Logo dark


حكومة الإنقاذ الوطني " حكومة بن حبتور " أبرز أوجه الاختلالات وتصور الحل (رؤية عــــامة)

( رئيس مركز الرصد الديمقراطي , alsharafi.ca@gmail.com )

تمهيد

جاءت حكومة الإنقاذ الوطني كنتيجة لاتفاق المجلس السياسي الأعلى بين المؤتمر الشعبي العام وأنصار الله، وهو اتفاق تطلب تخلي أنصارالله عن الإعلان الدستوري الذي أديرت في ظله المناطق الخاضعة لسلطة المجلس السياسي اليوم، بحالة ثورية تحت سقف اللجنة الثورية العليا، وتبعاً لاتفاق المجلس السياسي الأعلى تم التحول إلى الإدارة وفقاً للدستور والنظم والقوانين النافذة لإدارة الشأن العام، وتفعيل دور مؤسسات الدولة وعلى رأسها مجلس النواب.

تأخرت تسمية حكومة الإنقاذ عن الموعد المفترض الذي كان يجب أن يتبع إعلان اتفاق المجلس السياسي وموافقة مجلس النواب عليه، إذ لم يُعلن عن تشكيل الحكومة وإخراجها إلى الضوء إلا بعد أربعة أشهر تالية لاتفاق المجلس السياسي، وصدر قرار تشكيلتها بتاريخ 28 نوفمبر 2016.

التسمية والمهمة:

لم تكن تسمية الحكومة بحكومة الانقاذ تسمية عفوية، بل كانت تعبيراً عن المهمة التي ستتولاها هذه الحكومة، والتي مثلت بحق مهمة إنقاذ وطني للوضع في مختلف جوانبه، فقد أخذت المناطق الخاضعة لسلطة اللجنة الثورية العليا تعاني شللاً وزارياً، وهو المستوى الأول للإدارة واتخاذ القرارات التنفيذية لمهام مختلف الوزارات، نظراً لغياب المستوى الوزاري الناتج عن الأزمة السياسية التي دخلت فيها البلد، والتي وصلت فيها الأمور لشن التحالف السعودي حربه العدوانية على اليمن، وأسفر عنه:

- غياب المستوى القيادي الوزاري الأول عن إدارة الشأن العام في مختلف جوانبه.

- تردي وانهيار الخدمات العامة بشكل عام، وصولاً للانعدام الكامل لعدد من الخدمات كالكهرباء والمياه وغيرها.

- ارتفع مطلب المواصفات في الإدارة بشكل عام نتيجة الأزمة السياسية التي دخلت فيها البلد ، ثم ضاعف من ذلك العدوان الذي شن على البلد وما ترتب عليه من أوضاع سلبية سياسية واقتصادية وخدماتية و أمنية وعسكرية وإنسانية .

- سحب السيولة من السوق ونقل البنك المركزي و بدء ظهور حالة عجز الدولة عن الوفاء بالمرتبات.

- خروج عدد من الأوعية الإيرادية عن سلطة اللجنة الثورية .

- محدودية الجهد الإداري للجنة الثورية عن الوفاء بإدارة مختلف جوانب العمل الحكومي في ظل عدم تشكلها بأوعية متوائمة مع حجم العمل الذي تصدت له بعد غياب الرئاسة والحكومة و البرلمان .

طول فترة العدوان وأولوية مواجهته ، والحاجة الملحة لمواجهة آثاره ، فرضت توزع الأدوار لمواجهة العدوان في مختلف الجوانب ، وتوحيد تلك الجهود وتوسيع المشاركة في اتخاذ القرار ، والحاجة لإغلاق واحدة من أخطر نقاط الضعف التي استخدمها العدوان بشكل مباشر ومركز لشق صف الأطراف والقوى المواجهة للعدوان ، وغير ذلك من العوامل التي في ظلها استدعى الوضع في البلد لعملية إنقاذ ، عبر عمل منظم وواسع ومؤسسي ومبرمج لمواجهة كل ذلك ، والتخفيف من الآثار السلبية وتذليل الصعوبات وتحفيز الفرص ، وهو أمر كان لابد أن يتم من خلال حكومة تشكل لمهمة خاصة ترتكز عليها مهمة الإنقاذ ، وهو الاسم الذي حملته الحكومة التي شكلت برئاسة عبدالعزيز بن حبتور .

حكومة الإنقاذ و الخلل البنيوي :

مهمة كإنقاذ الوضع في البلد هي مهمة تتطلب حسابات في مختلف الاتجاهات ، وأن تصمم بنية هذه الحكومة بما ينسجم مع تلك الحسابات الهادفة لإخراج حكومة مؤهلة للنجاح في مهمتها النوعية ، ولذلك مثل إعلان تشكيلة بن حبتور مفاجئة غير متوقعة في ظل مهمتها ، وكان أول اختلالاتها هو في جانب البنية كماً وكيفاً .

غلب البعد السياسي على النظرة لتشكيلة الحكومة بشكل كامل ، وجاءت الحكومة كحكومة موسعة لا تحمل غير سمة توسيع المشاركة للمكونات والمفترضات السياسية والاجتماعية الممثلة فيها ، ولا تتناسب مع المرحلة التي ستعمل في ظلها ، والتي كانت تتطلب حكومة بأقل عدد ممكن من الحقائب مراعاة للوضع الاقتصادي والإداري الذي تمر به البلد ، وخصوصاً أن تغليب الحسابات السياسية والاجتماعية لم تحمل مترتبات إيجابية عليه ، فالمعروف سلفاً أن هذه الحكومة لن يعترف بها خارجياً ، لاعتبارات الملف اليمني ككل ، ولتركيبة العملية السياسية التفاوضية التي تقتصر على مكونين هما المكونان الفاعلين على الواقع  في الساحة الوطنية ، وايضاً لنوعية الشخصيات الاجتماعية التي اختيرت والتي لها تمثيل اعتباري في الغالب وليس مجتمعي ، وبالتالي فتغليب البعد السياسي والاجتماعي لتشكيلة الحكومة ، هو عبء فقط وليس له بُعد إيجابي على الاطلاق ، وحتى لو سلمنا بوجهات نظر لا تتفق معنا في هذا الطرح ، فيما يتعلق بالبعد السياسي و الاجتماعي في تشكيلة الحكومة ، يظل عدم تصميم الحكومة بدائرتين الأولى الحكومة الموسعة لضمان البعد السياسي والاجتماعي ، والثانية حكومة مصغرة تتواءم مع متطلبات المرحلة .

طبيعة المهمة التي أعدت لها حكومة الإنقاذ ، هي مهمة خاصة ، فما ذكر أعلاه من العوامل ، تُعد أول ثقل سيقع على عاتقها ، ويضاف إليه ثقل تركة المشكلات التي كانت تواجهها الحكومات خلال مراحل ما قبل العدوان على البلد ، علاوة على ذلك ثقل انزلاق ملف الأزمة في اليمن إلى مرحلة التجاذب الإقليمي والدولي بشكل مباشر ، وهو ما كان يفرض أن تتمحور تشكيلة الحكومة حول بعد الكفاءة أو التكنوقراط ، باختيار أفضل الكفاءات  المتاحة لمناطق سيطرة المجلس السياسي، والقادرة على مواجهة كل تلك المصاعب ، وتطويعها عبر برامج مصممة لبلوغ الأهداف ، لكن المراجعة لجانب الكفاءة كمؤهلات وتخصصات وخبرات وأحياناً قدرات في تشكيلة الحكومة ، يمكن الحكم بأن تشكيلة الحكومة فشلت في هذا الجانب كذلك .

طغت الحسابات السياسية على الجانب البنيوي لحكومة الإنقاذ بشكل كامل، ما تسبب بتصادم حكومة الانقاذ مع متطلبات المرحلة، وعدم تناسبها مع فرضيات مهمتها، سواءً من ناحية عدد حقائبها، أو من ناحية كفاءة من أسندت إليهم أكثر الحقائب وفقاً لمبدأ المؤهل والتخصص والخبرة وحتى تحري النزاهة أحياناً.

حكومة الانقاذ وبرنامج الانقاذ:

أعدت حكومة الإنقاذ برنامجاً وبموجبة نالت الثقة من مجلس النواب، وقد وضعت فيه أربع عناوين عريضة لعملها هي:

1ـ مواجهة العدوان ومعالجة آثاره.

2ـ السياسات الاقتصادية والمالية والإصلاحات المؤسسية.

3ـ الخدمات العامة والبنية التحتية.

4ـ السياسة الداخلية والخارجية.

ووضعت حكومة الإنقاذ تحت كل عنوان من العناوين الأربعة السالفة عدداً من المهام التي ستقوم بتنفيذها، إلا أنها لم تنجح بتنفيذ أي منها إلا بنسبة ضئيلة جداً لا تتعدى الـ 15% من واقع برنامجها، ومن ضمن هذه النسبة ما يصعب نسبته للحكومة أو أنه تحقق دون استكمال العمل عليه، ليتم جني إيجابياته لصالح الوضع العام.

وبالطبع الحديث عن هذه النسبة 15% هي التي تحققت من برنامج حكومة الإنقاذ هو مؤشر إخفاق ذريع ولا يمكن تبريره.

حكومة الإنقاذ والسيطرة الكاملة على إدارة الشأن العام:

تسلمت حكومة الإنقاذ إدارة الشأن العام بعد فترة من إدارة البلد من قبل اللجان الثورية، وكان من الطبيعي لقيام حكومة أن تفرض سيطرتها على مختلف الأنشطة والأعمال ذات العلاقة بالشأن العام، بمختلف صوره سياسياً واقتصادياً وخدمياً وعسكرياً وأمنياً واجتماعياً وغيره، مما يعتبر من مهام الحكومات لكن هذا الأمر لم يحدث على الواقع، فلازال هناك العديد من الجوانب خارج سيطرة الحكومة، وهذا الأمر له صور متعددة منها:

1. بقاء صلاحيات ومهام حكومية تديرها وتتحكم فيها قوى نفوذ خارج إطار الحكومة.

2. بقاء صلاحيات ومهام حكومية تديرها أطراف ليست شاغلة لموقع وظيفي، أو شاغلة تحت سقف الوزراء، وتديرها بعيداً عما يفرضه النظام والقانون لإدارة تلك الأنشطة.

3. بقاء أنشطة حكومية تدار من قبل عدد من أعضاء الحكومة بعيداً عما يفرضه النظام والقانون.

وكان من واجب حكومة الإنقاذ أن تتبنى عملية تحولية للانتقال من الإدارة عبر اللجان الثورية إلى الإدارة عبر الحكومة، قبل أن تدخل مرحلة الإدارة النمطية، وهو أمر لم يحدث بشكل كامل ولا حتى بقدر وازن.

حكومة الإنقاذ والشلل البرامجي:

كانت المهمة التي تصدت لها حكومة الإنقاذ مهمة خاصة، نظراً للعدوان الذي استهدف ولازال يستهدف البلد، وآثاره وتركة المشكلات الموروثة من المراحل السابقة، وتركة المشكلات المترتبة على الأزمة السياسية في البلد، وهذا الأمر بطبيعته يفرض على الحكومة أن تتبنى أسلوب برامج الأداء الخاصة، التي تصمم لمواجهة المشكلات المترتبة على تلك العوامل، والتي تجعل من النشاط النمطي للحكومة هو النشاط الاستثنائي وليس الرئيسي.

وهذا الأداء البرامجي كان يتطلب من الحكومة التوجه لتحديد معالم المهام التي هي بصددها بشكل واضح، وتصميم الحلول وبرمجتها وتوجيه الاداء باتجاهها، وصولا للنتائج المرجوة منها، ولكن لم يسجل للحكومة أي برنامج خاص لمواجهة أي الآثار المترتبة على تلك العوامل.

ومن أمثلة المهام الخاصة التي كان يجب أن تحظى ببرامج خاصة للحكومة وتحظى باهتمام حثيث، برنامج التحول الى الإدارة الحكومية، أزمة المرتبات، إدماج الكفاءات في مختلف التخصصات، تفعيل الدور الرقابي، أزمة الخدمات، والمتطلبات الأساسية للمجتمع، وغير ذلك كثير.

حكومة الإنقاذ وشلل الإرادة الحكومية "تحجيم بُعد السلطة ":

بمقابل خلل عدم السيطرة الشاملة، يأتي خلل تحجيم السلطة، فما تعمل في ظله الحكومة من مهام، هو ما أتيح لها التعامل معه من أعمالها الروتينية، بينما لم تحاول أن تمد سيطرتها في سبيل فرض وتفعيل سلطتها لتشمل مختلف جوانب الاختصاص الحكومي، وهذا الأمر هو عرض لسببين:

أولهما: عدم نفاذ الإرادة السياسية.

والآخر: سلبية وعدم كفاءة الوزارة ذاتها.

ولذلك فما تعتبر الحكومة أن لها سلطة عليه هو جزء فقط من مهامها، بينما تبقى مساحة واسعة يفترض إخضاعها ضمن سلطة الحكومة تبعاً للدستور والقوانين النافذة، لا اعتناء لها به، ولا توجه لاستعادته الى دائرة سلطتها، باعتبار أن ذلك هو وضعه الطبيعي.

حكومة الإنقاذ وفقد بُعد المسئولية:

بمقابل السلطة هناك المسئولية فالدولة ككل والحكومة جزء منها، هي شخصية اعتبارية تتولى سلطة الإدارة للشأن العام، بمقابل مسئولية على استخدام هذه السلطة بما يحقق الصالح العام.

بُعد المسئولية يمثل أوعية إدارية أخرى ضمن جسم الدولة ، وأول وعاء للمسئولية الذي يفترض أن تستشرها الحكومة هو المجلس السياسي فهو السلطة التنفيذية الأعلى ، والتي لها حق المسائلة للحكومة، ومتابعة إنجازها لالتزاماتها، لكن الواقع أن المجلس السياسي هو ذاته يواجه عوائق أمام ممارسته لسلطته التي تنعكس كمسئولية للحكومة، أيضاً الأجهزة الرقابية والأجهزة العدلية التي يفترض بها أن تؤدي دوراً في إشعار الحكومة بالمسئولية، وهي أيضاً غير فاعلة ، ولها صور اختلالات جوهرية ، وبالتالي لا شعور بمسئولية أمام هذه الأجهزة، كذلك مجلس النواب هو أحد الأوعية الرسمية ذات العلاقة ببعد المسئولية الواقعة على الحكومة، فمن حقه استدعاء الحكومة و مسائلتها عن أدائها ، لكن مجلس النواب هو كذلك يحمل من الاختلالات ما يجعل سلطته هذه معطوبة ، ولا تشعر الحكومة بأي مسئولية توجهها أمامه ، كذلك الإعلام ومنظمات المجتمع المدني ، هي من الأوعية التي لها حق مراقبة الأداء الحكومي ، وهي بدورها تعاني اختلالات معطلة مثلها مثل الأوعية الرسمية ، ولا تشعر الحكومة بأي مسئولية قد تواجهها نتيجة دور الإعلام ومنظمات المجتمع المدني .

على ذلك فالحكومة لا تواجه أي مسئولية في أي اتجاه ومن أي مستوى كان، وبالتالي فالحكومة أمنت تماماً من أي مسائلة أو متابعة من أي اتجاه أو أي مستوى، وهو أمر يفقدها فاعليتها وتحريها والتزامها بوظيفتها والتزاماتها بشكل كامل، بل يسهم في التحول إلى تغليب المصلحة الذاتية والمصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة، وأحياناً ضرب المصلحة العامة بتعمد.

حكومة الإنقاذ وعدم الانسجام بين مكوناتها الإدارية:

أصبحت حالة عدم الانسجام بين مكونات الإدارة الحكومية حالة واضحة ومتكررة من عدم الالتزام بالتدرج الوظيفي، وعدم الالتزام بالأداء وفقاً لمبدأ المهام والتخصصات، وإهمال مرافق وأنشطة بالكامل، وقد بلغت حالة اللاانسجام إلى سجالات بين قيادات المرفق الواحد، وسجالات بين المرافق المتوزعة على طرفي الشراكة.

حكومة الإنقاذ وشلل الإرادة السياسية:

تمثل الإرادة السياسية بالنسبة لحكومة الإنقاذ أحد المتطلبات الهيكلية للعمل ، باعتبار أنها أمام مهمة تحولية ، والإرادة السياسية تتمثل من ناحية البنية الإدارية في قرار المجلس السياسي ، لكن خلف الواقع يظل المجلس السياسي هو ذاته يعني من عدم التجسد الكامل للإرادة السياسية في قراره ، فهناك قدر كبير من هذه الإرادة لا زال متجسداً في قيادات  المكونين الشريكين الأساسيين المؤتمر وأنصار الله ، وهما بدورهما يعانيان من عدم نفاذ الإرادة السياسية ، فكثير هي الاتفاقات والتوجيهات التي صدرت عنهما للالتزام بالعمل المؤسسي والالتزام بالنظام والقانون ، ومتطلبات اتفاق المجلس السياسي ، لكن هناك عوائق كبيرة تمنع الحكومة ومن قبلها المجلس السياسي من تجسيد الإرادة السياسية واقعاً ، لوجود صور نفوذ لا تتعاطى مع التوجيهات ، ولا تستجيب للهيكلية وتدرج السلطة ، وهو ما يسهم في تعطيل دور الحكومة بشكل كبير .

حكومة الإنقاذ وشلل الكفاءة:

لم يراع بُعد الكفاءة منذ البداية ، وغلب البعد السياسي عند تشكيل الحكومة ، وضاعف ذلك من فشل تفعيل المؤسسات ، وهو أمر متعلق مباشر بكفاءة الإدارة فجزء كبير من الأداء يتم وفق تقديرات يغلب عليها بُعد الشخصنة على حساب المؤسسية ، بمعنى أن كل المنظومات الإدارية المتوفرة - على علاتها -  التي يفترض بها أن تسهم في صياغة القرار و إنفاذ المهام مجنبة ، ويتم الاعتماد على تصورات ذاتية للإدارة ، ما يهدر قدر كبير من فرص النجاح و الفاعلية ، كما أن هناك عمل يتم لرفد الإدارة بالكادر الإنساني هو ذاته مشكلة تضاف الى مشاكل الإدارة ، فلم تسجل حتى حالة واحدة من الاختيار بناءً على المؤهلات و التخصصات و الخبرات ووفق مبدأ المفاضلة ، بل يتم التعيين وفقا لمبدأ الولاء أو الشلية ، وعلى حساب الحاجة الملحة للكفاءات لمواجهة المشكلات ووضع الحلول العلمية لها.

حكومة الإنقاذ وعدم الفصل بينها كحكومة وبين دور المكونات الشريكة:

لم تنجح الحكومة من أن تقوم كحالة حكومية عامة تمثل القانون والنظام العام ، كمنفذ ومرجع للفعاليات ذات الصلة بالأداء الحكومي ، دون التأثر بالسجالات بين المكونات السياسية الشريكة ، التي لازالت مواقفها هي التي ينظر اليها باعتبارها المؤثر الفعلي في الوضع العام ، وليس الحكومة التي كان من الواجب أن تحتكر التأثير في الوضع العام ، وتحكم عبر مؤسساتها حتى السجالات والخلافات بين المكونات السياسية الشريكة ، ولازالت سمات الجنوح بهذا الاتجاه أو بذاك ، ظاهرة على الأداء العام سياسياً واقتصادياً وإعلامياً وأمنياً وعسكرياً وغيره .

حكومة الإنقاذ وأزمة نقل البنك المركزي والسيولة:

مثل نقل البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى عدن ضربة بحق الوضع الاقتصادي ، ومع أن ما تم هو قرار بالنقل لم يصاحبه نقل أموال ، إلا أن أثره كان كبيراً فيما يتعلق بالائتمان ، وهو ذو أثر أيضاً على السيولة ، فما ترتب على قرار النقل هو وضع البنك المركزي في موضع تشاد سياسي ، وبالتالي مثل ذلك نفور لرؤوس الأموال الخاصة ، وضاعف من تسرب الأموال من النظام المالي ، نتيجة هز ثقة رؤوس الأموال بالمؤسسات المالية ، ما دفعهم لسحب أموالهم من المؤسسات المالية وتفضيل الاحتفاظ بها ، أو بالقدر الأكبر منها خارج النظام المالي ، وهو ما حرم الاقتصاد من كثير من صور الاستثمار و العوائد و التشغيل الائتماني للأموال ، وكذا تحول السيولة من النظام المالي العام إلى أنظمة مالية خاصة ، ما ورث عدم قدرة الحكومة على الوفاء بقدر كبير من التزاماتها النقدية تجاه موظفيها ، والتزاماتها بمقابل فائض سيولة في الأسواق ، ظهر في شكل توسع كبير وغير منظم لمحلات الصرافة والتحويلات والتعاملات المالية المباشرة دون توسيط النظام المالي فيها .

أمام خطوة كنقل البنك المركزي ومحدودية السيولة، كان من واجب الحكومة أن تتبنى برنامج يعزز الثقة لدى رؤوس الأموال في المؤسسات المالية، بما يشجع على عدم سحب أموالهم منها والاعتماد عليها في معاملاتهم، لكن لم تحاول الحكومة فعل أي شيء تجاه هذا الأمر، ما حرم الاقتصاد من الأثر المباشر للأموال، ومن الأثر الائتماني لها، والذي يمثل بحسب نسبة الاحتياطي القانوني في الجمهورية اليمنية عشرين ضعفاً بمقابل الأثر المباشر.

حكومة الإنقاذ وأزمة الخدمات:

كانت الخدمات هي أحد التزامات حكومة الإنقاذ في برنامجها ، وهي أيضاً أول مهام أي حكومة كانت ، إلا أن حكومة الإنقاذ لم تحاول عمل شيء ، فلازالت المياه مقطوعة عن المنازل والكهرباء ذات الشيء ، والغريب هو التحول لحالة من الخصخصة للخدمات كما يسمى بالخط الساخن الذي شغلته وزارة الكهرباء بأسعار استثمارية ، مع أنها تتلقى دعم للوقود ، وكذلك الصحة فالمستشفيات و الوحدات الصحية تقدم خدمات متردية ومنها ما توقف تماماً كمراكز غسيل الكلى في الحديدة على ما لذلك من مخاطر تصل إلى الوفاة لمحتاجي الغسيل ، التعليم أيضاً لم تعمل الحكومة على حل مشكلة مرتبات المدرسين ، وبعد توقف العملية التعليمية لازالت تتعامل بحلول جزئية ، لاتزال احتمالات عدم نجاحها قائمة ، ما يعرض استمرار العملية التعليمية للتوقف من جديد .

حكومة الإنقاذ وسوق النفط:

سوق النفط هو أهم الأسواق التي تحتاج لمعالجات، فما سمي بـ "تعويم النفط" الذي تم في عهد اللجنة الثورية تسبب في كسر احتكار الدولة لتسويق المشتقات النفطية لصالح تجار محددين محتكرين لسوق المشتقات، وليس لصالح منافسة حقيقية بين التجار بما يحقق كسر كامل للاحتكار الذي يسهم في ضبط السوق.

باتفاق المجلس السياسي كان يفترض أن يتوقف أسلوب العمل وفق ما سمي بقرار التعويم، أو ضبط السوق بما يحقق كسر كامل للاحتكار، أو في أدنى مستوى أن يتم الالتزام بتسعير شركة النفط للبيع، لكن كل ذلك لم يتم ولازال حال سوق النفط بيد كبار تجار النفط، يتحكمون في العملية بشكل كامل دون أي ضوابط تحفظ حق الدولة في تجارة المشتقات، أو تحفظ البيع للجمهور بالسعر العادل

حكومة الإنقاذ وأزمة المرتبات:

عجز الحكومة عن دفع المرتبات مشكلة غاية في التأثير سلباً على الموظفين وأسرهم وعلى المجتمع ككل ، وهي واحدة من المشكلات التي كان الواجب أن تواجهها حكومة الإنقاذ بجدية كاملة لتلافي آثارها ، لكن الغريب أن الحكومة لم تعتني بالأمر مطلقاً ، ولم تشكل فريق يعنى بوضع المعالجات لهذه الازمة ، ومع أن دفع المرتبات كان أحد متضمنات برنامج الحكومة ، واحد أشهر وعودها إلا أنها لم تحاول فعل شيء ، فلم تتبنى رؤية لتحفيز الإيرادات ، بل أنها لم تعمل على ضبط وضمان وصول الإيرادات المتاحة ابتداء ، ولم تحاول أن ترتب أولويات الصرف بما يضمن إعطاء المرتبات الأولوية بين أوجه الصرف التي توجه لها الأموال المتاحة .

حكومة الإنقاذ والدور في العملية التفاوضية:

العملية السياسية التفاوضية واحدة من مهام الحكومة التي كان الواجب أن تعمل الحكومة على التوصل لآلية عمل توحد الموقف الوطني تجاهها، لكن التضارب وعدم واحدية الموقف وصولاً لتضارب الخطوات، لازال قائماً بشكل يضعف الموقف الوطني، بل ويمثل مدخلاً واسعاً لاستهداف الجبهة الداخلية، بتوظيف مفارقات المواقف تجاه العملية التفاوضية.

حكومة الإنقاذ والمؤشرات المجتمعية: 

انعكاسات حالة العدوان التي تشن ضد البلد على المستوى الاجتماعي غاية في الخطورة، فجميع النسب للآثار السلبية المجتمعية في تزايد، من نسب الطلاق والتفكك المجتمعي، إلى نسب النزوح، إلى نسب الجريمة، إلى نسب التسرب من المدارس وغيرها من الصور المجتمعية السلبية، والتي لم تحاول الحكومة أن تقوم إزاءها بما يمكن من مواجهتها والحد منها.

حكومة الإنقاذ ومواجهة الفساد:

مهمة إيقاف أو الحد من الفساد هي إحدى المهام المحورية للحكومة، باعتبار ما يترتب على الفساد من آثار هيكلية على الوضع العام في البلد، بمختلف اتجاهاته وفي ظل مؤشرات مستوى الفساد الذي أوصل الوضع لما هو عليه، ويمكن القول إن أثر الفساد بات يفوق أثر الإرهاب وكان يحتاج من الحكومة جهد مركز في هذا الاتجاه لمواجهة الفساد مالياً وادارياً وقانونياً بمنظومة إجراءات إدارية ومحاسبية ورقابية وعدلية.

وبالطبع تظل هناك أجهزة مختصة بهذه المهمة - على علاتها -  لكن ذلك لا يمثل بديلاً لدور الحكومة في هذا الجانب، فالحكومة هي المنفذ، والفساد هو يتم قبل وأثناء التنفيذ، بينما مهمة الأجهزة الرقابية - في ظل وضعها الحالي - هي رصد الفساد بعد وقوعه.

فلم تتخذ الحكومة أي خطوات لتأهيل وتفعيل إدارات الرقابة والتفتيش في الوحدات الإدارية التابعة لها، ولم تحاول فرض مستوى مقبول من الشفافية، ولم تضع نظام تقارير أداء ملزم، ولم تجد في متابعة القضايا الموثقة من أجهزة الرقابة ومنها ما هو محال للأجهزة العدلية، كما لم تحاول التوجه للجانب التشريعي بما يحد من الفساد، ولم تضع آلية للتنسيق مع الأجهزة الرقابية المختلفة.

حكومة الإنقاذ والموازنة العامة للدولة:

الموازنة العامة للدولة هي برنامج العمل بلغة المال للدولة والحكومة، وبالنظر لملابسات الوضع الذي تمر به البلد لم تُعد الحكومة موازنة عامة للدولة، وأعدت ما سمي ببرنامج الإيراد والإنفاق وقدمته لمجلس النواب للتصويت عليه، وأصبحت ملزمة بتنفيذه، لكن التنفيذ على الواقع لم يتم على ما أعد في ذلك البرنامج، وفي كلا جانبيه الإيراد والإنفاق، ولم يكن حتى نسبة الانحراف بين البرنامج وبين الواقع في الحدود المنطقية، ما يعني فشلاً ذريعاً في الأداء المالي للحكومة.

ولم تتمكن الحكومة من ضبط الإيراد -  فضلاً عن تفعيله - ليصل إلى وعاء حكومي واحد "البنك المركزي"، ولم تتمكن من ضبط الإنفاق وفق جدولة متناسبة مع متطلبات المرحلة التي يمر بها البلد.

حكومة الإنقاذ والكادر الوظيفي العام ومستوى استحقاقات الشراكة:

مهمة الإصلاح في الكادر الوظيفي هي إحدى المهام التي كان يجب أن تعتني بها الحكومة للإصلاح الإداري والإصلاح المالي كذلك ، لكن لم تقم الحكومة بأي عمل في هذا الاتجاه لمراجعة و تنقية الكادر العام للدولة وتخليصه من الازدواج والوهمي ، وتسوية الأوضاع الوظيفية إدارياً ومهنياً ، كما لم تلتزم بوقف الخلل عند حده بل أضافت الحكومة اختلالات إلى الاختلالات السابقة في جانب التوظيف والتعيين والترقيات دون معايير قانونية على الاطلاق ، وبصورة فجة أحد صورها تجاوز الألاف من المسجلين في الخدمة المدنية منذ سنوات عدة لصالح توظيف الولاء والشللية وشراء المواقف ، وكذلك عدم مراعاة الحكومة والمرحلة للكفاءة في الكادر المضاف عند الضرورة .

أضف إلى ذلك اصطحاب خلل التقاسم بين شريكي السلطة لكل المستويات الادارية، مع أن الحق لهما كشريكي سلطة هو في إطار السلطات العليا "مجلس سياسي، ومجلس وزراء "، وما دون ذلك من المستويات الإدارية لاحق سياسي فيه، ويجب التزام النظام والقانون للوظيفة العامة والترقيات والتعيينات.

حكومة الإنقاذ وملف المحافظات الجنوبية:

ملف المحافظات الجنوبية الخاضعة لإدارة احتلال ، هي جزء من أرض الجمهورية اليمنية التي في ظل الأزمة السياسية في البلد تعتبر حكومة الإنقاذ حكومة لكل محافظات الجمهورية ، ورغم العوائق الجوهرية التي يمكن تفهمها بالنسبة لحكومة محسوبة على طرف من أطراف الملف اليمني ، إلا أن الحكومة لم تقم بأي دور في حدود الممكن باتجاه تلك المحافظات ، فلم تسجل لها مواقف رسمية تجاه الأحداث المعتملة في تلك المحافظات ، ولم تحاول مخاطبة الجهات الدولية أو تحديد موقف معلن من احتلال الجزر اليمنية ، وما يتم في مختلف محافظات الجنوب من انتهاك سيادة وسلب وتجريف ثروات ، ولم تحاول تفعيل صوت المكونات الجنوبية المتواجدة في المحافظات الشمالية للتأثير على واقع تلك المحافظات ما أمكن ، ولم تضع خصوصيات وضع تلك المحافظات ضمن أجندتها التفاوضية .

حكومة الإنقاذ والبنك المركزي اليمني وتدهور سعر العملة الوطنية:

مشكلة البنك المركزي هي إحدى المشكلات الجوهرية مالياً واقتصادياً، فوضع البنك المركزي هو أحد المنفرات لنجاح الحكومة في جمع الإيراد إلى وعاء واحد - توريد جميع الإيرادات للبنك المركزي - وهو أيضاً أحد أسباب انفلات سوق المال وانخفاض سوق العملة.

وهذه المشكلة تحتاج لتوليفة من الأدوار ، في مقدمتها المجلس السياسي ثم الحكومة ومجلس النواب ، والرفع بالمشكلة و المطالبة بحلها كان يجب أن يكون أحد مهام الحكومة الملحة للتبعات الخطيرة لاستمرارها ، فلم تقم باقتراح التشريعات الخاصة بالمرحلة التي تجاوز بواسطتها إشكالية نقل البنك المركزي ، ولم تقم الحكومة بجدولة ملزمة للإنفاق ، ولم تتمكن من فرض توجيه الإيراد العام إلى البنك المركزي ، كما لم تتمكن من توجيه موارد الاحتياطي إلى البنك المركزي لمواجهة فقد الاحتياطي العام ، بما يسهم في الحد من تدهور  سعر صرف الريال ما أمكن ولحفظ الحق العام المترتب على حيازة النقد الأجنبي في البنك المركزي . 

مهمة طوارئ والحل المطلوب لإنجازها:

مما سبق يتضح أننا أمام خلل أوسع من حكومة الإنقاذ، وخللها هو جزء من كل، ومن هذا المنطلق يجب النظر إلى مسألة الحل المطلوب لمعالجة خلل الحكومة، كي يتحقق للبلد حكومة مؤهلة لإنجاز مهمة طوارئ فاعلة، تسهم في انتشال البلد من مخاطر الانهيار الشامل، وتجيد توظيف الفرص المتاحة وتعزز من الصمود ومن فاعلية مواجهة العدوان

على ذلك فإن الحل المطلوب يجب أن يسير وفقاً للخطوات التالية: -

أولاً: برنامج تحولي

يجب أن تكلف المكونات الشريكة في اتفاق المجلس السياسي الأعلى لجان عمل تساعدها كفاءات إدارية وتخصصية، مهمتها إنجاز برنامج تحولي يقوم المجلس السياسي والبرلمان والحكومة بتنفيذه كأرضية يمكن البناء عليها لتمكين الإدارة الحكومية والانتقال الفعلي لإدارة المؤسسات، والهدف الرئيس لهذا البرنامج هو تسوية الأوضاع بالشكل الضامن الذي يسمح بامتلاك ونفاذ الإرادة السياسية وبحضور الهوية الحكومية في كل تفاصيل الشأن العام والغياب المنظم لأي هويات أو إرادات أخرى في إطار العمل الحكومي.

وأهم ما يجب أن يتضمنه البرنامج التحولي الاتي:

• تسوية وضع مؤسستي الجيش والامن بشكل وطني ضامن.

• عملية تدوير وظيفي شامل وفق مبدأ النزاهة والكفاءة يعتمد المفاضلة ويراعي قوانين الوظيفة العامة.

• تحديد معالم وإجراءات واضحة للمجهود الحربي.

• تسوية وضع سوق المشتقات النفطية.

• الاتفاق على قائمة بنود إنفاق ملزمة.

• الاتفاق على معالجات البنك المركزي لضمان استقبال كامل الإيراد وبناء احتياطي والتدخل لحماية الاقتصاد الوطني.

• تأهيل وتفعيل أجهزة الرقابة.

• وضع آلية لإدارة العملية التفاوضية تجمع بين الدور الحكومي ودور وفدي التفاوض.

• الاتفاق على مواصفات الأداء الإعلامي الحكومي والإعلام الذاتي لطرفي الشراكة.

• الاتفاق على صيغة لحكومة طوارئ وفق رؤية منهجية لبنية الحكومة وفقا للمهمة والمرحلة التي تمر بها البلد.

ثانياً: حكومة طوارئ

تشكيل وإعلان حكومة الطوارئ وفقاً لصيغة المنهجية المتفق عليها بمراعاة الاتي:

• اختيار أعلى الكفاءات المتاحة للبلد في مجالات الإدارة والاقتصاد والسياسة والقانون والإعلام، ويفضل أن تكون كفاءات محايدة غير منتمية للمكونات السياسية والاعتماد على المبدأ الوظيفي 100%.

• مراعاة مبدأ النزاهة كأساس ملازم لأساس الكفاءة

ثالثاً: برمجة الاداء

تبدأ برمجة أداء حكومة الطوارئ فور إعلانها وتكون أمام مرحلتين:

• المرحلة الاولى

مرحلة تنفيذ البرنامج التحولي

• المرحلة الثانية

مرحلة برنامج الطوارئ والذي يتمثل في برامج تنفيذية لإنجاز كافة المهام المطلوبة من الحكومة كسلسلة خطوات لكل مهمة يجب تنفيذها لإنجاز المهمة ومن تلك المهام على سبيل المثال لا الحصر:

• دفع المرتبات

• توريد كامل الإيراد للبنك المركزي وتطوير الأوعية الإيرادية.

• الحد من الفساد.

• الحقوق والحريات.

• التخفيف من آثار العدوان.

• معالجة مشكلات الكادر في الوظيفة العامة عسكرية ومدنية.

• تفعيل أداء المؤسسات.

• إعادة تقديم الخدمات.

• إجراءات تلافي انهيار الاقتصاد وتردي سعر العملة.

• ضبط الأسعار والأسواق..

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة