Logo dark


تطورات الوضع السياسي في جنوب الوطن

( باحث , )

مثل الحراك في المحافظات الجنوبية اليمنية، حالةً شعبويةً طموحة إلى الاستقلال (الحكم الذاتي/ الانفصال)، دون وعي سُبل الوصول إلى هذا الهدف النهائي، وقد بدأ الحراك الجنوبي كحراك اجتماعي مطلبي اقتصادي لـ"جمعية المقصيين العسكريين" ثم تطور سياسياً مع اشتداد حالة الإفقار والقمع، والاقصاء، التي ترتبت على حرب 94، وشملت عموم الوطن، فزادت من التفكك الوطني وعرقلت الاندماج الاجتماعي اليمني.

 وهي إذ بعثت أشكال الهويات العصبوية في الشمال، فقد أدت في جنوب الوطن إلى الرغبة في العودة إلى ما قبل وحدة عام 90، بل وأكثر من ذلك تراجعاً أدت إلى بعث هويات ما قبل ثوره 14 أكتوبر 1963، والتنكر من الهوية اليمنية كمسمى "الجنوب العربي" ورغبة السلاطين القُدامى في استعادة دويلاتهم!

 مما يهدد وحدة جغرافيا الجنوب، الذي توحد عام 1967 على أنقاض 23 سلطنة ومشيخة وإمارة أسقطتها الجبهة القومية في الثورة التحررية.

 وما تزال وحدة الجنوب مهدده بالتمزق، خاصةً أن القوى المنتصرة في حرب 1994 عملت على دعم القوى التقليدية لتصفي حسابها من الاشتراكي، وتُدعم -اليوم- خليجياً لعودة لمشاريعها الدويلاتية القديمة، في مواجهة الحراك الجنوبي الذي يعتبر وريث الاشتراكي، والجبهة القومية التي أسقطت دويلات هذه القوى التقليدية.

الحراك بين العسكري والسياسي

ما كان محظوراً الاعتراف به، غدا مع الحاجة السياسية لـ"عاصفة الحزم" علنياً، فالواقع فرض على تحالف العدوان، القبول بظهور تشكيل عسكري للحراك، أي القبول به كممثل عسكري عن أبناء المحافظات الجنوبية، كما هو فعلياً الممثل عن حراكها الاجتماعي السلمي، ولكون ما هو اجتماعي عسكري بالضرورة ينعكس عنه سياسي فإن الحراك الجنوبي هو الممثل السياسي(الشرعي) عن الجماهير في جنوب الوطن، لكن هذه النقطة كانت محط خلافات التحالف، فالاعتراف بالشرعية السياسية للحراك، يُسقطها عن هادي الذي لا يمتكها من بعد زوال التوافق الحاكم للمرحلة، إنما يتلبسها بفعل الدعم الذي يحظى به من التحالف العدواني، وبعض القوى السياسية اليمنية.

انخراط الحراك في العمل العسكري

أنخرط الحراك الجنوبي - أو بعض فصائله - في العمليات العسكرية لعاصفة الحزم، وله أهدافه العسكرية والسياسية الخاصة، دفعت به الأحداث الدخول في هذا المسار(العسكري) حفاظاً على وجوده، كما كان التحالف بحاجة إلى الاعتراف بالحراك ليحظى بالقابلية لدى الجنوبيين فرفعت الأعلام الشطرية فوق عربات ونقاط مختلف الفصائل العسكرية المتباينة التي خاضت الحرب مع الجيش واللجان الشعبية، وفي حالة رفض الحراك الانخراط في العمل المسلح لعاصفة الحزم منذ البداية فالواقع يقول بأنه، كان سيُصبح هدفاً سهلاً لبقية القوى في الجنوب، التي تُراكم أسلحة التحالف وتعزز من وجودها العسكري، مما يجعله الأضعف إزاءها.

ورغم انخراط الحراك في العمل العسكري لعاصفة الحزم وتطابق رغبته الخاصة في تحرير المحافظات الجنوبية التي يعتبرها "محتلة من الشمال"، مع رغبة التحالف التي بالسيطرة عليها والتي اعتبرها ساقطة بيد "الانقلاب" وفي هذه النقطة تداخلت الرغبتان.

 وطد الذراع العسكري القديم لحراك (الزبيدي وشلال) العلاقة مع دولة الإمارات مُستغلاً خلافات التحالف النسبية، إلا أن الحراك في صورته "الزبيدية الشلالية" لم يتنازل عن الهدف الاستراتيجي، وهو أنهُ يريد فرض مشروعيته كمعبر سياسي عن الجنوبيين، دلالة منعكسة عن حضوره الاجتماعي وسيطرته العسكرية والإدارية كسلطة محلية (محافظ العاصمة عدن ومدير أمنها).

 وخلال هذه الفترة من اشتراك الحراك في المعارك، لم يكن يعمل على الانفصال عن الشمال، بل إلى المحافظة على وحده الجغرافيا الجنوبية ويحافظ على حضوره الفاعل فيها كمنافس للقوى التقليدية السلاطينية وللجماعات الإرهابية وللقوات العسكرية التابعة لعلي مُحسن أو هادي، ويتطابق موقف الحراك هذا مع موقف «الحزب الاشتراكي» في التأكيد على وحده الجنوب ورفض تقسيمها لأكثر من إقليم، تؤدي إلى تجزئتها كملحقات لدول الجوار.

 وقد خاض الحراك معارك فعلية ضد الجماعات الإرهابية في عدن، ودفع أثماناً باهظة من مجنديه، بتلك العمليات الإرهابية التي كانت تستهدفهم في طوابير استلام الرواتب، وكان القصد منها كسر المعادلة الجديدة التي يسعى إليها الحراكيون، وهي التوازن العسكري مع القاعدة والحد من وجودها ما أمكن. بدعم من الإمارات التي لديها خلافاتها الخاصة مع القاعدة السلفية الاخوانية.

المجلس السياسي الانتقالي الجنوبي

تطورت الأحداث بطريقة سريعة ودرامية خلال أسبوع، من بعد إقالة هادي لمحافظ عدن اللواء «عيدروس الزبيدي» ووزير الدولة «بن بريك» تلاها مسيرة "الإعلان التاريخي"، ثم إعلان "المجلس السياسي الانتقالي الجنوبي".

 تبدو هذه الأحداث بهذه الدراماتيكية والمفاجأة لمن يعتبرها أحداثاً منعزلةً وغير مرتبطة بالتطور التاريخي للوضع في الجنوب المتفاقم باضطراد؛ فقد كان قرار الإقالة هو الدافع اللحظي إلى إعلان المجلس الانتقالي، أو (القشة التي قصمت ظهر البعير) كما يقول المثل العربي، فيما الباعث الحقيقي لإعلان المجلس الانتقالي، هو وصول الزبيدي وقوى الحراك إلى القناعة بأن الشرعية السياسية في الجنوب هي لهم، ونضالهم من أجل هذه المسألة طوال المرحلة السابقة، وما كان قرار الإقالة إلا الدافع الذي سرع في هذا الإعلان وليس الذي أوجده أو خلقه.

 تحريك المياه الراكدة

 لا شك بأن إعلان المجلس السياسي الجنوبي، مثل تحريكاً للمياه الراكدة، بعد أن كادت القضية الجنوبية تُلغى من حقل التفاعلات السياسية، وخاصةً مع انخراطهم في جبهات عسكرية خارج حدود عام90، وانكسار الشارع الجنوبي بعودة قوافل من شبابه القتلى عائدة من جبهة (المخا) و(نجران) وشعورهم بـ "لا عدالة" هذه القضية، ولعدم تحقيق حكومة هادي لأي من الخدمات كالكهرباء والوقود والأمن والرواتب فيما بعد، وهو ما جعل الجنوبيين ينكفئون على البحث عن الاحتياجات اليومية وتجاهل المسألة السياسية للحراك.

 ومثل تنامي نفوذ علي مُحسن الأحمر، في الجنوب أحد الأسباب التي كادت تقوض الحراك الجنوبي وقضيته، وأحد مظاهر توسع محسن في الجنوب هي معركة مطار عدن، حين حاولت قوات موالية للأحمر السيطرة عليه، وبالتالي تحول تبعيته للسعودية المنافسة للإمارات في الحضور في المناطق الجنوبية، كمشاريع خاصة في إطار "الشرعية" والتوجه الأمريكي العام.

المواقف الرافضة للمجس الانتقالي

ربما لم يعد بإمكان السعودية حشد الشمال ضد الزبيدي فسوف تلجأ إلى الحشد من الجنوب، وهو ما يُمكن الاستدلال عليه من بيان "المجلس الأعلى للحراك الجنوبي"، الذي نزع الشرعية عن المجلس الانتقالي باعتباره خارجاً عن "شرعية هادي"، بل وامتد إلى التعميم الطائفي باتهام المجلس الانتقالي بأنه امتداد للمد الشيعي في الجنوب، وأنه يثير المناطقية في الجنوب.

موقف «هادي» كما يرى الجنوبيون، يُعبر عن موقف «علي مُحسن الأحمر» وحزب الإصلاح أكثر القوى المتنافسة في الجنوب مع الحراك الجنوبي والمتضررة نشاط الحراك، ففي الجنوب ثقل المصالح الغير المشروعة التي ترتب على حرب 94، وتبدو إمكانيات عودة علي محسن وحزب الإصلاح وحضورهما في الشمال مستقبلاً ضعيفة. وقد نشبت خلافات حادة بين هادي ومُحسن بشأن المجلس الانتقالي كما أفادت وسائل إعلام جنوبية، فحين حمّل محسن هادي المسؤولية لو جرت الأمور نحو الانفصال، فهادي بدوره اتهم تقاعس محسن عن الحسم في المناطق الشمالية بأنهُ سببٌ في تجرؤ الزبيدي على إعلان المجلس.

 وأياً كانت صحة الرواية، إلا أن موقف محسن الرافض للمجلس الانتقالي هو الموقف الموضوعي له، وكذلك لبقية قوى حرب 94 والمنتفعين منها.

وقد أعاد هادي التأكيد على موقفه في كلمته بمناسبة العيد الـ 27 لعيد الوحدة، ووصف المجلس الانتقالي، بأنه كيانات هشة مرفوضة، وأعاد التأكيد على استراتيجيته في بناء اليمن الاتحادية، وهو ما يعني مشروع الأقلمة السداسية، المرفوض على الساحة الجنوبية.

 ففي الجانب الآخر، كان خطاب الرئيس الأسبق صالح في العيد الـ 27 لقيام الجمهورية اليمنية، لا يقل عدائية عن موقف علي محسن تجاه المجلس الانتقالي، وقدم تفسيراً منافياً للواقع، يؤول بدايات الحراك إلى خارج الزمن الذي نشأ فيه، فقد اعتبر أن جوهر القضية الجنوبية هو صراع الاجنحة داخل الحزب الاشتراكي، وليس بسبب حرب 94وما تلتها من ممارسات الضم والالحاق والتدمير. ونداء لحل القضية على أساس التصويت ولكن لكل الشعب اليمني، وليس لمن يطالبون بالانفصال، مما يعني لا واقعية هذا الحل، نظراً للتفاوت الديمغرافي بين الشمال والجنوب.

وبجانب موقف "الإصلاح" و "المؤتمر" المعادي تماماً للمجلس الانتقالي، فهناك رأي أخر يرفض المجلس متعللاً بقضايا أخرى، فرئيس ما تسمى باللجنة التحضرية للمؤتمر الشعبي الجنوبي (المنشق عن المؤتمر الشعبي العام) «أحمد الميسري» يبرر هجومه على المجلس السياسي بأنهُ مجلس مناطقي واستحواذي.

 مجلس التعاون الخليجي بدوره دعا إلى نبذ الانفصال، وأكد بان حل القضية الجنوبية يجب أن يكون في إطار الشرعية. ويشبه إلى حدٍ ما بيان هادي الذي اعتبر المجلس السياسي إساءة للقضية الجنوبية وأنه مرفوض إطلاقاً، وفي ذات البيان دعا هادي إلى الانخراط الكامل في صفوف الشرعية، ويتلخص بيان هادي أنه لا مانع في أي تشكيلات سياسية في إطار الشرعية وهذا يعبر عن قلق هادي على وضعه السياسي، وعن سعيه إلى فرملة النشاط السياسي الحراكي.

وفي أحد المواقف التي تنتمي لقوى ما قبل 67، فقد أصدر "ابن سلطان المهرة" بياناً، يعتبر فيه أن بيان المجلس خارجاً عن شرعية هادي وينفي موقعهُ فيه، وأنه كان يأمل من المجلس، أن يمثل كل المحافظات بدون اقصاء واحترام حقوق وتطلعات أبناء المحافظات، مما يعني بأن السلاطين ليس لديهم مُشكلة في المجلس الانتقالي إذا أتى مُعززاً للتجزئة وحفظ حقهم في النفوذ على (دويلاتهم) القديمة..

 مواقف التأييد والتحفظ إزاء المجلس الانتقالي الجنوبي

على مستوى الشارع الجنوبي هناك إجماع والتفاف واسع حول المجلس الانتقالي، وأهميته ومشروعيته السياسية من مختلف أطراف الحراك الجنوبي، وتتباين مواقف مختلف الأطراف حول مهام المجلس وشكل عمله ومستقبله. وهناك أطراف التزمت الصمت وهو ما يُعد في السياسة إحجاماً عن الرفض المطلق وقد يصل إلى تأييد ضمني.

"المجلس الأعلى للحراك الثوري الجنوبي" في شبوه - تيار حسن باعوم - عبر عن دعمه للمجلس الانتقالي على أساس التمسك بوحدة أراضي الجنوب لما قبل عام 90(حدود اليمن الديمقراطية). والتمسك بأهداف الثورة الجنوبية.

الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد نفى مكتبه أن له منشور بشأن تشكيل مجلس انتقالي جنوبي.. وأشار أن "الرئيس علي ناصر محمد كان ولايزال مع مشروع الدولة الاتحادية بإقليمين شمالي وجنوبي بصورة مزمنة وفقاً لمخرجات المؤتمر الجنوبي الأول (القاهرة 2011)".

الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض، بارك إعلان المجلس السياسي، و"القائد الشاب" الزبيدي، وما طرحه البيان من محددات في تمثيل المجلس للجنوب نحو تلبية طموحاته لاستعادة الجنوب وبناء دولته الفيدرالية. وقد هاجمت صحيفة "مكة" السعودية الرئيس الجنوبي السابق البيض باعتباره يقف خلف المجلس السياسي بدعم إيراني.

الحزب الاشتراكي اليمني لم يصدر عنه بيان رسمي، رغم وجود تنسيقية بين منظمات الحزب في الجنوب كنوع من الفيدرالية الحزبية. ويمكن التطرق إلى موقف الاشتراكي من ناحية تناوله الخبر في موقعه الرسمي" الاشتراكي نت"، حيث نجد الخبر يقول بإن الإعلان يتجاهل سلطة هادي وحكومة بن دغر، ولم يتطرق الخبر (الاشتراكي) إلى أن الإعلان ينتهك شرعية هادي والتحالف كما في خطاب مجلس التعاون ورموز الإصلاح؛ إلا أن نائب رئيس اللجنة المركزية محافظ الضالع المعين من قبل هادي «فضل الجعدي» وهو عضو المجلس الانتقالي، كان حاضراً في ساحة العروض بعدن، بالمسيرة المليونية في الذكر الـ23 لإعلان فك الارتباط 21 مايو 2017، وهو ما يعني التأييد الضمني لهذا المجلس الانتقالي، وإذا لم يُعبر عن الحزب الاشتراكي بشكل العام الذي يبني موقفه السياسي بالمسك بالشرعية التوافقية لهادي، وهو ما يعني سقوطها في حالة الاعتراف بشرعية المجلس الانتقالي، فقد يكون موقف الجعدي ممثلاً عن تنسيقات الحزب الاشتراكي في المحافظات الجنوبية.

ضم المجلس محافظ لحج، والضالع وسقطرى وحضرموت وشبوة. كان البارز هو تأييد محافظ حضرموت للمجلس وهذه المسألة هامة في الحفاظ على وحدة الجغرافيا الجنوبية، خاصةً مع تشكل مشروع سلخ حضرموت عن بقية الجغرافيا الجنوبية، وهذه المسألة ذكرت في بيان محافظة حضرموت المؤكد لحفظ وحدة حضرموت وكل المحافظات الجنوبية، دون الإشارة إلى مشروع التقسيم الذي كان المحافظ منخرطاً به في وقت سابق بإعلان حضرموت إقليماً مستقلاً.

مستقبل الأوضاع في الجنوب

ستستمر الحالة الشعبوية في تأييد الاستقلال، المرافقة للاحتقان الاجتماعي السائد في المحافظات الجنوبية، وأحد مظاهر هذا الاحتقان، إحراق مقر حزب الإصلاح في عدن مطلع هذا الشهر، وما يدعم بقاء الحالة الشعبية في الجنوب، وتأثيراتها في الضغط نحو بلورة مشروع سياسي، هي التطورات التي جرت منذ عامين، فمن جهةٍ حصل الشباب الجنوبي، على قدر من الثقة بالنفس والاعتبار لكينونتهم البشرية المُغيرة، المكتسبة خلال مشاركتهم العسكرية الفعالة في السيطرة على المحافظات الجنوبية وهو ما يعتبرونه تحريراً من الاحتلال الشمالي ولم يكونوا قبل ذلك يتصورون امكانيات حدوثه، مما يجعل الشباب الجنوبي لا يقبل تجاوزه كما في السابق، إضافة إلى أنه حصل على فرصة تجنيد أكبر قدر ممكن، وهي فرصة لم يكن ليحصل عليها، في إطار أي حل يطرح مسألة شراكة الجنوبيين في الجيش. وهذه الاعتمالات في المجتمع الجنوبي تنعكس في حالة من توجه الشباب الجنوبيين وخاصة في عدن نحو الفن والمعرفة والأدب والمسرح والأنشطة المدنية، وإضافة لكل ذلك فإن الإمارات وفي سبيل تقويض شرعية هادي وهز مكانة حكومتها، تتجاهل تقديم الخدمات الاجتماعية لأبناء عدن وفي مقدمتها خدمة الكهرباء لتضمن استمرار السخط الاجتماعي.

لا للصدام بين المجلس والسعودية

وفيما ظهر بيان عيدروس بأنه الصيغة الأخيرة لتبلور الإرادة السياسية الجنوبية، في تجاهل كامل للتحالف وما تُسمى بالشرعية، فهناك رأي جنوبي يقول بأنه لا يجب التصادم بين المجلس الانتقالي والسعودية، وأن على السعودية أن ترد الجميل للجنوبيين لقاء قتالهم معها وتجاوزهم الخطوط الحمراء، كالمشاركة في المخا ونجران وميدي، وهذا الرأي يطرح مسألة أن المجلس الانتقالي يجب أن يستمر في علاقاته مع التحالف، مقابل الاعتراف بشرعيته، مما يعني بأنه يمثل تحالف بين دولتين، ويخشى أصحاب هذا الرأي من تدخل سعودي في الجنوب ضد الحراك، ويطمع (أي أصحاب هذا الرأي) في ذات الوقت إلى الاستفادة من الدعم السعودي المحتمل للمجلس الانتقالي، وعبر عن هذا الخط السياسي بوضوح، محافظ حضرموت، والذي يرى بأن مسألة الوحدة اليمنية يجب أن تعالج من فيدرالية من إقليمين شمالي وجنوبي.

وهوما تكرر أيضاً على لسان عضو المجلس الانتقالي «د.ناصر الخبجي» الذي يقدم الآن كقائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، حين التقى بـ« بيتر رايس » بالمستشار السياسي لولد الشيخ في عدن (17مايو 2017)، قال الخبجي إن المجلس الانتقالي الجنوبي هو إطار سياسي يمثل القضية الجنوبية وتطلعات الجنوبيين، سيشكل عامل أساسي في تعزيز الأمن والاستقرار وسيمثل الجنوب في المحافل العربية والدولية، وليس موجه ضد شرعية الرئيس هادي.

ويتناسب موقف الخبجي مع الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي «د. ياسين سعيد نعمان» الذي اعتبر أن "لتحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والدور "البارز" لدولة الإمارات العربية المتحدة لا يجب النظر إليه كحالة طارئة، وإنما كعنصر استراتيجي في سياق إعادة صياغة التعاون على نحو تكاملي، وهذا يعني أن العلاقة معه يجب أن تتعزز بقواعد منظمة تضفي عليه هذا المعنى الذي يؤسس لعلاقة شراكة مستقبلية ثابتة ومزدهرة. وهو يرى في المجلس الانتقالي هذه الأداة الناظمة للعلاقة.

أقصى اليسار الحراكي ضد الشرعية والاحتلال

الموقف الأشد تصلباً، عن أصحاب الرأي السابق، هو موقف تيار حسن باعوم، أي "مجلس الحراك الثوري الجنوبي" مكون أقصى اليسار في الحراك الجنوبي، فهذا المكون عقد مؤتمراته الفرعية في كل من حضرموت وشبوه ولحج وغيرها، يؤيد المجلس الانتقالي، ويرى بأن عليه أن يعلن عدم اعترافه بالشرعية، وأن عليه عدم الانخراط في مشاريع لا تخدم الجنوبيين في القتال خارج حدود ما قبل 90، وأحد مآخذ تيار باعوم هو أن هناك ممن لم تلفحهم شمس النضال في هذا المجلس الانتقالي، وأن فيه إقصاء للجزء الأصيل من الحراك الجنوبي الثوري بطابعه، وهذا موقف أقصى اليسار في الحراك الجنوبي ويشدد على مسألة السيادة الوطنية الجنوبية والاستقلال الناجز، أي أنه يعارض العلاقات غير الندية مع الخليج.

المجلس الانتقالي وآفاق حل الأزمة

عملياً إعلان مجلس انتقالي جنوبي، يسهل إمكانية التخاطب مع طرف ممثل للقضية الجنوبية لبحث مسألة الأزمة الحالية والوحدة اليمنية ومستقبلها، وإذا كان بيان رئيس المجلس السياسي الأعلى «صالح الصماد» شجاعاً في الاعتراف بالأخطاء القديمة والجديدة وعلمياً في طرح بواعث القضية الجنوبية، وفي تشخيص الأخطار الداهمة في الوقت الراهن وهي تفكك اليمن ككل وعودة الجنوب إلى ما قبل 67، وإضعاف قوى الجنوب وتسليمها للقاعدة وداعش؛ فإن هذا الخطاب يؤسس إلى تفاعل إيجابي بين صنعاء وعدن حول هذه المشتركات والروابط العامة، والتي هي مسائل مُلحة.

 هذا الدور هو الدور الأبرز الذي يستطيع أن يلعبه المجلس الانتقالي الجنوبي، والذي عبر عنه في بيانه واتفقت حوله عامة الأطروحات المؤيدة.

 عملياً ليس من صلاحيات هذا المجلس ولا بمقدوره ذاتياً في هذه الظروف أن يتجه نحو الاستقلال/ الانفصال، لتعقد المواقف الداخلية والإقليمية من مسألة الوحدة، والتي تبدو داعمة لبقائها أكثر من دعم الانفصال، ومن هذا المعيار فالمجلس كيان "جبهاوي" سياسي لأعم قوى الحراك الجنوبي، والكرة الآن في ملعب فصائل الحراك، في أن تلتقي ضمن هذا الكيان الجديد، والحالة الشعبوية الجماهيرية ستدفع نحو هذه المسألة.

فإذا تم فعلاً إضافة مجلس استشاري (مجلس حكماء) ومجلس عسكري، فسيكون لهذا الأمر تأثير كبير، في التعاطي الجدي مع هذا المجلس، ليكون مؤهلاً لهذه المهام الانتقالية، خاصةً بأنه بحاجة إلى قوة عسكرية لفرض مشروعيته السياسية في الجنوب.

 

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة