Logo dark


السياسية الخارجية السعودية والمحددات الصهيونية فيها

( باحث , )

السياسة الخارجية هي تعبير منعكس عن المصالح الداخلية ووسيلة لتحقيقها وضمانها في المحيط الدولي سواء أكانت مصالح مشروعة تبادلية، أم كانت مصالح استعمارية غير مشروعة، إلا أنها ليست وفق هذا المفهوم لدى السعودية. فمن مراقبة السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية يتضح بأنها ليست قائمة على أسس موضوعية استراتيجية بما يخدم المصلحة الداخلية للدولة السعودية، بل خاضعة لتوجهات استعمارية وأهواء شخصية، يتداخل في رسم السياسة الخارجية للسعودية بُعدَيْ المصالح الخارجية الغربية وبُعْد المصالح الداخلية الملكية، وهذه السياسة الخارجية ببعديها، ليست سياسة  خادمة للدولة السعودية بل مقدمات لنتائج مدمرة إذا لم تُصحح وتُعدل بما يلبي حاجات التطور في الجزيرة العربية والإقليم عموماً.

فرصة ضائعة

 مع طموح السعودية في  تنويع  قطاعاتها الاقتصادية وفق رؤية 2030 والسماح بالحريات الاجتماعية، فإن هذا الأمر أتاح لها فرصة إقامة علاقات دولية واسعة تستفيد من تقانتها وتجاربها في تنمية مختلف قطاعاتها الاقتصادية والتخلص من الأحادية الأمريكية التي كانت مرافقة لأحادية الريع النفطي السائد في الاقتصاد السعودي، وتلبية لذلك اقامت السعودية عدد من الاتفاقيات مع روسيا الاتحادية والصين الشعبية، وهي تقصد من خلف ذلك الضغط على أمريكا وزيادة سعرها لدى أمريكا، فبرغم هذه الظروف التي توفر للسعودية أن توسع من علاقاتها السياسية دولياً بمعزل عن الأوامر الأمريكية، إلا أن السعودية أخفقت في استثمار هذه الفرصة، بل وتسولت من المستثمرين الأمريكيين تشغيل قطاعاتها الاقتصادية الجديدة لتنتقل من هيمنة إلى أُخرى، إلا أنها نجحت نسبياً في إقامة علاقات مع روسيا والصين وكسب وِدهما فتغاضت كل من روسيا والصين عن الجرائم السعودية، وعن معارك مُعينة كمعركة الساحل الغربي وهي المعركة التي كانت روسيا والصين تحذر من اندلاعها وتظهرا رافضتين لإشعالها من قبل تحالف العدوان، وعموماً سوف تستفيد من خبرتها في تنمية الارهاب في مكافحة الارهاب في علاقاتها الدولية وهو ما يشرع له بن سلمان.

إستراتيجية لف الحبل على الُعنق!

 يتحدد عنصر الأرض باعتباره المحدد الأول للسياسة الخارجية للدول، فالموقع الجغرافي السياسي هو المكان الذي تقوم عليه هذه الدولة، وفي حين تتوجه الدول إلى  ضمان محيطها، من أجل أن تضمن انتفاعها بمواردها وتنمية شعبها، وأيضاً من أجل أن تضمن استقرار حركة مصالحها الخارجية وتلبيتها في ظل الاستقرار الذي هو شرط التنمية، إلا أن المملكة السعودية على النقيض من ذلك، تُشعل النيران في محيطها، وتُعادي الدول المجاورة التي يُفترض أن تكون علاقتها بها أشد ترابطاً، وخطى حثيثة تطوق السعودية نفسها من مختلف حدودها البرية مع  اليمن وسلطنة عُمان والعراق وقطر والبحرية مع إيران، وهي سياسة عدائية لا تخدم الدولة السعودية ولا طموحات محمد بن سلمان، فلا يقوم بها عن عمد إلا من يضمن قدرته في الإخضاع التام للدول المجاورة، إلا أن السعودية أضعف من أن تستطيع ابتلاع كل هذه الدول، وفي ذات الوقت لا تحافظ على الحد الأدنى  من العلاقة الودية مع هذه الدول أو عدم استعدائها، بل تشعل نيران لا يُمكن للرياض تجنب ألسنتها وشررها.

التأثيرات الصهيونية في السياسة الخارجية السعودية

إن سير منطق حركة الاندماجات التاريخية في المنطقة (التي هي جزء من حركة اندماجات تحدث في كل دول العالم وتنشأ عنها ائتلافات وتحالفات) يتطلب أن تتوثق العلاقة السعودية مع اليمن بكثافتها السُكانية وتداخلها الاجتماعي مع السعودية وتشابكها الاقتصادي معها. وكذلك مع مجلس التعاون الخليجي الذي يتحقق فيه وحدة النظام الاجتماعي السياسي (الخليجي)، ومع الجمهورية الإيرانية كدولة اقليمية إسلامية صاعدة اقتصادياً وعلمياً، وكذلك مع تُركيا، ومع العراق كجار قريب تُكمل فيه مكة المكرمة والمدينة المنورة مع النجف الأشرف صرح المقدسات الاسلامية وحركة الحج -التي ينقصها القدس-، ومع سوريا ولبنان كدول عربية تملك الايادي العاملة الفنية الماهرة الكوادر العلمية التي تحتاجها السعودية للتنمية.

إذا كانت هذه هي أسس العلاقة الموضوعية التي تخدم تطور السعودية في المنطقة، إلا أن الموقف السعودي من هذه الدول لا يطابق سير حركة التاريخ وضرورة التضامن العربي، فالسياسة الخارجية السعودية هي على النقيض من هذا الواقع، تخضع للرؤية الاسرائيلية الصهيونية والامبريالية الأمريكية،  حيث أن التوجه الامبريالي الصهيوني في المنطقة يتوجه نحو تقسيم هذه الدول على أسس طائفية وعرقية وتنصيب الكيان الصهيوني كمركز استعماري مُهيمن في المنطقة، وهكذا نلحظ أن السعودية تبتعد عن الروابط الموضوعية التي يُفترض أن توثقها، وبتوثيقها خير للسعودية، وتفضل التحالفات غير الموضوعية والخادمة للأجندة الاستعمارية والمؤثرة سلبياً على الدولة السعودية ووحدتها الجغرافية ووشائجها الاجتماعية وعلى الاستقرار النفسي الاجتماعي الاسلامي الذي يتزعزع إثر الدعوات والسلوكيات الطائفية والداعشية.  

العنصر الطائفي في السياسة الخارجية السعودية ومخاطره  

إن رسم  السعودية لسياسة تقوم على أسس طائفية وهابية معادية للمذهب الاسلامي الشيعي والإباضي والإسماعيلي والصوفية، هذه السياسة الصهيونية الممتدة لسياسة فرق تسد البريطانية، والتي تمارسها السعودية ترتد سلبياً عليها، وتثير عليها المحيط الشيعي في العراق والبحرين، والزيدي والصوفي في اليمن والإسماعيلي في نجران والشيعي كذلك في السعودية ذاتها والاباضي في سلطنة عُمان، على العكس من أوهامها بأن هذه السياسة سوف تجعلها أكثر أماناً وفي الوقت الذي تشهر فيه العلاقات مع اليهود الصهاينة،  وعنصر العقيدة من العناصر الاستراتيجية والتي هي  مستقرة اجتماعياً في الغالب، والتي من المفترض التوائم معاً لا استعداؤها وإصرار السعودية على هذه السياسة في الصدام الثقافي الاجتماعي مع الشعوب المحيطة بها، يجعلها دون أي محيط آمن وضامن لها، ويجعل من المجتمعات  معادية لها مهما تغيرت الحكومات في هذه الدول، ليصبح واقع السعودية اليوم  مثل حكم صدام حسين في العراق حيث عادى الكويت وسوريا وتحارب مع إيران وتركيا خارجياً، وعادى الشيعة الأكراد والشيوعيين داخلياً، حتى إذا ما جاء الغزو الأمريكي في 2003م لم تجد العراق من نصير ومن لم يعاون الغزاة فقد آثر السكوت. 

 العداء لمحور المقاومة

 العداء لمحور المقاومة كضرورة استعمارية غربية تفرض وجودها في السياسة الخارجية السعودية، هذا البُعد أيضاً من أبرز أخطاء السياسة السعودية، حيث أن المُستقبل المرتبط بنزوع الشعوب يمضي باتجاه التحرر والاستقلال الوطني وإسقاط مظاهر الهيمنة والاحتلال في اليمن وكل العالم، وقضية المقاومة مثلها مثل البُعد العقائدي من العناصر الاستراتيجية الراسخة في الواقع الاجتماعي بغض النظر عن تبدل وغير الحكومات في هذه الدول، حيث أن هذه الشعوب ستظل تعادي للاستعمار والصهيونية وتتمسك بأرضها ما بقي الاستعمار والاحتلال والهيمنة، وتعويل السعودية على سقوط قوى المقاومة هو ضرب من الوهم حيث أن الهيمنة الأمريكية تنحسر في المنطقة ولو أنها تقاوم ذلك، والسعودية تعلن عداءها لقوى المقاومة في فترة اشتداد العدوانية الأمريكية ضد شعوب هذه الدول، ولو أن السعودية ترسم مصالحها باستقلالية وبما يلبي مصلحها الداخلية ومستقبلها لناصرت المقاومة، ولكان اتخاذ موقف الحياد من قضية المقاومة مقبولاً، إلا أنها وعلى العكس من كل ذلك تصر اتخاذ الموقف المعادي لحركات المقاومة والتحرر الوطني.

 تحالفات مُكلفة!

 تُقدم السعودية مليارات الدولارات في تحالفاتها المُكلفة مع دول ضعيفة وغير قادرة على أو لنقل تقيم تحالفات مع دول تخسر فيها و فيما لا تعود عليها أي من المصالح لقاء الأموال  الباهظة التي أنفقتها، وهذا الأمر ينطبق على تحالفاتها مع دولتي مصر والسودان، وهو ما يجعل المتابع يستغرب ويتساءل لماذا تقيم السعودية العلاقات غير الطبيعية مع هذه الدول وتخسر فيها هذه الأموال، ونجد أن الإجابة الأكثر اقناعاً على هذه السؤال والمحدد الأول لهذه العلاقات هو أن السعودية تتألف قلوب هذه الدول لأمريكا، ولتقف معها ضد محور المقاومة، فالانفتاح المصري للسيسي في بداية الأمر على روسيا والصين وإعادة سفارة دمشق، هذا الانفتاح أثار قلق الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني فدفعت بالسعودية إلى دعم مصر، ونفس المسألة تنطبق على السودان التي كانت قد أصبحت حليفة للجمهورية الاسلامية وحزب الله ونقطة عبور لأسلحة المقاومة الفلسطينية، فاحتاجت أمريكا للمال السعودي لتهدئة السودان واحتواؤها ومن الملاحظ أن الجبروت المالي للولايات المتحدة الأمريكية لم يعد كما كان عليه سابقاً بعد الحرب العالمية الثانية حين كانت تدعم الدول في مواجهة الاتحاد السوفياتي من مالها الخاص بمشروع مارشال لضمان احتوائها وعدم توجهها نحو المعسكر الإشتراكي، وما نلاحظه اليوم هو أن أمريكا تستخدم المال السعودي من أجل هذا الغرض، وجدت دول كمصر والسودان أن للسعودية فضل سابق عليها فتواطأت معه، وكانت السودان أقرب الدول إلى بيع جنودها مرتزقة للحرب على اليمن، إلا أن الخلاف السعودي القطري سيكون له تأثيره على موقف حكومة البشير من العدوان، لكن موقفاً كهذا لم يتبلور بعد.   

"بلطجة" دولية!

غرور السعودية بتحالفها مع أمريكا، وبشكل أدق غرور السعودية بمستوى العلاقة مع الإدارة الأمريكية في زمن ترامب، يجعل من المملكة تختال زهواً في المنطقة والعالم باعتبارها (البقرة الحلوب)، التي تنفق المليارات لأمريكا وتمسح لها أبشع جرائم الحرب في اليمن، وتقدم لها أحدث الأسلحة، كما تزهو بأنها تقيم علاقة مع الكيان الصهيوني.   

تعمل السعودية على أن تعيش هذا الدور المسرحي باعتبارها حليفة أمريكا لا تابعة لها وتستثمر من سمعتها هذه دولياً، لتمارس نوع من (البلطجة) الدولية، مُطالبة دول العالم أن تخشاها كما ظهر في تعاملها مع قطر، كما أن الدوائر الصهيونية تريد أن تمنح السعودية شيء من الاستقلالية في علاقتها مع بقية الدول التي لا تخرج من الفلك الغربي، لهذا نشاهد المملكة السعودية  تتنمر اعلامياً وديبلوماسياً ضد دولة كندا، وترفض أي تدخل دولي في شؤونها الداخلية المتعلقة بأوضاع حقوق الإنسان في الداخل السعودي. وهذا التنمر في السياسة الدولية يُزيد من تعزيز صورتها الاستبدادية الاجرامية التي ظهرت في عدوانها على اليمن، وقمع الشعب البحريني، وكذلك المواطنين في المناطق الشرقية في المملكة.  

 احتكار الدين الإسلام 

  يتحدد عنصر آخر في السياسة الخريجة السعودية، المتمثل في احتكار تمثيل مركزية الإسلام، مستغلة قداسة مكة المكرمة والمدينة المُشرفة مهوى أفئدة المسلمين، فوصلت بها الحماقة إلى منع السوريين واليمنيين من الحج! وهي في هذا الإطار عملت السعودية في السابق على احتواء التيارات السلفية، وكذلك الإخوانية، مقابل أن يقدموا لها البيعة السياسية باعتبار ملك المملكة خادم الحرين الشريفين بمكانة خليفة مُفترض، وعززت أمريكا من هذا الاحتكار السعودي للإسلام وتمثيلة إبان الحرب الباردة حين اضطرت السعودية إلى تجنيد شباب المجتمعات الاسلامية وتعبئتهم وهابياً للحرب على الاتحاد السوفياتي والدول العربية التي اتخذت طريق القومية والاشتراكية. 

ومع تنامي دور الاخوان المسلمين بدعم أمريكي من بعد الانتفاضات الشعبية العربية 2011م تخوفت السعودية من نمو ثقل الإخوان وتأثير ذلك عليها، فعملت على إضعافهم في مصر، وعلاقتها المتوترة مع تركيا وقطر هي من هذا الجانب أي الاخوان، ولتركيا خصوصية باعتبارها كانت مركز الخلافة العثمانية، أي مركز اسلامي منافس للسعودية تخشى منه خصوصاً مع انفتاح الاسلام التركي على اللبرالية الغربية كنموذج أكثر تحديثاً من النموذج الوهابي السعودي، ماليزيا هي أيضا كدولة إسلامية مقتدرة اقتصادياً ومركز جذب حاولت السعودية احتواءها عبر دعم تيارات سياسية فيها والإبقاء عليهم في الحكم عبر الرشوة والفساد، وهو الأمر الذي  جاء بارتدادات معاكسة حيث سقطت القوى الموالية للسعودية عبر الانتخابات، ووضعت الحكومة الجديدة لمهاتير محمد نصب عينيها مناهضة التدخلات السعودية والخروج من التحالفات التي أقامتها القوى الماليزية الموالية للسعودية، منها الدخول في تحالف الحرب على اليمن أو استعداء إيران، وكان الموقف الماليزي واضحاً بأنها تفضل التعامل مع كل الدول الاسلامية دون الدخول في الاصطفافات السعودية الطائفية.

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة