Logo dark


أحداث النيجر.. فرنسا على طريق الاستقلال

( رئيس دائرة المعلومات والنشر بالمركز , wajeehtalib@gmail.com )

انشغل العالم بما يجري في النيجر إثر قيام مجموعة من الضباط بعزل الرئيس السابق محمد بازوم الموالي لفرنسا والاستيلاء على السلطة في ذلك البلد الغني الفقير.

في العام 1922 تعرض النيجر للاحتلال الفرنسي الغاشم مع مجموعة من الدول في غرب ووسط أفريقيا، لما تملكه تلك الدول من الثروات ومصادر الطاقة التي تفتقر لها الدولة الاستعمارية البغيضة فرنسا.

في منتصف القرن العشرين تعالت الأصوات المنادية بالتحرر والاستقلال وعمت الثورات البلدان المستعمرة فأدرك الفرنسي أنه لابد من البحث عن طريقة للحفاظ على مزايا الاستعمار في صورة الاستقلال، فتفتق عقل ديغول عن فكرة منح تلك الدول استقلالاً على الورق بينما تبقى فرنسا صاحبة الامتياز فيها، فوافقت فرنسا على منح الدول المطالبة بالاستقلال مقابل شروط أهمها:

  1. أن تكون اللغة الفرنسية هي اللغة الأم في تلك الدول.
  2. أن تستخدم الفرنك الأفريقي الذي تطبعه فرنسا.
  3. أن تضع احتياطاتها من العملات الصعبة في المركزي الفرنسي.
  4. أن تكون لفرنسا الامتيازات في المجال الاقتصادي واستخراج الثورات.
  5. أن تدفع تلك الدول لفرنسا تعويضات مقابل فترة الاستعمار مقابل ما ادعته قيامها بنقل تلك الشعوب إلى التمدن والتحضر!!!!

وقد قبلت تلك الدول –مرغمة- قبول الشروط المجحفة الشبيهة بالتي فرضتها فرنسا سابقاً على هاييتي في ثلاثينيات القرن التاسع عشر.

ظلت فرنسا تمتص ثروات النيجر دون أن تدفع قيمتها سواء النفط أو الذهب أو المعادن، وفي النصف الثاني من القرن العشرين بنت فرنسا عشرات المفاعلات النووية لتوفير الطاقة ولكنها لم تكن تملك اليورانيوم لتشغيل تلك المفاعلات فقامت بسرقته من النيجر التي تملك سابع احتياطي في العالم من هذا المعدن النادر.

توفر النيجر سعبين في المائة من الطاقة لفرنسا بينما لا تدفع فرنسا سوى ضريبة تقدر بخمسة في المائة عبر الشركة التي تستخرج اليورانيوم النيجري، في المقابل تعيش النيجر في الظلام وانقطاع الكهرباء.

تنظر فرنسا للتغيير في النيجر بأنه القشة التي ستقصم ظهرها في أفريقيا فالنيجر يأتي ثالثاُ بعد نجاح كلاً من مالي وبوركينا فاسو في طرد القوات الفرنسية وإزاحة الأنظمة الموالية لها.

تدفع فرنسا بدول الإيكواس نحو التدخل العسكري لإعادة ما تسميه النظام الدستوري والرئيس الشرعي بازوم وتهددها بأن مصير أنظمتها سيكون مصير بازوم مالم تتحرك وتحسم الأمر بإجبار المجلس العسكري في النيجر بالتراجع عن الانقلاب.

تصر نيامي على قرارها بطرد السفير الفرنسي من أراضيها فيما تتمسك باريس بسفيرها مدعية أن المجلس العسكري لا يملك الصلاحية والمشروعية الدستورية لطرد السفير، لكنها لا تريد أن تعترف بأن شعب النيجر يخرج كل يوم لإحراق العلم الفرنسي ورفع العلم الروسي وإرسال التحية لقوات فاغنر الروسية المتواجدة على أراضيه.

تدرك دول ايكواس والدول المجاورة للنيجر آثار أي عمل عسكري في النيجر على الأمن والاستقرار وعلى استقرار بعض الأنظمة الهشة التي قد تتعرض لعدوى الثلاثي (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) في ظل رغبة تلك الشعوب نحو التحرر وتحقيق الرفاه الاقتصادي والخروج من دائرة الفقر والعوز بسبب الاستعمار الفرنسي القديم الجديد.

هددت دول الإيكواس بالتدخل العسكري في النيجر ولكنها لم تنفذ تهديداتها بعد فقد واجهت عقبات داخلية وإقليمية فظلت تراوح مكانها وتؤكد رغبتها في الحلول الدبلوماسية، فنيجريا التي بدت من صقور الإيكواس لم تحصل على تأييد برلمانها للتدخل العسكري واضطرت لإرسال وفود علمائية وعسكرية للتفاوض مع المجلس العسكري في نيامي، والجزائر تحذر بشدة من أي عمل عسكري لأسباب كثيرة ليس أولها عداءها لفرنسا الاستعمارية، وفي البعد الدولي تأتي روسيا وإيطاليا لتدعم موقف الجزائر من عدم جدوائية الحل العسكري.

أما واشنطن فلم تصف بعد ما جرى في النيجر بأنه انقلاب ولم تدفع الإيكواس نحو التدخل العسكري بل أرسلت موفدة من وزارة الخارجة الأمريكية والتقت بأعضاء من المجلس العسكري فيما يبدو موقفها ضبابياً فهي تنظر إلى أن أي عقوبات على المجلس العسكري قد تدفع بالنيجر أكثر نحو روسيا والصين في ظل فشل فرنسا في  أفريقيا ومن جهة أخرى قد يكون من المفيد لواشنطن أن تحل محل فرنسا في استغلال هذا البلد ربما عبر صفقةٍ ما تضمن لها النفوذ والاستغلال.

أمام النيجر سيناريوهات محدودة فقد تلجأ فرنسا ودول الإيكواس للتدخل العسكري وتنشب حرب إقليمية تشترك فيها مالي وبوركينا فاسو وربما دول أخرى وتشهد المنطقة تحركات للجماعات التكفيرية التي ستدفع بها فرنسا والمنظومة الاستعمارية الغربية لتعقيد المشهد العسكري وتعميق الأزمة.

الحلول الدبلوماسية ففي سيناريو محتمل تتقدم بعض دول المنطقة بمبادرات للحل السلمي كما فعلت الجزائر يلتزم فيه المجلس العسكري بإدارة فترة انتقالية لمدة ستة أشهر ثم التحول نحو الانتخابات وإعادة العمل بالدستور،.

السيناريو الثالث حرب أهلية داخلية بإثارة انقلاب مضاد على المجلس العسكري وذلك يعتمد على عاملين الأول وجود قوى فاعلة في الجيش يمكن تحريكها ضد المجلس العسكري والثاني مدى قدرة فرنسا على التأثير على هذه القوى.

وتظل خشية فرنسا من توالي الانقلابات ضدها هي أن تسلك مرغمة طريق "الاستقلال" عن أفريقيا وتفطم من ثرواتها التي تسرقها وتنال استقلالاً إجبارياً لتعود دولة من دول العالم الثالث كما وصفها رئيسها جاك شيراك بقوله: "لو لا ثروات أفريقيا لكانت فرنسا دولة من دول العالم الثالث".

 

 

 

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة