاص، فظهر القطاع العام بعد أن أصبحت الدولة مسؤولة مسؤولية أخلاقية عن تقديم الكثير من الخدمات الاجتماعية للمواطنين، وبعد الحرب العالمية الثانية توسع حجم ملكية الدولة والقطاع العام والإنفاق الحكومي (...) كما زادت الاستثمارات الحكومية في مجال الأشغال العامة مثل الطرق والجسور ومحطات المياه وزاد الإنفاق العام الموجه للخدمات الاجتماعية الضرورية كالتعليم والصحة والإسكان والمرافق، كما دخلت الدولة بثقل كبير في مجال الإنفاق العسكري والإنتاج الحربي، وأعطت الدولة للبعد الاجتماعي أهمية كبيرة حيث استهدفت تحقيق التوظف الكامل وتخفيف المعاناة عن كاهل الفقراء والمحرومين، فتم الأخذ بنظام إعانات البطالة والتوسع في التأمين الصحي والضمان الاجتماعي ودعم الموارد التموينية للفقراء ومحدودي الدخل وتوفير الخدمات العامة برسوم معقولة، أوصلها إلى ما تعورف عليه بمصطلح "دولة الرفاه" (12) نتيجة الدور التوسعي – التدخلي للدولة، وحول تدخّل الدولة وتعاظم دورها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية؛ التي أوجدت دولة الرفاه التي ترعرعت في الغرب ساد نموذجان:

النموذج الأول: نتيجة الأزمة الاقتصادية كما هو الحال بالنسبة للدول الأنجلوسكسونية فإنها واجهت العديد من المشكلات، وفي الولايات المتحدة الأمريكية واجه الرئيس روزفلت مشكلات أهمها هل للحكومات الحق في التدخل دون نص في الدستور، وهل يعتبر التدخل في الحياة العامة مدعاة إلى اشتراكية؟ ولكن روزفلت كان قيادياً ماهراً استطاع أن يحصل على ما يسمى بالاتفاق الجديد، فبدأ بإصلاح المؤسسات الديمقراطية، والاتفاق الجديد تضمن تدخلاً كبيراً للملكية الخاصة؛ وعمل بناءً على الافتراض أن من حق الحكومة التدخل في الملكية، وأن تعمل إلى حدٍّ ما على إعادة توزيعها، وهذا الأمر ولّد دولة الرفاه في الولايات المتحدة الأمريكية التي تعني أكثر من أمر منها تحسين الديمقراطية الأمريكية دون إحداث تغيرات أساسية عليها؛ كما فرض روزفلت أنظمة ورقابة على الاقتصاد بكامله بصعوبة بالغة، وأصبحت وظيفة الحكومة هي التمتع بالسعادة وامتلاكها، وتأمين تلك السعادة لأكبر عدد من الناس… ويعتبر روزفلت أن السعادة هي الرفاهية، ومن أساسيات صحة الدولة الرفاه تأكيد روزفلت من أن الحكومة تتحمل المسؤولية النهائية لرفاهية مواطنيها؛ أي تأمين السعادة المادية (13)

النموذج الثاني: كان تطور دولة الرفاه في النموذج الأول نتيجة أزمة الكساد والنظرية الكينزية، أما هذا النموذج فقد جاء اعتماداً على تطور مؤسسي كما هو بالنسبة للدول الإسكندنافية والجرمانية، وتستند إلى نظرية "ويكسيل كانت" السويدي، الذي كان أوّل من شكك بقانون (say) في نهاية القرن التاسع عشر – ويقضي قانون "سي" بتحريك آليات السوق لتحقيق تحويل الموارد من دول الجنوب إلى دول الشمال بالتأثير في أسعار وتعظيم الأرباح كمعيار للكفاءة الاقتصادية – بكشفه عن علاقة حركة مستويات الأسعار المرتبطة بكفتي العرض والطلب الكليين واعتمادها على توقع الأرباح وأسعار الفائدة وتأثير ذلك في توزيع الدخل بين الفئات الاجتماعية(14) النموذج الأول علاجي، أما النموذج الثاني فهو تطوري.

إلا أن الأساس الذي تقوم عليه دولة الرفاهية في النموذجين هو [ضمان كرامة الإنسان ورفعته من المهد إلى اللحد](15)، واستمرت هذه المرحلة حتى أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات تقريباً.

المرحلة الثالثة: الاتجاه المحافظ الجديد:

منذ مطلع ثمانينيات القرن العشرين اشتد النقد الموجه لتدخل الدولة لا سيما في النشاط الاقتصادي، ويتمحور هذا النقد حول فكرة مركزية مفادها أن تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي من شأنه أن يلغي تأثير آلية السوق في توجيه النشاط الاقتصادي، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور اختلالات بنيوية في الاقتصاد الوطني تفرز بدورها مشكلات اقتصادية واجتماعية تعرقل مسيرة التنمية (16)

ونتيجة لذلك النقد ظهر اتجاه جديد لليبرالية، يرى تقليص دور الدولة لا سيما في بعدها الاجتماعي، وأصبحت الدولة تدير ظهرها للفقراء وتخفض النفقات الاجتماعية وتزيد من النفقات العسكرية وتعطي الأولوية للقطاع الخاص والشركات العملاقة، وسمي هذا الاتجاه المحافظ (بالريجاني والتاتشري)(*)

ومفاد هذا الاتجاه أنه عبارة عن وجه مزدوج لـ"السوق الحرة" حمائية الدولة وتخصيص الإعانات العامة للأغنياء من جهة، وفرض انضباط السوق على الفقراء من جهة أخرى، ويدعو إلى تقليص النفقات الاجتماعية في ما يختص بتسديد نفقات الرعاية الصحية للفقراء والمسنين، وبرامج مساعدة للأولاد، كما يطالب بزيادة حماية الأغنياء بالطريقة الكلاسيكية التقليدية من خلال تقليص الضرائب والرسوم، وتقديم الإعانات للمصالح والتجهيزات (17)

وتدعو الليبرالية المحافظة إلى تطبيق التعاليم التي وضعها الفيلسوف الاقتصادي بجامعة شيكاغو "فريدريك فون هاييك"، ثم تلميذه "ميلثون فريدمان"، والجدير بالذكر أن "مارجريت تاتشر" تلميذة "هاييك" أيضاً، وتؤمن هذه المدرسة بالنظرية الدارونية الاجتماعية في الاقتصاد، وترى أن لا بديل عن المنافسة المطلقة دون ضوابط لصالح الشركات العملاقة على نطاق الكوكب دون حدود أو قيود وشعاراتها دولة الحد الأدنى للتدخل تمهيداً لما يلي:

  • حرية تجارة السلع والخدمات.
  • حرية تداول رأس المال.
  • حرية الاستثمار.
  • إلغاء القطاع العام.
  •  سيادة الخصخصة.

ويرى أنصارها أن اللامساواة الاجتماعية ظاهرة طبيعية سوية، ومن ثم دعت إلى تهاوي الحدود القومية والقيود الحمائية لصالح "ديناصورات" الاقتصاد، ذلك لأن البقاء للأقوى وأن الضحية تستحق مصيرها، وحول السياسات التي يقوم عليها هذا الاتجاه صرحت "تاتشر" وهي أحد المؤيدين لهذا الاتجاه "الداروئية الاجتماعية" التي ترى الصراع محور ومبرر الوجود بين الأمم والمؤسسات والأفراد، وأن المنافسة تفرق بين الذئاب والخراف، وبين الرجال والعيال وبين الصالح والطالح (...) إلى أن تقول "لا نعبأ بالمتخلفين في ماراثون المنافسة… الناس غير متساوين بالطبيعة وهذا خير(...) لا فضل للضعفاء ذوي الحظ السيئ في التعليم، ومن ثم فإن ما يصيبهم يستحقونه لأن الخطاء خطأهم وليس خطأ المجتمع وحكومتنا تكاد تتبع هذا النهج(18) وهذا الاتجاه يقلص دور الدولة ويجعلها غير تدخلية في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، وهو أقرب إلى اتجاهات المرحلة الأولى

المرحلة الرابعة: الكلاسيكية الجديدة:

          تعتبر امتداداً للمرحلة السابقة إلا أنه حدث تغير لامس هذه المرة الأيديولوجية الرأسمالية فتبلورت خلال العقد الأخير من القرن العشرين أفكار واتجاهات متعددة أهمها أيضاً اتجاه الطريق الثالث، الذي له جذور فكرية مبكرة وهو ما بشر به الألماني الديمقراطي الاشتراكي "أوغست يبيل" عام1907م حيث أعلن أن الأمريكيين سيكونون أول من يرشد الآخرين للجمهورية الاشتراكية(19)، الجدير في فلسفة الطريق الثالث أنه ليس كما يشاع عن إيجاد طريق وسط بين الماركسية والرأسمالية، ولكنه يسعى كما يشير أنصاره إلى بلورة القيم الجوهرية للوسط وليسار الوسط، ووفقاً لتعبير رئيس الوزراء البريطاني "توني بلير" أحد أبرز المعبرين عن هذا التيار فهو يعني قيم التضامن والعدل والمسؤولية الاجتماعية للدولة بعيدة عن أفكار اليسار التقليدي الذي يرى أن سيطرة الدولة هي الغاية في حد ذاتها ومتجاوزاً لأفكار اليمين القديمة التي تعارض مبدأ تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتدعو إلى تطبيق المبدأ المعروف (دعه يعمل دعه يمر) الذي يناصر الفردية التقليدية، ويؤمن بأن التوازن الاقتصادي والاجتماعي يحدث تلقائياً من خلال حرية السوق(20).

وقد كتب بلير مقالاً عن هذا الاتجاه قال فيه: "الطريق الثالث هو سبيل لتحقيق التجديد والنجاح في مجال الديموقراطية الاجتماعية المعاصرة وهو لا يعني أبداً مجرد إجراء تسوية بين اليسار واليمين، بل إنه يسعى للحصول على القيم الجوهرية التي تميز الوسط واليسار، وتطبيقها في عالم يتسم بالتغير العميق في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، لقد تقبل الناس القيم التقليدية الخاصة باليسار والوسط المتعلق بالتكافل والعدالة الاجتماعية والمسؤولية وتوفير الفرص، ولكنهم يعرفون أن علينا أن نتحرك وعلى نحو حاسم إلى ما وراء طرق التفكير القديم، وإلى ما وراء يمين جديد ينادي بسياسة عدم التدخل الحكومي في اقتصادات البلدان ويؤيد الفردية الضيقة ويعتقد أن الأسواق الحرة هي الحل الوحيد لكل مشكلة(21)، وكتب أحد منظري الطريق الثالث "أنطوني جيدنز" في المجلة الشهرية لليسار البريطاني (NEW STATESMAN) في الأول من مايو 1998م ما يلي: "يمثل الطريق الثالث حركة جديدة وحديثة للوسط، وعلى الرغم من أنها تقبل القيم الاشتراكية الجوهرية للعدالة الاجتماعي فإنها ترفض مفهوم الصراع الطبقي باحثة بذلك عن دعم مختلف الطبقات، فهي ضد التسلّط والكراهية للأجانب ولكنها ليست نصيرة الحرية المطلقة، كما أن الحكومة ليست عدوة للحرية كما يقول الليبراليون الجدد، بل على العكس من ذلك أن الحكومة الجيدة جوهرية من أجل تطورها وتفتحها(22).

وتشير سياسة الطريق الثالث أيضاً إلى إطار للتفكير وإلى صوغ سياسة هدفها ملاءمة الديمقراطية الاشتراكية مع عالم تغير تغيراُ أساسياّ على مدى العشرين أو الثلاثين عاماً الأخيرة، إنه الطريق الثالث، بمعني أنه محاولة لتجاوز كل من الأسلوب القديم للديمقراطية الاشتراكية، وأيضاً الليبرالية الجديدة [...] إنه استجابة جديدة براجماتية إزاء القضايا السياسية اليوم، يعمل من أجل نظرة متوازنة بين السوق والحكم ولا يخلط بين الوسيلة (الخصخصة والتحرير) والغايات(23).

وتشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن الطريق الثالث يمثل أيديولوجية جديدة في ظل واقع جديد عناوينه العولمة وتحرير التجارة والمنافسة العادلة والديمقراطية الاجتماعية.

فالطريق الثالث أداة لترشيد العولمة، ولا يزال المفهوم غامضاً وملتبساً وإن كان يجيد قليلاً عن الأيديولوجية الليبرالية المظفرة في الثمانينيات والتسعينيات، ويمثل الطريق الثالث حركة سياسية نشطة تقوم حكومات غربية عدة بالدور الفاعل فيها، حيث استطاعت أن تصل الأحزاب التي كونتها السلطة من خلال الانتخابات العامة(24)، وقد تبنته معظم الدول الأوروبية التي فازت فيها الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية عام1994م وفي الولايات المتحدة الأمريكية تبنى الرئيس الأمريكي-الأسبق- "بيل كلينتون" هذا الاتجاه حيث أكد في خطاب له عن العولمة، إنه يجب على السوق العالمية أن تعمل لصالح العائلات العاملة، وإلى جانبه "هنري كيستجر" الذي بات يدعو إلى تحديث اجتماعي لدعوة الرأسمالية المعولمة لدور المؤسسات المالية الدولية لإنقاذ العالم وإنقاذ العولمة من مخاطر سياسة تهدد الاستقرار العالمي(25) ويعتبر الأستاذ والفيلسوف "أنطوني جيدنز" المعلم الروحي لأنتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا- الأسبق- كما كان مستشاراً للرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" وبذلك فهو مهندس أفكار الطريق الثالث، وقد اتجهت الكثير من الدول الأوروبية إلى هذا الاتجاه لا سيما تلك التي اتسمت بالرعاية ومنها السويد وإسبانيا والبرتغال وألمانيا، ومن أهم الاجتماعات التي عقدت حول هذا التوجه، الاجتماع الأول الذي عقد في فلورنسا نوفمبر 2000م وتكون من البريطاني توني بلير والألماني جرهارد شرويدر، والهولندي فيم كوك، وماسيمو داليما من إيطاليا، وانظم إليهم رئيس البرازيل "فرناندو اينريك كاردوسو"؛ أما الاجتماع الثاني وهو الأهم فعقد في واشنطن أبريل 2001م، ويعتبر الاجتماع السياسي الحيوي على مستوى القمة، والذي أتى بأربعة رؤساء حكومات اشتراكيين وديمقراطيين تحت رعاية مجلس القيادات الديمقراطي الأمريكي؛ ولم يأت هؤلاء ليبشروا بالقضية الاشتراكية ويطرحونها على أبناء عمومتهم المتخلفين وراء المحيط الأطلسي؛ بل كانوا يرغبون في الالتحاق أو مشاركة "بيل كلينتون" لتأكيد ما يسمونه بالطريق الثالث(26). ووفقاً لهذا الاتجاه فإن تدخل الدولة يمكن أن يكون تحت شكل تنظيم من السوق لا تحت شكل تدخلية الدولة القديمة، فيظهر دور الدولة حيوياً في المجالات المختلفة، فهناك دور حيوي في مجال ضبط الأداء الاقتصادي حتى في وجود القطاع الخاص.

أما الدور الاجتماعي فإن دور الدولة الجديد دور يبرز في السياسات التوزيعية التي تسعى لتحقيق أكبر قدر من العدالة الاجتماعية ويتحقق من خلال إقامة دعم البنية الأساسية والتوسع في سياسة الخدمات وإعادة توزيع العدالة الاجتماعية، ويتحقق من خلال إقامة دعم البنية الأساسية والتوسع في سياسة الخدمات وإعادة توزيع الدخل من خلال السياسات الضريبية وغيرها لتحقيق قدر أكبر من التوازن الاجتماعي.

أما الجانب السياسي فإن دور الدولة يتطلب ضرورة وجود الدولة القوية التي تساعد على التطور الديمقراطي في أوساط المجتمع، والدولة القوية ليست مرادفة للدولة التسلطية(27).

إن اتجاه الطريق الثالث أوجدته التغيرات التي أحاطت بالدولة الليبرالية التي عجزت عن أداء وظيفتها الاجتماعية، حيث أصبحت التجارب الليبرالية عاجزة عن تقديم معالجة جذرية لمشكلة التوزيع والحد من مساوئها الاجتماعية المتزايدة على الرغم من النجاح البارز الذي تحقق في مجال النمو لاقتصادي والتقدم التكنولوجي(28).

ويرافق الاتجاه الثالث تيار في الليبرالية الجديدة، أصبح ينادي بأفكار الليبرالية الكلاسيكية القديمة، ويدور الحديث بكثرة حول فكرة الحكومة بدون حكم [Government without Governance ] وتمثل تطوراً للفكرة الكلاسيكية التي أطلقها "آدم اسميث"، وتتضمن أفكار هذا التيار إعادة تشكيل دور الدولة وعلاقتها بمواطنيها، وقد تضمنت الحركة ست خصائص رئيسية تتمثل في التركيز على:

  1. الإنتاجية: وتعني استخدام حوافز بضرائب أقل.
  2. التسويق: وتعني استخدام حوافز وأساليب وآليات السوق للتخلص من عيوب الإدارة البيروقراطية.
  3. التوجه نحو المواطنين: وتعني سيادة المواطن في طلب وتقييم أداء الخدمات الحكومية.
  4. اللامركزية: وتعني أن تكون برامج الحكومة وسياساتها أكثر استجابة لحاجات المواطن وأكثر فعالية.
  5. السياسات: وتعني تحسين قدرة الحكومة في صنع وتقييم السياسات العامة.
  6. المحاسبة على المسئولية في العمل عن النتائج: وتعني تحسين قدرة الحكومة لتقديم ما تعد به مواطنيها من خدمات(29)

ولا تزال الاجتهادات تتوالى حول توسع أو تقلص دور الدولة لا سيما في البنيتين الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن هناك شبه إجماع لدى أنصار الاتجاهات والتيارات الليبرالية المختلفة حول أن الدور الجديد للدولة هو الذي يؤهلها للتكيف مع المتغيرات العالمية الجديدة دون انتقاص من سيادتها، وذلك بأن تتدخل الدولة باعتبارها سلطة وليس باعتبارها منتجاً لأن سلطة الدولة لا غنى عنها؛ إن الدور الجديد للدولة يتمثل في الاهتمام بالفقراء وتحقيق العدالة في التوزيع وتوفير شبكة الأمان لكل المواطنين ضد المخاطر الاجتماعية بما في ذلك البطالة والعجز والشيخوخة وغيرها من الأمراض الاجتماعية، لأن هناك علاقة وثيقة بين الكفاءة في الأداء الاقتصادي وبين شرط العدالة.

ويؤكد الديمقراطيون الاجتماعيون ضرورة تعاظم دور الدولة مع الحفاظ على الفردية والملكية الخاصة، ولكن دون إضرار بمصالح الفئات الدنيا أو الأقل تمايزاً، وأكدوا أن دور الدولة لن ينتهي بمجرد تصحيح الاختلالات والتفاوتات، ولكن أيضاً لضمان أكبر قدر من المساواة لمن هم أقل تمايزاً(30).

 

ثانيا: دور الدولة في المفهوم الاشتراكي

 

كما ترجع الليبرالية إلى أسس وجذور أثينية وإغريقية، فإن للاشتراكية جذور عند أفلاطون وسقراط وعند بعض مفكري العصور الوسطى، إلا أنها ارتبطت في العصر الحديث بأفكار "كارل ماركس" و"إنجليز"، فظهرت الاشتراكية المسيحية والاشتراكية الفابية كذلك الاشتراكية العربية، والاشتراكية هي المضادة للفردية الليبرالية رغم أن أساسهما واحد.

وكما ترى الفردية أن حرية الفرد هي الغاية فإن الجماعة هي غاية المذهب الاشتراكي وبناءً على ذلك فإن الدولة تمتلك وسائل الإنتاج في المجتمع من زراعة وصناعة وتجارة، وتتولى الشؤون الاقتصادية والتعليمية والصحية من أجل تأمين أفراد الشعب اقتصادياً وصحياً واجتماعياً(31)، لذلك فإن دور الدولة يتعاظم وتتدخل في كل المجالات.

والاشتراكية الماركسية تبنت فلسفة مفادها أن وظيفة الدولة في المجتمع الاشتراكي محددة بفترة معينة وهي مرحلة الصراع ضد الطبقات الأخرى وبناء الاقتصاد الاشتراكي وفي هذه المرحلة تكون الدولة لازمة لطبيعة البرولتياريا لتحقيق القضاء على الطبقات الأخرى، وتحقيق الملكية الجماعية والسعي لتحقق المساواة بين الأفراد(32).

كما يرى الاشتراكيون أن الدولة وجدت أساساً لخدمة المجتمع بأكمله، وأن رفاهية الفرد لن تتحقق بالشكل المطلوب إلا بعد تحقيق رفاهية المجتمع كله والحكومة دون تحكم بعض الأشخاص في علاقات الإنتاج وتنمية رفاهيتهم الخاصة على حساب رفاهية المجموع، ولن يتحقق هذا إلا إذا تولت الدولة القيام بكل أعمال الخدمات في المجتمع أو أشرفت عليها إشرافاً مباشراً، وذلك بقصد إتاحة الفرصة أمام الجميع للتمتع بها(33).

وبذلك أخذ مفهوم دور الدولة اتجاهاً إقصائياً، بمعنى أن الدولة اللاعب الوحيد والقادر على إدارة النشاط الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع بكفاءة.

تؤكد الكثير من الدراسات أنها قامت كنقيض للفكر الرأسمالي، وأن دور الدولة في الاشتراكية ليس مجرد دور تدخلي أو دور موجة الاقتصاد بغرض حفظ التوازن الاقتصادي والاجتماعي ولكنه دور يسيطر على جميع أوجه النشاط […] وتسيطر الدولة عبر وسائل متعددة منها، دور الدولة المالي، حيث يستأثر بجانب هام من نشاطها الاقتصادي والتنظيمي، ويرتبط ارتباطاً عضوياً بتخطيط الاقتصاد القومي وبتوزيع الدخول وإعادة توزيعها، ولهذا فإن الموازنة العامة في الدول الاشتراكية تسيطر تقريباً على كل النشاط الاقتصادي(34)

وكما وجدت في المدرسة الفردية تيارات، فقد ولدت داخل الاشتراكية تيارات متعددة.

فحيث يعتقد المتطرفون من دعاة الفكر الاشتراكي أن الدولة يجب أن تسيطر سيطرة تامة على كل مصادر وعلاقات وأعمال الإنتاج وتتولى بالتالي جميع وظائف الخدمات دون أي مشاركة من القطاع الخاص، حيث أن الأفراد سيعملون جميعاً في قطاع الدولة العام؛ أما الأقل تطرفاً فيعتقدون أنه ليس هناك ما يمنع من السماح للأفراد بتولي القيام ببعض أعمال الخدمات تحت إشراف وتوجيه الدولة(35).

وإذا كان دور الدولة يتقلص في المدرسة الفردية عند جميع تياراتها واتجاهاتها مع فارق محدود حول التدخل وشرعيته، ومتى يكون ونوعه، فإن النقيض نجده في الاشتراكية حيث يتعاظم دور الدولة الاشتراكية وتتضخم المهام التي تقع على عاتقها، فتعمل على تدعيم جهازها التنفيذي وتقوية إدارته وزيادة سلطاته لكي ينهض بالأعباء الضخمة الملقاة على عاتقه(36) مع إيجاد مساحة محدودة للأفراد للقيام ببعض الأنشطة.

والنموذج السوفيتي (الروسي حالياً) يشهد تغيراً تحولياً منذ منتصف الثمانينيات عندما وصل "م . س غورباتشوف" إلى رئاسة الحكم حينذاك، وبدأ عملية إصلاح وتحول جذري في النظام الاشتراكي على المستوى الفكري والفعلي وقاد أخيراً إلى تفكك الاتحاد السوفيتي، ومن ثم انهيار المنظومة الاشتراكية وظهر هذا التحول عندما أصدر "غورباتشوف" كتابه تحت عنوان "بيريسترويكا والتفكير الجديد لبلادنا والعالم أجمع" عام 1988م.

ويعتبر هذا المؤلف برنامج عمل لدور ووظيفة الدولة الجديد في عالم يتغير بسرعة، وتعني البريستيرويكا "القضاء الحازم على عمليات الركود وكسر الأوالية لكبح وخلق أوالية مضمونة وفاعلة لتسريع التطور الاقتصادي – الاجتماعي للمجتمع ومنحه قدراً كبيراً من الدينامية"(37) والبيريسترويكا لا تعني الطريق الثالث الذي تبنته معظم الدول الأوروبية كنهج ملائم للتغيرات العالمية والاقتصادية والتكنولوجية ومن أجل المحافظة على أنظمتها بتبني برامج يسار اليمين، إذ إن البريسترويكا توحد فعلاً ما بين الاشتراكية والديمقراطية إنها حالة تعديل النموذج الاشتراكي الصرف(38) أما هدف البريسترويكا فإنه يتمثل في تأمين الانتقال من نظام الإدارة المركزية الصارمة إلى نظام إدارة ديمقراطي يقوم على أساس التكامل الديمقراطي بين المركزية والإدارة الذاتية(39)،. وبموجب ذلك تعتبر البريسترويكا نموذج إصلاح شامل لكل مجالات الحياة حسب تعبير غورباتشوف، وبموجبها تنازلت الدولة عن جزء من دورها الاقتصادي والاجتماعي نتيجة الضغط الذي أملته وفرضته الظروف الداخلية والخارجية، لا سيما التكنولوجية والاقتصادية.

ورغم التوجه النظري في الفكر الذي جاء به "غورباتشوف" إلا أن الواقع كان أكبر مما يتصور في الذهن، فقد أذهل العالم الأحداث المتسارعة التي قادت إلى تفكك الاتحاد السوفيتي بتلك السرعة التي لم تكن متوقعة حتى بين أنصار الاشتراكية ومفكريها، وتشير بعض الدراسات أن سبب الانهيار يعود إلى أن "غورباتشوف" حين حاول اتباع سياسة إعادة البناء الاقتصادي (البريسترويكا) وإعطاء المزيد من الديمقراطية بخاصة في المجال السياسي (...) وكان الأثر الهام لسياسته هو أنه سمح باسم الديموقراطية بتفكيك أوصال الدولة السوفياتية، وانتهت الحرب الباردة بظهور ما يسمى بالنظام الدولي الجديد(40)، الذي يعتبره البعض أحد التغيرات التي أثرت على التوجه نحو دور جديد للدولة على المستوى العالمي والإقليمي والداخلي.

إلى جانب دور الدولة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي سابقاً "روسيا الاتحادية" فإن هناك نماذج أخرى لدور الدولة لا سيما في الصين والتي تبنت السياسات الاشتراكية عبر مراحل متعددة وواكبت التحول الذي هبت رياحه على العالم ولكن دون أن تعصف بها كما فعلت بسابقتها ولا تزال الصين أكبر دولة اشتراكية في العالم، وللصين خصوصيتها ويمكن تناول دور الدولة في محطات ثلاث هي:

  1. الدور التدخلي الصلد للدولة: وهي مرحلة الثورة الثقافية التي قادها الزعيم الصيني "ماوتسي تونغ" للفترة من 1949م حتى وفاته عام 1976م يسميها البعض بالماوية، والبعض الآخر الماركسية اللينينية، وفي هذه المحطة رفعت الدولة مبدأ ديكتاتورية الشعب الديموقراطية الذي عنى - كما شرحه ماو – ديمقراطية الشعب بمختلف فئاته(...)من المركزية الديمقراطية، وهي تعني أن تتم مناقشة القضايا في المستويات الدنيا المختلفة داخل الحزب الشيوعي ثم ترفع المناقشات إلى المستويات العليا فيتخذ القرار من القادة – وبعد اتخاذ القرار يصبح الجميع ملزماً بطاعته ولا يسمح بالمعارضة بعد اتخاذ القرار(41) وفي هذه المحطة استطاع (ماو) بل تمكن من بناء سلطة صارمة وقوية امتدت من التيبت حتى بيجينغ ومنها حتى إقليم سينكيانغ الثاني بعدما كاد يقتنع بالحل الفيدرالي الذي راج طرحه في النصف الأول من القرن العشرين بسبب الصراع بين الأقاليم المركزية(42) وفي هذه المرحلة كان دور الدولة متسعاً وتدخلياً في جميع شؤون الحياة العامة (اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً) فالملكية عامه للدولة، والمواطن يعمل لأجل المصلحة العامة وفي إطار ما هو مرسوم ومخطط له.
  2.  الدور التدخلي المرن:

وفي هذه المحطة التي تمتد من ديسمبر 1978حتي 1993 م وهي فتره الرئيس "دينغ شيا وبينغ"، والذي اعتمد برنامجاً إصلاحياً متميزاً أطلق عليه (التحديث الرباعي) الزراعة، والصناعة، والعلوم، والتقنيات، واعتمد على تنقيح النظام الاشتراكي الصيني المخطط ببعض قواعد وآليات السوق لضمان فاعلية وكفاءة النظام الاقتصادي الاشتراكي، وذلك من خلال التخفيف من درجة المركزية في النظام الاقتصادي ونقل قدر من السلطات والصلاحيات إلى الحكومات المحلية، وتشجيع فرص ظهور أشكال جديدة من الملكية الخاصة، تركزت بصفةٍ أساسية في الملكية التعاونية بالإضافة إلى انفتاح الاقتصاد الصيني على الاقتصاد العالمي، وتشجيع فرص الاستثمار الأجنبي في الصين، كما ركزت هذه المرحلة على تحرير القطاع الزراعي من خلال تحرير معظم الأسعار الزراعية(43) بمعنى توظيف القدرات الاستخراجية للموارد من الخارج كما تم تحرير السلع الاستهلاكية، فيما بقيت السلع الصناعية الوسطية خاضعة لرقابة صارمة في الدولة، وفي إطار عملية الإصلاحات صدر عام 1979م قانون يهدف إلى تسهيل دخول وتوظيف الاستثمارات الأجنبية في شركات مختلطة تستفيد من شروط وإعفاءات خاصة بغية دعم التصدير، وهي سياسة اقتصادية تؤدي إلى كفاءة النظام وتحقيق فائض في ميزان المدفوعات كما تم افتتاح مناطق اقتصادية سمح لها استقبال الاستثمارات والرساميل الأجنبية. وهذا ما يسميه المختصون "الطريق المزدوج على المستوى المناطقي" نحو اقتصاد السوق وتتخلى الدولة عن بعض أدوارها في بعض الجوانب سمّيت المرحلة باقتصاد السوق الاشتراكي أو الليبرالية الاقتصادية ذات الخصوصية الصينية(44) ورغم التطورات المواكبة للتغيرات العلمية التكنولوجية إلاّ أن الصين تظل من الدول الاشتراكية التي تجعل من دور الدولة في الجانب السياسي مسيطرة على كل مؤسسات وأبنية واتساق القرار، حتى ما يتعلق بالاقتصاد، وما يتحقق من انفتاح فهو في إطار التخطيط المركزي الذي يتخذ قراراته في إدارات الحزب الشيوعي الصيني، ففي المؤتمر الرابع عشر للحزب عام 1992م كرس توصياته تثبيت الإصلاحات وإنشاء "اقتصاد السوق الاشتراكي" الذي حدّد أن السوق تؤدي دوراً أساسياً في توزيع حصص الموارد ووفق أنظمة الدولة وبالتنسيق معها إضافةً إلى السيطرة الكلية لها، وهي بدورها تسهر على تشجيع الأشكال المتعددة للملكية، وإنشاء نظام المؤسسات العصرية المواكبة لاقتصاد السوق(45)

  1. الدور التدخلي الانفتاحي:

وتمتد هذه المحطة من مارس 93م حتى اليوم وهي التي بدأت بقيادة الرئيس "جيانغ زيمين" الذي جاء إلى السلطة وكان الفساد قد بدأ يستشري بين الصينيين، فبدأ في أغسطس 1993م بتغيير دور الدولة إلى حد ما في المجال السياسي ليس بالتحول نحو التعددية السياسية والحزبية وإنما بالنضال ضد الفساد باعتباره العمل السياسي الملح للحزب، مشيراً إلى أن الفساد بات متفشياً في جسم الدولة والحزب ووصفه كالفيروس المؤذي، وإن فشل مهمة محاصرته يعني سقوط الدولة والحزب؛ واتخذ قراراً للدولة لعملية الإصلاح الإداري، هذا القرار يمنع كوادر الحزب وأسرهم من الاشتغال بالتجارة وقبول الهدايا من رجال الأعمال، هذا من جانب، ومن جانب آخر خيَّر كوادر الدولة بين الاحتفاظ بمواقفهم أو التفرغ للعمل التجاري الخاص(46) لتستطيع الدولة الصينية توظيف قدراتها وبذلك تحقيق غايتها وإدارة وظائفها بكفاءة وفاعلية، بمعنى آخر تطابق المخرجات مع الأهداف للنظام/ المجتمع /الأمة.

  وبدأ الرئيس زيمين بعملية الإصلاح في البنية الاقتصادية بحكم أنها تؤدّي وظيفة التكيف مع التغيرات الجديدة، فسحب صلاحيات الدولة من بعض الأنشطة في إطار الإصلاحات الكلية، ويلاحظ ذلك من خلال تراجع نسبة مساهمة الوحدات والشركات المملوكة للدولة، في الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع نسبة مساهمة الوحدات التعاونية والوحدات الفردية الخاصة، وهذه النتائج أدّت إلى نجاح برنامج الرئيس الإصلاحي لعام 1997م الذي أجرى بموجبه تعديلاً للوظائف حيث يقوم على بيع النسبة الغالبة من الوحدات الصناعية المملوكة للدولة مع احتفاظ الدولة بسيطرتها على عدد من الصناعات الاستراتيجية مثل الحديد والصناعات العسكرية(47) هذا التغير في دور الدولة يمثل انتقالاً إلى اعتماد طريقة شبه رأسمالية في معالجة الصناعات المتعثرة التي تعمل تحت إشراف الدولة، إلا أن السلطات الصينية الرسمية لا تصنف مشروعها الخاص بأنه رأسمالي (وإن يكن وطنياً) بل تصنفه بأنه اشتراكية السوق؛ وتبعاً لذلك اضطرت الدولة إلى اتخاذ لامركزية جزئية في عملية نقل الصلاحيات التنفيذية في مجال الاقتصاد والتجارة الخارجية إلى السلطات الإقليمية والبلدية، وهذا لا يعني تخلى السلطة المركزية عن دورها، ولكنها "خصخصة على الطريقة الصينية" التي ترفض علاج الصدمة – النيوليبرالي – المطبق في بلدان أوروبا الشرقية، اتجهت نحو فرض رقابة تامة للدولة والحزب على العلاقات الخارجية فيما يتعلق بمسار لامركزية الملكية العامة(48). وتشير بعض الدراسات إلى أن نجاح الصين وتعثر دول أوروبا الشرقية يعود إلى أكثر من سبب أهمها "أن الصين بدأت تتراجع عن دورها إلى حد ما في القطاع الزراعي، واستمر دورها التدخلي في التحكم بالأسعار وأسعار الصرف، والسياسات النقدية بصفة عامة؛ بينما دول أوروبا الشرقية بدأت بالتقلص في دورها في القطاعات المالية والنقدية والقطاعات غير الزراعية بصفة عامة، وهو ما كانت آثاره المباشرة على البنية الاجتماعية والثقافية التي تؤدي وظيفة التكامل، ووظيفة المحافظة والتوازن على النمط فتدهور المستوى المعيشي للمواطنين(49).

           إن الدور الذي تتبناه الدولة الصينية فيما يسمى باقتصاد السوق هو غير اقتصاد السوق بالمنظور الليبرالي – الأوروبي- الأمريكي- الياباني حيث ينطلق المفهوم في فكر الاشتراكية الصينية، والتي استطاعت من خلاله أن تتجاوز كثيراً من صعوبات التحول في ظل التغيرات المتسارعة الأمر الذي أدى إلى التكامل في البنية الاجتماعية والثقافية والمحافظة على التوازن، دون تخلي الدولة عن دورها السياسي؛ وإدارة مواردها البشرية بقدراتها الذاتية التي تستطيع التكيف مع التغيرات المختلفة.

           يقول الخبير الاقتصادي الصيني "روجينغ ليان" مستشار الرئيس زيمين" إنها اقتصاد السوق إضافة إلى العدالة الاجتماعية (...) صحيح أن القيادة العليا الصينية لا تضم عسكرياً واحداً، وهي مشكلة من تكنوقراط زيمينيين إلا أن هذه القيادة لا تضم مؤيداً واحداً للانفتاح السياسي أو الليبرالية السياسية(50)

           إن التحول الفكري هو الذي قاد إلى التغير في دور الدولة مع المحافظة على وظيفة النمط في إطار البنية الثقافية، ويستنبط ذلك من متغير القيادة التي أدركت ضرورة التغير، فرسمت سياسات عمل البنيتين الاقتصادية والاجتماعية، بغرض التكيف على الأوضاع الجديدة التي تفرضها التغيرات المختلفة، كما أبقت على دور البنى السياسية "الحفاظ على دور الموجة البيروقراطي للدولة – الحزب"(51)، ولكل دولة خصوصياتها ومتغيراتها سيما الداخلية وأهمها القيم والعقيدة والتفاعلات الاجتماعية، وبين قوى المجتمع ودورها في التنشئة والتجنيد.

  وإلى جانب المدرستين الفردية والاشتراكية وجدت مدرسة أسمت نفسها ( المدرسة المثالية – الأخلاقية) أو النظرية الإنسانية، ويعتقد أنصارها بأن الدولة مؤسسة أخلاقية وأن الدولة توجد من أجل الشخص، وأن وظيفة الدولة مساعدة الشخص في ترقية شخصيته وتنميتها، وأن تزيل العقبات التي تحول دون الحياة الطيبة للشخص(52)، بمعنى أن الغاية من وجود الدولة إنساني خالص، ووصفها البعض بأن هذه المدرسة تمثل موقفاً وسطاً بين الفردية والاشتراكية يسمح للدولة بالتدخل بقدر معين لتحقيق مصلحة الجماعة وتحقيق أهدافها مع ترك الأفراد يتمتعون بحقوقهم الفردية دون إلغائها باعتبارها منح يحددها القانون ويعدلها ويبين مضمونها وشروط ممارستها وليس باعتبارها حقوقاً طبيعية مقدسة لا يجوز المساس بها، وبذلك يكون للدولة دور إيجابي في المجالات المختلفة للأنشطة وليس مجرد دور سلبي كدولة حارسة كما في المذهب الفردي ولكنه لا يصل إلى حدود دورها في ظل المذهب الاشتراكي(53) والرؤية الأخلاقية للدولة تمثل الدولة العضوية بالمعنى الشامل والكامل للمفهوم (…) وفيها سلوك الموظفين يجب أن يكون نزيهاً مستقيماً ومؤدباً، إن الفهم الأخلاقي هو مساهمة "هيجل" المميزة في نظرية الدولة(54) وترى هذه المدرسة أن إصلاح الباطن أساس لكل إصلاح ظاهري، ولا بقاء لإصلاح خارجي إلا إذا تركز وكان نتيجة وأثراً للإصلاح الباطن، وشعبة الأخلاق هي الكفيلة بالإصلاح للباطن، وهي الشجرة الطيبة التي ثبت أصلها وبسق فرعها وطاب ثمرها وآتت أكلها كل حين بإذن ربها، ويصلح الباطن بصلاح مضغة هي القلب، إذاً فطبقة الدولة الأخلاقية تتحقق في تأكيد الضبط الاجتماعي والمحافظة على التضامن والروح الجمعي(55)

  وبذلك فإن دور الدولة الأساسي يكمن في مجال التنشئة الاجتماعية الصالحة بغرض تمكين الفرد من السعادة والحياة الكريمة(56)، ولتحقيق الغاية لا بد أن تلعب الدولة دوراً مهماً من خلال نظام التعليم والقانون ووسائل الإعلام في تشكيل شخصية الفرد ورغباته وغاياته.

 

 

ثالثا: دور الدولة في المفهوم الإسلامي - العربي

 دور الدولة في المرحلة التأسيسية التقليدية

دون التوسع في كيفية نشأة الأمة -الدولة، فإن ما يجب توضيحه أن وضع الجماعة في عصر الرسول(صلى الله عليه وأله وسلم) -دولة المدينة الأولى - كان مختلفاً عن الوضع في عصر الخلافة الراشدة الذين حاولوا الاقتداء به، لسبب واحد أَنّه كان مؤيداً بالله، وكانت مهمة الجماعة الإسلامية في بدايتها تقوم بعدد من الأدوار، ولا تستطيع الدراسة أن تطلق عليها أدواراً تقلصية أو تدخلية، لأنها كانت إنسانية بحتة فهي تدخلية وأحياناً تقلصية دون الإخلال أو الانحراف عن الأحكام التي يأتي بها الله، لأن الجماعة كانت أقرب إلى الأسرة الواحدة، وكان الدور ينصبّ لبناء المجتمع وبناه الرئيسية، وتعتبر التجربة النبوية في دولة المدينة دليلاً للأمة على كيفية تكوين المجال العام، كذلك يمكن الاسترشاد بالخلافة الراشدة، وكما سبق الإشارة أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) استطاع أن يقيم النظام الاجتماعي بما فيه نظام إدارة المجتمع ومؤسساته الأولى في المدينة بعد هجرته إليها وكانت تمثل الدولة ولا تزال المثل الأعلى لكل حكومة يقيمها المسلمون في أي عصر(1)، وليس من شك أن هالته (كقائد) مؤيد بالله تُعْزَى إلى كفاءته في إدارة السلطة ونسيج التحالف، إن شخصيته مكنته من أن يقدم أول دولة حقيقية في تاريخ الجزيرة العربية وأن يحولها من فئات وجماعات متشرذمة إلى أمة(2)

فكانت إدارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة تتجه نحو تثبيت السلطة المركزية وإلى تكوين أُمة مترابطة، للأفراد فيها حرية العمل والتنظيم، وللسلطة المركزية حق الاهتمام بالعدالة والأمن العام والقضاء؛ أو بمفهوم آخر عملية بناء الأُمة، فالدور الأَهم ينصب نحو تعليم الناس ليمارس كل ذي حق حقه وتبيين المعاملات وإقامة الحدود من أجل صيانة الحقوق، ومن ناحية أُخرى التطلع إلى كل ما يحفظ الأمة ويسد حاجاتها والمحافظة على الإقليم، ونشر رسالة التوحيد، كما وجد دور آخر يتمثل في وضع الأُسس التنظيمية للدولة الفتية / الأمة أو بمعنى أكثر وضوحاً القيام بدور إقامة البنى المؤسسية وبناء الأمة /الدولة.

أما بعد فتح مكة فيمكن إيجاز الدور في الآتي:

في الوظيفة المالية اهتم بتنظيم جباية أموال الصدقات ووزع العمال في الأمصار، وأطلق على هؤلاء الموظفين "المصدقين".

في الوظيفة الإدارية (الحكام المحليين) اهتم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بإرسال مجموعة من الحكام والولاة إلى أقاليم ومراكز حضرية منها مكة والطائف والبحرين وعمان واليمامة وعدة ولاة إلى اليمن ولّى كلا منهم قسماً منها(3).

ونتيجة التغيرات الداخلية والخارجية التي بدأت في عهد الخلفاء الراشدين فإن الدور بدأ يتطور في الوظائف المخـتلفة ففي الجانب الإداري؛ تم تقسيم البـلاد الإسلامية إلى ولايـات، وعين كل أمـير من قبل الخليـفة- ووظيفته- إقامة الصلاة والفصل في القضاء وإقامة الحدود فهو أمير قاضٍ منفذ تجتمع فيه وظائف السلطات الثلاث حسب المتغيرات اليوم، ومن الأدوار والوظائف التي أسسها للدولة الإسلامية - عدم الجمع بين الوظائف العامة والتجارة لأن ما يصلح أمور الناس إلاّ التفرّغ، وكان عمر بن الخطاب يمنع عماله من التجارة منعاً باتاً وهذا التدخل يقود إلى رفاه الرعيّة (4)؛أما في عصرنا الراهن فيتمثل التغير في إزالة الحدود بين الوظائف المختلفة.

كانت الدولة أقرب إلى المركزية، فالسلطة مركّزة بيد الأمير الذي يمثل الخليفة وكان مسؤولاً عن الإدارة العامة في المصر و يتمتع بسلطات تشريعية ملزمة للجميع.

أنشأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه البنية القضائية، كما أنشأ وظيفة الرقابة على الأمراء وكبار موظفي الدولة، إضافةً إلى الرقابة الشعبية؛ واتخذ من مبدأ الرقابة على العمال والأمراء تمثلت مقاسمة كبار الولاة ثرواتهم وإيداعها بيت المال بعد استدعائهم والتحقيق معهم.

- كما وجد الدور التدخلي في الوظيفة الاقتصادية، دون المساس بحرّية الناس الشخصية بالذّات؛ لذلك أُنشأت وظيفة عامل السوق الذي يقوم بمراقبة البيع والشراء، والذي تمتد وظيفته إلى مراقبة تلاعب الصيارفة وغيرهم(5)

ولا نقصد بذلك التشهير، ولكن مراقبة الاحتكار والغش والربا وما إلى ذلك، لأن تقلص الدور في التسعير حسم في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ؛ حيث كان الباعة يلتزمون بأخلاقيات عالية؛ والتغيرات هي التي تستدعي متى تتدخل وكيف يتم التدخل كما حدث عندما كثر المال واتسعت البلاد وكثر الناس بدأ التفكير في دور تنظيمي لهذه الوظيفة، فأقيم ديوان العطاء، وأنشأت للأمصار دواوين الخراج والفيء وما يختص بالأموال وديوان الخراج الرئيسي يشبه وزارة المالية في عصرنا من حيث الوظائف(6) إضافة إلى دوره في الإشراف على كبار موظفي الدولة الماليين، وتنظيم هذه الوظيفة المالية يعتمد على توزيع الأدوار بين الأنساق المتمثلة في الآتي:

  • خزينة بيت المال.
  • وحدة الحسابات.
  • وحدة الحراسة.(7)

 أما في الوظيفة الاجتماعية فلأن مجتمع الخلافة أكثر شدة وتمسكاً بالتعاليم الدينية بما فيه من قيم فردية ومؤسسية، فإن الدولة كانت تعمل على ترسيخ تلك القيم وكانت السلطة ممثلة في الخليفة - الأمير - مسؤولة عن حياة الناس بتوفير كل المتطلبات - على الأقل الضرورية واللازمة لحد الكفاف - فقد كان الوالي يتحسس حالة الناس بنفسه، والقصص في كتب التاريخ كثيرة حول هذا الدور الإنساني وأن الوالي يقرن أداء هذه برضا الله قبل الناس باعتبارها تهدي إلى الخير فتمثل الدور في السعي لإنشاء دور الضمان الاجتماعي والحث على التعليم والصحة باجتناب المحرمات وكبح الشهوات، وغيرها من القيم، أما حول الحد الأدنى للعطاء فقد وصل في عهد الخليفة "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه إلى 200 درهم، وهو يطابق الحد الأدنى لتكاليف المعيشة آنذاك(8)

 كما أنشأ دار الرزق، والذي يمثل الضمان الاجتماعي، ومادته الأساسية الغذاء خاصة الحنطة باعتبارها حاجة أساسية، كان يوزعه على الناس في كل شهر للنساء والرجال والأمراء والمماليك، حسب حاجة الفرد للاستهلاك الشهري وكان يعطي كل فرد ما يكفيه طيلة الشهر (ثلاثين يوماً) وجبتين يومياً.

وكان التدخل أو عدم التدخل في بعض الوظائف حتى الرئيسية يخضع للتغيرات المستجدة، فالوظيفة الأمنية التي تطلبت إنشاء نسق جديد يتكون من صاحب الشرطة ومعاونيه وجنده لم تنشأ إلا في عصر أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في مدينة الكوفة، لأن الفتن التي ظهرت في عهد الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- امتد أثرها إلى ما بعد خلافته، مما أدى إلى اختلال في وظيفة الدولة، فكان لا بد من إنشاء مثل هذه البنية التي تضبط شؤون الأمن والنظام ومطاردة اللصوص والفاسدين، بالإضافة إلى الاشتراك في القتال مع الجيش في الحملات العسكرية؛ وتطلب إنشاء مثل هذه البنية وجود سجن يتبع صاحب الشرطة أيضاً لضبط المخالفين وإصلاحهم(9)

وكرست الجهود في جوانب متعددة منها:

إزالة ومعالجة الاختلالات والانحرافات التي أصبحت تمارس وسط الأمة، وأصبحت ثقافة ممارسة.

إعادة الاعتبار للمسؤولية وتحديد وتوصيف الوظائف والأدوار في البنى والأنساق المختلفة.

إعادة الاعتبار للمبادئ والقيم التي تضبط التوازن والتماسك الاجتماعي.

إقرار الحقوق المادية والمعنوية، وإيجاد الآليات التي تسهم في ممارستها فعلياً.

توضيح الهيكل العام للوظائف والأدوار، وفقاً لعناصر الحكم الراشد من منظور القرآن الكريم، والسنة النبوية الجامعة غير المفرقة.. الخ.

ومن ينظر ويتمعن في ولاية الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، يجد النموذج الأمثل، ولهذا شنوا عليه الحرب، لأن الطغاة تعودوا على نمط حياة منحرف ولا يريدون العودة إلى النموذج الصحيح والسليم، ومن المعروف أن الإمام علي عليه السلام كان يزود الولاة الذين يعينهم بكتب يوضح فيها واجباتهم تجاه المواطنين، والإقليم أو المصر الذي يمارسون فيه أعمالهم، ومنها ما هو مثبت في كتابه الشهير "نهج البلاغة"، ومنه كتابه –عهده – المشهور إلى مالك الأشتر حين ولاه على مصر"، وهو أشبه بنظام الحكم، أو الوثيقة الدستورية.. الخ، وفيه التحديد والتوصيف الدقيق لوظائف الوالي، وكيفية اختيار القادة والقضاة، وتوزيع المجتمع إلى طبقات متكاملة ومتكافئة، وتعيين الحقوق والقيم الأساسية من مساواة وعدالة وإصلاح، وما يجب على الولاة والمسؤولين، والرعية أيضاً، وما هو لهم، والحدود، هذه الوثيقة من تراثنا الإسلامي – العربي فيها ما يجب أن تأخذ به الأمة، وترجمتها إلى آليات وإجراءات مفيدة لحل الأزمات التي لم تخرج منها(10)

وكانت الدولة تعتبر نفسها مسؤولة عن أداء الوظائف الخدمية كإصلاح الطرق والآبار وما شابههما من أجل تسهيل مهمة الإنسان والمحافظة على الحيوان، فلو تعثرت ناقة في العراق فإن الخليفة يعتبر نفسه مسؤولاً عنها أمام الله لذلك لا بد من إصلاح الطرقات وتوفير المياه باعتبار ذلك فرض وتقوم به الدولة في ظل تكافل وتعاون بينهما وبين مواطنيها، رغم اكتمال البنى الرئيسية لممارسة الدولة لوظائفها الرئيسية تشريعية وتنفيذية وقضائية، والثانوية كتوفير السلع الأساسية والحفاظ على الفرد (المواطن) وإعطاء كل مواطن دوراً في الحياة ووظيفة بحسب قدراته وجدارته دون استبعاد أو تهميش لأي كان، لأن القيم الفردية والجماعية التي جاء بها الإسلام هي التي تسود كالمساواة والحرية والمشاورة والمسؤولية، والتكافل والتضامن والعدل… الخ،

إلا أنه لم تكن الأنساق قد اكتملت، فالتطور كان يتم نتيجة للتغيرات التي تفرضها عوامل البيئة الداخلية والخارجية، ولا نستطيع تصور الهيكل التنظيمي الإداري نتيجة لتركيز السلطة في جوانب وعدم تركزها في جوانب أخرى، هذا من جانب، ومن جانب آخر لأن عهد الخلافة الراشدة كان أقرب إلى عهد(الرسول صلى الله عليه وآله وسلم).

وفي زمن الأمويين كانت الدولة الإسلامية - العربية مترامية الأطراف وتدار من دمشق وقد أعادت تشكيل البنى والأنساق متمثلة في الدواوين والدور الأخرى وأهم دور للدولة يتمثل في التوسع في الوظيفة الاقتصادية والخدماتية فالإشراف على الأسواق كان لا بد منه لأنه متصل بمعاش الناس وأرزاقهم وصناعاتهم وحرفهم، وأما الخدمات فقد نظمت توزيع مياه الشرب على السكان عن طريق الآبار والأسبلة التي توزع المياه مجاناً، كذلك إنشاء الحمامات، والخانات والفنادق ودور الضيافة(10)، وتم اقتباس بعض عناصر التنظيم من الدول المجاورة كالفارسية والرومية.

أما إسهامات العباسيين فتمثلت في الدور التدخلي نتيجة المركزية الشديدة فأنشأت الدواوين المركزية مثل ديوان الزمام وديوان الدواوين وحصر تعيين قضاة المدن بقرار يصدر من العاصمة بغداد، وإنشاء منصب قاضي القضاة، وإيجاد نظام الوزارة - التفويض والتنفيذ - الأولى يشبه رئيس الوزراء في عصرنا والثاني من ينوب عن رئيس الدولة في تنفيذ الأمور.

كما أدخل العباسيون على الدواوين تطوراً جديداً يتمثل في تنظيم سجلات الدواوين في دفاتر بدلاً من الصحف المتفرقة كآلية معلوماتية وأسلوب تنظيمي.

وطوّرت الوظيفة المعلوماتية التي استخدمت لتغطية أخبار الدولة، وتكونت الشبكة المعلوماتية من صاحب البريد وصاحب الخبر والعيون ويجمعهم ديوان السّرّ، كما أنشأوا وظيفة رقابية جديدة تمثلت في المحتسب الذي كان أول ذكر له في مدينة بغداد حيث شيد المنصور عاصمته(11)، واهتم العباسيون بالوظائف التعليمية والصحية فأنشأوا الكتاتيب والمستشفيات، إذ كانت الدولة أكثر تدخلاً في الوظائف الخدماتية والاجتماعية من سابقتها.

أما من الناحية الفكرية فأشارت بعض الدراسات إلى أن دور الدولة موزع بين الوالي (الدولة) والمواطنين (كمجتمع أهلي) فالإدارة العامة تقع على عاتق والي المدينة، وإدارة شؤون الأحياء تقع على عاتق الفاطنين فيها، ومثل هذا النوع من توزيع الأدوار يولد تفاعلاً بين الناس وبيئتهم العمرانية، ويعمق الإحساس، بالمسؤولية لدى كافة أفراد المجتمع، وقد اشتق توزيع الأدوار هذا من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"(12). فالدور في إدارة المجتمع موزع بين الدولة والمجتمع.

ووجد اتجاه فكري لدراسة دور الدولة من خلال دراسة القوة بكل مظاهرها المادية والاقتصادية والمعنوية وكيف يتم استخدامها، كما هو في النتاج الفكري للإمام الغزالي رحمه الله والذي اعتبر أن القوة في كل مظاهرها المادية والاقتصادية والمعنوية هي جزء مهم يفهمنا لطبيعة دور الدولة(13)

واتجاه رأى أن دور الدولة تدخلي بصيغة أخلاقية - مثالية فالدولة تقوم بدورها تجاه الأفراد كدور الأب الشفيق نحو أولاده(14) وهذا الدور إداري اجتماعي ويمثل نموذجاً فاعلاً تكاد تتبعه بشكل أو بآخر الإدارة اليابانية، ورأي أخر من مدرسة أخرى رأى أن دور الدولة يتمثل في أن توفر وسائل الحياة الحرة الكريمة للأمة لكل فرد؛ باعتبار ذلك أمانة في عنق الدولة إن قصرت فيها كانت مسؤولة أمام الله سبحانه وتعالى، ويتعاظم دورها حتى يعلو الإسلام ولا يعلى عليه(15)

والاتجاه الأخير يتمثل في رؤيته لدور الدولة أنه لا بد أن يتمثل في طريقة إدارتها لشؤون المسلمين، بغرض ضمان الحاجات الأساسية وهي [الأمن، الصحة، الغذاء، كفالة الحريات والحقوق، رفع مستوى المشاركة](16).

نلاحظ أن التعدد في الاتجاهات حول دور الدولة ناتج عن سبب جوهري ويتمثل في عدم التمييز بين الدور والوظيفة لترابطهما وتشابكهما لاسيما في المفهوم الإسلامي الذي يتميز بإنسانيته وتفرده، فدور الدولة في هذا المفهوم توسّعي/تدخلي إلى أقصى درجة، ولكن دون المساس بحريات أو انتهاك حقوق الإنسان، فدور الدولة قائم على التخطيط والتنظيم والإشراف والتربية وتنظيم الأمور المالية جباية ومصرفاً وتنظيم الجانب الاقتصادي بما فيه السوق، والعمل بالتخصص في هذه العملية(17) وحفاظاً على التوازن أوجدت الدولة وظيفة المحتسب، ليقوم بهذا الدور.

 

ثانياً: دور الدولة في المفهوم الإسلامي - العربي الحديث

نتيجة للتغير في طبيعة الدولة وبناها وأنساقها المختلفة الناجمة عن نشأة الدولة الحديثة في الوطن العربي الذي يختلف عن نشأة الدولة القومية في أوروبا وأمريكا فقد تغير الدور إلى حد ما تدخلاً أو تقلصاً، وأدرجت الدول الحديثة تحت مسميات متقاربة أو ضمن ما اصطلح عليه دول العالم الثالث، وأحياناً دول الجنوب نظراً لتشابهها واتفاقها في بعض الخصائص، كما أطلق عليها مصطلح الدول المتخلفة، ثم وسمت بالدول التابعة(*)، وأياً كانت المسميات تجد تبايناً واختلافاً لدى المفكرين والباحثين حول دور الدولة، فالبعض رأى أن الدولة في العالم الثالث تابعة وليس لها أي دور مستقل في التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي فالدولة أداة في يد الطريقة المسيطرة - المركز(18). ورأي آخر قال بأن دول الجنوب بشكل عام ومنها دول العالم العربي، أنها نشأت في سياق التبعية سواءً للغرب أو للشرق وإن وجدت بعض الخصوصيات، حيث بلغ الأمر في بعض الدول إلى اقتصار دورها على الأدلجة؛ وبعض الدول النامية أو الساعية إلى النمو بدأت بتقليد الغالب- وتعود مقولة إن المغلوب مولع بتقليد الغالب إلى العلامة ابن خلدون، يمكن الرجوع إلى مقدمته- في نظمه وطريقة إدارته والذي يبدأ باستعارة كل النظم والأطر الإدارية التي يعيشها الغالب، اعتقاداً من المتخلف أن سر الغلبة جاء من هذه النظم والأوعية الإدارية(19)

وبناءً على هذا الأساس أصبح دور الدولة تدخلياً إلى أقصى حد مبررة هذا التدخل بحجة معالجة الأزمات التي تواجهها، فسعت هذه الدول إلى تركيز السلطة في بنى محددة، أما التحول في الهياكل فلم يكن محسوساً لأنه كان بطيئاً، الأمر الذي كان سبباً في ضعف القدرات التوزيعية والتنظيمية، وتقوية دور الدولة في تعزيز القدرات الرمزية للحفاظ على الوظائف الإبقائية وشرعية النظام، الذي اتضح في عدد من الدول العربية أنه مسلوب أيضاً!

وعندما أرادت الدول العربية أن تغير دورها والتقدم بعوامل التنمية جعلت من الدولة الغربية نموذجاً لها فرغبت في اللحاق بها عن طريق استيراد الأجهزة والبنى المؤسسية والخطط والمصانع والأيديولوجية (الليبرالية-خاصة) ولكن الواقع أثبت أن ذلك التحول في دور الدولة لا يقود إلا إلى تقدم كاذب، وكما عبر عن ذلك د/ عبد الله فهد النفيسي بقوله: "فالغرب يريد أن يجعلني دائماً متعلماً لديه وأن يوهمني بأنني مهما حاولت اللحاق به فمعدل إنتاجه أسرع بكثير من معدل لحاقي به وبالتالي تتسع الفجوة بيني وبين الغرب فأُصاب بالصدمة الحضارية وأجري يائساً وراءه حتى الموت"(20)، إن دور الدولة يؤدي إلى مزيد من التبعية.

وفي نفس اللحظة البعد عن الغرب والتأخر، وإن الفارق الجوهري حضاري فواجب الدولة أن تعزز من دورها الحضاري - الثقافي لكي تخفف من حدة التبعية.

إلا أن هناك رأيا آخر يفيد أن السبب في التبعية اقتصادي وعليه تتولد التبعية الثقافية والسياسية والعسكرية وتساعد عليه، وللتخلص من هذا كله يرى أن على الدولة تفعيل دورها الاقتصادي، وهو مرهون بالإدارة الفاعلة(21) بمعنى أن ينصب دور الدولة في إيجاد تنمية إدارية، بمفهومها الشامل.

وظهر رأي آخر يتضمن أن الدولة في العالم الثالث تتميز بتضخمها، الذي يتمثل في حجم بيروقراطية كبيرة، وهذا يعود بشكل كبير إلى ظروف التنمية المشوهة حيث إنها توجب على الدولة أن تلعب دور الفاعل المناور، محاولة دفع عجلة النمو إلى الأمام، بمعنى أنه كان بإمكان الدولة التابعة أن تنتقل من مرحلة التخلف إلى مرحلة النمو التابع، وهذا الانتقال مرهون بطبيعة العلاقة بين المجتمعات التابعة وأقطاب الرأسمالية العالمية(22)

إن هذه العلاقة جعلت دور الدولة في العالم النامي يضطرب بين التقلص والتدخل والاتساع فاتخذت الدولة نماذجاً متعددة فرضتها التغيرات الخارجية التي تعد إحدى أهم العوامل المؤدية إلى الاستجابة للدول الكبرى فضلاً عن أن قدراً من التوافق مع التغيرات الداخلية أدّى في المحصلة إلى تحقيق أهداف السياسيات الرأسمالية، وبينما عملت الدولة في العالم النامي على تكييف دورها استجابة لتلك التغيرات فإن الدول الرأسمالية الكبرى كانت وما زالت تعمل على تنفيذ استراتيجياتها بأساليب جديدة بغرض تحييد دور الدولة ودفعها إلى الهامشية، ونتيجة لتعدد الأسباب والتغيرات تعددت الاتجاهات التي تناولت دور الدولة في وظيفتها، نتناولها بإيجاز على النحو التالي:

  • الاتجاه القائل بتقلص دور الدولة:

من الناحية النظرية تضاربت الآراء والأفكار حول تقلص دور الدولة في العالم النامي بصورة خاصة؛ وتشير بعض الآراء الغربية إلى أن التغير التكنولوجي "التقني" قارب بين البنى والوحدات الأمر الذي عجل بتقليص دور الدولة (أو الحكومات المحلية) وبالتحديد في وظائف الخدمات، ويطالب هذا الرأي ليس بالمزيد من تقلص دور الدولة في هذه الوظائف بل العمل على انسحابها من هذه الوظائف وعدم التدخل في الوظائف الاجتماعية والاقتصادية(23)

وعن الكيفية التي تحقق هذا التوجه حول دور الدولة فإنه يدعو إلى أن تفكك نفسها، وعليها إقناع الناس بتفاهتها وقلة حاجتهم إليها، وعليها أن ترخي قبضتها شيئاً فشيئاً على الاقتصاد والمجتمع، وتطالب بإلغاء نظام التخطيط، وأنصار هذا الرأي ينظرون إلى أن الدولة مجرد مؤسسة في خدمة نسق دولي(24)، المشروع الصهيوأمريكي ومن يدور في فلكه!

ويرى أنصار هذا الرأي أن تحقيق الكفاءة والفاعلية يتحقق ليس من خلال تقليص دورها في تلك الوظائف بل في الوظائف المختلفة، إلا أن مثل هذا الرأي فيه بُعدٌ عن واقع الدول الصغيرة وحتى الكبيرة وقد سبق لمثل هذا النموذج أن فشل في الدول الصناعية والدول النامية التي حاولت العمل به، لأنه يهمش دور الدولة الأمر الذي يؤدي بدوره إلى إلغاء أو تراجع دورها كناظم للتوازن الاجتماعي النسبي(25).

أما الرأي الأكثر عقلانية من سابقه، فتناول دور الدولة من منظور تطور الدولة الحديثة، فقد جعل التمركز ممكناً بحيث إن الأنماط الأخرى من التنظيم الاجتماعي من حيث استخدام الموارد البشرية، كانت تدفع بصورة خطرة لهذا التمركز للسلطة، وأنه من الناحية النظرية يمكن التفكير في الاحتفاظ بفوائد هذا التعقد التنظيمي - الدولة - مع إنقاص دور الدولة التأطيري، ويؤكد أنه من الناحية العملية لم يتمكن أحد أبداً من تحقيق هذه المأثرة(26).

وعلى ضوء هذا الرأي تبنت الدولة دوراً اجتماعياً لمعالجة مشكلتي الفقر والبطالة لا من خلال تحويلات الدولة لدعم مستوى معيشة الناس، وإنما من خلال الجهود الإنتاجية للناس أنفسهم خلافاً للدور الذي كانت تقوم به دولة الرفاه من توفير أساسيات الحياة من طعام وكساء وسكن وتعليم وصحة ومواصلات ومرافق عامة للمواطنين بغض النظر عما يساهم به كل منهم في عملية التنمية(27).

وذهب رأي ثالث إلى أن انسحاب الدولة من بعض الأنشطة جاء لتبرير التخلي عن مسؤولياتها أمام مواطنيها، وبخاصة انسحابها من الدور الاجتماعي الأمر الذي دفعها إلى تبني برامج اجتماعية واقتصادية تقلصية بغرض خفض عجز الموازنة والسيطرة عليه، وتسبب في ازدياد مساحة شريحة الفقراء في المجتمعات النامية، الأمر الذي دعا إلى إدخالها شركاء جدد ليلعبوا دوراً في هذا الجانب(28).

وهذا من الناحية النظرية فيه بعض المصداقية والصحة؛ إلا أن بعض أنصاره يؤكدون أن دور الدولة عملياً لم يتقلص في الوظيفة الاجتماعية بل أنها ازدادت من التدخل والتوغل بشكل أو بآخر(29).

وأنصار هذا الاتجاه بشكل عام ينادون بتخفيض الإنفاق العام غير آبهين بتراجع الإنتاج واتساع دائرة الفقر البطالة.

 

 

ب- الاتجاه القائل بتنامي دور الدولة وتعاظمه:

انطلق أنصار هذا الاتجاه من المقولة التي تفيد أنه أصبح واضحاً أن مقولة "ذبول الدولة واضمحلالها "THE WITHERING AWAY OF THE STATE" لا تقوم إلا على أساس احتمالي نظري مجرد، بينما كل الاعتبارات العملية تشير إلى تعاظم دور الدولة على المستويين الإقليمي والكوني، إن لم يكن على المستوى الوطني(30).

وساد في هذا الاتجاه عدد من الآراء حول اتساع دور الدولة وتدخلها على المستوى النظري منه بصورة خاصة؛ فرأي ناشد ولا يزال يدعو إلى تدخل الدولة في وظائفها، لذلك لا بد من توجيه الاهتمام الكافي لإقامة البنى الأساسية الاقتصادية والاجتماعية، وبخاصة منها التعليمية والصحية والاهتمام بقضية توزيع الدخول والضمانات الاجتماعية بالإضافة إلى اتساع دورها وتدخلها في وظائف الخدمات العامة كالطرق ومشاريع الكهرباء والري والحفاظ على الموارد المائية باعتبارها من واجبات الدولة(31).

ويتطلب تحقيق الكفاءة والفاعلية إدارة كفؤة وفاعلة أيضاً؛ وهذا مرهون بدور تدخلي للدولة، يعتمد على بيروقراطية حكومية فاعلة، إذ إنه لا يجوز الاستهانة بدور الدولة استناداً إلى سوء ما وقع من البيروقراطيات سابقاً في هذا النموذج أو ذاك، لأن تحقيق أهداف التنمية في العالم النامي لا يتم إلا باتساع دور الدولة وتدخلها؛ وبرهن بعض المفكرين والباحثين إلى أن تبني الدولة للاستراتيجيات والسياسات التنموية إنما يرجع في الأساس إلى النمو الملحوظ لدورها وتعاظم حجمها وتزايد تدخلاتها في تحديد مسارات التنمية إضافة إلى أن الدولة لا تشارك فقط في إحداث التحولات الاجتماعية الكبرى اليوم إذ إنها تضطلع بالدور الأكبر منه، فالدولة تبدو وكأنها المسؤولة عن التنمية السياسية وعن الأمن الاجتماعي وعن التبعية والتنشئة وكذلك ضمان أو حرمان الحريات الفردية بالإضافة إلى أنها مسؤولة أيضاً عن تقرير قضايا الحياة والموت والحرب والسلم(32).

كما يبرهنون على تعاظم دور الدولة بزيادة الإنفاق على خدماتها العامة في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء؛ ومن جانب آخر فإن الاستراتيجيات والسياسات والبرامج تتبنى مكافحة أو الحد من الفقر والبطالة بغرض تحقيق التنمية المستدامة، رغم ذلك فلا بد من دور تدخلي للدولة يوظف القدرات ويزيد من الإنفاق على مرافق الخدمات خاصة، وتبني سياسيات إدارية قادرة على توظيف شامل للقدرات المختلفة(33). وتنامي وتعاظم دور الدولة بالنسبة لأنصار هذا الرأي لا يأتي في إطار شمولي أو تسلطي كما يفهم البعض؛ إلا أن ضرورته ملحة من أجل تحقيق الكفاءة والفاعلية، وهناك سبب آخر يضيفه أنصار هذا الرأي ينبع من البيئة الاقتصادية والاجتماعية فهم يرون أنها لا تصحح نفسها بنفسها الأمر الذي يتطلب تدخل وتعاظم دور الدولة ما لم فسوف تتدخل قوى من خارج الدولة لسد الفراغ، سواءً في السوق أو في انتشار القضايا والأحداث المصاحبة للتحولات الحديثة، بمعنى آخر أن الاختلال والتوازن في البنيتين الاقتصادية والاجتماعية لا يصححه إلا إعطاء الدور الفعال للدولة لكي تحقق التنمية - الرفاه - من جانب، ومن جانب آخر أن تنامي القضايا والمشكلات العالمية أو الكونية التي لا تستطيع القيام بها الشركات والمؤسسات الخاصة ومؤسسات المجتمع غير الحكومية تؤكد تزايد وتعاظم وتنامي دور الدولة(34).

وتنامي وتعاظم دور الدولة لا يقتصر على الوظائف الاقتصادية والاجتماعية بل يعتبر إضافة إلى تعاظم دورها في الوظائف الرئيسية التي تحافظ على سيادة الدولة وأمنها واستقرارها، وسواءً أكان دور الدولة متعاظماً أو تقلصياً فإن ذلك لا يعاب على الدولة وإنما يؤخذ بالكفاءة والفاعلية من جانب؛ والتغيرات من جانب آخر.   

والله الموفق،،،،،

يتبع

 


[1] الدرك في اللغة هم الشرطة.

* تعود بداية تكوين الدولة الليبرالية الرأسمالية إلى تزاوج المصلحة التاريخية للبرجوازية الصاعدة مع تأكيد الحريات الفردية ومفاهيم المواطنة والمصلحة العامة ، أي أنها تعني مجموعة الأفكار والقيم التي تدور حول الفرد والسلطة وترمي إلى تحرير الفرد من كل القيود التي تكبله ، وتعتبر التعددية واحدة من تطورات المنهج البديل خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية .

(1) د/ محمد عبد الشفيع عيسى ؛ " التنمية وأوهام خمسة " السياسة الدولية ، ( القاهرة : مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ؛ العدد 133 ، يوليو 1998 م ) ص 70 .

 

(2) د/ أماني مسعود ؛ " الدور الاجتماعي للدولة : انحسار أم استمرار ؟ " الديمقراطية ، ( القاهرة : مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ، العدد 3 ، صيف 2001م ) ص 88 . كذلك عند د/ أحمد مصطفى الحسن ؛ " مدخل إلى تحليل السياسات العامة " ، ( عمّان : المركز العلمي للدراسات السياسية ، [ د . ط ع ]، 2002م ) . ص 169 – 170 .

(3) د/ نظام بركات، د/ عثمان الرواف، د/ محمد الحلوة؛ "مبادئ العلوم السياسية "، ( عمان : دار الكرمل للنشر والتوزيع، ط3، 1989م ).ص ص 115 – 116 .

(4) د/ بطرس بطرس غالي، د/ محمود خيري عيسى ؛ " المدخل في علم السياسة"، ( القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية، ط7، 1989م ) ص 173.

(5) د/ محمد عبد المعز نصر ؛ " في النظريات والنظم السياسية "، (بيروت: دار النهضة العربية ، {د. ط} 1981م) ص 227 .

(6) نفسة، ص 228.

(7) د/ عبد الغني بسيوني عبد الله؛ "النظم السياسية: أسس التنظيم السياسي"،( بيروت : الدار الجامعية، [د. ت.ط])ص132

(8) د/ نظام بركات، [وآخرون]؛ "مرجع سبق ذكره" ص 177 .

(9) د/ بطرس بطرس غالي ؛ د/ محمود خيري عيسى ؛ "مرجع سبق ذكره" ص 177 .

(10) نفسه ، ص 178.

(11) نفسه ، ص 178 .

(*) نسبة إلى الاقتصادي البريطاني (كينز)

(12) محمد عبد الشفيع عيسى ؛ "مرجع سبق ذكره " ص 70 . راجع أيضاً : حسن محمد سلامة "الدولة القومية في الخبرة الغربية: النشأة والتطور " الديمقراطية" ، (القاهرة : مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ؛ العدد 3، صيف 2001م )ص 60 ، كذلك د/ أحمد مصطفى الحسن؛ "مرجع سبق ذكره" ، ص 175 .

(13) نور تون فريش ، وتيشارد ؛"الفكر السياسي الأمريكي" ترجمة هشام عبد الله ( بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر ؛ ط 1 ، 1991م) صـ286-290.

(14) د/هادي حسن؛ "دولة الرفاه العربية : أمِينَ القمع إلى الرعاية " المستقبل العربي "، ( بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 268،6/2001م)ص21.

(15) نفسه ، ص 23.

(16) عبد القادر النيبال؛ " القطاع الخاص بين تدخل الدولة وآليات السوق : دراسة حالة سوريا " ؛ المستقبل العربي، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ، العدد 223 ، 9 / 1997م ) ص 47 .

( * ) نسبة إلى الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان، ورئيسة الوزراء البريطانية الأسبق مارجريت ثاتشر ، وكان لهما اتجاهات محافظة شديدة.

(17 ) نعوم تشومسكي؛ "الديمقراطية والأسواق في النظام العالمي الجديد " شؤون الأوسط (بيروت: مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق ، العدد 71 ، أبريل 1998م ) ص 23 ، وانظر د/ محمد عبد الشفيع عيسى ، مرجع سبق ذكره ، ص 71.

(18) أنطوني جيدنز؛ "بعيداً عن اليسار واليمين . مستقبل السياسات الراديكالية" ترجمة شوقي جلال ؛ ( الكويت : المجلس الوطني للثقافة والآداب ، الكتاب 286 من سلسلة عالم المعرفة ، أكتوبر 2002م ) ، ص 39 .

(19) سايمور ليبست؛ "هل لا تزال الأمة المتميزة ؟" ترجمة . فرج النزهوني ؛ الثقافة العالمية (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، العدد 108 ، سبتمبر – أكتوبر 2001م ) ص 7 .

(20) د/ هالة مصطفى؛ "الدولة وجدت لتبقى " الديمقراطية (القاهرة : مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، العدد 3 ، صيف 2001م) ، ص 9 .

(21) توفيق المدني؛ "الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية وعولمة الطريق الثالث" شؤون الأوسط ؛ (بيروت: مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق ، العدد 82 ، أبريل 1999م ). ص 87 .

(22) نفسه ، ص ص 87 – 88 .

(23) أنطوني جيدنز؛ "مرجع سبق ذكره" ، ص 47 .

(24) توفيق المديني ؛ "مرجع سابق" ، ص 86 .

(25) نفسه ، ص 90 .

(26) سايمور ليبست؛ "مرجع سابق" ، ص 8 .للمزيد من المعلومات حول الطريق الثالث وجدلية المفهوم والنقد الموجه إليه يرجع إلى:

-ميخائيل إيركه؛ "الطريق الثالث والديمقراطية الاجتماعية الأوروبية: برنامج سياسي للمجتمع المعلوماتي" (عمان: مؤسسة فريدريش؛{د.ط}2001م).

-السيد يس؛ "العولمة والطريق الثالث" (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،{طبعة خاصة}1999م

-توفيق المديني؛,,الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية وعولمة الطريق الثالث،، شئون الأوسط (بيروت: مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق،العدد82، 1999م).

أ.د/عمر محمد علي؛ (الطريق الثالث والرابع والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة المتواصلة) الاقتصادي (عدن: دار جامعة عدن للطباعة والنشر، العدد 1 ، 2005م).

(27) د/ هالة مصطفى ؛ "مرجع سابق" ص ص 10 – 11 .

(28) صبري زاير السعدي؛ "الاقتصاد السياسي للتنمية والاندماج في السوق الرأسمالية العالمية: ملاحظات مستقاة من بعض التجارب العربية" المستقبل العربي ، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ، العدد 249 ، 11 / 1999م ) ص 36 .

(29) د/ أحمد مصطفى الحسن؛ "مرجع سابق" ، ص 189 .

(30) د/ هالة مصطفى؛ "مرجع سابق " ، ص 8 . وانظر أيضاً: د / أماني مسعود ؛ "الدور الاجتماعي للدولة : انحسار أم استمرار" الديمقراطية ( القاهرة : مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، العدد 3 صيف 2001م) ص89.

(31) د/ عبد العزيز بسيوني ؛ "مرجع سبق ذكره" ص 150 .

(32) د/ نظام بركات ؛ د/ عثمان الرواف ؛ د/ محمد الحلوة ؛ "مرجع سبق ذكره" ص 123 .

(33) نفسه ؛ ص 178 .

(34) د/ أحمد مصطفى الحسن ؛ "مرجع سابق" ، ص 181.

(35) د/ نظام بركات ؛ "مرجع سابق" ص 178 .

(36) د/ عبد الغني بسيوني ؛ "مرجع سابق" ، ص 151 .

(37) م . س غور باتشوف؛ير يسترويكا: والتفكير الجديد لبلادنا والعالم أجمع" ، (بيروت: دار الفارابي، ط4، 1989م ) ص 43

(38) نفسه ، ص 45 .

(39) نفسه ، ص 43 .

(40) محمد الأطرش؛ "تطور النظام الدولي" المستقبل العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 171، 5/ 1993م) ص 45 .

(41) عزة جلال هاشم؛ "الثقافة السياسية الصينية " السياسة الدولية، (القاهرة : مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، العدد 132، أبريل 1998م) ص 83 .

(42) غسان العزي؛ "الصحوة الصينية حدودها وآفاقها" شؤون الأوسط (بيروت: مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، العدد 69 فبراير 1998م) ص 39 .

(43) محمد فايز فرجات؛ "الاقتصاد الصيني :رؤية سياسية" السياسة الدولية (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، العدد 132، أبريل 1998م) ص90.

(44) غسان العزي؛ "مرجع سابق"، ص 31.

(45) ربيع الخليل؛ "الصين واقتصاد السوق الاشتراكي" شؤون الأوسط، (بيروت: مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، العدد69، فبراير 1998م) ص 54.

(46) غسان العزي؛ "مرجع سابق"، ص31.

(47) محمد قايد فرحات؛ "مرجع سبق ذكره"، ص91، لاحظ أن السلطات الصينية الرسمية لاتصف مشروعها الخاص بأنه رأس مالي (وأن يكن وطنياً) بل تصنفه بأنه اشتراكية السوق.

(48) سمير أمين؛ "المشروع الصيني الوطني والاجتماعي" شؤون الأوسط ، (بيروت: مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، العدد 69 ، فبراير 1998م) ص 54 .

(49) محمد فايز فرحات؛ "مرجع سابق" ص 92 .

(50) غسان العزي؛ "مرجع سابق"، ص 45 .

(51) سمير أمين ؛ "مرجع سابق"، ص 17 .

(52) د/ محمد عبد المعز نصر؛ "مرجع سبق ذكره" ص 139 .

(53) د/ عبد الغني بسيوني عبد الله ؛ "مرجع سابق" ص 153 .

(54) أندروفنسنت؛ "نظريات الدولة"؛ ترجمة : د/ مالك أبو شهيوه ، د / محمود خلف (بيروت: دار الجيل، ط1، 1997م) ص ص 1013 .

(55) علي إبراهيم الغانمي ؛ " الفلسفة الأخلاقية والقيم في الفكر الغربي : المشكلات والاتجاهات والتطورات" الفكر العربي، (بيروت: معهد الإنماء العربي، العدد 96 ، ربيع 1999م) ص 203 .

(56) دينا شحاته؛ "مرجع سبق ذكره" ص 48 .

  1. محمود شاكر؛ "التاريخ الإسلامي"، (بيروت: المكتب الإسلامي ؛ ط1 ، 1979م) ص 216 .

(2) عبد الإله بلقزيز؛ "مفارقة الجدل في إشكالية الدين والسياسة" المستقبل العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ، العدد 223 ، 9/1997م)ص 132

(3) د/ عبد العزيز بن حبتور؛ "نظرية الإدارة العامة في الدولة العربية - الإسلامية" ، (صنعاء: مركز الدراسات والبحوث اليمني، العدد 3 من سلسلة دراسات وأبحاث، ط1، [ د.ت ]) ص ص 37 - 38 .

(4) الشيخ / محمد الخضري بك؛ "الدولة الأموية 1-2 "، (بيروت: مؤسسة دار الكتاب الحديث [ د . ط ] 1989م ) ص229 ، وكانت الولايات الإسلامية في عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- عشر هي مكة، الطائف، صنعاء، حضرموت، خولان، زبيد، الجند، نجران، جرش، البحرين أما العراق والشام فكانت لا تزال الحرب قائمة فيهما، أما في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكانت الأمصار سبعة هي ( المدينة، الشام، الفسطاط، الجزيرة، الكوفة، البصرة، البحرين) وهي تمثل المراكز الإدارية الرئيسية وهي أشبه بالمحافظات وإن كانت أوسع . أما في عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فكانت الأمصار عشرة أيضاً هي ( مكة، الطائف، صنعاء، الجند، البحرين، الكوفة وما يتبعها، البصرة وما يتبعها، حمص، مصر) هذه هي المراكز ثم يليها في التقسيم الإداري الكور والرساتيق وهي أشبه بالمديريات اليوم.

(5) د/ عبد العزيز بن حبتور؛ "مرجع سابق" ص 165 .

(6) تقي الدين بن تيميه؛ "السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية"، (القاهرة: دار الكتاب العربي بمصر ، ط4 ، [د.ت] ص 41.

(7) د/ عبد العزيز بن حبتور؛ "مرجع سابق"، ص 63 .

(8) نفسه، ص 60 .

(9) نفسه ، ص 57 .

(10) للمزيد يرجع إلى: محمد محسن الحوثي –موقع الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة؛ " الحكم الصالح في عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتر"، في ندوة "أسس الإدارة والرقابة للدولة في فكر الإمام علي السياسية"، 24أغسطس2019م، على الرابط:

http://coca.gov.ye/news/190?page=4

وعلى الرابط:

https://www.ansarollah.com/archives/271731

وعلى الرابط:

http://www.almasirahnews.com/44662/

 

 

(10) نفسه ، ص 92 .

(11) نفسه ، ص 118 .

(12) خالد محمد مصطفى عزب؛ "تخطيط وعمارة المدن الإسلامية" كتاب الأمة 58 ، (الدوحة: وزارة الأوقاف والإرشاد الإسلامية ، أغسطس 1997م) ص 70 .

(13) أحمد الموصلي؛ "جدليات الشورى والديموقراطية"، المستقبل العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 265 ، 3 ، 2001م)ص 17 .

(14) القاضي العلامة الأوحد/ عماد الدين يحيى بن أحمد بن مظفر؛ "كتاب البيان الشافي المنتزع من البرهان الكافي" ج4 (صنعاء: مكتبة غمضان لإحياء التراث اليمني ، ط1 ، 1984م) ص 752 .

(15) السيد/ محمد الحسيني الشيرازي؛ "الدولة الإسلامية" ، (بيروت: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع؛ ط1 ، 1989م) ص 291 .

(16) محسن الموسوي؛ "دولة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم"، (بيروت: دار البيان العربي؛ ط1، 1990م) ص378.

(17) هنري لاوست؛ "أصول الإسلام ونظمه في السياسة والاجتماع" ترجمة / محمد عبد العظيم علي (الإسكندرية: مكتبة ابن تيميه؛ [د.ط] 1979م) ص 412.

(*) أخيراً ظهر مصطلح الدولة القوية والدولة الصغيرة ؛ وفسرت الدولة القوية بأنها تمتلك سيطرة أكبر على مصائرها من الدول الصغيرة الأقل قوة بسبب امتلاكها للوسائل اللازمة لتنفيذ سياستها وأهدافها حيث تستخدم القوة لتوسيع أهداف سياستها الحيوية ذات الأهمية في الحفاظ على ذاتها وأمنها وزيادة هيبتها الدولية وتحقيق الكفاية الاقتصادية، وذلك يعكس الدول الصغيرة التي لا تتوفر لها مثل تلك الوسائل لتحقيق ما تصبوا إليه في المجال الدولي ويصبح مجال تحركها مجدود في إطار إقليمي معني ما يكون الإقليم الذي تنتمي إليه تلك الدول النامية الصغيرة، ويعرفها البعض بأنها تلك الدول التي لا تستطيع أن توفر- حاجاتها الأساسية وتحقق أمنها- في النظام الدولي سواءً أكانت فرادى أو مجتمعة؛ حول المفهوم يراجع: عارف عبد القادر عبده سعيد؛ "سياسية اليمن الخارجية تجاه قضايا منطقة القرن الأفريقي:1990 - 1999م" ، رسالة ماجستير غير منشورة قدمت إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة ، 2002م) ص ص 11 - 14 .

(18) د/ مصطفى كامل السيد؛ "دراسات في النظرية السياسية" ؛ (القاهرة: [ د.ن.ط ] 4 / 1998م) ص 323 .

(19) محمد محفوظ ؛ "نظريات التخلف في الفكر العربي المعاصر : قراءة نقديه" الكلمة (بيروت: منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث ، العدد 11 ، ربيع 1996) ص 49؛ كذلك عند أحمد جزولي؛ "دولة الحق والقانون في الوطن العربي : الديمقراطية نظرياً والمشاركة السياسية .. مكافآت التحول وحقيقة الرهان" المستقبل العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ، العدد 211 ، 9/ 1996م) ص 51.

(20 ) علي القريشي؛ "غايات التنمية في إطار المشروع الحضاري الإسلامي" مستقبل العالم الإسلامي (مالطا: مركز دراسات العالم الإسلامي ، العدد 18 ، صيف 1998م) ص 10.

(21) أحمد جزولي؛ "مرجع سابق " ص 67 .

(22) ديل جونسون؛ "الطبقات الوسطى في الدول التابعة "، عرض مجلة العلوم الاجتماعية (الكويت: جامعة الكويت؛ المجلد الخامس عشر، العدد الأول، ربيع 1987م) ص 319 .

(23) بول بيروخ ؛ " المبادئ الاقتصادية المؤسسية للعولمة من منظور تاريخي " ترجمة ، حسين بيومي، الثقافة العالمية، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، العدد 159 ، يناير - فبراير 2001م) ص 54 .

(24) جورج طرابيشي، "المثقفون العرب المرضى بالغرب" أبواب (بيروت: دار الساقي، العدد 20/ ربيع 1999م) ص116، كذلك عند محمد شكري سلام؛ "تنويعات على الدولة" أبواب (بيروت: دار الساقي، العدد 20/ربيع 1999م) ص 62.

(25) فارس أبي أصعب؛ "دولة الفوارق الطبقية ومستقبل لبنان" أبعاد (بيروت: المركز اللبناني للدراسات، العدد 6 مايو 1997م )

(26) جوزيف شتراير؛ "الأصول الوسطية للدولة الحديثة" ترجمة / محمد عيناي (بيروت: دار التنوير للطباعة والنشر، ط عربية1 ، 1982م ص 8 .

(27) د/ عبد الباري أحمد نعمان الشرجبي؛ "مفهوم التنمية البشرية وقياسها، مسح ( survey ) للأسس النظرية" مجلة كلية التجارة و الاقتصاد (صنعاء: منشورات مركز الدراسات والاستشارات الاقتصادية والتجارية بكلية التجارة والاقتصاد؛ جامعة صنعاء، العدد 11 ، 12 سبتمبر 98 - مارس 1999م) ص 20 .

(28) أديب نعمة؛ "سياسة الأمن الاجتماعي وأثرها في لبنان" أبعاد (بيروت: المركز اللبناني للدراسات، العدد 6 مايو 197م ) ص 100 .

(29) طارق البشري؛ "مفهوم الدولة والعلاقة بين السلطات" فصل من كتاب "الخبرة السياسية المصرية في مائة عام " تحرير د/ نازلي معوض أحمد، (القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية، ط1، 2001م) ص34 .

(30) د/ خلدون حسن النقيب؛ "واقع ومستقبل الأوضاع الاجتماعية في دول الخليج العربي مع إشارة خاصة إلى العولمة" المستقبل العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 268 ، 6/2001م ) ص 370 .

(31) صبري زاير السعدي؛ "مرجع سيق ذكره" ص 37 .

(32) د/ عبد الخالق عبد الله؛ "التبيعة والتبيعة السياسية"، (بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع؛ ط1، 1986م) ص 20 .

(33) د/ أماني مسعود؛ " مرجع سبق ذكره" ص ص 89 - 90 .

(34) " شهادات آخر القرن وصية بليخانوف ، ترجمة / د/ أشرف الصباغ، الثقافة العالمية، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، العدد 103 ، ديسمبر 2000م) ص 171 .

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة