Logo dark


تأملات في الحملة العدوانية على الساحل الغربي : المعركة الطويلة الأمد

( مُفكر ومحلل استراتيجي وسياسي – رئيس تحضيرية الاشتراكي اليمني (ضد العدوان) , )

إن توازن القوى بين القوتين خلال الأعوام الثلاثة، قد رسخت حقائق توازنات وقواعد اشتباك عدة، أبرزها أن عُرض الساحل الترابي المكشوف الطويل يعتبر ضيقاً جداً للمناورات والمعارك البرية الكبيرة، فهو لا يزيد عرضه عن 30 كيلومترا في جنوبه ووسطه، وبعدها تبتدئ سلاسل المرتفعات الجبلية المترادفة صعوداً نحو الشرق والشمال،

والنتيجة الموضوعية لهذه الحقيقة هي:

  • أن الهجوم البري العدواني على الساحل سيكون حتماً محكومٌ بعرض وبمساحة المكان الذي يجري فيه الاختراق والتسلل.
  • أن المكان هو سر الحركة ومآلاتها ونتيجتها، فكل شيء يجري على المكان وحسب شكل وأبعاد وأعماق وآفاق المكان الأرض الجغرافية الاستراتيجية التي تجري عليها العمليات، والأرض التي يسيطر عليها صاحب الأرض تمنح الأخير القدرة على توظيفها دوماً كسلاح في المعركة ضد الغزاة.
  • أن الأرض تصبح سلاحاً ضد الغازي كلما ضاقت مساحاتها وتقلصت عوارضها، فإذا أضيف لذلك مزايا التفوق البري العددي والمعنوي والحاضنة الشعبية المقاومة، تصبح النتيجة محسومة سلفاً للمدافع عن الأرض.

ومعنى هذا أن الاختراق العدواني الأخير في الساحل، هو عملية صبيانية حقيقة، ولكنها مع ذلك يجب أن تؤخذ كعملية مجنونة محسوبة وفقاً لخطة التفافية معدلة منسقة تعرف حدودها القصوى.

كيف يفكر العدو إزاء هذه المعضلة الاستراتيجية ويتصرف ويخطط؟

العدو يعرف هذه الحقيقة الموضوعية ويدرك نتائجها، فكيف يتعامل معها إذا؟

يواجه العدو تحديات الواقع عبر إعادة التكيف الاستراتيجي والتكتيكي، والالتفاف على التحديات من خلال:

  • معرفة العدو حدوده وقدراته القصوى في الظروف الملموسة، والإقرار بتفوق الجيش اليمني البري والمعنوي والعددي والجغرافي، والمراهنة على نقاط الضعف الحتمية للجيش اليمني ولأي جيش في وضع الدفاع الاستراتيجي، فالجيش في وضع الدفاع مهما كانت قوته لابد أن يُفاجأ أحياناً بالهجمات التسللية والاختراقية في مواجهة التفوق الجوي البحري المادي والتقني، ولذلك يقيم العدو تكتيكاته بناء على احتساب تلك النقاط السوداء الفارغة في جدار الاستراتيجية الوطنية أو الثغرات التكتيكية الممكنة جزئياً، مثال ذلك الخيانة أو ضعف اليقظة الفكرية والعملياتية، وضعف التوقع والتنبؤ بسلوك العدو ومخططاته المحتملة التي لابد منها بعد كل خسارة أو انكسار، وطالما لم تحسم الحرب ككل بعد فلابد أن نتوقع دوماً إعادة الكرة مرات ومرات بدون توقف رغم الخسائر؛ لأن العدو لا تهمه الخسائر البشرية كثيراً طالما هناك مرتزقة جاهزين لبيع الأنفس والولاءات للأجنبي، وهي عملية ليست بلا نهاية، ولكنها لا تأتي سريعاً كما نشتهي.

هناك مساحة من الوقت والمعاناة تنقضي ولا بد أن تنقضي قبل أن تضع الحرب أوزارها ويضع العدو أحماله على كتفه ويرحل بعد أن تكون الحروب والصمود قد أرهقته ودوخته.

ولكن تلك المساحة والوقت الرمادي المنقضيان ويطولان بين الواقع والمنتظر والمؤمل هي التي يراهن العدو عليها ويرمي بكل أحماله وقواه أملاً في أن يستنزف المقاومة مادياً ومعنوياً بفعل الحصار وطول الحرب والعدوان.

رهانات العدو التكتيكية في ضوء ما سلف شرحه

هل نجح العدو في اختراقاته الأخيرة وهل حقق أهدافه البعيدة والقريبة؟

لقد فشل العدو في تحقيق الأهداف البعيدة والكبيرة على الساحل، وهي السيطرة على الحديدة ومحيطها ومطارها ومينائها والتأسيس لقاعدة توسعية وحصار للمرتفعات الجبلية حيث تركز الجيش واللجان وقوى الثورة.

خسر العدو الآلاف من مرتزقته ومئات المدرعات والآليات، في أكبر خسارة حربية عرفها تاريخه في اليمن منذ بداية العدوان، فلم يتكبد خسائر بهذا الحجم وخلال هذا الزمن القصير.

وزيادة على ذلك، تعرض عدد من ألويته للحصار وانتقل من الهجوم إلى الدفاع والتراجع نحو قواعده في الساحل البحري التي انطلق منها.. لقد خسر العدو معركة كبرى، لكنه لم يُسحق بشكل كامل، إنها هزيمة غير مكتملة بعد، وهذا هو الحد الأقصى الذي بلغته، فمازال هناك احتياطات كبيرة قادرة على إعادة الكرة والهجوم مجدداً.

ما الذي يمنع إحراز انتصارات كاملة؟

إنه التفوق الجوي للعدو، إنها ثغرة الدفاع الجوي، وهذه المعادلة تجعل انتصاراتنا ناقصة.. لماذا؟

لأننا لا نستطيع مطاردة العدو إلى قواعده بعد كل انكسار أو هزيمة نلحقها به، فهو يفر إلى السواحل والجزر والبحر حيث تتوفر له حماية جوية ودفاع جوي مضاد –منظومة كاملة دولية– ولذلك فالمهمة الاستراتيجية الرئيسية للقيادة الوطنية حالياً هي الإسراع في إنجاز اختراق دفاع صاروخي جوي ولو محدود محلياً –ومنطقياً– بداية وهذا واجب بعيد الأمد وسيأخذ وقتاً.

لكن يمكن:

  • الانتقال الى تطوير اساليب القتال البري بحيث تحقق النتيجة المطلوبة أو تقترب منها باستمرار، وهي تطوير انتاج الصواريخ البرية المضادة للدروع والآليات والعربات من أنواع مختلفة وبكميات كبيرة مضاعفة، وكذلك كميات كبيرة من الألغام.
  • استغلال الأرض إلى الحد الاقصى ضد الغزاة وخاصه على الساحل نتيجة رخاوتها وسهولة تشكيلها.
  • مضاعفة الانتاج السياسي المعنوي والفكري الوطني الشعبي، ومضاعفة إشراك الشعب في توفير الأمن والمعلومات ضد الغزاة وأراجيفهم وتحركاتهم وزيادة التحشيد الشعبي المقاتل.
  • استغلال دقيق لنقاط ضعف العدو المتسلل والمخترق والضرب عليها بقوة إلى الأقصى وأهمها: العربات والمدرعات والآليات والاطقم والناقلات.

إن الآليات الحربية هي عصب المعركة الحديثة البرية، وعليها تعتمد الدول الامبريالية الإقليمية في حروبها، وفي بلادنا اعتمدت الامار ات والسعودية -إضافة إلى الطائرة- على أحدث المدرعات الخفيفة والمدولبة، وهذا الاتجاه لا يمكن تغييره أو حرفه، فهو توجه ثابت في بنية العدو وهو عموده الفقري ونقطة الضعف في وقت واحد.

تصبح المعركة في جوهرها العملياتي العدواني مرتبطة أشد الارتباط، بمصير المدرعة الخفيفة الحركة شديدة التصفيح عالية التقنية،  ومصيرها محسوم سلفاً، ولا يجدي أمام قدرات اليمن الصاروخية، فالدبابة صارت هدفاً سهلاً جداً وهي تخلي مكانها للمدرعة الحديثة الأخف الأكثر مرونة.

ويتضح هذا من نسبة المدرعات المشاركة في المعارك العدوانية منذ اختراق عدن ومأرب والجوف قبل عامين ودورها الكبير في تحقيق الصدمات والمفاجئات والاقتحامات السريعة والتمدد الجغرافي والمناورة بالقوات والتسللات والالتفافات، فيما يعتمد تقدم الجيش اليمني وانجازاته على قدرته في توسيع ضرباته ضد الآليات بأنواعها.

والملاحظ والكارثي بالنسبة للعدو، أنه يعتمد على الآليات وبمقدوره تعويضها، لكن ليس خلال المعركة، إذ أنها تحتاج إلى إعادة انتاج الرجال الذين يمتطونها للقتال وهذا يتطلب وقتاً. وهذه هي الثغرة الاستراتيجية التي يمكن للجيش اليمني أن يستغلها ويطور إمكاناتها إلى الحد الأقصى.

تطوير التاكتيكات العملياتية.. الكمين المزدوج

ما زالت التاكتيكات المتبعة لدينا في الكمين المضاد للمدرعات والضرب عليها يقوم على استهدافها منفردة فتصيب بعضاً منها وتترك البقية ترحل على وجه السرعة وتعود إلى قواعدها  سليمة ثم تعاود الهجوم مجدداً.

وفي ظروف المعركة الراهنة، لم تعد هذه النتيجة تناسب قدراتنا وإمكاناتنا، والتحدي الماثل أمامنا.

 المطلوب الاستراتيجي

هو ألا يُسمح للآليات بالانسحاب بعد كل كمين، وهذا يعني إغلاق منطقه الكمين بكمائن أخرى إضافية في الخلف وفي الأمام، ولا تضرب المدرعات إلا بعد أن يكون الكمين الاحتياطي جاهزاً وقد أخذ مكانه في الخلف والمقدمة، وهي لا تتحرك إلا بعد أن تضرب من الكمين الرئيسي وتعود هاربه وهنا الكمين الرئيسي يجب أن يكون فيغلق الطريق أمام هروبها مهما كانت التحديات، لأنها تكون في أضعف أحوالها القتالية والنفسية والمعنوية وجاهزة للهزيمة الكاملة، وينطبق هذا على استخدام الطيران المسير ضد الآليات والارتال المدرعة وضرورة التناسق المتكامل بين السلاحين والعمل معا بتساند وتكامل، فالنتائج ستكون مضاعفة والفتك بالمعتدين أكبر وأشد.

استثمار القوة الشعبية البدنية والروحية

أفضل شيء جماعي يمكن القيام به في مواجهة تحرك المدرعات هو الإكثار من إقامة الخنادق العريضة والطويلة والأنفاق والحفر المعيقة للحركة.

إن الأراضي الساحلية طيبة رخوة رطبة عميقة الغور وسبخة وطينية ورملية لا صخور معيقة فيها. وقد تحددت الآن اتجاهات وأهداف العدو وتحركاته الساحلية، فيجب حفر الأرض إلى الحد الأقصى، والشعب يسعده القيام بالمهمة بالآلاف بل بعشرات الآلاف من المتطوعين يسارعون إلى المشاركة الوطنية.

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة