Logo dark


انتهاء التخبط الغربي السعودي..هل يريدون خلق اضطرابات طويلة الأمد في اليمن؟

( كاتب وباحث سياسي - مركز مرصاد للدراسات , )
 

 

 

احمد حاجي صادقيان / معهد مرصاد للدراسات

قال دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة إن “الأمم المتحدة لم تشارك في المفاوضات بين السعودية وصنعاء”، وهذه الجملة بمثابة نقطة عطف بالنسبة للمفاوضات والاتفاقيات بين الرياض وصنعاء في الشهرين الماضيين. الحقيقة أن ما حدث بين السعودية واليمن انتهى بالتوصل إلى هذه المفاوضات الثنائية برغم كل الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة والدول الغربية على مدى السنوات الثماني الماضية، ورغم عدم وجود نتائج اقتصادية ملموسة، فقد استطاعت تحقيق استقرار لوقف إطلاق النار للشعب اليمني، إلى جانب الاتفاق على استئناف العلاقات بين إيران والسعودية، الذي أبرم بوساطة صينية، الأمر الذي لم يكن بشرى سارة للأمريكيين. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين أعربوا عن ارتياحهم لهذا الاتفاق، إلا أن مقارباتهم الحالية تجاه القضية الأمنية الأكثر أهمية بين إيران والسعودية تظهر سعيهم في إثارة التوتر. وهي سياسة تتماشى مع جزء كبير من سياسات السعودية الحالية فيما يتعلق بقضية اليمن.

خدعة كبيرة

السعودية ومنذ الكشف عن المفاوضات مع أنصار الله في الشتاء الماضي، حاولت تغيير موقفها من كونها أحد أطراف الحرب مع صنعاء إلى وسيط محايد في الصراع بين الجماعتين المتنازعتين في الداخل. سياسة قوبلت منذ ذلك الوقت باحتجاجات متكررة من قبل سلطات صنعاء وحتى السخرية من قبل نشطاء الفضاء الإلكتروني اليمنيين. ومع ذلك، لا تزال المملكة العربية السعودية تصر على تغيير دورها. في نفس الوقت الذي تحاول فيه تغيير الدور، فالمملكة العربية السعودية لاتزال تبذل جهودها لاستمرار وترسيخ الصراع الداخلي في اليمن. حيث تواصل الرياض دعم مرتزقتها في اليمن بكل قوتها وتواصل جهودها لتحويلهم إلى قوة عسكرية نظامية ضد أنصار الله. في الوقت نفسه، أكدت المملكة العربية السعودية على الحاجة إلى التركيز على “الوثائق القانونية الثلاثية” – اقتراح السلام لمجلس التعاون في عام  2011 (المبادرة الخليجية)؛ الموافقات على اجتماع الحوارات الوطنية 2014 (مؤتمر الحوار الوطني)؛ وقرار مجلس الأمن رقم 2216 لعام 2015 – والتي تشكل أساسًا جزءًا كبيرًا من العقدة القانونية والسياسية منذ العام 2014 وحتى الآن، هو نتاج هذه الوثائق القانونية الثلاث المعيبة والمنقوصة التي لا تتوافق مع الواقع الميداني والاجتماعي لليمن. إن تبني هذه السياسة يعني أن السعوديين ليس لديهم رغبة في النهاية الحقيقية للأزمة وعودة السلام إلى اليمن، لكنهم يعدون لسحب اليمن إلى الثقب الأسود للصراع الداخلي من خلال دعم أمراء الحرب الداخليين.

النقطة المهمة في هذه السياسة السعودية تقاربها مع السياسات الأمريكية تجاه الأزمة اليمنية. كما ذكرنا في وقت سابق، فان الأمريكيين رحبوا في البداية بالاتفاق بين السعودية واليمن. بالطبع، لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى أعلن الأمريكيون عن رأيهم الحقيقي حول اتفاق الرياض وصنعاء. تحدث لنديركينغ، الممثل الأمريكي الخاص في قضية اليمن، بوضوح مؤخرًا عن توقعاته للإخفاقات العديدة للجهود الأخيرة للتوصل إلى السلام في قضية اليمن. وشدد على أنه “لا أتوقع – ولا ينبغي أن أتوقع – أن يحدث حل دائم للصراع اليمني المستمر منذ ما يقرب من ثماني سنوات بين عشية وضحاها. فالعملية السياسية تستغرق وقتًا وربما تواجه العديد من الإخفاقات”. ويمكن الادعاء أن هذا النهج يتماشى مع الخطة السعودية لمستقبل اليمن، وهو ما يعني صراعًا داخليًا طويل الأمد وخلق وجود عسكري طويل الأمد في هذا البلد.

الثقب الأسود السياسي

الأمريكيون ليسوا الوحيدين الذين يتفقون مع السعوديين بشأن تنفيذ هذا المخطط، لكن إنجلترا وفرنسا، بصفتهما عضوين دائمين في مجلس الأمن، هما أيضًا مع هذه الفكرة ويسعون إلى استخدام القدرات السياسية القائمة لمأسسة الصراعات الداخلية في اليمن. في حديث لـ “الشرق الأوسط”، أشار ريتشارد أوبنهايم السفير البريطاني في اليمن، إلى أن بلاده مستعدة لتقديم قرار جديد بشأن أزمة اليمن إلى مجلس الأمن، ويتحدث عن حلول هي عملياً تعني تصعيد الصراع الداخلي في اليمن. وأوضح السفير البريطاني أن هذا البلد يسعى إلى إيجاد آلية لتقاسم الإيرادات الحكومية – بين صنعاء وعدن – وكذلك لتقديم حل لمشكلة الجنوب كإحدى القضايا الأمنية والاجتماعية الرئيسية في اليمن منذ الوحدة عام 1990. نهج يمثل بوضوح علامة على محاولة بريطانيا لتعزيز قضية التفرقة السياسية والاجتماعية ضد وحدة أراضي اليمن.

إن القرار 2216 الذي بموجبه وافق مجلس الأمن على الهجوم السعودي على اليمن[1] وتجاهل مطالب جزء كبير من الشعب اليمني ممثلاً بأنصار الله، يظهر القدرة العالية لهذه البنى التحتية القانونية على تعميق الأزمة في اليمن. التأكيد على ضرورة تقسيم الإيرادات الحكومية وتحديد دور اليمن الجنوبي كهوية مستقلة وليس جزءًا من دولة اليمن كما يظهر تحرك هذه الدول نحو استقرار دورة الأزمة اليمنية على شكل اساس الفرقة بين الشمال والجنوب.

حصر إيران وأنصار الله

مما لا شك فيه أن تطبيق وقف إطلاق النار في اليمن إلى جانب الاتفاق بين إيران والسعودية كان له أثر لا يمكن إنكاره على قضية اليمن، ويمكن أن يؤدي استمرار هذا المسار إلى استقرار أنصار الله وزيادة قدرة صنعاء. لتحويل أصولها الميدانية إلى حصة سياسية في مستقبل اليمن. المسار الذي يعارضه الأمريكيون ويتطلعون إلى تعطيل هذه العملية. الاستراتيجية الرئيسية لواشنطن لمنع تصاعد المقاومة في اليمن هي التعاون مع السعوديين لتهدئة دائرة الاضطرابات الداخلية وفي نفس الوقت قطع الاتصال اللوجستي بين أنصار الله وإيران، كأهم داعم في العالم لحكومة الإنقاذ الوطني في اليمن. في الوقت نفسه، جنبًا إلى جنب مع خطة السعوديين لتثبيت دورة الأزمة الداخلية في هذا البلد، فتح الأمريكيون الطريق لإلقاء اللوم على إيران ويحاولون تقديم طهران من خلال اعطاء العنوان الخطأ على أنها السبب في عدم إحراز تقدم في مسار السلام في اليمن . وبهذا الصدد اتهم لندركينغ ايران بنقل السلاح والمخدرات إلى اليمن، وأن حلفاء السعودية في اليمن أيضاً وتماشياً معها، زعمت بالكشف عن حمولة إيرانية تشمل معدات للاتصالات ومحركات الطائرات المسيرة كانت متوجه إلى صنعاء عبر سلطنة عمان، قد تم مصادرتها.

وبناءً على ما قيل، يمكن الاستنتاج أن مجموع هذه التطورات والتوجهات تشير إلى انتهاء تخبط الغرب الأولي تجاه السياسات السعودية في قضية اليمن، وعودة التعاون بين الجانبين في هذه القضية. في غضون ذلك، يبدو أن الجهود تُبذل للسيطرة على طريق الإمداد اللوجستي لأنصار الله وفي نفس الوقت محاولة خلق نقاط عمياء سياسية في قضية اليمن بهدف إدخال هذا البلد في دائرة طويلة الأمد من العنف والاضطرابات. ويمكن إحباط هذا المخطط من خلال استخدام قدرات القوى الدولية الناشئة حديثًا ودعم أنصار الله للبقاء في موقع القوة الميدانية بلا منازع في اليمن.


[1] القرار لم يصدر إلا بعد شن العدوان؛ فالقرار شرعن الحرب على اليمن بعد انطلاقها.

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة