Logo dark


التخريب الإماراتي في القرن الأفريقي والاستقطابات العسكرية

( باحث , )

تسببت الحرب العدوانية على اليمن والأزمة الخليجية بشأن قطر، بإستقطابات حادة في منطقة القرن الأفريقي تهدد بانفجاره عسكرياً.

ومنطقتا الخليج والقرن الأفريقي متشابكتان بشكل وثيق، إذ تواجهان معاً خطورة الصراعات المسلحة والحركات الإرهابية والتهريب والقرصنة والاتجار بالبشر وعمليات غسل الأموال.

صَعَّدت أزمة قطر من الإستقطابات في القرن الأفريقي، حيث يبرز معسكران، معسكر قطر تركيا السودان أثيوبيا جيبوتي وجمهورية الصومال، ومعسكر آخر الإمارات مصر ارتيريا السعودية إقليم أرض الصومال.

تأتي الأزمة الراهنة في الخليج في لحظة عصيبة بالنسبة للقرن الأفريقي الذي تمزّقه أصلاً النزاعات، فكثير من دوله غير مستقرة سياسياً، أو غارقة في نزاعات مسلحة داخلية، ولم يكن ينقص المنطقة أن تنشب الأزمة بين مصر وأثيوبيا بشأن سد النهضة الأثيوبي هذه الأزمة التي تضع المنطقة على شفا الهاوية.

تلعب الإمارات دوراً عدوانياً ومُصعداً لأزمة القرن الأفريقي، وبسبب أطماعها التوسعية البحرية التي تقف خلفها الامبريالية العالمية، فهي تكسب كل يوم مزيد من الأعداء، وتواجه برفض من منطقة الخليج والقرن الأفريقي، حيث تبرز القوى الوطنية اليمنية المدافعة مبدئياً عن السيادة من جهة، ومن جهة أخرى دولة قطر وسلطنة عمان وجمهورية الصومال وأثيوبيا فكلها دول منزعجة من التوسع الإماراتي.

مؤخراً ألغت دولة جيبوتي عقد احتكار مينائها للإمارات، بسبب تعطيله لصالح مينا دبي وهو ما اعتبرته جيبوتي  تدخلاً في الشؤون الوطنية الجيبوتية، وبسبب الوجود العسكري الإماراتي الذي يثير  مخاوف وقلق دول القرن الافريقي التي هي في حالة سلام هش، وفي السابق دولاً متحاربة.

من شأن اندلاع النزاع عسكرياً في المنطقة أن يخفف الضغط العسكري على اليمن، إلا أن نتائجه ستكون كارثية على المستوى الانساني والاقتصادي في القرن الأفريقي، من جهة أخرى فإن عرقلة الملاحة في البحر الأحمر كنتاج للصراع في القرن الأفريقي قد يدفع القوى العالمية ذات المصلحة التجارية أن تعقد تسوية أزمة منطقة الخليج واليمن والقرن الأفريقي. 

مؤخراً اندلع خلاف بين إقليم أرض الصومال والإمارات تسبب بوقف بناء قاعدة بربرة العسكرية، لكن هذا الخلاف منشؤه اقتصادي، حول التزامات إماراتية وليس سياسياً ومن المسائل المختلف عليها بناء وترميم طريق "بربرة-كوردول" الذي يصلها بمدينة وجالي على الحدود بين أرض الصومال إثيوبيا، ويبلغ طوله نحو 220 كلم .بينما تظل احتمالات انحياز ارض الصومال للمعسكر الآخر بعيدة.

إستقطابات الصراع في منطقة القرن الأفريقي

أدى الاضطراب في الخليج إلى تصعيد العسكرة في القرن الأفريقي، حيث يتم الضغط على الحكومات فيه، لتأييد الإمارات والسعودية، أو تركيا وقطر، ولأن تكون موضع قدم للإمارات والسعودية في الحرب على اليمن.

دولة السودان وفي آخر موقف لها تقف بجانب قطر ومنحت تركيا قاعدة عسكرية في جزيرة لها، وتغازل طهران، وطلبت من روسيا تحديث سلاحها ومساعدتها لمواجهة التهديدات الأمريكية في البحر الأحمر. فيما جمهورية الصومال تقف مع قطر وتركيا وتقاوم الضغوط السياسية والاقتصادية الإماراتية السعودية، ولا يمكنها أن تقف في تحالف يدعم انفصال إقليم أرض الصومال.

رئيس جمهورية الصومال الجديد محمد عبد الله فرماجو، أبدى تضامنه مع اليمن بطريقة غير مباشرة، حيث قال في كلمة تنصيبة رئيساً انه لا ينس فضل اليمن على قبول الصوماليين ووعد بفتح الصومال لليمنيين، وتمنى لليمن أن تعود (حرة وقوية وشعباً عزيزاً). 

أما اريتريا فهي تقف مع الإمارات والسعودية، في مواجهة معسكر قطر تركيا السودان، وتهييء لدول العدوان موقعاً متقدماً للحرب على اليمن.

وفي أخر التطورات في المنطقة غيرت جيبوتي موقفها من الإمارات، وتميل الآن إلى المعسكر السوداني الاثيوبي.

الطبيعة الجيو سياسية للصراع

الإستقطابات العسكرية الإقليمية في منطقة القرن الأفريقي تفجر صراعاً جيوسياسية في المنطقة، فمصر تعتبر بناء إثيوبيا لسد النهضة بدون الاتفاق معها، أمراَ يهدد أمنها القومي.

القرن الماضي شهد صراعاً على الأراضي بين اثيوبيا وإرتيريا، أثيوبيا اليوم تتخوف من ان تستفيد ارتيريا من الوجود الإماراتي المسلح، لتقوي مركزها العسكري على حساب اثيوبيا. كما أن الأزمة بين مصر والسودان قد تؤدي إلى صراع مسلح بين البلدين الجارين التين كانتا تمثلان دولة واحدة. فيما التواجد العسكري في إقليم أر ض الصومال (الانفصالي) يثير مخاوف حقيقية لجمهورية الصومال واثيوبيا وجيبوتي معاً. بالإضافة إلى أن الاهتمام السعودي الوهابي المتزايد في منطقة القرن الافريقي يثير المخاوف الثقافية المسيحية الأثيوبية.

التموضوعات العسكرية ومؤشرات الصراع 

تتبع الإمارات سياسة حزام (أمني) واحد، وميناء واحد (دبي) . حيث تمتلك ميناءاً وقاعدة عسكرية في مدينة بربرة في إقليم أرض الصومال. كما تمتلك ميناءاً وقاعدة عسكرية في مدينة عصب الارتيرية. وهذه التموضوعات العسكرية تزيد الأزمة احتقاناً وتجعل أي شرارة كفيلة بإشعال النار في البحر الأحمر! 

لا يبدو أن ثمة -حتى الآن- أي توجه لحل الخلافات سلمياً إذ فشلت دعوات الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة للحوار بين مصر وأثيوبيا. من جهتها تضغط السعودية على اثيوبيا بورقة العمالة الاثيوبية في أراضيها، وقرارات سعودة العمل سوف تؤثر عليهم. كما تمارس السعودية والإمارات ضغوطاً مالية على حكومة جمهورية الصومال.

جيبوتي أنهت من جانب واحد وبأثر فورى عقداً مع موانئ دبى العالمية لتشغيل محطة دوراليه للحاويات. ومؤخراً اجتمع رؤساء أركان الجيش السوداني والتركي والقطري في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم. كما أقامت قوات قطرية مناورة عسكرية مشتركة مع نظيرتها السودانية في البحر الأحمر.

ومع وصول صول تعزيزات عسكرية من مصر إلى قاعدة "ساوا". في أريتريا. أعلن الرئيس السوداني عمر البشير حالة الطوارئ في عدد من ولايات البلاد بينها ولاية كسلا شرق السودان المحاذية لإقليم القاش بركة الإريتري، فيما انتقلت المعارضة المسلحة الاثيوبية من إريتريا إلى القاهرة، وقد تكتسب من هناك مكانة سياسية.

بدورها أرسلت اثيوبيا تعزيزات عسكرية إلى قبالة المثلث الحدودي مع جارتها ارتيريا. ونشرت مصر في سواحل ارتيريا أسطولا من سفن قتالية تضم فرقاطة قادرة على إطلاق صواريخ بعيدة المدى، قادرة على الوصول إلى السودان.

 احتمالات الصراع

يظل احتمال شن إريتريا حرباً على السودان بعيداً لأسباب متعددة منها عدم وجود استقرار وتماسك سياسي في الداخل الإريتري، بالإضافة إلى أن الإريتريين يحصلون على معظم احتياجاتهم الغذائية من السودان. وبالنظر إلى حجم القوات العسكرية وقدراتها وإمكاناتها فالجيش الإرتيري بحالته الراهنة غير قادر على شن هجوم عسكري إلا بدعمٍ من قوات المعارضة السودانية وحركات دارفور ومثل هذا التحالف مازال وارداً وبه قد يتم الهجوم.

السودان وإثيوبيا تعدان العدة لمواجهة محتملة، فإثيوبيا لن تفرط في أمنها وفي حماية سد النهضة بعد أن أنجزت 63% من أعماله، كما أن السودان يسعى لتأمين حدوده كما يسعى لوقف بناء السد بأي طريقة منها العسكرية.

وبقراءة خريطة الصراع وتضاريسها، فمن الصعب على  مصر شن حرب مباشرة على إثيوبيا، لبعد المسافة بين الدولتين، ولن تستطيع القاهرة أيضًا شن الحرب انطلاقًا من إريتريا لبُعد سد النهضة أيضاً عن الحدود الإريترية.

احتمال قيام مصر بتنفيذ ضربة جوية لسد النهضة يظل واردًا، إذا ما تصاعد الصراع، غير أنه خيار غير آمن تماماً، فقد اتخذت إثيوبيا احتياطات بفرض حظر جوي يمتد إلى داخل العمق السوداني، ووضعت مقاتلات إف 16 الاعتراضية على أهبة الاستعداد، وتسلّمت السودان طائرات السوخوي 35 الروسية ذات الإمكانات العالية وتنسق مع إثيوبيا بشكل مستمر وفق اتفاقية الدفاع المشتركة.

ما يمكن أن تقدم عليه مصر هو ضرب السودان في عمقه الشرقي بعمليات نوعية خاطفة، لمنع الخرطوم من استضافة القاعدة التركية المحتملة وإنهاء أي وجود محتمل لتركيا في إطار المنافسة الإقليمية في المنطقة، كما ستعمل مصر وارتيريا بكل الوسائل بهدف إنهاء التحالف الاستراتيجي بين السودان وإثيوبيا.

ولا يُستبعد ان تقوم مصر واريتيريا بالعمل على زعزعة أو إسقاط النظام الاثيوبي بدعم فصائل المعارضة الإثيوبية، والرهان على حدوث صراع عرقي كبير بين القوميات الإثيوبية خصوصًا أوروميا وأمهرا من أجل إيقاف بناء سد النهضة.

تداعيات الصراع

في حالة اندلاع حرب في منطقة القرن الأفريقي قد تسحب السودان قواتها من اليمن لحاجتها في جبهاتها عسكرياً، وسيكون ذلك قطعاً لآخر الروابط السياسية التي تجمعها بالسعودية والإمارات.

سيؤثر الصراع الدائر في إثيوبيا على أهم ممر مائي في العالم بمنطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وسينسف استقرار المنطقة والتأثير على الدول المحيطة. فإثيوبيا، أكبر دول القرن الأفريقي وثاني أكبر الدول سكاناً في أفريقيا.

تداعيات اندلاع حرب أهلية في إثيوبيا لن تتوقف آثارها على تلك المنطقة، بل ستمتد لا محالة لتتأثر بها بعض الدول العربية القريبة منها، وعلى رأسها السعودية. كما أن البحر الأحمر الذي يستحوذ على نسبة 13% من تجارة العالم سنوياً، أي صراع في شواطئه سيلحق أضراراً هائلة باقتصادات كل دول المنطقة، كما سيؤثر على اقتصادات دول أخرى بعيدة كالصين والهند.

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة