Logo dark


استراتيجية الأمن القومي البريطاني وموضع اليمن منها

( باحث , )

عند الحديث عن السياسة الخارجية البريطانية فلابد من الحديث عن البحرية البريطانية التي كانت تاريخياً هي الأداة التنفيذية للسياسة الخارجية البريطانية، وفي يوم من الأيام كانت البحرية البريطانية ووزارة الخارجية ووزارة المستعمرات أداة بيد شركة الهند الشرقية.

تعد البحرية الملكية هي أقدم فروع القوات البريطانية، كانت الأقوى من نوعها في العالم منذ نهايات القرن السابع عشر وحتى فترة متقدمة من القرن العشرين، ولعبت دوراً أساسياً في جعل الإمبراطورية البريطانية القوة العالمية المهيمنة. شعارها الرسمي: إذا أردت السلم، فاستعد للحرب (باللغة اللاتينية سي فيس باسم، بارا بيلوم)

ظلّت البحرية الأكبر في العالم حتى بدايات الحرب العالمية الثانية، قبل أن تبرز بحرية الولايات المتحدة كأكبر بحريّات العالم بحلول نهاية الحرب. تحولّت البحرية الملكية إلى قوة مضادّة للغواصات بشكل أساسي أثناء الحرب الباردة، متعقبّةً للغواصات السوفيتية.

تحتفظ البحرية البريطانية بأسطول سفن متطور تكنولوجيّاً يتضمّن حاملة طائرات، وسفينة هجوم برمائي، وسفينتا نقل برمائي، وأربع غواصات صواريخ بالستية (التي تحقق الردع النووي للمملكة المتحدة)، وسبع غواصات نووية، وخمس مدمّرات للصواريخ الموجهة، وثلاث عشرة فرقاطة، الى جانب الزوارق وانواع الألغام البحرية المختلفة.

في العصر الحديث اشتركت البحرية الملكية في حرب الخليج الثانية، وحرب كوسوفو، وحرب أفغانستان، وغزو العراق وفي حادثة متعلقة بالقراصنة الصوماليين في نوفمبر 2008م وليس انتهاءً بالحرب الراهنة في اليمن.

الدور الحالي للبحرية البريطانية

الدور الحالي للبحرية الملكية هو حماية المصالح البريطانية في الداخل والخارج، وتنفيذ السياسات الاستعمارية الجديدة من خلال ممارسة التأثير العسكري، والأنشطة الدبلوماسية وغيرها من الأنشطة.

تنتشر قوات البحرية الملكية حالياً في العديد من المناطق في مختلف أنحاء العالم. حيث تتواجد في البحر المتوسط بصفتها جزء من قوات الناتو، كما تتواجد في كل من شمال وجنوب المحيط الأطلسي حيث تقوم بمهام الحراسة. كما أنها تملك زوارق دورية دائمة عند جزر فوكلاند البريطانية.

يتمثل غالباً وجود البحرية الملكية في منطقة الخليج في مدمرة فئة 45، ومصيدات ألغام، بالإضافة إلى "السفينة الأم".

ما زالت البحرية الملكية محافظةً على تحالفاتها في الخليج العربي، وتساهم البحرية الملكية أيضاً بشكل كبير في القوات البحرية المشتركة في الخليج والبحر الأحمر لدعم العمليات التي تقوم بها قوى الحلفاء بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.

لدى البحرية البريطانية أيضاً التزامات طويلة الأمد تحتّم عليها الدفاع عن أستراليا، ونيوزيلندا، وماليزيا، وسنغافورة في حالة تعرض أي منهم للاعتداء وفق معاهدة وقّعت بين الأطراف الخمسة عام 1971م

بريطانيا تحدث اسطولها العسكري

في العام 2022م أعلنت الحكومة البريطانية إطلاق استراتيجيتها الوطنية لبناء السفن الحديثة (NSbS) خلال الثلاثين سنة القادمة، تتضمن بناء أكثر من 150 سفينة جديدة حربية ومدنية، وتشمل بناء السفن الحربية الكبيرة وأيضا زوارق قوات خفر السواحل وغيرها من السفن المدنية، وكذلك تأمين عقود التصدير والتصميم للسفن البحرية البريطانية إلى كل من أستراليا وكندا.

حرب مواجهة التعددية القطبية

في العام 2023م أعلنت بريطانيا عن الخطة الاستراتيجية الجديدة في مجال الدفاع والأمن، ونشرتها علناً وذلك لأول مرة منذ الحرب الباردة، وهي تضع محددات هامة من خلالها وفق ما تواجهه من تهديدات التعددية القطبية، نشرت هذه الاستراتيجية تحت عنوان "الاستجابة لعالم أكثر تنافسية وغير مستقر". اعتمدت على زيادة في الإنفاق على المجال العسكري والأمني.

تركز الاستراتيجية البريطانية على:

  • "المساهمة في تشكيل نظام دولي مفتوح قائم على مبادئ التعددية والديمقراطية والاقتصاد الحر وحقوق الإنسان والتعاون والتنافس المتبادل" (وهي لا تقصد بذلك الدلالات الحقيقية لهذه المفاهيم بل الإبقاء على الوضع الراهن، والهيمنة العالمية بالاستناد إلى هذه المعايير التي تطبقها بصورة مزدوجة).
  • "تطوير قدرات الردع والدفاع والتنافس في جميع المجالات عبر تعزيز الردع النووي وتطوير القدرات العسكرية البريطانية ومواجهة التهديدات الأمنية العالمية".
  • "بناء المرونة في الداخل البريطاني وفيما وراء البحار من خلال معالجة قضايا التغير المناخي وتعزيز النظام الصحي العالمي".
  • "وأخيراً توليد ميزة استراتيجية خاصة بالمملكة المتحدة من خلال العلم والقوة التكنولوجية وتقديم بريطانيا نفسها للعالم باعتبارها قوة ديمقراطية سيبرانية كبرى".

أظهرت الخطة الاستراتيجية أهم الدول التي تمثل تهديدات واضحة للمملكة المتحدة أولها روسيا حيث وصفتها الخطة بأنه التهديد الأكثر إلحاحا لأمن المملكة المتحدة، وجاءت الصين مشكلة تحدياً هاماً من هذه التهديدات خاصة في مجال الاقتصاد والسياسة والعسكرية والدفاع والتكنولوجيا، وأن الصين تشكل تحدياً غير مسبوق للنظام الدولي.

لم يمر وقت قصير، حتى بدأت الحكومة البريطانية في تنفيذ خطتها الاستراتيجية الجديدة في مجال الأمن والدفاع، حيث تم التوقيع على صفقة وصفت بالتاريخية مع استراليا والولايات المتحدة الأمريكية لإنشاء أسطول من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية وتتواجد في المحيط الهادي، دعماً للجهود التي تقوم بها كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا لمواجهة الصين.

وذكر وزير الدفاع البريطاني أن المعطى الجديد المثير للقلق هو أن العديد من أعداء بلاده أصبحوا مرتبطين ببعضهم البعض، إذ تجري روسيا والصين تدريبات مشتركة منتظمة، ويعتمد بوتين على الطائرات بدون طيار الإيرانية والصواريخ الباليستية الكورية الشمالية لتغذية قصفه في أوكرانيا.

اليمن والخليج والقرن الإفريقي

لعبت القواعد البحرية الغربية دوراً مهماً في التاريخ الاستعماري لمنطقتنا، وتبقى هذه القواعد عاملاً مهماً في العلاقات الدولية حتى هذا اليوم.

في عام ٢٠١٨م عادت البحرية الملكية البريطانية إلى قاعدتها التاريخية في الجفير في البحرين. وفي عام ٢٠٢٠م تم الإعلان عن البدء في إنشاء قاعدة بحرية بريطانية كبيرة أخرى في الدقم في سلطنة عمان. يُعتبر كلا الحدثين جزءاً من تاريخ أطول للوجود البريطاني في الخليج والذي بدأ مع شركة الهند الشرقية، وفي خضم تاريخ التوترات هذا، كانت القواعد البحرية نقاطاً محورية لكل من النظام الإمبريالي البريطاني في الخليج ومعارضيه.

إلى جانب الوجود في الخليج فإن بريطانيا جد مهتمة بدول القرن الإفريقي ، وأتت الجولة التي قام بها وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، في منطقة القرن الأفريقي، في يناير 2021م، وشملت السودان وكينيا وإثيوبيا، لتعكِسَ طبيعة التوجهات البريطانية الجديدة، واتساع حركتها الرامية إلى تعظيم نفوذها في المنطقة وإيجاد موطئ قدم مهم لها هناك، كجزء من رؤيتها العالمية عقب الخروج من الاتحاد الأوروبي. كما تسعى بريطانيا إلى حماية مصالحها الاستراتيجية في القرن الأفريقي من خلال الاحتفاظ بميزة الوجود العسكري في عدة دول بالمنطقة مثل كينيا والصومال وجيبوتي(تواجد بسيط)، وهي تبحث عن قواعد عسكرية جديدة هناك. وتبدو رغبة بريطانيا في تعزيز حضورها بالمنطقة مدفوعة بأهداف جيوستراتيجية منها مدّ نفوذها إلى أفريقيا عقب البريكست، والسعي لموازنة النفوذ الغربي في المنطقة في ظل سياق تنافس دولي محتدم يشمل عدداً من القوى الكبرى وتشمل المصالح الاستراتيجية البريطانية أيضاً ضمان حضور قرب مضيق باب المندب والبحر الأحمر، والقرب من مسرح الأحداث في عدد من المناطق التي تشهد بعض الصراعات والتنافسات مثل البحر الأحمر والمحيط الهندي.

تستهدف سياسة لندن الخارجية تعزيز شراكاتها الاقتصادية والتجارية في منطقة "الشرق الأوسط" حتى من قبل خروجها من الاتحاد الأوربي، وهي تركز على دول الخليج الغنية، والتي قد تُسهم في تعويض المملكة المتحدة عن خسائرها التجارية التي مُنيت بها بعد خروجها من الاتحاد التجاري الأوروبي، لذلك سعت بريطانيا مباشرة للدخول في مفاوضات اتفاق تجارة حرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، خاصةً أن حجم التبادل التجاري الحالي بين الطرفين، بحسب المسؤولين البريطانيين، وصل إلى 61 مليار جنيه إسترليني، وتأمل المملكة في زيادته إلى تريليون جنيه إسترليني بحلول عام 2050م.

بالإضافة إلى ذلك المملكة المتحدة تبني أيضاً "شراكات طاقة محدثة" مع دول الخليج، خاصةً الإمارات وقطر والسعودية، للتعاون في مشاريع الطاقة المتجددة واحتجاز الكربون وتخزينه، إلى جانب تنمية التبادل التجاري والاستثمارات بين الطرفين. ومن النقاط اللافتة أن دول الخليج ذُكرت 7 مرات في الاستراتيجية البريطانية، في حين ذُكرت منطقة الشرق الأوسط 3 مرات فقط، ما يعكس محورية دول الخليج في رؤية الحكومة البريطانية الحالية، ورغبتها في الاستفادة من قدراتها الاقتصادية وتعزيز التعاون معها.

حماية أمن إسرائيل:

كما يمثل حماية أمن الكيان الصهيوني مرتكزاً أساسياً لسياسة بريطانيا في منطقة الشرق الأوسط، سواء قبل الخروج من الاتحاد الأوربي (البريكست) أو بعده.

إن التوصل لاتفاق جديد مع إيران يضمن عدم امتلاكها سلاحاً نووياً يعد هدفاً رئيساً لصانع القرار البريطاني، بهدف حماية أمن إسرائيل من ناحية، وحفاظاً على وزن القوى الإقليمية وعدم ترجيح قوة محور المقاومة. ويعد هذا الموقف أحد الثوابت الأساسية لبريطانيا في المنطقة، لكن تحركاتها في هذا الإطار لا تجري بمعزل عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة