Logo dark


مواقف جنوبية متباينة من مفاوضات الرياض الأخيرة!

( كاتب وأكاديمي , )

ومن الواضح أن الجنوب ساحة صراع بين السعودية والإمارات، والمجلس الانتقالي ينفذ أجندة الأمارات، وقد لا حظنا امتعاض الإمارات في تغريدات عدد من السياسيين الإماراتيين على الرغم من ترحيب وزارة الخارجية الإماراتية الرسمي، فلقد كتب الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله في حسابه على منصة " إكس" تغريدة يقول فيها: " لماذا يصر البعض على تسليم الجنوب العربي لجماعة الحوثي الايرانية الانقلابية بصنعاء. قضية الجنوب العربي ليست قضية انفصال بل هي قضية تحرر وطني يسعى شعب الجنوب تأسيس وطنه الحر ودولته المستقلة ويستحق دعم دول العالم  وشعوب المنطقة وفي المقدمة دول وشعوب الخليج العربي. دولة ولها عنوان"

وفي نفس الوقت هناك سياسيين وصحفيين سعوديين شنوا هجوماً على ما يسمى الانتقالي واتهموه بعرقلة مساعي المملكة.

ثمة اعتقاد واسع أن تحالف العدوان يعيش مأزقاً في الجنوب بسبب تعارض مصالح دولتي الحرب العدوانية الرئيسيتين المملكة السعودية والإمارات، وهذا المأزق نتاج التحولات الدولية المتسارعة وباتت كل دولة تبحث لها عن وضع داخل النظام العالمي الجديد الذي يتشكل، بحيث تحقق به أكبر استفادة أو على الأقل أن لا تخسر مكانتها ومصالحها السابقة.

وفي اعتقادي أن الإمارات حين شكلت المجلس الانتقالي لم يكن يهمها عودة دولة الجنوب السابقة، وإنما أن تؤسس لذراع جديد وتربطه بمصالحها بديلاً عن ذراعها السابق جناح علي صالح الذي توزع بين سلطة صنعاء وجزء منه التحق بتحالف دول العدوان بفعل ثورة 21 سبتمبر 2014م وبات هامشياً، وحينها تشكل ما يسمى المجلس الانتقالي في 4 مايو2017م بترتيب وتنسيق بين علي صالح والإمارات، وضم في قوامه شخصيات تمثل خليطاً من مؤتمريين سابقين عملوا مع علي صالح وقلة منهم كانوا نشطاء في الصفوف الخلفية للحراك الجنوبي وهناك نوع ثالث شخصيات جاءوا من داخل أحزاب اللقاء المشترك ولكنهم يدينون بالولاء للإمارات بفعل احتضانها لهم بعد حرب 1994م.

وما يؤكد طرحنا أعلاه، فإن كثير من العناصر التي هربت إلى الجنوب بعد أحداث 2-4 ديسمبر 2017م مع طارق صالح، تبنتهم الإمارات وشكلت منهم مليشيات " قوات حراس الجمهورية ". وهذا يؤكد أن الإمارات لا يعنيها لا وحدة ولا انفصال، فهي تدعم فصيلاً انفصالياً وفي نفس الوقت تدعم فصيلاً آخر ينتسب إلى أحد شركاء وحدة 22 مايو 1990م، وكل ما يهم الإمارات أن تحافظ على نفوذها السابق قبل انهيار شرعيته في 21 سبتمبر 2014م . الإمارات تبحث عن حضورها في هذا البلد بتيار قوي ورئيسي يحافظ على مصالحها سواء في ظل بلد موحد أو بلد منفصل، وأن لا يستقر الجنوب ويظل تحت سيطرة أذرعتها أو يذهب في أقصى الحالات إلى الفوضى والصراع الدائم.

ما موقف الشارع الجنوبي من مفاوضات الرياض؟

قبل الحديث عن موقف الشارع الجنوبي من مفاوضات الرياض، نحن بحاجة إلى أخذ صورة عن الأوضاع في الجنوب، لأنها ستساعدنا على أن نبني عليها استنتاجاتنا.

 وهناك مزاج شعبي عام ناقم على "الانتقالي"، وفي اعتقادي أن هذا المزاج جاء بسبب تسويق الأوهام والأكاذيب، وهناك حالة من عدم الرضى عن الانتقالي عند عموم الناس، وبسبب سوء الأحوال المعيشية وتدهور العملة الذي ترتب عليه غلاء أسعار بالإضافة إلى أزمة الخدمات وخصوصاً الكهرباء، والتمايز الذي أنتجته استقطابات دول تحالف العدوان، أفرزت فئتين من الناس، هناك من جهة أغلبية ساحقة تضررت من تبعات الحرب وتدهورت حالتها المعيشية وتكتوي بأوضاعها البائسة، ومن الجهة الثانية هناك قلة من المرتزقة يتوزعون على دولتي التحالف الرئيسيتين المملكة والإمارات انتعشت أحوال بعضهم وبعضهم الآخر بسبب تقاضيهم أجورهم بالعملة الصعبة فإن أوضاعهم المعيشية أفضل بكثير من أغلبية الناس الذين معظمهم موظفين. باتوا فقراء نتيجة تدهور العملة.

ينقسم الشارع الجنوبي حول مفاوضات الرياض الحالية والمتابع يستطيع تلخيصها بثلاث وجهات نظر على النحو التالي :

وجهة نظر ما يسمى بالمجلس الانتقالي وناشطيه، فلقد أصدر "المجلس" بياناً يحدد موقفه منها، مع أن البيان ضعيف ويشوبه التناقض في عباراته ومطالبه، حيث رحب فيها بالمفاوضات وطالب بأن تقود إلى مفاوضات أوسع مع كل الأطراف المتصارعة ومن دون شروط مسبقة، ولكنه يضع شرطاً أن تكون القضية الجنوبية حاضرة وعودة "الدولة الجنوبية"، ويكون ممثلاً للجنوب في أي مفاوضات بين اليمنيين.

هناك آراء نخبوية داخل "الانتقالي" ومن خارجه تشيع بأن البلد ذاهب للانفصال، وأن "الأنصار" رفعوا أيديهم عن الجنوب ويشيروا إلى قوام وفد المفاوضات ويقارنونه بقوام مفاوضات الكويت واستكهولم، وذهب البعض إلى تأويل تشكيل وفد المفاوضات بهذا القوام إلى كون الأنصار لديهم نية بالتفاوض من أجل جني مكاسب فئوية أو جهوية، ولذا حرصوا على تشكيل وفد المفاوضات بهذه الصيغة الضيقة.

والشارع الجنوبي ونتيجة أوضاع الناس البائسة، حيث بات الناس على العموم منشغلين بأوضاعهم ولن تجد إلا قلة قليلة ينتظرون الفرج لعل وعسى تنفرج الأوضاع وتتحسن أحوالهم المعيشية.

الجنوب يعاني من فراغ سياسي وأحادية الخطاب ولا نستطيع القول بأنه خطاب مهيمن، إنما خطاب ممول ومدعوم بسخاء من قبل دولة الإمارات، وصحيح أن له حضوراً عند قطاع محدد من السكان لأسباب قبلية ومناطقية، لكن يظل هناك قطاع كبير من السكان قد لا يؤدون خطاب "الانتقالي"، لكن في نفس الوقت لا يعارضونه، وقلة قليلة من النخب التي تعارض مشروع "الانتقالي".

وأمام هذه الصورة نستطيع القول بأن مفاوضات الرياض بالإجمال تثير لغطاً في الجنوب، خصوصاً أنها مفاوضات لم يعلن عنها إلا ببيانات عامة مبهمة، وذهب البعض إلى ربطها بعين الشك بالخطوات المتخذة مؤخراً في صنعاء، وانقسم الجنوبيون حول الخطوات المتخذة في صنعاء مؤخراً بين مرحب ومؤيد ومدافع عنها وهناك من ينظر لها بعين الشك والريبة ويفسرها بأن هناك تفاهمات بين المملكة والأنصار على أن يحكم الأنصار منفردين المناطق تحت أيديهم وأنهم في خطواتهم الأخيرة يتجهون إلى ذلك، وطرف ثالث يعتبرها خطوات لا تعنيهم.

هذا ملخص ما يشهده الشارع الجنوبي من آراء ومواقف متباينة من مفاوضات الرياض..

سامي عطا وآخرون

٢٨ سبتمبر٢٠٢٣م

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة