Logo dark


مستجدات الحراك الروسي الصيني ودلالاته

( باحث , )

قام الرئيس الصيني شي جين بينغ زيارة رسمية استمرت 3 أيام بدأت يوم الاثنين الماضي، التقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير وتوجت بتوقيع العديد من اتفاقيات التعاون.

تأتي الزيارة مع مساعي الغرب لعزل روسيا عن العالم، ومع إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس بوتين من محكمة الجنايات الدولية، يمثل اللقاء محطة مهمة على طريق ترسيخ التحالف الروسي الصيني الشرقي عموماً نحو عالم متعدد الأقطاب.

وأكد الرئيس الصيني شي جين بينغ عقب محادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن العلاقات الصينية الروسية تجاوزت كونها علاقات ثنائية، وهي ذات أهمية كبيرة للنظام العالمي ولمصير البشرية". ولخص شي جين بينغ خلال وداعه لبوتين العلاقة الصينية الروسية بالقول: "الآن هناك تغييرات لم نشهدها منذ 100 عام. عندما نكون معاً، نقود هذه التغييرات"، ليرد بوتين قائلاً: "أوافقكم الرأي".

خرج اللقاء ببيان مشترك، رغم أن القضايا التي نوقشت خلال ثلاثة أيام واستمرت الجلسات لساعات تتجاوز ما ورد في البيان، الذي أكد على قيم سياسية منافية للأحادية القطبية، تمثلت في رفض محاولة استبدال مبادئ القانون الدولي وقواعده المعترف بها.

 كما أكد البيان أن روسيا والصين تعارضان فرض دولة واحدة لقيمها على دول أخرى، ودعا البيان حلف شمال الأطلسي "الناتو" إلى احترام سيادة الدول الأخرى ومصالحها، مؤكداً على أن بكين وموسكو تعارضان التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية.

وقال البيان: إن العلاقات بين روسيا والصين، رغم أنها ليست تحالفاً عسكرياً سياسياً، مشابها للتحالفات التي أقيمت خلال الحرب الباردة، تتفوق على هذا الشكل من التفاعل بين الدول، في حين أنها ليست ذات طبيعة تكتلية ومواجهة وليست موجهة ضد الغير.

هذا الأمر يفسر لنا التغلغل الروسي الصيني في منطقة الخليج وخصوصاً السعودية التي كانت جزءاً من الحلف الغربي حين كانت علاقات الحرب الباردة قائمة على أساس أيديولوجي وعلى أساس الصراع بين معسكرين، فيما العلاقات الحالية تتجاوز هذه الاصطفافات الحادة، وتدعو إلى التعددية القطبية لا هزيمة قطب لقطب آخر.

اللقاء له بعدان البُعد الأول فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين، والبُعد الثاني له علاقة بعالم التعددية القطية، وفي طبيعة الحال لا يمكن فصل الخاص عن العام في هذا اللقاء.

تشهد العلاقة بين البلدين تطوراً كبيراً من حيث التبادل التجاري الذي هو في حالة نمو وتقدم مطرد، وخصوصاً في مجال الطاقة حيث تعتمد الصين على روسيا كمصدر أساسي لتزويدها بالنفط، ومع النمو الصناعي الصيني الهائل فهي قادرة على استهلاك كميات نفطية مهولة وطلب المزيد، كما تعتمد الصين على روسيا للمواد الخام الأخرى، وتتسع المصالح والاهتمامات الثنائية.

 وبحسب مدير معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية بالجامعة المالية الروسية، "أليكسي زوبيتس": "مصالح الصين في روسيا لا تقتصر على المواد الخام. فروسيا هي الدولة الوحيدة التي لديها قدرة نووية مماثلة لأمريكا. الصين ليس لديها مثل هذه الإمكانات. إذا صادقت الصين روسيا، فإن قولها للأمريكيين بأنه لا ينبغي الدخول في حرب ضدها سيكون أكثر إقناعاً".

الزيارة في الحسابات الأمريكية

مجيء اللقاء في هذه الفترة -مع تعقد الأوضاع في أوكرانيا على اثر معركة "باخموت"- يثير القلق الأمريكي بشكل خاص، وقد عبر وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، عن قلق بلاده البالغ إزاء زيارة الرئيس الصيني، معتبراً إياها دعماً صريحاً من بكين لموسكو في نزاع أوكرانيا. وأشار أوستن إلى أن الإدارة الأمريكية تراقب عن كثب ما إذا كانت الصين قد بدأت في الإمدادات العسكرية إلى روسيا.

فيما قال مستشار الأمن القومي السابق في البيت الأبيض جون بولتون إن تشكيل تحالف روسي صيني يخلق مشكلة حقيقية للدول الغربية أكثر خطورة من الصراع في أوكرانيا. وتابع "أعتقد أن المحور الروسي الصيني قد تم تشكيله، والذي تجاوره إيران وكوريا الشمالية.. نحن بحاجة إلى أخذ هذا على محمل الجد".

وأضاف بولتون أن الغرب يحتاج إلى البدء في مراجعة المفهوم الحالي للردع بسبب حقيقة أن "الصين أصبحت تهديداً في كل من المجال النووي والمجال التقليدي". كما ادعى بولتون أن الصين دعمت روسيا منذ بداية العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، ولم تحاول البقاء على الحياد.

وبحسب كبير الباحثين في "معهد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا" التابع لأكاديمية العلوم الروسية، دكتور العلوم الاقتصادية فلاديمير فاسيليف: "حتى وقت قريب، لم تكن واشنطن تؤمن بإمكانية قيام تحالف استراتيجي بين موسكو وبكين، وكانت تأمل في أن يكون هناك الكثير من التناقضات بين بلدينا. أظن أنهم ما زالوا يأملون ألا يحدث اتحاد بيننا، وفقاً لفاسيليف، "حتى لو تبنت واشنطن خطاباً أكثر صرامة ضد الصين، فلن تمضي في تصعيد خطير وقطع الصلات. تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على الصين اقتصادياً.

ولا يبدو أن الزيارة مرت دون رد فعل أمريكي، فبحسب المصادر الإعلامية الأمريكية وقّع بايدن مشروع قانون أقره الكونغرس ليصبح قانوناً يطالب مجتمع الاستخبارات برفع السرية عن البيانات المتعلقة بأصل فيروس كورونا، مع وجود اتهامات أمريكية أن المصدر مختبر في مدينة ووهان الصينية".

وستبدأ فتح ملفات تحقيق للمطالبة بالتعويضات كملف ابتزاز اقتصادي، على غرار "قانون جاستا"، مع العلم أن أمريكا لديها أكبر عدد من الضحايا الذين لقوا حتفهم بسبب فيروس كورونا.

التحالف الروسي الصيني وإيران والسعودية

المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف يقرأ الرعاية الصينية للاتفاق الإيراني السعودي، وكذلك المناورة الثلاثية الروسية الصينية الإيرانية في بحر عمان كجزء من هذا الحراك الروسي الصيني الذي تعزز بهذه الزيارة، فبرأيه لا يمكن النظر في قضية التعاون العسكري دون مراعاة اتفاقية السلام السعودية الإيرانية الموقعة بوساطة صينية، والتي من خلالها ضمنت الصين لنفسها موطئ قدم على سواحل البحر الأحمر والخليج.

يعتقد نازاروف أن السعودية اتخذت خطوة جريئة وغير متوقعة نحو المصالحة مع إيران، غادرت المعسكر الأمريكي، إلا أنها لم تدخل رسمياً بعد إلى المعسكر الصيني. وهو يعتقد أنها مسألة وقت، ذلك أن محاولات الولايات المتحدة المستقبلية لحرمان الصين من النفط الخليجي لن تترك للرياض والخليج بأسره الحرية في اختيار الجانب الذي سينضم إليه.

وبحسب الباحث: "السلام بين المملكة العربية السعودية وإيران هو فقط أول الأمور المدهشة التي كانت حتى عهد قريب تبدو من الأمور المستحيلة والتي لم نرها بعد". وعلى سبيل التخيل السياسي يفترض المحل أنه ربما سنرى في غضون أعوام قليلة مقبلة قوات مشتركة بين الحوثيين والسعودية في شبه جزيرة سيناء، تواجه المحاولات الأمريكية الإسرائيلية لقطع العبور الصيني لقناة السويس.

وكانت قد نفذت كل من القوات البحرية الإيرانية الروسية الصينية مناورة عسكرية مشتركة في الجزء الإيراني من بحر عمان على الخليج الفارسي وشمال المحيط الهندي، تحمل شعار: "السلام؛ الصداقة، الأمن البحري المستدام".

وهي المناورة الرابعة من نوعها بين هذه الدول في ذات المنطقة، إذ سبق للدول الثلاث أن نفذت في السنوات الماضية مناورات بحرية مشتركة في المحيطين الهندي والأطلسي وبحر عُمان، كان آخرها مطلع العام الماضي 2022م.

تهدف هذه المناورات إلى رسم معادلة جديدة في التعاون العسكري بمنطقة استراتيجية تواجه العديد من التهديدات الغربية على المستوى الأمني وسلامة الملاحة البحرية، وتعكس المناورة رؤية مشتركة للدول الثلاث حول التحديات العسكرية.

وتتخوف الولايات المتحدة من التعاون العسكري بين الدول الثلاث في هذه الحرب، تأتي المناورات الجديدة في شمال المحيط الهندي، بعد مناورات ثلاثية أخرى بين روسيا والصين وجنوب أفريقيا استمرت عشرة أيام.

جرت المناورة الإيرانية الروسية الصينية في منطقة "تشابهار" جنوب شرق إيران، على مساحة تبلغ حوالي سبعة عشر ألف كيلومتر مربع في شمال المحيط الهندي، كانت قد انتشرت قطع بحرية للجيش الإيراني وقطع بحرية روسية وصينية في خليج عُمان، الذي يربط بحر العرب والمحيط الهندي بمضيق هرمز والخليج، ويتوسط باكستان وإيران والإمارات وعُمان.

وفي طبيعة والحال ومن منظور عسكري فالمناورة العسكرية لا تنحصر فقط على الجغرافيا التي وقعت فيها، بل تتجاوزها، فالمهم في المناورات هو التنسيق بين القوات المشتركة لخوض معركة واحدة، والجغرافيا البحرية بخلاف الجغرافيا البرية تتماثل من حيث التضاريس "الطبوغرافيا" والتكتيكات العسكرية البحرية وأشكال التنسيق.

أخذت المناورات طبيعة عسكرية هجومية ودفاعية وإغاثية في آن، وهي نموذج مصغر لحرب بحرية مُفترضة، أو محتملة مع الحلف الأطلسي، في حال تعقدت الحرب الأوكرانية "حرب التعددية القطبية" وأصبحت عالمية إلى حد ما، فمن الواضح أن التحالفات والاصطفافات الحالية بين قوى عظمى أشبه بالتحالفات القديمة في الحروب العالمية السابقة.

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة