Logo dark


ترامب والشرق الأوسط: قراءة تحليلية

( رئيس مركز الرصد الديمقراطي , alsharafi.ca@gmail.com )

ترامب والشرق الأوسط: قراءة تحليلية([1])

بعد سباق رئاسي محتدم، وغير مسبوق في تاريخ التنافس الرئاسي في الولايات المتحدة بين المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون والمرشح الجمهوري دولاند ترامب؛ فاجأ الأخير الجميع، بفوزه بهذا السباق؛ ليكون الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية.

 بطبيعة الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية كدولة عظمى، وبطبيعة النظام العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي كقطبية واحدة؛ يكون لمن يشغل منصب الرئيس للولايات المتحدة أثر واسع يمتد إلى العالم ككل، وتظل هناك مناطق في هذا العالم هي أكثر تأثراً؛ كونها تضم ملفات ذات خصوصية تجعل منها موضع اعتناء أمريكي مباشر، ومن هذه المناطق منطقة الشرق الأوسط.

فمنطقة الشرق الأوسط ذات حساسية عالية لأسباب عدة؛ فهي المنطقة التي يتواجد فيها الملف الأكثر حساسية، والأكثر توليداً للمشكلات والصراعات في العالم، وهو الملف الفلسطيني وزرع الكيان الصهيوني في المنطقة، المنطقة تضم أهم المعابر البرية والبحرية الواصلة بين الشرق والغرب، وهي المنطقة التي يتواجد فيها مخزون كبير من النفط والغاز، وتضم سوقاً استهلاكية واسعة تتمتع بقدرة شرائيةـ عالية، كما أنها تعتبر منطقة تماس وموضع شدٍّ وجذب بين الشرق والغرب.

تسعى العديد من الدول العظمى للتواجد خارج حدودها عبر سياساتها أو عبر قواعدها العسكرية - أيضاً -، وذلك تبعاً لمفهومها لأمنها القومي الذي يحدد لها سياسات وأساليب حماية مصالحها التي تتواجد خارج حدودها، ومن هذا المنطلق يجب النظر للوجود الأمريكي في مختلف مناطق العالم، وفي منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد.

ترامب ومفهوم الأمن القومي الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط:

مفهوم الأمن القومي الأمريكي؛ هو ما يحدد سياسات الإدارة الأمريكية الخارجية،  فأينما وجد تهديد أو وجد طموح  للأمن القومي الأمريكي؛ فلا بدَّ للسياسة الأمريكية من الحضور في ذات المكان، وهذا الأمر متعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية في العالم بأسره، وليس في الشرق الأوسط فحسب؛ ولكن يظل الشرق الأوسط هو الشاغل الأكبر للإدارة الأمريكية، وهذا الأمر يمكن إدراكه بسهوله من خلال أداء الدبلوماسية الأمريكية، التي عادة ما ينشغل رجلها الأول (وزير الخارجية) بملفات الشرق الأوسط أو ملفات ذات صلة به، بينما يترك باقي الملفات الخارجية الأمريكية - في الغالب - للمستوى الأدنى في الدبلوماسية الأمريكية، والذي يديرها بسلاسة لدرجة أن بعضها لا يلفت الأنظار إليه مطلقاً.

إن تعاظم حجم الاقتصاد الصيني ومعدلات النمو المرتفعة باتت هي المهدد الأول للاقتصاد الأمريكي؛ وبالتالي فإنَّ الانطباع الذي نخرج به هو أن حماية الأمن القومي الأمريكي يحتم عليها أن تقلص من حضورها في منطقة الشرق الأوسط؛ لأنه لم يعد مغرياً بالنسبة لها من جهة؛ ولأنَّ هناك تهديداً عليها، وملحّ بالنسبة لها قادم من وسط آسيا والصين تحديداً، والدخول في مواجهة مع الصين هو أمر في حكم الإجباري بالنسبة للولايات المتحدة، فالفارق بينهما في إجمالي الناتج القومي لم يعد يصل إلى تريليون دولار، مقابل ثلاثة عشر تريليون دولار بين أمريكا وروسياـ وبالرغم من التقليص الذي قام به الرئيس الأمريكي السابق أوباما للحضور الأمريكي في ملفات الشرق الأوسط؛ إلا أن هذا الحضور ظل هو المؤثر الأول في معظم تلك الملفات.

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا: ما سر الاهتمام والحضور الكبير للدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط؟

الإجابة عن هذا التساؤل هي أن الكيان الصهيوني هو العنصر الذي يتواجد في منطقة الشرق الأوسط، ويترتب على وجوده فيها هذا القدر المرتفع جداً من الحضور، والانشغال الدبلوماسي الأمريكي بالمنطقة، فأمن هذا الكيان هو أحد أهم تفاصيل العملية السياسية في الولايات المتحدة برمتها، فلا طريق للبيت الأبيض غير المرور بالتعهد العلني بأمن هذا الكيان، ولا استمرار في البيت الأبيض مع التخلي عنه.

وبين الالتزام بأمن الكيان الصهيوني والتخلي عنه؛ يقوم هامش المناورة أو هامش التغيير المتاح أمام الإدارات الأمريكية عند تعاقبها، وفي حدود هذا الهامش ترسم الإدارة الأمريكية مفهومها للأمن القومي الأمريكي فيما بين اعتبار أمن الكيان الصهيوني جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي الأمريكي، أو اعتباره أمناً لـ (دولة أخرى) تعد الحليف الأول للولايات المتحدة الأمريكية.

كثيرة هي التصريحات التي أطلقها ترامب حول الشرق الأوسط أثناء الترويج لنفسه في سباقه الرئاسي، فقد تحدث عن حرب جادة وقوية على الإرهاب في سورية والعراق، وعن عدم تحمسه لرحيل الرئيس الأسد، وعن عدم رضاه عن الاتفاق النووي الإيراني، وعبَّر كذلك عن عدائية وانتهازية عالية تجاه الخليج العربي - والسعودية تحديداً - وعن الاستهداف المباشر للصين. كما تحدث - أيضاً - عن الكيان الصهيوني بحديث واضح تجاه كثير من القضايا المتعلقة به، فهو مع (يهودية الكيان الصهيوني)، وسيعترف بالقدس عاصمة له، ولا يعارض سياسته الاستيطانية التوسعية، كما لا سقف لديه للدعم الذي يجب أن تقدمه الولايات المتحدة لهذا الكيان.

حديث ترامب عن القضايا ذات الصلة بالكيان الصهيوني تجعلنا نرجح أن إدارته ستتعامل مع مفهوم الأمن القومي الأمريكي باعتبار أمن الكيان الصهيوني جزءاً من الأمن الأمريكي، وليس أمناً لحليف الولايات المتحدة فحسب، ويمكن إدراك أثر الفرق بين هذين المفهومين للأمن القومي الأمريكي على السياسة الخارجية الأمريكية من خلال الاتفاق النووي الإيراني، فإدارة أوباما تعاملت مع أمن الكيان الصهيوني باعتباره أمناً لحليف، وبذلك عملت على أن تضمن أمنه من خلال ضمان  عدم امتلاك إيران السلاح النووي، ولابأس من استفادة إيران من حقها القانوني في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وهذا الإطار العام للاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما مع إيران. بينما التوجهات المعلنة لترامب وإدارته القادمة؛ ستنطلق من العمل على تقويض الاتفاق النووي الذي ترى أنه "يضع إيران على طريق الحصول على السلاح النووي"، وهذه هي ترجمة لمفهوم الأمن القومي الأمريكي الذي سيعتبر أمن الكيان الصهيوني جزءاً من أمن الولايات المتحدة الأمريكية، وسيترتب على ذلك فرض العديد من القوانين، واتباع عدد من السياسات بهدف التضييق على إيران، وإعاقة الاستفادة من حقها القانوني في الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

حديث ترامب عن مجانبة الاهتمام برحيل الأسد من عدمه، والعدائية والانتهازية تجاه حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة ، والتبشير بالحرب الجادة ضد الإرهاب التي تصل إلى التغاضي عن حالة المنافسة على الهيمنة فيما بين الشرق والغرب، وحديثه عن الاستهداف المباشر للصين؛ جميعها توحي بأن ترامب سيسير في طريق معاكس مع مفهوم الأمن القومي الأمريكي الذي يعتبر أمن الكيان الصهيوني جزءاً منه، ولابد أن يبرز تساؤل: كيف يتم ترجيح أن هذا المفهوم للأمن القومي الأمريكي هو ما ستتبناه إدارة ترامب مع كل هذه المخالفة التي وردت في تصريحات ترامب نفسه لهذا المفهوم؟

الإجابة هنا تكمن في طبيعة كل نوع من تصريحات ترامب، فتصريحاته عن القضايا ذات العلاقة بالكيان الصهيوني بطبيعتها هي المهيمن على باقي تصريحاته المتعلقة بملفات الشرق الأوسط؛ كون تلك الملفات هي من متعلقات الترتيب لأمن الكيان الصهيوني في المنطقة ابتداءً؛ أي إن قضايا منطقة الشرق الأوسط التي تحدث عنها ترامب ليست قضايا مستقلة بذاتها، بل هي قضايا ذات ارتباط وثيق بأمن الكيان الصهيوني، وبالتالي فما سيحكم موقف الولايات المتحدة من هذه القضايا هو موقفها من أمن الكيان الصهيوني.

  تصريحات ترامب القوية تجاه القضايا المتعلقة بالكيان الصهيوني، وتوجه      الكونجرس الجمهوري - الذي مرر حتى الآن قانونين للعقوبات ضد إيران بما يصاحب ذلك من تهديد للاتفاق النووي الذي خرج إلى الوجود نتيجة مفهوم الأمن القومي الأمريكي لإدارة الرئيس أوباما - تجعلنا نرجح أن مفهوم الأمن القومي الأمريكي في عهد ترامب لن يكون هو ذاته في عهد أوباما، وأن أمن الكيان الصهيوني سوف يصبح جزءاً من الأمن القومي الأمريكي - وخصوصاً - عندما يصبح رئيس الولايات المتحدة جمهورياً متطرفاً يضاف إلى الكونجرس الجمهوري أيضاً.

هذا الترجيح لمفهوم الأمن القومي الأمريكي لمرحلة ترامب متعلق بهامش المناورة فيما يخص أمن الكيان الصهيوني، ومع تناقضه الواضح مع تصريحات ترامب في العديد من قضايا الشرق الأوسط - الظاهر للوهلة الأولى -؛ إلا أن التعمق أكثر سيعطينا صورة أخرى هي أن ترامب لم يكن يناقض المفهوم المرجح للأمن القومي الأمريكي المتضمن أمن الكيان الصهيوني؛ وإنما كان يعبر عن هامش مناورة آخر متعلق بالسياسات الأمريكية المنتهجة تجاه قضايا الشرق الأوسط، وليس متعلقاً بمبدأ تضمين أمن الكيان الصهيوني في أمن الولايات المتحدة الأمريكية.

انعكاس شخصية ترامب على الملفات في المنطقة في ظل مفهومه للأمن القومي الأمريكي:

شخصية ترامب كرجل أعمال ناجح يجيد استثمار الفرص لتحقيق الربح مع التقليل من التكاليف والتي من خلالها يمكن فهم طبيعة تصريحاته تجاه منطقة الشرق الأوسط مع التوفيق بينها وبين المفهوم المرجح للأمن القومي الأمريكي لإدارته، فتصريحه القائل: "إنَّ من يدخل منطقة الشرق الأوسط لابد أن يغرق فيها"؛ لم يكن يعني الخروج منها، وتركها لعواملها المحلية والإقليمية لإدارة ملفاتها بنفسها بعيداً عن التدخل الأمريكي - فذلك كما سبق لن يكون رغبة ترامب حتماً في ضوء مفهومه للأمن القومي الأمريكي المرجّح السالف الذكر، كما أنه لا إمكانية للخروج في ظل التعقيدات الكبيرة المتعلقة بالوجود الأمريكي منذ عقود في ملفات المنطقة -؛ وإنما كان يعبر عن تغيير في سياسات التدخل في المنطقة بسياسات ستنطلق من ذهنية رجل الأعمال الساعي؛ لتحقيق الربح مع جعل التكلفة في أدنى حد ممكن.

هذا الأمر كان واضحاً في تصورات ترامب للحلول، وفي تعليقاته بخصوص إدارة ملفات الشرق الأوسط، والتي لا تعكس تخلياً عن الأهداف في المنطقة؛ وإنما تعني سياسات مختلفة للوصول لنفس الأهداف، ولعل أهم ما تتسم به هذه السياسات في ضوء تصورات وتعليقات ترامب هو (الانتهازية والابتزاز) بهدف إعادة توزيع التكلفة التي تتحملها الولايات المتحدة؛ نتيجة تدخلها في الشرق الأوسط على اللاعبين الآخرين ما أمكن ذلك، وبغض النظر عن كونهم حلفاء - باستثناء الكيان الصهيوني طبعاً -، أو خصوماً؛ فهو معجب ببوتين، ومستعد أن يترك لروسيا الحرب على داعش، وسيتعاون معها في ذلك، ويعلق قائلاً: "هذا أمر إيجابي. دعوا روسيا تستهلك نفسها في سورية كما استهلكت  أمريكا نفسها من قبل" ...، ويقول إنه لا يهتم كثيراً برحيل الأسد، ويضيف: "لمَ لا ندع داعش والأسد يقتتلان، ثم نأتي نحن؛ لنأخذ ما تبقى" ...، ومن واجب دول الخليج أن تشكل جيشاً للتدخل في سورية والعراق لمحاربة الإرهاب "أو عليهم دفع تكاليف حماية أمريكا لهم" ...، وسيعمل على إقامة مناطق آمنة داخل سورية لنزوح المدنيين، وأنه سيعيد من نزح منهم للخارج إلى هذه المناطق، وعلى استعداد لإرسال قوة أمريكية لحماية هذه المناطق؛ لكن "على دول الخليج أن تتحمل تكاليف ذلك".

الانطلاق من (الانتهازية والابتزاز)؛ لإنتاج السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط سيترتب عليه تبني سياسات في اتجاهين:

الاتجاه الأول: انكفاء منطقة الشرق الأوسط على نفسها؛ سواء فيما يتعلق بالأحداث أو مضاعفاتها، ومثال ذلك ما فعله الاتحاد الأوروبي تجاه أزمة المهاجرين بعقد صفقة مع تركيا لاحتضانهم مقابل مساعدات مالية، وهو ذاته ما تحدث عنه ترامب بمناطق آمنه للمدنيين داخل سورية؛ ولكن بصورة أكثر خطورة، فلا مساعدات مالية هنا، ويجب أن تتحمل المنطقة التكلفة منفردة، بل يجب أن تدفع أجور مشاركة القوة الأمريكية التي ستشارك في حماية هذه المناطق. وهذا الاتجاه الذي يتمثل في انكفاء المنطقة على مشاكلها سيزيد من حدة المشكلات فيها بشكل كبير.

الاتجاه الثاني: الدفع بالعناصر المتناقضة في المنطقة للتصارع المباشر فيما بينها؛ لتغطية العجز الذي سيترتب على انحسار التدخل الأمريكي المباشر في ملفات المنطقة، كالدفع باتجاه إنشاء تحالفات عسكرية من بعض دول المنطقة؛ للتدخل عسكرياً في دول أخرى كسورية والعراق؛ لمحاربة الإرهاب، وهذا - أيضاً - أمرُ خطير للغاية في ظل الصراعات السياسية في المنطقة التي ستجعل من تلك التحالفات عدائية، وليست تعاونية، كما لو جاءت في ظروف سياسية مستقرة.

ترامب و الإرهاب وخطأ التشخيص:

يضرب الإرهاب العالم والشرق الأوسط - تحديداً -، والعالم العربي والإسلامي بشكل أخص، وأصبح من أخطر المشاكل التي تواجه البشرية في الفترة الأخيرة، وبات مهدداً عالمياً، وقاتلاً للجميع دون استثناء، ودون تمييز، ودون تفنيد. الجميع على اختلاف قاراتهم وبلدانهم وأديانهم وفكرهم وتوجهاتهم باتوا أهدافاً محتملة لضربات الإرهاب، ولم يعد هنالك من يقدِّرُ أن الإرهاب خطرٌ لا يعنيه.

دخل الرئيس الأمريكي ترامب مبدياً خصومة حادة مع الإرهاب ونزوعاً قوياً، وغير مسبوق لمحاربته، وهو أمر محمود، لم يبده من سبقه من الرؤساء الأمريكيين في (زمن الإرهاب)، وبلغ الأمر به مبلغاً غير مألوف، فقد أبدى استعداده للتقارب والتشارك مع المنافس العالمي للولايات المتحدة روسيا في سبيل محاربة الإرهاب، وهو أمر ملفت؛ أن يقفز رئيس أمريكي على المنافسة العالمية في سبيل إنجاح الحرب على الإرهاب، فالمعهود من الولايات المتحدة هو استخدامها له في سبيل هذه المنافسة، ومن هذه الناحية يكون هذا الأمر مؤشراً جاداً؛ لسعي ترامب في محاربته، أو هكذا يبدو الأمر.

أنْ يحمل رئيس أمريكي هذا المزاج الحاد تجاه الإرهاب؛ فذلك من محمودات الحدَّة، فالإرهاب كأحداث هو الجريمة الصرفة أو (خام الجريمة)، ويجب التعامل معه كذلك دون استخدام أو تقبّل أو تذويب أو لامبالاة، والإرهاب بات يضرب في العواصم الغربية والمدن الأمريكية، ولم يعد مقتصراً على الشرق الأوسط، والعالم العربي والإسلامي فحسب، وأصبحت أمريكا والغرب معنيين به تماماً كالشرق الأوسط وغيره من بلدان المعمورة.

من الجيد أن يحمل ترامب هكذا مزاج تجاه الإرهاب، ولكن سيكون من الجيد أكثر أن يتم تشخيص مشكلته بشكل سليم، فالتشخيص السليم للمشكلة وحده الكفيل بفاعلية ونجاح جهود محاربتها، والتشخيص السليم للإرهاب هو المطلوب الأول لنجاح هذه الحدة التي يبديها ترامب تجاهه؛ لتحقيق أهدافها، وبدون التشخيص السليم ستكون جهود وسياسات ترامب محدودة النتائج. هذا إذا لم تحصد نتائج أكثر سلبية، وتجلب ويلات أوسع، وتمكن للإرهاب بشكل أعمق.

لم نكن نحتاج لجهود كبيرة لإقناع العالم بأن لا علاقة للإسلام بالإرهاب، وأن هذه النظرة هي نظرة متطرفة، وكان من المتعمد الترويج لها في سبيل زيادة الهوة بين الأمم، وخصوصاً بين الأمة الإسلامية والأمة المسيحية؛ لأنَّ التقارب بينهما يضرب المخططات الصهيونية جوهرياً، وله انعكاسات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية سلبية على مشاريع الصهيونية التي يعتمل أهمها داخل هاتين الأمتين.

كان الربط بين الإرهاب والإسلام ربطاً مفضوحاً، وسرعان ما اتضح زيفه، فالأمة الإسلامية أمة كبيرة لا يمكن اختزالها في مجموعات محدودة (تحسب عليها) متورطة في الإرهاب، وليس في تاريخ الأمة الإسلامية ما يسند هذا التزييف للحقيقة، فما هو موجود من أحداث عنف ووقائع دموية يتم الالتفاف عبرها بتصويرها أعمال إرهاب؛ هي أحداث وجدت لدى غيرها من الأمم كذلك، وربما بشكل أوسع؛ ولكن يظل موضوع الإرهاب ليس أعمال عنف وأحداث دموية جزافاً؛ وإنما هو أمر آخر، ولا يمكن من خلال ترجيع روايات وأحداث تاريخية عنفية ودموية  تأصيل فكرة أن الإرهاب إسلامي، وبالتالي لم تصمد هذه الفكرة، وقد تهاوت سريعاً.

تحدث (ترامب) عن حرب سيشنها على الإسلام الراديكالي - أو الإسلام المتطرف أو الأصولي - فهو يرى أن هناك تياراً داخل الأمة الإسلامية هو الذي يمثل أرضية الإرهاب، وأن الحرب عليه تتطلب أن تشن على هذا التيار تحديداً، وهذا الأمر يجد تقبلاً وتزييناً من كثير بينهم - للأسف - من الأمة الإسلامية ذاتها، وعلى خلفية خصومات سياسية أو منافسات دينية أو سلطوية أو فكرية، وليس لقناعة واعية أن الإرهاب هو الإسلام الراديكالي كتيار.

هناك فرق بين القول: إن الإسلام الراديكالي بيئة يمكنها تفريخ جماعات إرهابية من داخلها، والقول: إنه  تيار إرهابي أو أرضية للإرهاب بطبيعته، وهذا الفرق حساس للغاية، وفهمه يترتب عليه التشخيص السليم للإرهاب وصولاً لحرب ناجحة ضده ، ويجب القول: إن المشاكل التي تترتب على وجود تيارات راديكالية هي مشاكل أخرى، وليس الإرهاب أحدها، وما يترتب على الراديكالية من مشكلات عنف ودموية؛ هي ناتجة عن توترات وخصومات حادة؛ ولكنها مقيدة بالخصم وبالخصومة، ومواجهتها يجب أن تتم في إطارها كمشكلات وليدة للتطرف، والأصولية محدودة الوقوع ومحدودة الضحية وأساليب مواجهتها ومعالجتها واضحة؛ ولكنها ليست الإرهاب المقصود، أو بعبارة أوضح مشكلات ومضاعفات الراديكالية ليست الإرهاب الذي يعصف بالعالم العربي والإسلامي أولاً وبالعالم ككل، والذي نشاهده في العقود الأخيرة، وحتى اليوم.

إنَّ وجود نص يحض على العنف أو رؤية أو فتوى - لفرد هنا أو هناك تفعل ذلك - أو رواية أو حدث تاريخي موجود لدى الإسلام الراديكالي. ترسم ذلك لا يعني على الاطلاق أنه الإرهاب أو أن الإسلام الراديكالي يشكل مصدراً له بصورة مجردة، ومع تمسكنا بأن وجود تلك النصوص والفتاوى والروايات هي مشكلة سلبية تحتاج معالجة بطرق المعالجة اللازمة لها؛ لكن استخدامها لتصوير أن الإسلام الراديكالي يشكل مصدراً للإرهاب هو أمر آخر لا يجب التماهي معه، ويجب الانتباه لخطورته.

الإرهاب ليس جريمة جنائية أو أحداثاً دموية طائفية أو عنصرية يمكن مقاصتها ضمن القوانين الجنائية أو التسويات الاجتماعية المختلفة؛ وإنما هو جريمة سياسية، وليس الإرهاب كأحداث هو المراد أو الهدف الذي يتم العمل عليه، ولا هو بالنتيجة التي تقع  تبعاً لتجاذبات جنائية أو طائفية أو عنصرية أو نحو ذلك؛ وإنما هو جريمة سياسية تستخدم لفرض تغيرات سياسية بطرقِ لا أخلاقية ولا قانونية، وليست طبيعية ولا عفوية، وليست رداً لفعل، وهو جريمة تتم عن وعي وتخطيط وإعداد وتنسيق وتسهيل وتوجيه وتأثير من مستفيد آخر يعمل على تحقيق أجندة سياسية لا علاقة لها عملياً بكل الأجندات الوهمية والشعارات الفضفاضة التي تحملها جماعات الإرهاب نفسها، ويمثل حلقة في سلسلة من العمليات الموصلة  للهدف السياسي المراد فرضه.

ودون الخوض في التفاصيل فقد بدأت القصة مع الإرهاب من أفغانستان بحرب سياسية أمريكية سوفييتية في حقيقتها، وجمعت أسماء المختطفين من الإسلام الراديكالي - والمعروفين بالمجاهدين العرب أو العرب الأفغان -، لهذه الحرب في قاعدة بيانات بأسمائهم ومعلوماتهم - وبينهم غير عرب أيضاً -، وبعد انتهاء المهمة في أفغانستان، وانتهاء استنزاف الاتحاد السوفيتي وصولاً إلى سقوطه؛ تم توجيه تلك العناصر المنتخبة المحصورة في قاعدة البيانات تلك لمهمة سياسية أخرى. هذه المرة في بلدانهم، وتم إنزال التحديث الأول للإرهاب، وهو الإصدار الثاني للجماعات الإرهابية تحت اسم (القاعدة) التي استخدمت لحرب استنزافية مع الجيوش العربية، واستمرت عملية الاختطاف تلك من الإسلام الراديكالي، و(تفقيس) مجموعات إرهابية أضيفت لقاعدة البيانات تلك، وتطورت الأحداث في المنطقة العربية، وأصبحت السياسات المعتملة في الشرق الأوسط تهدف لإعادة تشكيل الخارطة العربية، وليس - فقط - إضعاف الجيوش، وخلخله البلدان العربية، وتم إنزال التحديث الثاني للإرهاب، وهو الإصدار الثالث للجماعات الإرهابية، ويحمل فكرة (دولة إسلامية) بهدف التصادم المباشر مع الدول، وإزاحتها، وإعادة تشكيل الفراغ الذي تخلفه، وهذه النسخة هي (داعش)، وهي الإصدار الثالث، والأحدث الذي تم إنزاله إلى الأسواق حتى الآن.

كل ذلك المشوار من اختطاف عناصر من الإسلام الراديكالي، وتدريبها، وتسهيل تحركها، وتمويلها، والترويج لها، وتحديثها، والتنسيق؛ لتحركها، والتحكم في حربها بحيث لا يقضى عليها. هو مشوار تقف خلفه سياسات لإدارات سياسية، وتنفذه أجهزة استخبارات عالمية نافذة وقادرة، وليس الإسلام الراديكالي هو من يقف خلف هذا المشوار، فذلك ليس بمقدوره، والإسلام الراديكالي الذي يريد أن يحاربه ترامب للقضاء على الإرهاب ليس سوى بيئة خصبة لـ (لتفقيس) الذي تقوم به فقاسات صهيونية تستخدم أذرعاً تتمثل في إدارات سياسية، وأجهزة استخبارات أمريكية وغربية وعربية وغيرها.

سيكون (ترامب) غبياً؛ إذا اعتبر أن تحرك هذه العناصر بمئات الآلاف مخترقة حدود دول - لا يجرؤ على مجاوزتها معارض سياسي فرد - هو عمل راديكالي، وسيكون ترامب متستراً؛ إذا لم يعترف بالدعم اللوجستي بمختلف أشكاله الذي يقدم لهذه الجماعات في العديد من الدول المعنية، وسيكون ترامب سمجاً؛ إذا ظل في حدته في الحديث عن حرب حقيقية على الإرهاب، ولا يكلف نفسه أن يسائل جهاز استخباراته وأجهزة استخبارات حلفائه - الغربيين والعرب والشرق أوسطيين المتعاونين - عن كل ذلك الدعم اللوجستي بمختلف الصور الذي حظيت به تلك الجماعات الإرهابية.

الصانع الأول للإرهاب هو السياسات الأمريكية والغربية المتبعة في الشرق الأوسط ضمن الصراع  العالمي والصراع مع الكيان الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط، فتيار الإسلام الراديكالي لا يمكنه أن يفسد العالم، ولا يمكنه أن يفعل ما تفعله الجماعات الإرهابية من (خطوات بنائية وإدارية) قبل أن يذاع على قنوات التلفاز قطعها للرؤوس، وحرقها للأجساد؛ لتغيير هوية الإرهاب الحقيقية كمولود للسياسات الأمريكية والغربية والصهيونية بالدرجة الأولى، فالإسلام الراديكالي يمكنه أن ينتج كراهية، ويمكنه أن ينتج عنفاً، ويمكنه أن ينتج دموية؛ لكنه بطبيعته لا ينتج الإرهاب، ولولا الاختطاف لعناصر من بيئة الإسلام الراديكالي، ثم تأهيلهم لعمل منظم وواسع وحرفي وقارّي، وبعد ذلك استخدامهم وتوظيفهم؛ لإنجاز أحداث تسمح لتلك السياسات بالمرور لما قامت شبهة الإرهاب بحق الإسلام الراديكالي؛ فضلاً عن قيامها بحق الإسلام عموماً.

ما لم يستوعب (ترامب) هذا الأمر بكل قسوة الاعتراف به بالنسبة لأمريكا وحلفائه الغربيين، فلن يفعل شيئاً غير زيادة عدد الشظايا المنطلقة من القنابل الإرهابية التي باتت تهدد العالم بأسره، فتوجهه لمحاربة الإسلام الراديكالي بهدف القضاء على الإرهاب لن يكون؛ إلا كمن يعاقب (المسدس)، ويترك القاتل الذي استخدمه وقتل به، فالإسلام الراديكالي ليس القاتل، وإن كان بيئة (تفقس) منها أدوات القتل، والإسلام الراديكالي ليس الإرهاب، وإن كان الإرهابيون راديكاليين، والإسلام الراديكالي ليس المجرم، وإن كان في أبعد توصيف له هو أداة الجريمة.

سيكون (ترامب)، كمن يحرث في البحر حتى لو افترضنا نجاحه في القضاء على الإسلام الراديكالي، فذلك لا يعني شيئاً على الاطلاق؛ طالما من يفرّخ العناصر الإرهابية، ويستثمرها حر طليق، بل إن توجهه لحرب ضد الإسلام الراديكالي تحت شعار الحرب على الإرهاب سيمثل خدمة للإرهاب؛ لأنه يصرف الأنظار عن المنتج الحقيقي له؛ ولأنه إشغال للرأي العام، وتوظيف للطاقات وللقدرات ضد السلعة، وليس ضد المصنع، وسيقوم المصنع - إذا لم يوقف دوران عجلاته - بطرح كميات تعويضية وإضافية إلى السوق، وهذه الصورة هي تشبيه لما يمكن أن يترتب على شن حرب ضد تيار كامل بخلفية غير سليمة وغير عادلة، سيترتب عليها ردة فعل واسعة، كنتيجة طبيعية للفعل ذاته.

   لـ (ترامب) أقول - صادقاً ناصحاً مستحضراً حجم الخطر الذي يمثله الإرهاب على العالم ككل -: محاربة الإرهاب تبدأ من الاعتراف بأن السياسات الأمريكية والغربيةـ المتلاعب بها صهيونياًـ؛ هي من يولّد الإرهاب، ويجب التوجه بدرجة رئيسية  للحرب ضدها في سبيل القضاء عليه، أما الراديكالية؛ فمواجهتها تحتاج لأساليب أخرى، ومحاربتها لن تمثل حرباً على الإرهاب بقدر ما ستوجد تياراً ساخطاً ناقماً على من يحاربه دون مبرر كافٍ، وسيمثل ذلك زيادة تخصيب لبيئة الإسلام الراديكالي تستفيد منها السياسات المولّدة للإرهاب، وليس العكس.

السياسات الأمريكية والغربية المتلاعب بها صهيونياً في الشرق الأوسط - والعالم العربي على وجه الخصوص -؛ هي من يجب أن يتم تغييرها جوهرياً، واستبدالها بسياسات بناءة تحارب الإرهاب بدرجة رئيسية، وما سيقوم به ترامب ترتيباً على هذا التشخيص الخاطئ لمشكلة الإرهاب لن يكون إلا بمثابة سبب لتخصيب بيئة الإسلام الراديكالي أكثر، ما يسهل عملية اختطاف عناصر من هذه البيئة لصالح الإرهاب.

 

ترامب وحتمية الانزياح باتجاه الصين والأثر على الشرق الأوسط:

تحوّل الصين اقتصادياً إلى اقتصاد السوق دفع بها للتواجد في أكثر من مكان في العالم، وتبعاً لهذا التحول نشطت الصين في السعي لتوفير الموارد ولتوفير الأسواق، ‏وبينهما تخلَّقت الاستثمارات الصادرة والواردة من الصين وإليها، وظل الاقتصاد هو المتحكم في سياستها الخارجية بدرجة رئيسية مع رفع مستوى دورها الدافع باتجاه إحلال السلام في العالم.

‏تشعر الصين بهيمنة أمريكية مزعجة نتيجة مواقف أمريكا من العديد من الملفات التي تشهد منازعات بينهما مثل: تايوان واليابان والفلبين، ‏والانزعاج الصيني من الدور الأمريكي في ملفات مهمة؛ منها ما تراه سيادياً كـ (تايوان)، إلا أنها لم تنزع يوماً ما للمنافسة على الهيمنة السياسية مع الولايات المتحدة؛ وإن وجدت في منافستها اقتصادياً بصورة غير انتزاعية.

‏ ‏منطقة الشرق الأوسط هي واحدة من أهم المناطق بالنسبة للصين؛ كونها تضم نسبة كبيرة من الموارد اللازمة لاقتصادهاـ والنفط في المقدمة بالطبع ـ، وأيضاً من الاستثمارات المتبادلة معها من وإلى الشرق الأوسط، وكذلك من الأسواق ذات القدرة الشرائية العالية.

‏أهمية منطقة الشرق الأوسط للاقتصاد الصيني هذه جعلت الأحداث التي تشهدها المنطقة ذات أثر مباشر عليها، وأصبح تفاقم هذه الأحداث مهدداً مباشراً لأمن الصين القومي، وبات من الملزم حفاظاً عليه أن تتدخل لمنع أي تطورات في المنطقة - أو الحد منها - قد تنعكس سلباً عليها.

‏ظلت الصين قوة ناعمة طوال الفترة الماضية، وفي منطقة الشرق الأوسط؛ كانت تبحث عن الفرص البينية لاستثماراتها، وتتجنب المنافسة الحادة مع الغرب والولايات المتحدة، ولم تكن تعمل لفرض فرصها الاقتصادية عبر سياستها الخارجية في المنطقة، و‏نافست الصين الغرب وأمريكا في المنطقة في حدود الممكن، دون أن تصل بها إلى المنافسة على الهيمنة فيها، وهذا الأمر كان مجدياً لتكوين مصالح لها في منطقة الشرق الأوسط؛ ‏لكن الأمر بعد تكوين تلك المصالح قد اختلف،  فالمهمة الآن لم تعد تكوين المصالح بقدر ما أصبحت حماية تلك المصالح بالدرجة الأولى، وهو أمر متعلق بالأمن والاستقرار في الشرق الأوسط بشكل مباشر.

‏لم يعد من الممكن للصين في سبيل حماية مصالحها في الشرق الأوسط أن تظل دون تفضيلات لها متعلقة بالأمن والاستقرار في المنطقة، وبالتالي أصبحت المنافسة على الهيمنة فيها أمراً لا يمكن لها أن تتجنبه بعد الآن.

‏تشهد سورية أحداثاً ملتهبة منذ سنوات، وهي أحداث بطبيعتها متعلقة بالأمن والاستقرار، ليس فيها فحسب؛ وإنما في محيطها وفي منطقة الشرق الأوسط ككل، وكان لا بد للصين من أن يكون لها موقف تجاه تلك الأحداث؛ لاعتبار الآثار المترتبة عليها وتطوراتها المحتملة، وقد تعاطت مع الملف السوري بشكل ملحوظ منذ وقت مبكر.

‏تفاعلات الملف السوري ذهبت بعيداً، وأصبح الإرهاب أحد التفاصيل ذات الصلة بهذا الملف بدرجة رئيسية؛ فهو المهدد الأول لأمن واستقرار الشرق الأوسط وللعالم ككل، وترى الصين أن من واجبها للدفاع عن مصالحها أن تدخل في الحرب على الإرهاب، من هنا وجد اهتمام مشترك لها مع روسيا في المنطقة، والتي تراها أكثر جدية في محاربته ، و‏تعاطت الصين بجدية مع مسألة الحرب على الإرهاب، فوقعت مع روسيا اتفاقيةً للاشتراك سوياً في الحرب عليه في منطقة باب المندب، وذهبت لإقرار تلك الاتفاقية مؤخراً من مجلس الشعب الصيني ما يعني اعتناءً عالياً من قبلها بتلك المسألة.

‏خطر الجماعات الإرهابية واحتمالات التطورات في الملف السوري المهددة للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط الحيوية بالنسبة للصين؛ فرضت عليها أن تبدأ المنافسة على الهيمنة في المنطقة، وبدءاً من الملف السوري؛ كونه أكثر الملفات احتمالاً للتطورات الضاربة للأمن والاستقرار في المنطقة.

‏استخدام الصين لحق النقض بحد ذاته ليس عملاً عادياً؛ لأنه يقف أمام مصالح الدول التي تتقدم بقرار لمجلس الأمن، وهذا الأمر كان نادر الحدوث في السياسة الخارجية الصينية غير الراغبة في المشادات والتنازع، فضلاً عن المواجهة السياسية، ‏واستخدام الفيتو لمرتين فيما يتعلق بالملف السوري بالذات، هي حدة أعلى بكثير من استخدامه في أي ملف آخر؛ كون القوى العظمى باتت تتجاذبه بشكل مباشر وحاد ضمن صراعها حول النظام العالمي، ولذلك يمثل استخدامها للفيتو لمرتين نقلة حادة في سياستها الخارجية.

هذه المنافسة ستزداد حدتها في عهد الرئيس ترامب، فالرجل يبدي توجهاً متطرفاً لمواجهة الانعكاسات السلبية على الولايات المتحدة نتيجة النمو الاقتصادي الصيني، وبلغ به الأمر إلى التلويح بالخروج عمّا يعرف بسياسة (الصين الواحدة) بتلقيه مكالمة هاتفية من رئيس تايوان، وهو أمر تراه الصين مساساً سيادياً بها، واختراقاً لقاعدة علاقاتها الدبلوماسية الأولى مع مختلف دول العالم، وبالتالي فهي لن تقف مكتوفة الأيدي، وسيكون ردها بالانخراط أكثر في المنافسة على الهيمنة، ومحاولة إغراق الولايات المتحدة أكثر في ملفات الشرق الأوسط.

‏لم تكن الصين لتستخدم الفيتو في الملف السوري بالذات دون أن تحسب ذلك جيداً، واستخدامه لمرة، وتأكيد استخدامه للمرة الثانية للاعتراض على مشروع قرار الهدنة الأخير في (حلب)؛ هو إعلان صريح بقرار محوري منها في إطار سياستها الخارجية ستغادر بموجبه مرحلة القوة الناعمة، وستدخل مرحلة المنافسة على الهيمنة السياسية في منطقة الشرق الأوسط، ومن بوابة الملف السوري.

ترامب والتنافس على النظام العالمي وانعكاسه على الشرق الأوسط:

يحاول ترامب أن يعكس صورة من التقارب مع روسيا، خصوصاً فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب؛ لكن تظل مسألة تجسيد تلك الصورة موضع شك كبير، فالملابسات ذات العلاقة بروسيا وأمريكا يصعب التوفيق بينها، وستظل تمثل محفزات للدخول في حالة من المنافسة ستكون أشد، وفيما يتعلق بالشرق الأوسط هناك ثلاثة ملفات من شأنها أن تكون محل منافسة حادة هي: الملف السوري، والملف التركي، وحالة الاستنفار الروسي لكسر القطبية الواحدة.

ففي الملف السوري يتحدث ترامب بأنه لا يهتم به كثيراً؛ ولكن فحوى كلامه هو أنه سيتركه لعوامله تتصارع فيما بينها، وهي بدورها ستحقق النتيجة المرجوة دون غرق أمريكي أكثر فيه، وبالمقابل هناك نتيجة واحدة تعمل عليها روسيا في سورية، ولن تسمح بغيرها مهما كانت تبعات تمسكها بفرض هذه النتيجة، وتتمثل في عدم السماح بالإطاحة بالنظام السوري وضرورة وجوده في أي صيغة حل قادمة للملف السوري، وهذا الأمر - بالطبع - ليس لتشيع روسيا للنظام لسوري بصورة تجريدية؛ وإنما لأن سقوطه يعني ضرب الهيمنة العسكرية الروسية في ثلثي المعمورة تقريباً، ويعني سلبيات أخرى كذلك. والنتيجة التي تعمل عليها روسيا في سورية هي نتيجة غير مقبولة البتة من الكيان الصهيوني؛ كون مفهوم الأمن القومي الأمريكي في عهد ترامب يتضمن أمن هذا الكيان، فلن يتمكن ترامب من الخروج من الملف السوري، وسيفرض عليه أن يظل موجوداً فيه بذات المستوى، واحتمال مضاعفته قائم - أيضاً - وبالتالي ستستمر حالة المنافسة بين الشرق والغرب محتدمة في هذا الملف.

الملف التركي - أيضاً - سيكون نقطة احتدام للمنافسة العالمية، فحالة التقارب الروسي الإيراني التركي هي حالة ستكون مرفوضة بشكل كبير؛ لأنها تعزز من وضع إيران الخصم الأول للكيان الصهيوني من جهة؛ ولأنها تعزز احتكار روسيا لتصدير الغاز إلى أوروبا، والتي تراه حبلاً روسيا ملفوفاً على رقبتها، وفي مفهومه للأمن القومي الأمريكي سالف الذكر في ظل الانزياح الأوروبي يميناً سيجد ترامب نفسه مضطراً للمنافسة في الملف التركي ضمن سياساته لحماية الكيان الصهيوني، وكذلك ضمن سياساته اليمينية لحماية حلفائه الغربيين، ومحاولة فك خناق أوروبا من روسيا.

حالة النهوض الروسية، وسعيها الحثيث لاستعادة وضعها كقطبية أخرى في النظام العالمي هي بدورها ستكون حادة في منطقة الشرق الأوسط، والسعي الروسي لاستعادة حضورها في تلك المنطقة بات واضحاً من خلال دورها في الملف السوري، وكذلك توجهها مؤخراً إلى لعب دور في الملف الليبي، حيث تم استقبال خليفة حفتر على متن حاملة الطائرات الروسية، وكذلك فتح القنوات بفاعلية مع مصر والجزائر مجدداً، كل ذلك سيمثل ضرباً للقطبية الأمريكية الواحدة الحاصلة حالياً. شاء ترامب أو أبى، لا بد له أن يدخل في منافسة حادة مع روسيا في منطقة الشرق الأوسط دفاعاً عن قطبية الولايات المتحدة، والوقوف أمام استقطاع روسيا لأي جزء منها ما أمكنه ذلك.

ترامب والمتنافسين الإقليميين إيران والسعودية:

شهدت فترة أوباما تهدئة بقدر ما في حدة  السياسة الأمريكية في المنطقة، مما سمح بخروج الاتفاق النووي الإيراني، وبقدر من التلاقي بين أمريكا وإيران في الحرب على الإرهاب في العراق، كما سمحت بحراك سياسي ودبلوماسي وُجدت فيه إيران وأمريكا بشكل مباشر ضمن تفاعلات الملف السوري، ظهر أثرها بخفوت الحضور الإيراني في حرب اليمن؛ لكن ‏تلك التهدئة قوبلت بحضور أعلى لسياسات خصوم إيران في المنطقة بهدف تغطية العجز المترتب عليها في مواجهة مد النفوذ الإيراني وتوقعاته، وهذا الأمر منع اقتراب الملف السوري من الحل، ودفع بالسعودية للذهاب إلى حرب باشرتها بنفسها في اليمن ، كما خلفّ حدة، ومشادات في العراق وفي مصر بقدر ما.

أحاديث ترامب في حملته الانتخابية كانت مخيبة لآمال حلفاء واشنطن في المنطقة، ومبشرة بمزيد من التخلي عنهم، وكاشفة عن وجود تناقض كبير قادم مع سياساتهم، وهو أمر يمكن إدراكه من خلال حديثه عن حرب كاملة ضد الإرهاب التي لن تقف عند حدود، وستخرج عن هامش المناورة، وحديثه العدائي تجاه بعضهم.

‏وبالمقابل كان حديثه عن إيران والسياسة العدائية التي سينتهجها تجاهها بمثابة السقف لأحاديثه عن سياسته تجاه حلفائه في المنطقة؛ ما يجعلهم قد ضمنوا كحد أدنى عدم تطرف سياسته ضدهم، فلن تخرج حدة أحاديثه تلك إلى الواقع لاعتبار السياسة المتطرفة القادمة تجاه إيران؛ لكنهم لم يتبينوا بعد فيما إذا كانت سياسته القادمة كافية لسد حاجتهم من الإدارة الأمريكية أم لا.

‏إيران بدورها كانت مراقبة لأحاديث ترامب، وبالنسبة لها؛ فإن صورة السياسة القادمة من واشنطن تجاهها واضحة المعالم تماماً، فالأمر ليس مجرد أحاديث عدائية ضمن التنافس الرئاسي فحسب؛ وإنما هناك تململ واضح من الاتفاق النووي، وهناك إقرار لقوانين عقوبات ضدها، وهي خطوة عدائية عملية من كونجرس جمهوري سيضاف له رئيس جمهوري متطرف عما قريب.

‏تظهر الصورة الولايات المتحدة وإيران، كمتخاصمين في المنطقة، وإيران والسعودية كمتنافسين إقليميين، جميعهم يعملون لترتيب المشهد القادم فيها في نشاط حثيث عنوانه (الأمن القومي) كلاً بحسب مفهومه الخاص لأمنه.

رسائل ترامب، وإقرار العقوبات من الكونجرس، ووضع الاتفاق النووي مع إيران في محل التقويض، وليس محل البناء؛ هي رسالة بمفهوم الأمن القومي الأمريكي في المنطقة للمرحلة القادمة، ولسان حال السياسة الأمريكية هو أن الأمن القومي للكيان الإسرائيلي هو من متضمنات الأمن القومي الأمريكي، ولن يستمر النظر إليه - كما كان في عهد أوباما - أمناً قومياً لكيان حليف.

‏وضوح الصورة لدى إيران جعلها تبادر بإرسال رسائلها بمفهوم أمنها القومي بتصريحاتها عن سعيها؛ لبناء قواعد عسكرية في اليمن وسورية، وعن استكمال سيطرتها على الخليج، ومضيق هرمز، و‏لسان حال إيران هو أنها ستنطلق في فهمها لأمنها القومي للمرحلة القادمة من نفس فهمها له قبل الاتفاق النووي، وستعمل على زيادة الاستقطاب والحضور خارج حدودها، وبمستوى أعلى مما كان عليه قبل الاتفاق النووي، وسيشمل ذلك حضوراً عسكرياً؛ حيثما أتيح.

‏السعودية ودول الخليج  ليست على نفس وضوح الصورة عن ماهية السياسة الأمريكية القادمة، ومع ضمانها بأنها لن تكون متطرفة ضدها، كنوع من الترتيب على السياسة الأمريكية المتطرفة تجاه إيران - واحتمال زيادة الاقتراب بين سياسة حلفاء أمريكا والسياسة الأمريكية يظل قائماً لذات الاعتبار، ولمقابلة المستوى الأعلى لمفهوم الأمن القومي القادم الذي حملته الرسائل الإيرانية - إلا أنه لا يمكن لها القطع بطبيعة السياسة الأمريكية القادمة، فالمفاجآت الأمريكية لحلفائها في المنطقة ليست بالهينة، مما يفرض عليها أقصى درجات الحذر.

‏عدم وضوح الرؤية السعودية تجاه السياسة الأمريكية القادمة يسايره وضوح كامل في الرؤية بشأن الاعتماد الكلي على الدور الأمريكي في المنطقة، أيّاً كانت السياسة المتبناة من إداراتها، فجرح طعنة الاتفاق النووي الإيراني لم يندمل بعد.

‏في ضوء ذلك لم تتأخر السعودية في الرد على الرسالة الإيرانية - بمعزل عن التيقن فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية القادمة - وأرسلت رسالتها بمفهوم أمنها القومي للمرحلة القادمة من خلال الإعلان عن جولة للملك سلمان بن عبدالعزيز في دول الخليج - مع استثناء سلطنة عمان - ولسان حالها أنها ستنطلق في مفهومها لأمنها القومي بزيادة تصليب جبهتها ضد إيران من جهة، وعزل الدول التي ترفض أن تحمل أجندات معادية لإيران في سياساتها من جهة ثانية، ولنقل: إنَّ السعودية ستعمل في المنطقة حاملة نفس مزاج الأمن القومي الأمريكي إثر ضربات الـ (11 من سبتمبر) التي عبَّر عنها الرئيس الأمريكي حينها بالقول: "من ليس معنا؛ فهو ضدنا"، وهو ما بدأته السعودية باستثناء عمان من زيارات شملت كل دول الخليج، وقبل أن تعمم ذلك في المنطقة بكلها.

 

ترامب والكيان الصهيوني وحتمية البقاء في الشرق الأوسط:

حدد ترامب موقفه من الكيان الصهيوني بشكل واضح ضمن حملته الانتخابية، وإطلاق التصريحات بالالتزام بأمن الكيان الصهيوني هو أمر معهود بالنسبة للمرشحين للرئاسة الأمريكية بشكل عام؛ لكن الأمر يختلف - فقط - فيما يتعلق بطبيعة تلك التصريحات بين أن تكون تعهدات بمزيد من الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني، أو أن تكون تعهدات بالإقدام على خطوات تخترق قواعد ذلك الدور في ملف القضية الفلسطينية.

كغيره من المرشحين للرئاسة تعهد ترامب بدعم لا محدود للكيان الصهيوني وصل حد التطرف من خلال إعلانه بأنه سيقوم بنقل سفارة بلاده إلى مدينة القدس، وهذه الخطوة تعني أنه وعد بالإقدام على خطوة تحوّل دور الولايات المتحدة من وسيط - على علات ذلك - إلى خصم بالإقدام على خطوة لصالح طرف بقرار ذاتي.

كان ذلك التطرف، والتعهد أثناء منافسته على الرئاسة، وهو أمر سبق وحدث من غيره؛ لكن بعد الوصول للبيت الأبيض لا يتم عادة الوفاء بكل تلك التعهدات المتطرفة، وهناك مؤشرات غير جيدة تدعم تطرفه البالغ تجاه الكيان الصهيوني بعد فوزه، فتدخله قبل تنصيبه لمنع صدور قرار أممي يدين الاستيطان، وكذلك دعوته لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للقائه في واشنطن، كأول مسؤول خارجي يلتقيه بعد تنصيبه؛ كلها خطوات تشير لجديته في الإقدام على خطوات متطرفة لصالح ذلك الكيان.

مفهوم الأمن القومي الأمريكي - المتضمن للأمن القومي الإسرائيلي - هو الذي سيحكم سياسات ترامب في منطقة الشرق الأوسط، وهذا بدوره سيجعل من سياساته مبادرة، وليست سياسات تحوطية، وبالطبع فجميع الملفات المشتعلة في المنطقة هي ذات علاقة بأمن الكيان الصهيوني بشكل أو بآخر، فالمنطقة تشهد حالة من الصراع بين تيارين؛ الأول: هو تيار التطبيع مع ذلك الكيان، والثاني: هو تيار رفض التطبيع معه، وبالتالي لا بد لترامب أن يتعاطى مع الملفات المشتعلة في المنطقة؛ كي يفي بتعهداته للكيان الصهيوني، ويجسد مفهومه للأمن القومي الأمريكي المتضمن أمن الصهاينة واقعاً.

تحدث ترامب عن أنه سيقوم بنقل سفارة بلاده إلى القدس، وهو حديث سبقه إليه مرشحون آخرون للرئاسة الأمريكية؛ لكنهم لم ينفذوا ذلك عند توليهم الرئاسة، والسبب بسيط هو أن نقل السفارة إلى القدس هي خطوة تمثل خروجاً على القانون الدولي، والقرارات الأممية التي تضع القدس تحت وضع خاص لحين الانتهاء من حل الملف الفلسطيني. موقف ترامب تجاه هذا الوعد سيمكنه من البدء بخطوات في هذا الاتجاه، وهو بالفعل ما تحدث عنه أحد المسؤولين المعنيين في إدارته عندما قال: إن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس هي عملية تتطلب سنوات.

ملف الاستيطان الإسرائيلي هو الملف الأكثر فرصة لترامب لتقديم الجميل للكيان الصهيوني، فقد يغض الطرف تماماً عن عمليات التوسع الاستيطاني، وسيدافع عنها، وهو موقف مغاير تماماً لموقف إدارة سلفه أوباما التي رأت في استمرار الاستيطان مؤثراً على عملية السلام، حيث شهدت فترة أوباما حالات شد مع حكومة الكيان بهذا الخصوص، كان أبرزها امتناع واشنطن عن التصويت فيما يتعلق بالقرار الأممي ضد الاستيطان في آخر عهد أوباما، وهذا القرار بدوره سيكون منطلقاً لمواقف ترامب في اتجاهات مختلفة ستنبثق عنها مشادات سياسية وقانونية وأممية ستكون كلها في عهدته، وسيتفانى في الدفاع عن موقف الكيان الصهيوني بقدر كبير.

ترامب والملف اليمني:

لم يقدم ترامب الكثير فيما يتعلق بالملف اليمني حتى الآن، وكلما بدر منه بخصوص هذا الملف هو مهاجمته للحرب التي تشنها السعودية، معتبراً ذلك سعياً سعودياً للاستحواذ على الثروة النفطية المكتشفة فيه، وفيما عدا ذلك لم يتعرض للملف اليمني، وبرغم أن هذا الكلام يمثل مهاجمة للعدوان على اليمن إلا أنه في ذات الوقت يمثل تجاهلاً كاملاً للتبعات الإنسانية الكارثية التي ألحقها العدوان، وإغفالاً للدور الأمريكي الداعم لوجستياً للسعودية للعدوان عليه.

حالة العداء البادية في خطاب ترامب تجاه ما يسميه بالإسلام الراديكالي سيكون لها دور في تفضيلات السياسة الأمريكية في اليمن، فيما يتعلق بالمكونات الداخلية في كل الأحوال، وهذا الأمر بدوره سيضيف نفوراً أمريكياً من طرف هادي؛ لاعتبار تداخله الجوهري مع تيار الإسلام الراديكالي، وكذلك حمله على مركبه جماعات أو شخصيات قريبة منه مصنفة أو مطلوبة على خلفية الإرهاب بشكل أو بآخر، إضافة إلى النفور البادي نتيجة رفض طرف هادي للحل المقترح للملف اليمني المعروف بمقترح ولد الشيخ.

ويظل الملف اليمني ملفاً مرتبطاً بالملفات المشتعلة في المنطقة - بالملف السوري على وجه الخصوص - كما أن له علاقة مباشرة بحالة تنافس مشروعيّ التطبيع واللاتطبيع في المنطقة، وسيظل يمثل ملفاً مطلوباً لما يمكن أن نسميه بقواعد الاشتباك السياسي في المنطقة، وعلى ذلك، فموقف ترامب تجاه الملف اليمني سيتحدد في ضوء موقفه من الملف السوري، وموقفه في صراع مشروعيّ التطبيع واللاتطبيع في المنطقة، وحالة التجاذب بين مفاهيم الأمن القومي لمختلف الدول الحاضرة بأجندتها في المنطقة.

 

تعقيبات المشاركين:

د/ علي الطارق - جامعة صنعاء:

يقوم الأمريكيون عادة باتباع الوسائل والمناهج العلمية في حياتهم، ومنها الانتخابات سواء الرئيس المرشح أو الشعب المانح للأصوات، فقد قام الأمريكيون بتحليل شخصية ترامب من الجانب السيكولوجي، وراقبوا وحللوا تصريحاته التي لامست متطلبات الشعب، خاصة أنها جاءت من خلال الخطاب الشعبوي فمثلاً قبل ساعات من انتخابه قال أنه سيوقف الحروب الخارجية التي تكلف أمريكا المليارات، بينما كلينتون كانت تعد الشعب بأمور جزئية كالصحة والتعليم... وبهذا الأسلوب حصد الكثير من الولايات؛ بسبب اتخاذه الأسلوب العلمي في قضية الاتجاهات التي تتخذ القرارات بشأنها فقام بتغيير اتجاهاتهم قبل الانتخابات. ورغم التصريحات الغريبة والهوجاء إلا أن سُجّل لأول مرة في تاريخ أمريكا فوز رجل بهذه النرجسية والتصريحات المعوجة فيما تعتبر هزيمة للمؤسسة التقليدية.

- من النتائج السلبية لفوز ترامب على الداخل الأمريكي هو احتمال انفصال ولاية كاليفورنيا التي لو انفصلت لأصبحت أكبر سادس قوة في العالم فهي توصف بـ ((Gold state الولاية الذهبية مقتدية بالخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي "بريكسيت" لتكتسب مسمى "كال اكسيت".

على الصعيد العالمي يلاحظ أن تصاعد العنصرية في العالم بتنامي مقولات: "أمريكا أولاً وفرنسا أولاً وألمانياً أولاً" أفاد ترامب بشكل كبير حيث أصبح الرابط المشترك بينهم هو مواجهة الهجرة، والعنصرية ضد المهاجرين واللاجئين ومن هذا المنطلق دغدغ مشاعر الأمريكيين بكلمات عن عظمة أمريكا وأنها ستكون في وضع أفضل، فيما يؤكد أنه ليس معارضاً للهجرة الشرعية وهذا ما جعل فريقاً من الديموقراطيين يصوتون لصالحه.

بشخصية التاجر الناجح سيدير ترامب علاقاته مع المنطقة العربية بناءً على قاعدة من يعطي أكثر سنقدم له الأكثر، وعند مقارنته بين السعودية ومصر وسوريا واليمن قال: إن السعودية وزنها بما تملكه من مخزون نقدي فإذا سحبته فالوزن سيكون لمصر أو سوريا أو اليمن، بناءً على نظرته للوزن السكاني.

 ينبغي التنبيه هنا إلى أن كلامه عن السعودية ودول الخليج بأنها تحت الحماية الأمريكية منذ 30 سنة وضرورة دفع المقابل بأثر رجعي لن يكون بنفس الصورة بل المقصود أن الدفع مستقبلاً سيكون أكبر.

الفوبيا من الإسلام الراديكالي التي أعلن عنها ترامب منطلقة من اهتمامه "بالداخل أولاً ثم الخارج" وليس "الخارج أولاً ثم الداخل" كما كانت عليه إدارة أوباما السابقة والتي يتهمها الرئيس الجديد بصناعة ودعم منظمات إرهابية كداعش في العراق وسوريا.

المستشار القانوني للمؤتمر الشعبي العام/ الأستاذ نزيه العماد:

تعقيباً على ورقة الأستاذ عبد الوهاب الشرفي يمكن القول إن الصين بطبيعتها لا تبحث عن النفوذ خارج حدودها، فهي من بنت سوراً على نفسها منذ القدم وعادة ما كانت تشعر بالتبعية بخلاف اليابان التي تشعر بالعظمة وحب السيطرة لذا كان الإمبراطور الصيني يعين من قبل اليابان!!

 اليمنيون بطبيعتهم لا يحملون النظرة الإمبريالية، حتى عندما خرجوا للفتوحات الاسلامية خرجوا كجنود وليس كيمنيين، لكن بالمقابل فإن اليمني يدافع عن أرضه وعرضه بشراسة.

فيما يخص ترامب فبحسب المتابعة والقراءة عنه أجزم أنه ليس انتهازياً، بل لديه قدرٌ كبيرٌ من المصداقية فمن يقرأ سيرته يلاحظ أنه بعد كل إفلاس يتعرض له كان يبدأ أولاً بسداد ديونه ويقف على رجليه مرة أخرى، وما ينقل عنه أنه يريد نفط العراق إنما هي أقوال تم تجميعها من خطاباته منذ 2003.

لا يبدو أن الرجل يتمتع بانسجام مع المؤسسة الأمريكية التقليدية، لذلك جاءت تعييناته من خارج تلك المؤسسة كدليل على عدم ثقته في تلك المؤسسة كما أنه مؤشر أيضاً على أن للرئيس الأمريكي دورٌ في صنع السياسة العامة للبلاد خلاف ما هو سائد من أن المؤسسة الأمريكية هي حصراً من يضع ويقرر السياسة الأمريكية.

الرئيس السابق أوباما تعامل مع الأخوان كعضو في منظمة عقائدية، هذه المنظمة أشبه بالماسونية الممتدة من بريطانيا إلى أوباما إلى الأخوان، أنتج هذه التعاون ما سمي بالربيع العربي المدمر، من جهته استطاع الرئيس الجديد التعامل معهم كماسونية وتمكن من هزيمتها رغم اعلامها الذي أشعرت به نفسها والعالم أنها قوة قاهرة ومسيطرة على الأحداث العالمية.

السعودية تتعامل مع الإدارات الأمريكية دائماً على أساس عقد الصفقات مع الرؤساء والنافذين وإنشاء اللوبيات، فقد استطاع الأمير بندر - السفير السعودي لدى الولايات المتحدة سابقاً - بواسطة المال صناعة لوبيات موالية للسعودية حققت نجاحاتٍ كبيرةً للسعودية في الثمانينات.

بالنسبة لليمن فالغالب أن إدارة ترامب ستقف إلى جانب السعودية بسبب العرض الكبير الذي ستقدمه السعودية. وانطلاقاً من توجه ترامب لابتزاز السعودية خاصة بعد تورطها في اليمن؛ فإنه يمكن استغلال ذلك كورقة مساومة لم تكن متاحة في عهد أوباما، فهل نستطيع أن نستغلها أم أننا لن نفعل شيئاً حيالها كما يبدو.

من الخطوات التي يجب على حكومة الإنقاذ اتخاذها تجاه المجتمع الدولي الغافل عن حقيقة ما يجري في اليمن رفع محضر تصويت مجلس النواب لمنحها الثقة - بما فيها اعتراض البعض وعدم تصويتهم كدليل على الديمقراطية، وباعتبار المجلس النيابي مؤسسة معترف بها دولياً - إلى الأمم المتحدة ويتم مطالبتها بمنحنا مقعد اليمن لديها، ولكن غياب الهدف والاستراتيجية يمنع ذلك!!.

أيضاً يمكن الاستفادة من وصول الأمين العام الجديد أنطونيو غوتيريش الذي ذكر اليمن في خطاب تنصيبه، فالرجل يرأس منظمة دولية تتخاطب بلغة القانون وهي اللغة التي لم نستخدمها للتفاهم مع الخارج، نحن لم نستغل فرصة الأمين العام الجديد، ولم نحرجه بمطالبنا بل لم يتعرف أصلاً على مطالبنا، وبسكوتنا وتقاعسنا عن إيصال مظلوميتنا إليه سنعفيه ونعفي الأمم المتحدة من الاتهام بالمخالفة القانونية، فالمعلوم أن للدول أن تنحاز حسب مصالحها لكن الأمم المتحدة يفترض أنها محايدة وسكوتنا يعفيها من هذا الاتهام.

 

رئيس "تكتل ناصريون ضد العدوان" د/ إدريس الشرجبي

لأهمية مفهوم الأمن القومي لدى الرئيس الجديد ترامب فإنه يجب الإلمام بالثوابت التي يتشكل على أساسها مفهوم الأمن القومي الأمريكي، وعليه يستطيع العرب أن يتعاملوا مع الرئيس وفق ذلك المفهوم، فلدى العرب تجربة سابقة مع مفهوم الأمن القومي الأمريكي منذ الستينات أيام الصراع العربي الإسرائيلي بعد قيام ذلك الكيان.

كان الرئيس السابق دوايت أيزنهاور أول رئيس أمريكي يرسم السياسة المؤثرة علينا في الشرق الأوسط وفق رؤية خاصة للأمن القومي الأمريكي الذي بني على أمن الكيان الصهيوني، وتتابع بعده رؤساء أمريكيون لوحظ أن أولويتهم كانت البحث عن حل سلمي للقضية الفلسطينية كما ذكره الكاتب الراحل هيكل.

الفكرة المتداولة أن الرئيس الأمريكي عادة ليس له تأثير كبير في صناعة السياسة الأمريكية وإنما التأثير للمؤسسة بينما يعتبر هو رئيس تنفيذي، وهذا غير دقيق فالواضح أن لشخصية الرئيس تأثير على صنع القرار إلى جانب تأثير المؤسسة التقليدية، وكان الرئيس أيزنهاور أجرؤهم وأبرزهم في التأثير ثم نيكسون فكارتر الذي شهد عهده نوعاً من إعادة صياغة الحقائق.

قام الرؤساء الأمريكيون السابقون بصياغة عدة حقائق أساسية عن السياسة الخاصة بالشرق الأوسط أصبحت مقبولة لدى العقل العربي وهي:

  1. 99% من اللعبة بيد الأمريكان ومادامت الأمور كذلك فلماذا لا نجعلها تحل مشكلتنا.
  2. قاتلنا الصهاينة طويلاً فلماذا لا نجنح إلى السلام مع الصهاينة ونسعى لتحقيق المكاسب والأرباح بدلاً عن الخسارة.
  3.  نحن العرب في حالة تمزق ولم نتمكن من التوحد، فلماذا لا يكون الغرب هو من يرسم لنا السياسات ويحدد اتجاهاتنا في المنطقة خاصة أن المقاومات لم تحقق شيئاً.

هذه الحقائق مثلت اختراقاً للمنظومة العربية نفذ من خلاله العدو للانفراد بمصر وإخراجها من الحظيرة العربية، وأرسى مفهوم الهيمنة الذي ارتكزت عليه إسرائيل يومها ومازالت.

من جهتها رسخت إسرائيل حقيقتين هما:

  1. إمكانية مناقشة الحلول دون حق العودة واعتباره مشكلة يحلها العرب الذين تعهدوا في 48 باستقبالهم، فما المانع (يقول الصهاينة) من إعادة مناقشة الموضوع على أساس تحمل العرب مسؤولية تعيين وطن بديل.
  2. مفهوم (القدس) عاصمة أبدية لإسرائيل، وهي التي شكلت أساساً ثابتاً في رسم السياسات الأمريكية، ومنها سياسة ترامب القادمة. 

 تتميز السياسة الأمريكية دائماً بالمخادعة والانتهازية فصانع السياسة الأمريكية يقول كلما كان العربي ضعيفاً كلما كانت الفرصة سانحة لنفرض عليه شروطاً أكبر، الأمريكان خدعوا السادات باستثمارات لم تصل في مقابل تنازلات قدمها في كامب ديفيد، والغريب أن الأمريكي اليوم يقوم بنفس الخدعة بحديثه عن استثمارات واسعة في المنطقة العربية.

 نظرية المنفعة (البراغماتية) هي المرتكز الأساسي في السياسة الأمريكية، وما يتغير مع كل إدارة جديدة تصل إلى البيت الأبيض هي فقط أوجه تلك البراغماتية إما ناعمة أو متوحشة، وامتداداً لهذه التغيرات فنحن نعيش في نهاية مرحلة من أبشع المراحل التي كشفت النقاب عن الهوية الحقيقية للإمبريالية الأمريكية وهي مرحلة إدارة أوباما، التي أبلى فيها بقوة خاصة بعد انطلاق ما يسمى الربيع العربي.

كان الهدف من وراء الربيع العربي هو السيطرة على العالم العربي من تونس إلى اليمن، وكانت الخطة أن تتم السيطرة الأمريكية عبر أدواتها وهي الجماعات الإرهابية (الإسلام الراديكالي).

 اختلفت نتائج هذا الربيع في المناطق التي اشتعل فيها بين تدمير كامل كما هو الحال في ليبيا واضطراب في مصر وتونس واليمن لكن الحقيقة أن ذلك المشروع الوردي اصطدم بالهزيمة على أبواب دمشق. بعد هزيمة المشروع ظهرت عقيدة أوباما الجديدة التي تنص على أنه ليس بالضرورة أن نستمر في الدفاع عن إسرائيل، بل نخلق تحالفات في المنطقة تكون إسرائيل هي المسيرة لهذه التحالفات.

كان حلف بغداد نموذجاً لهذه التحالفات التي تخدم إسرائيل ولكنه فشل بسبب مقاومة التيار الشعبي والقومي في العراق وسوريا. واليوم أوكل مشروع عقيدة أوباما (التحالفات الجديدة) لأباطرة النفط لآنه مكلف وليس من السهل أن تدفع واشنطن الأموال الباهظة لهذه التحالفات. ولكي يكون هذا التحالف مقبولاً يجب أن يعطى وجهاً عربياً لذا يعتبر التحالف ضد اليمن أول تجربة لنجاح هذه التحالفات.

 لا نتوقع أن تنسحب أمريكا من المنطقة بالمعنى الظاهر للانسحاب بل ربما يكون الانسحاب الأمريكي التدريجي من المنطقة كأثمان وتكلفة، ولكنها ستظل هي من ترسم الاستراتيجيات وتدير العلاقات.

في اليمن للأسف مشكلتنا ليست محلية فمن يعتقد أن الانفجار في سوريا أو العراق أو اليمن نتيجة أزمات داخلية فهو مخطئ؛ لذلك فإن أي محاولة لإفشال هذا العدوان على اليمن من الانطلاق المحلي الغير متجذر مع إطاره الأممي والاسلامي فهو فاشل. وبسبب ترابط الصراعات وأسبابها في المنطقة فإن القتال منفرداً ومعزولاً عن باقي المناطق العربية سيؤدي للفشل بينما التنسيق والقتال ضمن مجموعة سيكون فاعلاً.

ترامب يتبع النظرة البراغماتية فهو يصرح أنه على الخليج أن يدفع مقابل الحماية، وأن تدفع ثمن التحالفات المنشاة في المنطقة، لأن إدارته ترى أن سبب تسرب القوة العسكرية من بين أيدي الولايات المتحدة الأميركية هو النفقات الباهظة التي تتحملها وعليه يقول ترامب أنه لابد من استعادة القوة الاقتصادية وإعادة المال إلى الداخل.

بالنسبة لليمن ما هي انعكاسات سياسته في المنطقة على الملف اليمني؟

سيتسمر الدعم اللوجيستي الأمريكي للعدو السعودي، لكن قد تتغير الحالة القائمة من جهة حجم الأموال التي تقبضها الإدارة الجديدة لقاء ذلك الدعم. كما لا نتوقع أن ننجح في مقاومة العدوان إذا لم نتمكن من استيعاب التيار الذي أرغم أنوف الأمريكيين في العراق والشام وهو تيار المقاومة، وما لم يكن هناك توافق أخلاقي وقيمي وأهداف مشتركة بين دول المنطقة فإنه سيتم الانفراد باليمن ولن نشهد حلاً في المدى المنظور، يجب علينا ألا نوهن من عزيمة المقاومة، ولا نتردد من تأييدها ودعمها خوفاً من وصفنا بالإرهاب، كما ننصح أن تكون مسؤوليتنا هي تنمية هذه التيارات المقاومة والمشتركات التي تحقق النجاح في عموم المنطقة.

د/ أمين الغيش - جامعة صنعاء

لا يجب أن نجعل من ترامب ذلك الفزاعة الكبيرة فالمؤسسة الأمريكية تقوم على الفصل التام بين السلطات وبالتالي مهما كانت قوة ترامب فإن صناعة القرار لها علاقة بالمجلس النيابي والأغلبية فيه بناءً على المصلحة الأمريكية لذلك نلاحظ تصويت بعض أعضاء كتلة برلمانية معينة ضد حزبها أو رئيسها.

يعتبر الرئيس الأمريكي السابق أوباما أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة لنزعته الصهيونية حتى أنه لينطبق عليه مقولة: "ملكي أكثر من الملك". فقد حقق للصهيونية ما لم يحققه رؤساء سابقون مجتمعين، واليوم وصل ترامب إلى الرئاسة يحمل مبدأ "أمريكا أولاً" ويركز اهتمامه على الداخل، وهذا الأمر لا يعنينا فنحن نواجه عدواناً غاشماً يتطلب منا الاهتمام بالداخل اليمني، بل ينبغي أن نتخذ من ذلك فرصة للتوحد الداخلي وتحشيد القوى لمواجهة هذا العدوان.

لا تركز أمريكا على الاقتصاد كسلعة فقط بل تسعى من خلاله إلى الهيمنة وخنق الاقتصادات الأخرى والنفط هو عنوان الصراع القائم وحسب نظرة أمريكا الامبريالية فهي لا تريد أن ترى الغير يستولي على النفط ببنما تظل كاللص الذي يلتقط ما يتساقط من فتات الأثرياء،

استخدم العدو تهمة تبعية اليمن لإيران كمبرر للعدوان الغاشم على بلادنا، وفي الحقيقة إيران لم تقدم لنا شيئاً، ولو كان ثمة ما تقدمه لكان هذا الوقت المناسب ونحن في أمس الحاجة إليها ولكن الواقع خلاف ذلك.

محمد عايش رئيس تحرير صحيفة الأولى اليومية

 باعتبار ترامب يمينياً أصولياً ودائماً ما يبحث الأصولي عن عدو يبني عليه أمجاده ويقيس به مدى نجاحه فهل حدد الرجل عدوه بعد؟ وإذا كان قد حدد عدوه فمن هو؟

نستبعد ان تكون روسيا هي العدو لهذه المرحلة فرسائل التعاون بين البلدين متبادلة، كما نستبعد إيران أيضاً رغم اعتراضه على الاتفاق النووي وتهديده لها بالعقوبات.

 قد يكون العدو هو الإرهاب الذي يسميه (الإسلام الراديكالي)، وإن كان حديثه عنه لا يشي بأنه العدو رقم واحد. كما أنه محكوم أيضاً بنظرية المؤامرة التي تحدث عنها تصريحاً وتلميحاً حين اتهم إدارة أوباما السابقة بصناعة ودعم "داعش".

فيما سبق كان العدو هو الاتحاد السوفييتي ثم العراق ثم إيران وأخيراً القاعدة وداعش، وعلى أساس كل ما سبق من التخويف بالأعداء المفترضين تم ابتزاز دول الخليج وتحميلها تكاليف الحروب التي شهدتها المنطقة.

تواجه أمريكا مشكلة تحديد العدو بعد زوال الأنظمة التي تسعى لإسقاطها، وعليه تحولت طبيعة الصراعات من حروب مع الأنظمة إلى حروب مع جماعات إرهابية، والسؤال الآن هل باستطاعة الأمريكيين أن يحموا دول الخليج من هذه الجماعات. ثم يتساءل الأمريكي هل ستصبح حمايتنا لهم بدون مقابل؟..  لذلك كان موضوع الحماية رئيسياً في حملة ترامب والمحادثات بين السعودية وأوباما.

هذا سيقودنا إلى الجانب الاقتصادي، أي هل سيكون العدو اقتصادياً بدليل اهتماماته الاقتصادية كملف رئيسي بالنظر إلى صعوبة الفصل بين السياسة والاقتصاد؟.. وهل سيسخر القوة العسكرية لذلك؟.. أي هل سينسحب عسكرياً من المنطقة أم سيحول هذه القوة العسكرية إلى شكل من أشكال الابتزاز، كما هدد دول الخليج بدفع تكاليف الحماية بشكل أكبر مما سبق؟..

يبني الأمريكي نظرته على أنه إذا أردت أن تتحول إلى قوة اقتصادية كبيرة فلابد أن تظل الموارد قائمة بشكل لا يقبل الشراكة أي الوصول إلى مرحلة وضع اليد على الثروات. فالملاحظ أن معظم المراكز البحثية المحترمة والتقارير الإعلامية بدأت تتحدث عن مصير العائلة السعودية الحاكمة واحتمال زوالها، وهذا إذا لم يكن تنبؤاً فهي مساهمة لخلق الواقع الذي تتنبأ به، وتشكيلاً للوعي لدى صناع القرار لما يجب أن يقوموا به، السيناريو أنه قبل افتراض سقوط السعودية في يد الجماعات الإرهابية فالحل هو وضع اليد مقدماً على نفطها. الصحفي اليهودي توماس فريدمان زار السعودية وتعرف على الكثير من العائلة الحاكمة عن كثب وعند عودته أدلى بشهادات أمام الكونجرس مركزاً على أن الأمريكان في واد والعائلة السعودية في واد آخر، وخاطبهم قائلاً: "الخطر هو أن تتوجه داعش باتجاه إسرائيل عندها سيكون تحالفكم السني قد خرج من النافذة، أي سقوط السعودية لأن داعش ستسحب آخر بساط من يد السعودية وهي إسرائيل".

هذا التحول (سيناريو سقوط السعودية) هو أحد أسباب استمرار العدوان على اليمن لأن خسارة السعودية للحرب سيمنح الجماعات الإرهابية المتطرفة نصراً هائلاً ضد بن سلمان في السعودية وهو ما سيشكل زلزالاً لأنه خاض الحرب تحت شعارات طائفية فالهزيمة ستكون هزيمة للدين والسنة؛ لأن الحرب التي تشن بعناوين فاشلة ترتد سلباً على صاحبها.

رئيس التيار اليساري الثوري اليمني/ عبد الجبار الحاج

أتفق مع الرأي القائل بأن المؤسسة الأمريكية هي صانعة القرار؛ ولكن مع هامش للرئيس بشرط ألا يتجاوز ما تقرره تلك المؤسسة، وإلا فإن مصيره سيكون مثل مصير لينكولن الذي حاول سحب السيطرة من الإدارة الأمريكية وكانت النهاية اغتياله.

ينظر إلى أمريكا كخزانة رسمية يمكن أن تخسر، ولكن الذين يربحون دائماً هم النافذون لذلك نقول إن الرئيس لا يمكنه تجاوز ما قررته المؤسسة.

الانتقال الأمريكي إلى الصين انتقال اقتصادي الهدف منه البحث عن العمالة الرخيصة، كما أن الصين لا تشكل خطراً كونها بلداً منسجماً في نسيجه وعقيدته، بخلاف أوربا الشرقية التي تحوي قوميات كبيرة وكثيرة يصعب التعاطي معها؛ لكن الصين من ناحية أخرى لا يريحها تواجد قوات أمريكية قربها والتي تقيد تحركاتها العسكرية وربما تستغل للضغط عليها لقبول شروط اقتصادية تراها مجحفة بحقها.

إن توجه ترامب لمبدأ "أمريكا أولاً" جعله يسعى إلى تحميل أوربا جزءاً من الأعباء الملقاة على الولايات المتحدة، كما هدد دول الخليج بدفع تكاليف الحماية لبلدانهم وهو ما يتوقع أن يستجيب له الخليجيون ويساوم فيه الأوربيون.

عضو مجلس النواب/ أحمد سيف حاشد

 يوصف ترامب بالرجل العنيد، كما توصف توجهاته بأنها تعبير عن أزمة أمريكية في الجانب الاقتصادي، فسرعان ما قام ترامب بالانسحاب من اتفاقية التجارة عبر المحيط الهادي وهو مؤشر مهم لا يجب أن يهمل، وإذا أقدم على الانسحاب من الحلف الأطلسي فذلك سيكون توجهاً غير عادي ومؤشراً خطيراً.

على الصعيد الداخلي انعكست توجهات ترامب على مظاهرات عدة ودعوات لانفصال كاليفورنيا، وحديثه عن الانتقال السلمي للسلطة كأول رئيس يتكلم عن هذا الأمر، وصراع مرتقب مع وكالات الاستخبارات ومؤسسات أخرى ما يعني مشاكل داخلية وراء الكواليس.

المحدد الأكبر لسياسة ترامب في اليمن هو موضوع الإرهاب ويمكن العمل من هذا المنطلق والاستفادة من عداوة ترامب للإرهاب الذي أصبح قضية تهدد أمريكا وأروبا، ونحن إن لم نستطع صنع السياسة الأمريكية فنحن نستطيع التأثير عليها عبر موضوع الإرهاب، وتوظيف اتهام الرئيس الجديد لدول الخليج - السعودية بالذات - بصناعة الإرهاب وتمويله ونشر عقائده، إضافة إلى توجه ترامب لطلب المزيد من الأموال مقابل الحماية ما يشكل ضغطاً مادياً على العدو السعودي.

رئيس المركز/ عبد الملك العجري

يجب ربط صعود ترامب مع الخروج البريطاني من الاتحاد الأوربي وصعود اليمين المتطرف في فرنسا وبعض الدول الأوربية، والحديث عن إمكانية تفكك الاتحاد الأوربي. في هذا السياق يمكن اعتبار صعود ترامب تعبيراً عن أزمة داخلية أو أزمة العولمة باعتبار أمريكا قائدة النظام العالمي.

العولمة منظومة متعددة الجوانب وأحد منتجات هذه العولمة هو اعتبار الليبرالية نظاماً كونياً يجب أن يسود العالم وهو ما ترجمته كتابات فرانسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ" فاعتبر أن النظام الليبرالي هو آخر ما توصل إليه العقل البشري وبموجبه قامت أمريكا بحمل مشعل الدعوة إلى تعميم ذلك النظام معتمدة عل البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، ونشرت أساطيلها في معظم مناطق العالم وسعت لإسقاط أنظمة وجماعات، وبالتالي تحملت التبعات المكلفة للسلوك الامبراطوري كما فعل الاتحاد السوفييتي الذي تحمل أعباء نشر الشيوعية وكانت النتيجة انهياره.

هناك تحولات حقيقية وأزمة لا يمكن أن تستمر دون أن تغير أمريكا سياستها. لذا جاء خطاب التنصيب ليؤكد الفكرة القائلة إن ترامب المرشح يختلف عن ترامب الرئيس،

كان صعود ترامب تعبيراً عن احتجاجات ومطالب الطبقة الوسطى التي فقدت الكثير من الوظائف بسبب توجه الشركات نحو شرق آسيا ذات العمالة الفائضة والماهرة والرخيصة والضرائب المنخفضة وبالتالي حقق الاستثمار في آسيا أرباحاً كبيرة لطبقة التجار الكبار على حساب الطبقة الوسطى التي تعتبر مؤشراً للتنمية.

من جهة أخرى لوحظ أن 95% من خطابه كان عن الداخل وتركيزه على مبدأ أمريكا أولاً ما يعني استحقاقات داخلية على حساب الخارج، وتطبيق سياسة "الانكفاء" في خطوة فسرت بالعودة إلى ما قبل العولمة، توجهه هذا سيصطدم بالمؤسسة التقليدية الحامية لهذا النظام عبر تحريك اللوبيات الضاغطة والخروج إلى الشوارع.

من جهة أخرى من هو العدو المقبل للولايات المتحدة الأمريكية روسيا أم الصين؟ الملاحظ أن روسيا لم تعد العدو الحقيقي، بخلاف الصين التي تمثل تهديداً أكثر من غيرها، خاصة في الجانب الاقتصادي الذي يوليه ترامب اهتماماً بالغاً.

فيما يخص موضوع الإرهاب ترامب اتهم أوباما وإدارته بالمشاركة في خلق داعش إلى جانب السعودية وقطر وهو ما أكدته الكثير من التقارير، والسؤال هو: هل سيدخل في صراع مع من صنعها؟

لطالما كان الغرب يبتزون شعوبهم بتخويفها من الإرهاب وممارسة التضخيم الإعلامي، ما خلق موقفاً لدى الشعوب من الإسلام وساهم في إنشاء أصولية داخل المجتمعات الغربية مقابل الأصولية الإسلامية، ونتيجة لذلك تحولت من قضية توظيف رسمي إلى قضية مخاوف جمعية للشعوب الغربية.

بالنسبة لليمن ترامب يفضل سوريا على اليمن بسبب موقعها وأهميتها، ولكن نتوقع أن القضية اليمنية لن تهمل كما هو حال القضية الصومالية.

اليمن سيبقى محور اهتمام لدى الإدارة الجديدة والمجتمع الدولي وإن بمستوى أقل من الملف السوري نظراً لـ:

  1.  باب المندب وأهميته الاستراتيجية.
  2.  وقوع اليمن في خاصرة دول الخليج الحليفة لواشنطن.

ضمن هذا الاهتمام المتوقع هل سيظل ترامب داعماً للعدوان ضد اليمن وإلى أي حدٍ يمكن الاستفادة منه؟

ترامب كان واضحاً في التعبير عن أزمة النظام التي كان أوباما يعبر عنها تمويهاً، فترامب يصرح بوجوب دفع المزيد من الأموال حتى قبل أن يحدد المشاركة الفعلية من عدمها وذلك الدفع يتوقف على مدى قدرة دول الخليج على تحمل تلك المبالغ.

تعقيب الأستاذ عبد الوهاب الشرفي:

لم يعد الاقتصاد عامل التفضيل لدى المجموعات المتصارعة بل أصبح هناك حالة من الانجرار وراء الصراع الثقافي.

 وصول الإرهاب إلى أعتاب أوربا لم يمر عفواً عليها بل شكل زلزالاً أعاد تشكيل سياستها، فبدأ الحديث عن الهجرة والعنصرية والعلاقات والبعد الأمني، بل وصل الحديث إلى إمكانية التدخل في جغرافيات الدول الأخرى لضمان أمن القارة الأوربية.

    النظرة التحليلية إلى تصريحات ترامب تنبئ عن مزاجية مختلفة عمن سبقه من الرؤساء، فنقطة الخلاف بينه وبين من سبقه يمكن أن توصف بالقضية القانونية، فخصومه يرون أن الرجل قادم لانتزاع المؤسسات نفسها وتغييرها وليس تغيير سياساتها. وهذا الأمر أقلق الجميع، فعندما يضع المؤسسات هدفاً له فمعنى ذلك استعداء الكل..

___

*ورقة عمل مقدمة لمنتدى مقاربات، اللقاء الثامن, 25 يناير 2017م

 


[1] -  منتدى مقاربات لقاء أسبوعي ينظمه مركز الدراسات الاستراتيجية والاستشارية اليمني، يناقش فيه أبرز القضايا والمستجدات على الساحة اليمنية والإقليمية والدولية.

 

 

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة