Logo dark


العودة الأمريكية إلى اليمن وأبعاد الحرب الراهنة على "الإرهاب"

( باحث , )

العودة الأمريكية إلى اليمن وأبعاد الحرب الراهنة على "الإرهاب"

 

بعد أكثر من عامين على انسحاب القوات الخاصة الأمريكية، من قاعدة (العند) الجوية في محافظة لحج، عشية التدخل العسكري في اليمن، 26مارس من العام 2015م، في عهد إدارة أوباما، وانكماش عمليات "مكافحة الإرهاب"؛ عادت العمليات العسكرية الأمريكية مجدداً في اليمن مع بداية الإدارة الجديدة للرئيس «دولاند ترامب»، فيما القوات الأمريكية الخاصة كانت قد رجعت إلى العند في منتصف العام الماضي بحجة مساعدة القوات الإماراتية في محاربة الإرهاب جنوب البلاد، حينها أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن وصول "عدد قليل من الجنود الأمريكيين إلى اليمن لمساعدة قوات التحالف لطرد تنظيم القاعدة من مدينة المكلا". وأكد المتحدث باسم البنتاغون الكابتن البحري «جيف ديفيس» أن واشنطن قدمت مساعدة للإمارات العربية المتحدة تشمل معلومات استخبارية إلى جانب وضع "عدد محدود" من العسكريين في تصرّفها. وأوضح ديفيس أن المساعدة تشمل "مجال الاستخبارات والمراقبة والتخطيط والأمن البحري"، ولـم يُشهد للقوات الأمريكية أي نشـاط خلال تلك الفترة حتى مجيء الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب([1])   

تصاعد العمليات العسكرية عهد ترامب "القوي" 

تصاعدت وتيرة العمليات العسكرية الأمريكية في اليمن خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، كاشفةً عن عودة قوية إلى المسرح اليمني، تحت عنوان "الحرب على الإرهاب"، فبعد أن نفذت قوات أميركية خاصة عملية إنزال ضد ما أسمتهم القاعدة في محافظة البيضاء وسط اليمن في 29 يناير 2017؛ شنّت مقاتلات و"درونز" أميركية سلسلة غارات ادعت فيها استهداف القاعدة في أبين، كما قامت بعملية إنزال بحري في ذات المحافظة، تبعه قصف جوي وبحري، وتَعتبر الولايات المتحدة الأمريكية "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" الذي أعلن ظهوره في العام 2009م من أخطر فروع التنظيم في العالم.

حين تنشر أجهزة الحرب الأمريكية أخباراً عن استهدافها لرؤوس قيادات هذا التنظيم، مثل «عبد الرؤوف الذهب» فذلك يُعد مكسباً سياسياً للرئيس الأمريكي الجديد، الذي يُظهر صدى وعوده الانتخابية على الأرض؛ ليجد المواطن الأمريكي والسياسي المتابع في ترامب شيئاً جديداً يميزه عن سلفه «باراك أوباما»، وبهذه العمليات المتتابعة يبدو ترامب أكثر جديةً في محاربة الجماعات "الإرهابية"، بعد أن سقطت المصداقية الأمريكية وكُشف تعاونها مع ذات التنظيمات وعدم جديتها في الحرب عليها، في سوريا والعراق.  

كما أن هذه العمليات الأمريكية في استمرارها، محاولة لمحو حقيقة دعم الولايات المتحدة للقاعدة في اليمن في إطار دعمها، للتحالف الداعم "لشرعية" هادي حسب ادعائهم، وإن لم يكن دعماً أمريكياً مباشراً للقاعدة، فهناك مصالح أمريكية مباشرة في بسط سجادة الغزو مع انتشار هذه التنظيمات الإرهابية في المحافظات الجنوبية من البلاد.

تسلسل العمليات الأمريكية

في 13ياناير من هذا العام أعلن الجيش الأمريكي مقتل قيادي بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، خلال غارة جوية أمريكية، وقال المتحدث باسم البنتاغون، بيتر كوك: "إن عبد الغني الرصاص قتل في غارة جوية نفذت في منطقة نائية بمحافظة البيضاء في وسط اليمن". كما أعلنت القيادة المركزية للقوات المسلحة الأمريكية "سينتكوم" المسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، بعدها بيوم، عن مقتل 3 من عناصر من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في غارتين أمريكيتين باليمن، نفذتا يومي 29 ديسمبر الماضي و8 يناير هذا العام، في محافظة البيضاء اليمنية.([2])

وبشكل تصاعدي في تجاوز لمرحلة الغارات الجوية، أعلنت واشنطن، في 1/2/2017م مقتل أكثر من أربعين عنصراً من عناصر القاعدة، وزعيم التنظيم في الجزيرة المدعو "الذهب" واثنين من القيادات إلى جانبه خلال عمليات قوة خاصة على متن مروحيات الهليكوبتر، في قرية "يكلا" في محافظة البيضاء، وأعلن هذا الانتصار في خطاب جديد يطرح مسألة فاعلية التدخلات الخاصة على الأرض، عن القصف الجوي.([3])    

عمليات أمريكية على نسق "داعش"  

الجدير بالذكر في عملية يكلا في البيضاء، هو فتح طيران الهليكوبتر النار على البيوت المستهدفة وكذا على مدرسة ومسجد ومركز صحي، أُعتقد بوجود عناصر القاعدة فيه، مما أدى لسقوط أبرياء، وتناقلت وكالات الأنباء العالمية هذا الخبر دون أن يصدر أي بيان نفي من القوات الأمريكية، التي تبدو في استهدافها للأبرياء من أجل شخصيات معينة؛ مبررةً لجرائم تنظيم القاعدة في استهدافه للأبرياء للنيل من هدف معين، وكأن هذه العملية توحي للقاعدة بشن عمليات انتقامية، تستفيد منها أمريكا كذريعة لاستمرار تدخلاتها.

القاعدة ترد وقوات هادي تنسحب  

وفي ردٍ من القاعدة في المسرح الجنوبي - رغم حدوث التدخل الأمريكي في الشمال -أعدم تنظيم القاعدة ضابطاً برتبة عقيد في قوات الحماية الخاصة بهادي في تاريخ 5/2/2017م في مسقط رأس هادي مديرية "الوضيع" محافظة أبين.([4])    

هذا فيما كانت قوات الحزام الأمني التابع لـ "عبده ربه منصور هادي" في (لودر) بذات المحافظة قد تعرضت لعمليات هجوم متواصلة من قبل القاعدة، اضطرت هذه القوات بعدها إلى الانسحاب، وعلق الجنود أن انسحابهم يعود لعدم توفير رواتبهم واحتياجاتهم للبقاء. وهو ما يثير الشُبه بأن تكون قيادات الجيش الموالية التابعة لهادي ونائبه علي محسن، قد تعمدت "تطفيش" الجنود في تلك المواقع وتهيئة المكان لسيطرة القاعدة، والتي يتعمدون استخدامها، في الحرب على الحراك الجنوبي في الساحة الجنوبية، من أجل تصفية الجنوب من قيادات العسكرية المقصية من الجيش الجنوبي السابق، ولضمان عدم ظهور أي توجهات اشتراكية مستقبلاً في الجنوب مهما يكن وضعها في مسألة الوحدة.   

روسيا تشير لضرورة محاربة الإرهاب في الجنوب  

نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف في لقائه مع المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد في موسكو يوم الإثنين 27/2/2017م وحديثه حول تصاعد النزاع اليمني، كان من ضمن ما يُقلقه بجانب الحصار وتصاعد العمليات العسكرية هو انتشار القاعدة؛ حيث أشار الجانب الروسي إلى ضرورة المكافحة الحازمة للتنظيمات الإرهابية المسيطرة على أراض شاسعة جنوب شرق اليمن. فيما لم يُشر الجانب الروسي إلى أي القوى التي عليها أن تحارب القاعدة؛ ليظل غامضاً رغم تمسكه بالموقف المناهض للإرهاب!([5])

تقاسم أدوار وعمليات نوعية

تدحرج الأحداث بعد عملية يكلا، وظهور التنظيم في لودر واستيلائه على شحنات أسلحة رداً على العملية، ما يستدعي رداً أمريكياً أخراً، كما تقتضي قواعد اللعبة تقاسم الأدوار فيها، وبالفعل نفذت قوات خاصة أمريكية في تاريخ 2/3/2017م، عمليات إنزال استهدفت مسلحي التنظيم، بخمسين جندياً نزلت في منطقة "مورجان" التابعة لمديرية "خنفر"  في محافظة  أبين، وتأتي بعد أسابيع من الاستيلاء على الأسلحة، ومضي شهر على عملية يكلا في البيضاء، وعمليات الإنزال هذه تعد العملية الثانية الكبرى في عهد الرئيس دولاند ترامب،  والأولى من نوعها، في محافظة أبين المعقل السابق التنظيم القاعدة. ورغم ذلك أعلنت القاعدة أنها أفشلت الإنزال، واشتبكت مع القوات الأمريكية التي اضطرت للانسحاب ثم ردت بالقصف الجوي والبحري، وقد يكون هذا الفشل متعمداً من أجل إنزال أمريكي أخر في صراع طرفين يستدعي وجود أحدهما وجود الأخر.([6])

ترامب يشيد بالعمليات في اليمن  

الرئيس الأمريكي في أول تعليق على عملياته في اليمن، أكد للكونجرس في 1/3/2017م، أن "العملية التي وقعت في اليمن "يكلا" كانت ناجحة، وجمعت معلومات حيوية ضدّ فرع تنظيم القاعدة هناك. وأضاف أن وزير الدفاع، جيمس ماتيس أكد له "أن الغارة ستقود إلى كثير من الانتصارات في المستقبل على أعدائنا".([7])    

وفي إثبات لتأكيدات وزير الدفاع، مطلع هذا الشهر، يوم الإثنين 6/3/2017م أعلنت الولايات المتحدة، أن طائراتها نفذت غارة جديدة على تنظيم القاعدة، ونقلت "رويترز" عن مسؤولين أمريكيين قولهم: "إن الجيش الأمريكي نفذ سلسلة من الغارات، بطائرات حربية وطائرات دون طيار، كما قامت في التاسع من هذا الشهر بغارة جوية بطائرة من دون طيار استهدفت مركبة لتنظيم القاعدة جنوب مديرية الوضيع بأبين.([8])

 التهافت الأمريكي على باب المندب والصراع الدولي 

 تصاعد العمليات الأمريكية يمكن قراءتها سياسياً في إطار الأعراف الدبلوماسية بمكافحة الإرهاب، إلى تصاعد القلق الأمريكي من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي يسيطر على أراضٍ واسعة في خضم الفوضى التي خلفها العدوان والحرب الداخلية المرتبطة به، فيما رؤية الصراع بشموليته، يقول إن النشاط الأمريكي المحموم يأتي في إطار مطامع الهيمنة على اليمن، وصراع القطبية الدولي، فوجود موطئ قدم للأمريكي في جنوب اليمن، وخاصة (باب المندب) يجعل موقعه متقدماً، وعلى حساب الصين وروسيا والهند والنمور الأسيوية، وهذه الأيام الأخيرة تشهد المنطقة الأسيوية توتراً حاداً على إثر أزمة تنصيب أمريكا لمنظومة صواريخ "ثاد" في كوريا الجنوبية، ضد كوريا الشمالية حليفة الصين الشعبية، التي قامت بتجربة صواريخ باليستية نووية.

التصريحات الأخيرة التي أطلقتها الاستخبارات الأمريكية عن خطر محدق بمضيق باب المندب الاستراتيجي، تؤكد هذا التوجه الأمريكي؛ حيث كشف تقرير للمكتب الأمريكي للمخابرات البحرية عن وجود ألغام زرعها "الحوثيون" وأنصار "صالح" في المضيق قرب مدخل ميناء المخا.([9])

الانطلاق من "كول" والعودة إليها

حماية الملاحة الدولية هي الذريعة الأولى لتدخل أمريكا في اليمن تحت عنوان "مكافحة الإرهاب"، بعد تعرض "المدمرة كول" للانفجار في مينا عدن في 12أكتوبر 1990، وفي 13/10/2016 هاجم الأمريكان سواحل اليمن في البحر الأحمر بذريعة أن البارجة الأمريكية "ماسون" الأمريكية تعرضت للهجوم من قبل القوات اليمنية في المياه الدولية. 

مثل هذه التصريحات التي تطلقها القيادة الأمريكية تكشف مدى التهافت الأمريكي على مضيق باب المندب، وتُعد مثل هذه التصريحات، تمهيداً لدور أمريكي أكبر في اليمن، التي غدت مؤخراً الساحة الأولى للتحركات العسكرية الأمريكية، كما لا يستبعد أن تسعى أمريكا ودول "التحالف"، لوضع باب المندب في إطار حماية دولية، فيما هو جزء من السيادة الوطنية، أو أن تقيم فيه قاعدة عسكرية، وتشترك في العدوان بقوة أكبر وبشكل مباشر؛ فإضافة إلى محاربة القاعدة ستدخل تحت عنوان حماية الملاحة الدولية ما يعطيها تعاطفاً دولياً في قداسة حق مرور الملكية الخاصة لدى نظام العولمة الذي يعتبر توقف تدفق سلعه العابرة للقارات شيء لا يُحتمل، وفي إشارات متجددة لهذا التوجه، دعا السفير الأمريكي السابق في اليمن جيرالد فايرستاين في جلسة منعقدة لمجلس النواب الأمريكي 11/3/2017م إلى دعم ما أسماه بتحرير ميناء الحديدة، الذي يقع في نطاق قوات الجيش واللجان الشعبية.([10])

حماية الملاحة البحرية ذريعة استعمارية عريقة 

"حماية الملاحة الدولية وتأديب الخاطئين" استخدمت كذريعة في غزو عدن 1893، كانت الذريعة هي التمرد والإساءة اليمنية في التعامل مع طاقم سفينة انجليزية متحطمة على الساحل بالقرب من عدن. بينما الحقيقة هي رغبة بريطانيا في السيطرة على الميناء الجيد الوحيد بين الهند ومصر واستخدامه كمحطة للفحم لتتزود سفننا منه".([11])

الحرب الأمريكية - الإسبانية التي كانت أول حرب أشعلتها أمريكا في حقبتها الامبريالية عام 1898 ضد إسبانيا من أجل السيطرة على كوبا، كانت ذريعة أمريكا حينها أن سفينتها تعرضت لعمل إرهابي في ميناء هافانا في 15فبراير 1898، فحُمل الإسبان مسؤولية الانفجار!!.

 ونفس الذريعة أطلقتها أمريكا في الخمسينات حين شنت العدوان على فيتنام، فقد تذرعوا بأن بارجة لهم تعرضت للهجوم عند سواحل فيتنام الشمالية. ومن الخطوات التي يُستشف منها دور أمريكي أكبر للتدخل في جنوب اليمن، هو اتخاذ اللواء الرابع إسناد التابع لهادي أمراً بخفض قوات الحزام الأمني بنسبة 50%، وهو ما سيؤدي إلى تمكين القاعدة من هذه المناطق في ظل تصاعد عمليات القاعدة في أبين ولحج.([12])

النفط اليمني ووزير الدفاع الأمريكي       

أبعاد العمليات الأمريكية الأخيرة هي مطامع استعمارية، فبجانب السعي للهيمنة على باب المندب بإقامة قاعدة عسكرية على جزيرة "ميون"، أو تدويله لإخراجه من السيادة اليمنية ووضع قوات دولية فيه، يأتي المطمع الآخر وهو النفط في حضرموت وشبوه، وليست مصادفة أن وزير الخارجية الأميركي الجديد ريكس تيلرسون يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة "إكسون موبيل النفطية"، والتي تُعتبر خامس أكبر شركة أمريكية، وهو نفسه الذي عمل رئيساً لفرع الشركة في اليمن من عام 1995 وحتى 1998، وقد أطلق تيلرسون خلال جلسة استماع في الكونغرس مخصصة للتصديق على تعيينه في منصبه، تصريحاتٍ تساند دورًا أميركيًا أكبر في دعم حكومة الرئيس هادي([13]).   

 


-[1] نشر خبر وصول قوات أمريكية الى اليمن في وكالة  CNNالأمريكية.

[2] - (سبونتيك) خبر مقتل قيادي في القاعدة بغارة أمريكية في اليمن.

[3] - نقل خبر عملية البيضاء في وكالتي: رويترز وفرانس برس.

[4] - خبر إعدام تنظيم القاعدة لضابط من قوات حماية هادي نُشر في سبونتيك.  

[5] - نشر خبر لقاء ولد الشيخ مع بوغدانوف في سبونتيك.

[6] - نشر خبر عملية الإنزال الامريكية في أبين وفشلها، في وكالة سبونتيك.

[7] - نشر خبر تصريح الرئيس ترامب المشيد بالعمليات في اليمن في موقع (العربي)

[8]-  نُشر خبر الغارة الأمريكية من دون طيار على مركبة للقاعدة في منطقة الوضيع أبين في موقع "الوضيع نت".

[9] - نقل خبر التحذيرات الامريكية بوجود الغام في باب المندب في مقدمة على قناة روسيا اليوم العربية/ شوهد في6/3/2017م.

[10] - نقل خبر تصريح السفير الأمريكي السابق في موقع وكالة مرصد للأنباء.

[11] - ورد الحديث عن طبيعة غزو بريطانيا لعدن في كتاب حاكم عدن السير توم هيكنبوثام. ترجمة د. منال سالم حلبوب، رقم الإيداع بدار الكتب صنعاء 482،  2014م، ص33.   

[12]- نُشر خبر تخفيض قوات الحزام الأمني التابعة لهادي في الجنوب في موقع الأمناء نت.

[13] - عادل الأحمدي، "اجتماع الرباعية حول اليمن في ألمانيا: تحريك الجمود السياسي"، العربي الجديد، 17 فبراير 2017.

 

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة